توحي عبارة المعني العام بصفة شمولية وقوية وديمقراطية تسمح لكل الفئات من أكبر فنان لأصغر مبتدئ أن يتشاركوا معا في معرض واحد تتوافر فيه المقومات المحققة لجماليات العمل الفني وطريقة العرض..والجديد أيضا الذي ينبغي أن يقدمه..والجديد يحقق الدهشة. وبعد أن افتتح المعرض وزير الثقافة د/شاكر عبد الحميد.. بساحة الأوبرا، طفت بين جنباته فخرجت بانطباع ظل في ذهني حتي كتابة هذه السطور..فمساحة الدهشة والجديد التي قابلتني رأيتها محدودة وأقل من المتوقع..فبين نحو ستمائة عمل معروضة كانت الأعمال المحققة لفضول المشاهدة قليلة..بعضها مميز لكنه فقد عنصر المفاجأة حين رأيناه معروضا في أماكن أخري..سأضرب مثالا بأول ماتراه عينك في المعرض وهو لوحات الفنانة جاذبية سري التي نقلت من معرضها الأخير بالزمالك. يقام المعرض في دورته الرابعة والثلاثين تحت عنوان حرية الابداع..وحين راجعت العنوان في ذهني سألت نفسي.. وهل في العنوان جديد؟ الحرية مطلوب أساسي في الفن..ما القضية اذن؟ هل كان المقصود هو الحرية (و)الابداع؟ الواو تغير المعني. وكما ذكرت يحسب للمعرض شموليته فهو يجمع بين أكثر الفنون تقليدية وأكثرها تجريبا فقد تشاهد لوحة للخط العربي التقليدي الرصين بجوارها تجهيز في الفراغ مفعم بالانطلاقات الحداثية..ومع هذا وجدت في المعرض مجاورة للتأصيل كاستخدام الخط في الخزف والتصوير..التجريب في الفوتوغرافيا محود والأعمال كالعادة "محدوفة" في دهاليزمنفية بقصر الفنون أو بيت جحا كما يحب البعض أن يسميه.. يلمع لي في النحت عمل الفنان عبدالمنعم الحيوان مستعيرا فيه حس النحت الفرعوني للمرأة..لكنه ألبس المرأة مايوه،أو فستان مطعم بالورود..تحفة نحتية جماهيرية وعميقة في ذات الوقت.. وادهشني محمد بنوي حين أكسب الحجر رقة فشكل في لوحة فسيفسائية عروسة ترتدي فستان عرس مشكل من الأحجارالبيضاء والصخور الحاملة للون البشرة..ووقفت وقتا لابأس به أمام طوابع أحمد رجب صقر المتجاورة في بورتريهات منمنمة ومبهجة،مع ايقونات سريالية تشبه لعبة بازل غير مرتبة..بجوارها حالة شعبية لايمن هلال ،الملمس فيها بطل عن اللون..أمتار قليلة وتجد بانوراما ابراهيم حنيطر عن ميدان التحرير..التفاصيل فيها مرهقة تأملا ً،ومنسابة في بساطتها وهذه معادلة محببة تناسب الجمهور المبتدئ والمحترف في الفرجه علي معارض الفن التشكيلي. شاهدت التجريب عند وئام عبداللطيف وهي ترسم البدناء كمحاكاة ساخرة للوحة الرقصة للفنان ماتيس.. وشاهدت الارتعاشات اللونية وتحلل الأسود فيها عند سحر الأمير.. وشاهدت نظام اللوحة عند داوستاشي..وشاهدت انسجام الألوان المتصادمة عند ابراهيم الطنبولي وخطوطه اللونية المتسلله في مسارات اللوحة.. شاهدت جلال الفيومي بنحته الفطري المقارب لشعبة مرجانية متحجرة. وحين نتحدث عن ثورة يناير داخل المعرض العام سنجدها موجودة بصورتيها التقليدية عبر لوحات ترسم واقع الميدان والشهداء،لكنها تقليدية ذكية ومحملة بواقع سياسي أكثر من واقعها الفني لأنها مليئة بالافكار التي تعبر عن بعض العلاقات المتوترة مثل علاقة المجلس العسكري بالثوار، أو علاقة التيار الديني بالتيارات الاخري.. وسأنتقل الآن لبعض أعمال التجهيز في الفراغ التي حركتني.. العمل الأول نجحت فيه الفنانة نيفين فرغلي أن تستخدم تكنولوجيا الحركة في تحريك أجنحة طيور تلقي بظلال أجنحتها علي الحائط فتحوم في صورة دائرية حول شهيد ملقي أرضا.. استمع لصوت الآلة وهي تدور وتأمل الاضاءة الخافتة وهي تشعرك بأن هذه الطيور أشبه بوحوش تكتم صيحتها..العمل الثاني وهو تجهيز في الفراغ للفنان اسلام السيد عبادة علام..العمق والبساطة لديه يبدوان في بناء لمعبد حتشبسوت تغزوه التكاتك..لم يتفذلك وترك تأثيرا.. وأصدر من سماعة جانبية احدي اغنيات التكاتك.. العمل يدفعك لتوقع المشهد وما ان تشعر في خياك بكارثيته لو تحول من واقع الفن لواقع الحقيقة..فإن هذا الشعور في حد ذاته هو نجاح صادق للعمل.. أخيرا احب عرض ملاحظة لفتت نظري في المعرض وسعدت بها كثيرا وهي اني رأيت اناسا يبدو من حد يثهم وهيئتهم انهم جدد علي نوعية هذه المعارض.. وهذا أظنه أفضل ما يمكن أن يحققه معرض كهذا فيحقق معناه ،فعلا كونه"معرض عام".