منذ ثورة يناير 2011 وإزاحة الستار عن العديد من المشكلات التي تعانيها الاثار والمواقع الاثرية في مصر فقد تعرضت المواقع الأثرية لهجمات شرسة سواء بالسرقة أو التعدي واصبحت المخاطر تحيط بها، وهنا لابد من الوقوف قليلا والتساؤل إلي اين نذهب بآثارنا؟ هل سنظل جميعا واقفين عاجزين عن مد العون لها؟ وهل مسئولية حماية اثارنا عبء علي قطاع أو افراد بعينهم في المجتمع؟ ام هي مسئولية جماعية اشترك الجميع في التخاذل للحفاظ عليها سلطة وحكومة وقانونا وأثريين وشعبا؟! من هذا المنطلق بدأ عدد من المهتمين بالآثار الحوار من أجل تحديد مشكلات الاثار والمواقع الاثرية، ومحاولة لتقديم الحلول لها وهذا ما دار في ندوة حماية مواقع الاثار والمتاحف والتي كانت تحت رعاية د.شاكر عبدالحميد وزير الثقافة ود. سعيد توفيق امين المجلس الأعلي للثقافة ود. عبد الحليم نور الدين مقرر لجنة الاثار بالمجلس الأعلي للثقافة وشارك في الندوة عدد كبير من المتخصصين في مجال الاثار. ودار النقاش في هذه الندوة عن أهم المشاكل التي تعانيها المواقع الاثرية والاثار ومحاولة تقديم حلول لها والتي عرضها المشاركون في الندوة بداية تحدث د. عبد الحليم نور الدين عن أول المشاكل وهي مدي توافر مخازن حصينة للاثار مؤمّنة تأمينا كافيا، ويوضح د. نور الدين ان الاثار المصرية في حاجة ماسة إلي توافر النفقات اللازمة لانشاء مخازن حصينة لتجميع الاثار بها ولابد وان يتوافر في هذه المخازن عدة شروط، اولها توافر الحراسة المشددة والتي تنقسم إلي حراسة أمنية تابعة لوزارة الاثار لكن لابد وأن تكون مدربة وتزود بالسلاح حتي تتمكن من السيطرة علي الموقع في حالة وجود أي خطر، ومن الافضل ان تضم حراسة الموقع أفراداً من المنطقة التي يوجد بها وذلك لانهم أكثر دراية بالمنطقة ومخارجها ومداخلها،بالاضافة إلي حراسة تابعة لوزارة الداخلية والشرطة العسكرية، ولابد الوضع في الاعتبار انه هناك ست محافظات يوجد بها آثار تتميز بانها صحراوية يصعب الوصول لاثارها بسهولة لذلك لابد من توفير دوريات راكبة ذات عربات بكل الانواع حتي تستطيع الوصول للموقع الاثري بالاضافة إلي توفير عدد من الطائرات الهليكوبتر لتأمين المواقع بصفة دورية، ثانيا لابد من انشاء خريطة توضح أماكن المخازن المتحفية بالضبط في مصر وعددها وتصنيفها وترقيمها، وامداد المخازن المتحفية بكاميرات مراقبة وانذار مثل المتاحف واضاءتها باسلوب علمي حتي يسهل مراقبتها ليلا، ووضع معايير وقواعد لفتح وغلق المخازن. حيرة الآثار الإسلامية بين الأوقاف والآثار تحدث د. محمد حمزة عميد كلية الاثار جامعة القاهرة عن الاثار الاسلامية والتي تعاني الكثير من الاهمال وتجاهل قانون الاثار لها بداية من اول مرسوم صدر عن الاثار في عهد محمد علي حتي قانون الاثار الأخير قانون رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته بالقانون رقم 3 لسنة 2010 والذي سن بانه " تعتبر من الأموال العامة جميع الاثار العقارية والمنقولة والأراضي التي اعتبرت أثرية عدا ما كان وقفا ..." وبذك فهذه المادة تعطي الحق لوزارة الاوقاف في ملكية العديد من المواقع الاثرية الاسلامية وهذا يحيل دور وزارة الاثار في المحافظة علي الاثار وازالة أي ضرر أو تعد علي هذه الاثار بطريفة مباشرة لان التصرف القانوني يرجع للاوقاف بل وان المادة 30 من نفس القانون تلزم كلا من وزارة الاوقاف وهيئة الاوقاف القبطية نفقات ترميم وصيانة العقارات الاثرية المسجلة لديها وهذا لا يحدث بل تقوم الاثار دائما بتحمل اعباء ونفقات ترميمها دون عائد، ومابين حيرة الاثار الاسلامية بين وزارة الاوقاف ووزارة الاثار يكون المتضرر هو الاثار التي تتعرض يوميا للسرقات والتعدي دون وجود دفاع عنها من الجهة المسئولة لذلك لابد من إعادة النظر في قانون الاثار وخصوصا العلاقة بالاثار الاسلامية مع الوضع في الاعتبار ان هناك العديد من الاثار التابعة لعصر محمد علي تعتبر وقفا وتعرض الكثير منها للسرقة مع حالة الاهمال هذه، بالاضافة لمشكلة الاوقاف داخل مصر، فيوجد العديد من الاثار خارج مصر تعتبر وقفا ايضا مثل ممتلكات محمد علي في تركيا لا يوجد من يحاول استردادها او التفكير فيها. حماية المواقع الأثرية يوضح د. محمد عبد المقصود نائب رئيس قطاع الاثار المصرية بوزارة الاثار ان حماية المواقع الاثرية يحتاج المزيد من الاجراءات والقرارات الحاسمة والتنفيذ، فيوجد تخاذل في تطبيق قانون الاثار الضعيف اصلا والمليء بثغرات تؤدي إلي ضعف تنفيذ القرارات واتخاذ اللازم للمحافظة علي الاثار فيوجد حتي الان 3000 قرار ازالة لم ينفذ منها شيء حتي الان، بل وان هناك العديد من المواقع التي يوجد بها كم هائل من الاثار والتي لم تسجل حتي الان في تعداد المواقع الاثرية وهنا لا يمكن منع أي أحد من التنقيب فيها عن الاثار ويوجد 1000 موقع حتي الان لم يتخذ أي اجراء اتجاهه، والمشكلة الاكبر هو الخطأ في تحديد مساحة الموقع الاثري نفسه فلابد من توفير الامكانيات اللازمة لشراء اجهزة مساحة لتحديد المواقع والاحداث التي عقبت الانفلات الامني جعلتني ارصد شيئا في منتهي الغرابة وهو أن رغم تمركز اعداد كبيرة من الاثار في الوجه القبلي من معابد ومقابر وما الي ذلك الا ان اهالي الصعيد حافظوا علي الاثار بشكل كبير فلم يتم تسجيل عدد كبير من السرقات هناك او التعديات عكس ما حدث في اثار الوجه البحري من تعديات كثيره وصلت إلي 60% من اثارها حتي الان لم يسترد منها الكثير، وهنا اضع التساؤل: ما الفرق بين أهالي الصعيد والوجه البحري؟ وهل مفهوم الاثار بينهم يختلف؟ فاهالي الصعيد يرون ان الاثار هي مصدر رزقهم ورزق اولادهم والاجيال القادمة فحافظوا عليها ولم يتعدوا نهائيا عليها فمثلا مدينة الاقصر لم يحدث بها اي تعد، لكن لا اريد ان اوجه اللوم لاهالي الوجه البحري كلهم فهناك منهم من شارك معنا في لجان شعبية للمحافظة علي المواقع الاثرية فمنهم الكثير شرفاء، وما اريد توضيحه هو ان أهل المنطقة هم اكثر الناس حرصا علي الاثار لذلك لابد من مشاركتهم في حماية المنطقة التي يعيشون فيها، أما بالنسبة لحماية المواقع فقد فتح المجلس باب التعيين للعديد من أجل وضعهم كمشرفين ورجال أمن للمواقع الاثرية لكن وجد انهم غير مدربين مما جعلهم عمالة زائدة علي المجلس دون وجود مبرر لها وظل الغفير هو من يحمي المواقع الاثرية، ويضيف اللواء عبدالحافظ عبدالكريم مدير مباحث الاثار سابقا ومدير الادارة المركزية للتعديات علي الاثار بان حماية المواقع الاثرية لا توقف علي الحراسة وتوفير السلاح فقط بل يحتاج غالي العديد من التعديلات بداية من قانون الاثار فلابد من سن قانون قوي تغلق فيه كل الثغرات وينظم كيفية حماية الاثار والتعامل معها ووجود هذه القانون سيشكل المانع الاول عن الاثار ففي الفترة التي شهدت مناقشة مجلس الشعب علي مدار ثلاث سنوات لسن قانون للاثار جديد بدأ تجار الاثار يخافون من وجود مثل هذا الاثار لذلك بدءوا يبذلون قصاري جهدهم لتهريب اكبر عدد من الاثار قبل اصداره ولكن فشل المجلس بالخروج بقانون جديد وظلت الاثار وفقا لقانون 117 لسنة 1983 واضيفت له بعض التعديلات بالقانون رقم 3 لسنة 2010 والتي لم تحقق أي جديد للمحافظة علي الاثار فكثير من قضايا الاثار التي حفظت بسبب كثرة الثغرات القانونية، ويضيف اللواء عبد الحافظ بانه لابد من استحداث قسم جديد في قطاعات الشرطة يكون مسئولا عن حماية الاثار فيتم تدريب وتخريج دفعات من الشرطة من الاول مخصصة في هذا المجال، ومن المشاكل التي يتوه وسطها حماية الاثار هي توزيع العهد وعدم تحديد مسئول محدد عن الاثار فهذا يجعلها عرضة للسرقة مثلما حدث في منطقة اثار سقارة والتي قام باختلاسها عاملون في المنطقة وذلك نتيجة عدم وضوح القواعد المنظمة لعهد الاثار. المجتمع المدني وحماية الآثار يوضح د. لؤي سعيد مشرف برنامج الدراسات القبطية بمكتبة الاسكندرية بانه لابد للوصول إلي حلول واضحة لمشاكل الاثار تحديد أولا المشكلات التي تعانيها الاثار وبدقة فلا يوجد علاج قبل تشخيص دقيق للحالة ومشكلات الاثار عديدة ومتشعبة، لكن يمكن تحديدها في نقاط اساسية أولها انها مشكلة شعبية جماهيرية فالمواقع الاثرية عموما علي مستوي العالم وخاصة في مصر مواقع مرتبطة بالفقر والفقراء بمعني أن المواقع الاثرية تعاني نفس المشاكل التي يعانيها أهل المنطقة من فقر وعدم اهتمام بالاضافة إلي مشاكل هؤلاء الفقراء ضد الاثار من سرقات وتعديات، ثاني المشاكل غياب لرؤية شاملة واضحة لحماية الاثار ومفهوم متكامل يعمل الكل في اطاره فتعاني حماية الاثار من مفهوم المشاركة الشعبية في اتخاذ الاجراءات لحمايتها والاعتماد فقط علي القرار الفردي وليس المؤسسي والذي يعتمد علي سياسة فردية لا مؤسسية، فهناك عزل بين الاثار والمجتمع الذي تنتمي له مما يفقد الانتماء لها والاحساس بانها شيء غير مهم بالنسبة لمن حولها ويذكر د. لؤي انه نتيجة لذلك فقدت الاثار العديد من المشروعات المهمة بسبب عدم ادراك الجمهور لاهميتها وعلي رأسها مشروع تطوير شارع الازهر اشترك 30 مهندسا متخصصا في دراسة المنطقة ووضع خطة لتطويرها الا ان سكان المنطقة رفضوا تنفيذه خوفا علي مصالحهم ونظرتهم للمشروع علي انه خطر يهددهم مع انه في صالحهم ولكن نتيجة عدم وضعهم كجزء من هذا المشروع جعلهم ينظرون له هذه النظرة التي ادت لتجميد المشروع وهنا المزيد من الامثلة، ويضيف د. لؤي ان من اخطر العناصر المدمرة للاثار ايضا الفساد وسوء استخدام السلطات وتأخير اتخاذ القرارات مما أدي إلي تدهور العديد من المواقع الاثرية، لذلك تعتبر من اهم الحلول للتخلص من الحالة الراهنة التي تعانيها الاثار، بداية مشاركة المجتمع المدني في حماية التراث والتخطيط لاي مشروعات خاصة بالاثار بل والمشاركة في تنفيذها وادارتها بعد الانتهاء، ثانيا انشاء ادارة خاصة للتنسيق بين الاثار ومنظمات المجتمع المدني التي تنقسم ما بين جمعيات اهلية ونقابات.. إلخ، ثالثا الرقابة الآتية علي الفساد داخل الوزارة، لابد من توافر الوعي الاثري لدي العاملين علي وسائل الاعلام لنقلها بصورة صحيحة للجمهور المتلقي، واخيرا اعادة النظر في السياسة الامنية للاثار وتشديد الرقابة عليها وخصوصا فيما يخص اعمال البعثات الاجنبية والتي لابد وان تشارك في تأمين المواقع التي تعمل بها. و يؤكد علي أهمية المجتمع المدني في المحافظة علي الاثار مهندس ماجد الراهب رئيس جمعية المحافظة علي التراث المصري والذي أوضحه من خلال دور الجمعية منذ تأسيسها عام 2006 في الحفاظ علي اثار مصر والتي لابد من تسهيل عملها ومشاركتها في أعمال الحماية، فيذكر الدور الذي قامت به الجمعية لانقاذ ما تبقي من المنطقة الأثرية لدير أبو مقار بوادي النطرون قبل سيطرة أحد المستثمرين لشراء هذه الارض واستغلالها مما يعرض اثارها للخطر وحولت الجمعية هذا الموضوع لخطورته الي قضية رأي عام لانها تخص كل المصريين إلي ان صدر قرار اللجنة الدائمة بالمجلس الأعلي للاثار بالموافقة علي تحديد المنطقة الاثرية وبناء سور حولها، ومازلنا نحاول إلقاء الضوء عن العديد من المواقع الاثرية التي تحتاج للترميم والحماية وحاليا تقوم الجمعية بالاعداد لحملة كبيرة لاعادة ترميم قصر المسافر خانة وقصر الامير طوسون اللذين يعانيان درجة عالية من الاهمال، اذًا من خلال هذا العمل يمكن لمنظمات المجتمع المدني المحافظة علي الاثار والتي لابد من تفعيلها، كما أوضح علي القماش الكاتب الصحفي أن عدم وجود وعي اثري لدي الجماهير يعتبر من المشاكل المهمة مما يؤدي إلي حدوث التعديات والسرقات وهنا لابد من وجود سياسة واضحة لدي وسائل الاعلام لنشر الوعي الاثري بين جماهير المجتمع بما يعود بالنفع علي الآثار. رؤية مستقبلية لأعمال اللجان الدائمة كما اقترح د. لؤي سعيد ضرورة إعادة النظر في تشكيل ومهام اللجان الدائمة من ثلاثة محاور أساسية لضمان حياديتها.. أولا: ألا يعين أعضاءها وزير أو مسئول الآثار حتي نضمن استقلالية قراراتها وعدم تأثرها بأي ضغوط سياسية. ثانياً: أن يتمتع أعضاؤها من موظفي ومسئولي وزارة الآثار بحق "مراقبة جلساتها" دون الحق في التصويت علي قراراتها لأنه من غير المقبول ممارسة دور "الحكم والخصم معاً" باعتبار أن هؤلاء المسئولين تنفيذيون وهم طرف أصيل في كثير من المنازعات والأمور التي تعرض علي هذه اللجنة للبت والفصل فيها. ثالثاً: ضرورة ألا يمارس وأن يمتنع كل أعضاء اللجنة من السادة أساتذة الجامعات والذين هم عموماً من خارج الوزارة عن القيام بأي عمل أو مهام استشارية مباشرة أو غير مباشرة ضمن أعمال أو مشروعات وزارة الآثار حتي لاتتضارب مصالحهم الخاصة مع دور اللجنة العلمي والتقني كحكم محايد. وقد أيد الحاضرون وعلي رأسهم أ. د. محمد عبدالستار عثمان نائب رئيس جامعة جنوبالوادي هذه الاقتراحات.