عمليات النهب والتعديات المستمرة ستؤدي الي حرمان مصر من تسجيل آثارها ضمن التراث العالمي هكذا هددت هيئة اليونسكو، بعد أن نشطت عصابات مسلحة دولية ومحلية في تفريغ كل المواقع والمخازن من كنوزها وتهريبها للخارج. والحقيقة المفزعة أن آثار مصر سواء اسلامية أو فرعونية لم تكن أبداً بعيدة عن هذه العصابات بل إن السنوات الماضية شاهدة علي حالة الفوضي التي وقفت ضد كل الاجراءات والقوانين والوزارات والهيئات التي تهدف الي حماية آثار مصر علي الورق! ولم تكن سرقة مخازن الآثار بالهرم وأسوانوكفر الشيخ والاقصر والمنصورة في الشهور القليلة الماضية إلا حلقة موسعة لسلسلة من السرقات يدعمها استغلال العصابات وتجار الآثار للغياب الأمني وعدم استقرار الأوضاع بالبلاد. ولعل واقعة سرقة منبر «قاتي باي الرماح» ولوحة الخشخاش في اواخر عهد النظام السابق لم تبعد عن الأذهان بعد حيث انطوت صفحات التحقيق فيها علي «لا شيء» وخاصة بعد ثورة 25 يناير وتعاقب الوزارات واستحداث وزارة للآثار ثم ألغيت لتعود هيئة الآثار وتغيرت وجوه المسئولين. ولكن.. يبقي الخطر قائماً ومتزايداً ويهدد بكارثة تحاول القوات المسلحة التصدي لها. في خضم أحداث ثورة 25 يناير تعالت الصرخات بتعرض المتحف المصري للسرقة وتضاربت التصريحات وقتها إذ أعلن عن سرقة 17 قطعة اثرية إثر دخول عدد من البلطجية الي المتحف وأعلن بعدها العثور علي بعض منها وتم العثور ايضا علي تمثال صغير يعرف ب «الاوشابتي» وهو ضمن مجموعة مفقودة من 11 تمثالاً صغيراً، كما تم العثور علي جزء صغير من تابوت معروض بالمتحف جاء ذلك بعد أن سبق وصرح وزير الآثار وقتها بسلامة المتحف ونفيه تعرضه لأي سرقة إلا أن الجرد الذي قام به مركز البيانات التابع للمتحف المصري أكد فقدان 8 قطع. توالت بعدها سرقات الآثار وتعرض العديد من المخازن الأثرية للمهاجمة والنهب من بينها مخزن «الهرم» ومخزن «تل الفراعين» بمحافظة كفر الشيخ بعد ان تعرض لهجوم شنه أكثر من 40 مسلحاً وذلك للمرة الثانية بعد الثورة وأعقب ذلك تصريح لرئيس الادارة المركزية لآثار الوجه البحري والدلتا بأن المسلحين استطاعوا كسر أبواب المخزن والعبث بمحتوياته وقاموا بكسر عدد من الصناديق التي تحتوي علي الآثار، ولم يستبعد المسئول وجود عصابات دولية منظمة تستغل الوضع الأمني الحالي بمساعدة بعض تجار الآثار لنهب وسرقة الآثار بشكل ممنهج، خاصة أن المواقع الأثرية والمتاحف تتم مهاجمتها بشكل يومي، كما تعرض موقع آثار الزولين بمحافظة الشرقية للتعدي وأكد المسئول أن وزارة الآثار وضعت خطة عاجلة لتغيير أماكن المخازن الأثرية التي تتعرض للنهب ونقل محتويات عدد كبير منها الي مخازن أكثر تأميناً. فيما أعلنت وزارة الدولة للآثار عن إجهاض محاولة سرقة تمثال من الجرانيت الوردي للملك رمسيس الثاني في مدينة أسوان أقصي جنوب البلاد. فيما تم التقدم ببلاغ للنائب العام يتضمن ملفاً يحتوي علي نهب لأغراض جبانة أثرية في الدلتا هي جبانة تل المحاجر الأثرية بقرية كفور الرمل بمركز ومدينة قويسنا محافظة المنوفية والتي تم اكتشافها عام 1990 وتمت اعمال الحفر في فدان واحد من 365 فداناً واستخراج ثلاثة آلاف قطعة اثرية تنتمي للعصور الفرعونية والبطلمية والرومانية وتنوعت الآثار بين تمائم وتوابيت وذهب وأوشابتي، وذكرت أمينة التلاوي مدير مركز النيل للاعلام بالمنوفية ان منطقة مبارك الصناعية بالكامل بنيت علي المنطقة التي تحتوي رمالها كنوزاً أثرية. والواقع يؤكد أن عمليات نهب آثار مصر مستمرة منذ سنوات طويلة وقبل الثورة بأسابيع قليلة رفض ضابط شرطة 82 مليون جنيه عمولة نظير تسهيل عملية تنقيب وسرقة مسلة فرعونية من قرية أبو العمران بمركز كفر صقر بالشرقية، ولولا ضمير الضابط الشاب لذهبت المسلة الأثرية التي قدرتها «عصابة الآثار» ب 150 مليون دولار.. الي حيث ذهبت لوحة الخشخاش ومنبر قاني باي!! ولأصبحت المسلة الأثرية مجرد حلقة في سلسلة طويلة من نهب الآثار المصرية التي احترفتها عصابات محترفة من داخل وخارج مصر لتفريغ الوطن العربي من ثروته التي لا تقدر بثمن. ومحاولة سرقة مسلة كفر صقر تأتي بعد اسابيع قليلة من فضيحة سرقة «منبر قاني باي الرماح الذي لم يعثر له علي أثر حتي الآن.. والذي سبقه بشهور قليلة سرقة لوحة الخشخاش الشهيرة من متحف مختار. تفاصيل محاولة رشوة الضابط الشريف كشفت عن ان «المصادفة» وحدها هي التي تجنب آثار مصر خطر السرقة، لأن العصابة التي كانت تنوي الاستيلاء علي المسلة أكدت أن العملية ستتم بشكل رسمي عن طريق خطابات معتمدة من المجلس الأعلي للآثار وقتها لتسهيل نقل المسلة وتأمينها علي أن يتم تقطيعها الي ثلاث قطع بالليزر وتهريبها عن طريق البحر، ويظل ملف سرقة الآثار من أخطر الملفات ويظل أخطر ما في هذا الملف هو ضياع المسئولية عن استمرار نزيف الآثار. فالتخبط وتبادل الاتهامات هو «البطل» في كل واقعة سرقة لأثر وتفاصيل مابعد السرقات يكون اكثر إثارة دائما من واقعة السرقة في حد ذاتها وحينما «استيقظ المسئولون» ذات صباح في شهور قليلة سابقة لم يجدوا منبر مسجد قاني باي الرماح الذي يقع ضمن مجموعة مسجد السلطان حسن الشهير بوسط القاهرة، وقبلها استيقظ المسئولون «ذات صباح» ايضاً ليجدوا لوحة الخشخاش الشهيرة قد اختفت من متحف «مختار» الشهير. واقعة سرقة اللوحة كشفت عن «ضغائن» في نفوس المسئول عن المتحف ووزير الثقافة السابق فاروق حسني دفعت كل منهما لالقاء المسئولية علي الآخر علي صفحات الجرائد وفي اوراق التحقيقات التي انتهت ببراءة مسئول المتحف الفنان محسن شعلان.. وأصبحنا امام فاعل مجهول.. بعد ان تصالح الاثنان في مشهد «تاريخي» التقطته عدسات المصورين. ويتكرر السيناريو في واقعة سرقة منبر «قاني باي» لكن هذه المرة بين وزارتي الثقافة والاوقاف، ووقتها أرسل وزير الثقافة مذكرة الي وزير الاوقاف يطالبه فيها بفتح تحقيق مع المسئولين عن سرقة المنبر، ردت الاوقاف ببيان علي لسان وزيرها تنفي مسئوليتها عن المنبر مشيرة الي انها مسئولة فقط عن صحن المسجد أما المقتنيات الاثرية فهي خاضعة تماما لسلطة الآثار ووزارة الثقافة، الامر الذي رد عليه أمين عام المجلس الأعلي للآثار في ذلك الوقت بأن المجلس لن يسلم المساجد الاثرية للأوقاف بعد اليوم إلا عندما تضع حداً نهائياً لمسألة سرقة المنابر والمساجد الاثرية محملاً الاوقاف المسئولية، والقضية الأخطر أن المنبر الأثري تمت سرقته قبل شهر من اكتشاف الواقعة بالصدفة. وتابعنا بدهشة علي مدي أيام تالية بيانات وتصريحات كلا الطرفين وزير الاوقاف أصدر بيانا رسميا للرد علي المسئولين بوزارة الثقافة اكد فيه أن المسجد المذكور مغلق بمعرفة الآثار منذ عام 1993 وقامت الآثار بوضع شدادات خشبية بصحن المسجد وجميع ملحقات المسجد للترميم، وقد قامت الآثار بأخذ مفاتيح المسجد خوفاً علي عهدة الآثار من الضياع وهي التي تقوم بفتح المسجد وغلقه للترميم. وأكد البيان ان المسجد لم تقم به شعائر دينية منذ ان تم غلقه ومنبر المسجدكان بمخازن السلطان حسن التابع للآثار، ثم تردد العثور علي المنبر المسروق في احد مخازن منطقة الفسطاط وبعدها بساعتين تم تكذيب الخبر وتحول الموضوع بالكامل للنيابة وإلي مجلس الشعب للمناقشة، ولم ينس مسئولو الآثار التأكيد علي ان هناك 715 موقعاً أثرياً تابعاً للأوقاف وتتولي الآثار ترميمها في القاهرة فقط ليبقي السجل الأسود للإهمال دليلاً علي أن آثار مصر مال سايب. وعلي مدي العامين الماضيين تمت سرقة اجزاء من المنبر الاثري بمسجد منجك اليوسفي بحي الخليفة التابع لوزارة الأوقاف والذي يعود للعصر المملوكي وبني عام 1349 ه ويضم بين جدرانه منبراً أثرياً والتي سرقت بعض اجزائه وهي حشوات الطبق النجمي المطعم بالعاج والأبنوس ومصراع باب المنبر والنص الانشائي للمنبر. سرقات استهدفت منابر اثرية بمساجد الدرب الأحمر منها منبر مسجد «الطنبغا المرداني» الذي يعد أحد أقدم 4 منابر في مصر والمسجد بناه الأمير الطنبغا أحد أمراء السلطان الناصر محمد بن قلاوون والذي كان يعمل ساقياً خاصاً للسلطان عام 740 ه/ 1330 م، ويتكون المنبر من حشوات نجمية مطعمة بالعاج والنحاس المحشو داخل قوائم خشبية، وامتدت السرقات الي الجامع الأزرق في شارع باب الوزير بمنطقة البحر الأحمر التي سرقت فيها لوحة رخامية مساحتها 30* 45 سم تقع بجانب محراب المسجد ومكتوب عليها بماء الذهب مشهد الرؤية الذي يصف ظهور محمد صلي الله عليه وسلم وحول رأسه هالة من النور ويسمي المسجد جامع النور بسبب المشهد السابق وأدت سرقة اللوحة واختفائها الي تشويه المحراب حيث تركت اللوحة تجويفاً فارغاً قلل من قيمة الأثر. سبق ذلك العديد من السرقات الشهيرة مثلما وقع في عام 2007 عندما قام احد الفنانين التشكيليين بسرقة 13 مخطوطاً نادراً من المصحف الشريف من معرض التراث وكشفت التحقيقات ان السارق كان ينوي بيعها بعشرة ملايين دولار بينما لا تقدر المسروقات بثمن. تلي ذلك سرقة منبر «كتبغا» وبه 80 حشوة كذلك سرقة كرسي المصحف في العام الماضي من مسجد قايتباي، والحقيقة ان قضية سرق الآثار لا تفرق بين آثار فرعونية أو اسلامية أو قبطية، فهناك مافيا وعصابات متخصصة في كافة الأنواع يساعدها حالة «الفوضي» الموجودة الخاصة بحماية الآثار لتتضاعف بعد ثورة يناير في ظل الغياب الأمني الواضح ونشاط عصابات سرقة الآثار وللأسف فإن كل واقعة سرقة كان يتم اكتشاف يد موظف أو مسئول كبير فيها فقد سبق وتم ضبط موظف كبير باحدي المصالح الحكومية كان يعرض تمثالين لرمسيس للبيع بمبلغ مليون جنيه وبضبطه وجد بحوزته 20 قطعة اثرية كان ذلك إبان عملية نقل تمثال رمسيس من الميدان الشهير الي المتحف الكبير، وكذلك فهناك عصابات متخصصة في تهريب الآثار للخارج. وفي العام الماضي أعلن الدكتور زاهي حواس أمين عام المجلس الأعلي للآثار وقتها ان مصر سوف تتسلم عدداً من القطع الأثرية الموجودة بالولاياتالمتحدة وهي عبارة عن مجموعة توابيت تم تهريبها من مصر منذ خمسين عاما موضحاً ان هذه القطع ضبطتها سلطات الأمن الداخلي الامريكي. يذكر أن الولاياتالمتحدة هي من اولي الدول التي يتم التعاون معها في مجال استرداد الآثار المسروقة كما تم توقيع اتفاقية مع الصين بهذا الشأن وذلك استناداً للوائح معاهدة اليونسكو 1970 بشأن تحريم ومنع تصدير أو استيراد أو نقل ملكية الممتلكات الثقافية التي خرجت بطرق غير شرعية. وباعتراف كبار المسئولين عن الآثار في مصر فإن الآثار تتعرض للسرقات بشكل كبير وتتعرض للنهب الآن بعد انتشار حالة الفوضي وغياب الامن لتتعرض مخازن الآثار في المحافظات للسرقات المنظمة ولعل اهمها ما حدث لمخزن تل الفراعين بكفر الشيخ ومن أشهر عمليات السرقات التي تمت في السنوات الماضية سرقة 38 قطعة اثرية من المتحف المصري والتي تم تحويلها الي النيابة العامة في ذلك الوقت، وكانت تسبقها في الشهرة مخازن سقارة حيث تم بناء مخازن جديدة تم افتتاحها في محافظة اسوان. كذلك ما حدث من سرقات مخازن آثار جامعة القاهرة وحلوان والتي تم اكتشافها مصادفة عن طريق شبكة الانترنت وتم استعادة 70٪ منها بعد تهريبها الي أمريكا واستراليا. أما اشهر قضايا سرقة الآثار في السنوات الماضية فهو ما سمي ب «قضية الآثار الكبري» عام 2003 ليس فقط من حيث التغطية الاعلامية التي حظيت بها لكن أيضا من حيث الأسماء المتورطة فيها والعدد الضخم من الآثار المضبوطة، ويعتبر طارق السويسي هو المتهم الرئيسي في القضية وقد ضمت 37 متهماً من بينهم مفتش آثار وضابطا شرطة والعديد من الاجانب، والغريب ان القضية تم ضبطها عن طرق البوليس السويسري والذي اشتبه في كونتر بالمطار موضح عليه بيانات ولم يتقدم أحد لاستلامه ليكتشف بداخله قطعاً أثرية مهربة وذات أهمية تاريخية كبري وتخضع لقانون حماية الآثار، فيما كشفت التحقيقات ان المتهم الاول قام بتهريب مقبرة كاملة تحتوي علي 280 قطعة اثرية عن طريق طرود خاصة باحدي شركات التصدير. وكان من بين الآثار المهربة النصف العلوي لتمثال الإله بتاح وبقايا رأس تمثال الآلهة سنحمت وآخر للآلهة افروديت وحورس وترجع المضبوطات الي عصور مصرية مختلفة فرعونية ويونانية ورومانية وتخضع لقانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 وأن هذه القطع تمت سرقتها عن طريق الحفر خلسة في المناطق الأثرية ولا يوجد عليها أرقام تسجيل خاصة بالمجلس الأعلي للآثار سواء ارقام حفائر علمية أو أرقام مخازن أو متاحف وضمت الآثار المهربة مومياوات وأخشاب ولفائف كتانية كانت معرضة للتلف والتدمير رغم قيمتها التاريخية والفنية النادرة وقد بلغ حجم أوراق التحقيقات في هذه القضية قبل إحالتها الي نيابة أمن الدولة العليا الي اكثر من 3500 ورقة، منها اقوال المتهمين والتي تضمنت أيضاً كبير مفتشي الآثار في القرنة بالأقصر وقتها والذي عثر في منزله علي نحو 300 قطعة، وتمت معاقبة المتهمين بأحكام مشددة حيث حكم علي المتهم الأول بالسجن 35 عاماً وتغريمه نحو 400 مليون جنيه والثاني 15 عاماً وتغريمه 50 ألف جنيه. غابت الشرطة ونشطت العصابات! مخازن الآثار.. كنوز «متاحة» للصوص والعصابات التي نشطت في ظل الغياب الأمني، «الوفد» قامت بجولة علي بعض مخازن الآثار لتكتشف «كارثة» تنبئ بالمزيد من السرقات داخل منطقة آثار سقارة، يوجد نوعان من المخازن، مخازن متحفية منظمة ومغلقة ومحروسة بشكل جيد، ومخازن أخري بدون صاحب، يحرسها عسكري وخفير بنبوت، 68 مخزن آثار بمنطقة صحراوية تتاخمها مساكن فقراء أبي صير ومدينة سقارة، الذين يبحث كل منهم تحت منزله عن قطعة آثار لبيعها وتحقيق الثراء فجأة وجدوا هذه المخازن أصبحت في دولة بلا قانون ولا حام، فكانت النتيجة محاولات مستميتة لسرقتها، بعضها نجح وبعضها فشل والمحصلة النهائية ان آثار مصر في خطر. مخازن آثار سقارة نموذج فريد للكارثة وللتأمين في نفس الوقت، فالمنطقة كان يوجد بها 68 مخزناً قديماً بعضها داخل المقابر المكتشفة وبعضها مبني من الطوب، وكان اللصوص يحفرون اسفل هذه المباني لسرقة الآثار، خاصة أن المنطقة مترامية الأطراف، ومفتوحة من الجهة الغربية علي صحراء دهشور، ولم يكن بها أمن كاف، ولما كثرت سرقات الآثار بها، قررت هيئة الآثار إنشاء مخازن متحفية، وبالفعل تم انشاء ثلاثة مخازن تم نقل آثار حوالي 45 مخزناً من المخازن القديمة اليها ومازال هناك 23 مخزناً قديماً يحتوي علي آثار بدون تأمين وجاري العمل في انشاء مخزن رابع، ويشير كمال وحيد مدير منطقة آثار سقارة الي أن المخازن القديمة التي كانت موجودة بالمنطقة معظمها كان مبنياً من الطوب اللبن، أو الدبش، ومنذ عام 2002 بدأ العمل في نقل الآثار للمخازن الجديدة، وبالفعل تم نقل عدد كبير منها ولكن مازال هناك بعضها وهذه هي ما تعرضت للسرقة خلال الايام الماضية، أما المخازن المتحفية فلم تتعرض لشيء لأنها مؤمنة تأمينا جيداً ومزودة بوسائل تأمين وكاميرات مراقبة واجهزة إطفاء. وأضاف: ان الآثار الموجودة في المخازن القديمة معظمها عناصر معمارية كبيرة الحجم وهناك صعوبة في نقلها لذلك ندرس تأمين المخازن الموجودة بها وتوفير الحماية اللازمة مع بقائها في نفس اماكنها. وداخل أحد المخازن المتحفية بسقارة كانت جولة «الوفد» حيث يتميز المخزن بأسوار عالية وقد أكد الدكتور خالد محمدمحمود مدير المخزن أنها مبنية بحيث تمتد أساساتها لمسافة مترين تحت الأرض حتي لا يستطيع أحد الحفر أسفلها للوصول لمحتوياتها كذلك يتميز المخزن بكاميرات مراقبة تعمل لمدة 24 ساعة وله أبواب حديدية وأقفال من الفولاذ ويحتاج فتح المخزن نفسه الي لجنة مكونة من 3 أثريين وخفير وأحد افراد الأمن، ومهمة المخزن تتمثل في حفظ الآثار وتغذية المتاحف الجديدة منها. ويحتوي المخزن علي حوالي 50 ألف قطعة اثرية بعضها موضوع علي أرفف وبعضها داخل صناديق بأرقام مسلسلة ومدون علي كل صندوق محتوياته، وأرقام الآثار به، كذلك يضم المخزن قسماً لترميم الآثار. هذا علي مستوي المخازن المتحفية المؤمنة التي يعمل علي تأمينها 4 أفراد أمن منهم عنصر شرطي يحمل سلاحاً أما البقية فهم تابعون للهيئة وغير مصرح لهم بحمل سلاح، اما المخازن القديمة فحالها يكشف عن مدي الخطر المحدق بمخازن الآثار في مصر كلها، فهذه المخازن موجودة في المنطقة الأثرية المفتوحة علي الصحراء، عبارة عن مبان حجرية او مباني من الطوب الاحمر، والآثار مكدسة بها مغلقة بباب حديد وقفل يقوم اللصوص بكسره ليصبحوا داخل المخزن مباشرة، او لا توجد أي كاميرات مراقبة ولا أسوار تحيط بالمخازن، اما الحراسة البشرية فهي عبارة عن خفير تابع للهيئة وعسكري شرطة وصول مباحث نهاراً، يتضاعف هذا العدد في الليل ليصبح 4 خفراء بدون سلاح تابعين للهيئة و2 من العسكر مزودين بسلاح آلي وصول المباحث يحمل طبنجة، ونتيجة لقلة العدد ومع انفلات الاوضاع الامنية يتعرض هؤلاء الحراس للخطر الشديد، خاصة ان المنطقة مترامية الأطراف. ويشير محمد أحمد أبو القاسم مساعد اول ممتاز بمباحث الآثار أن العاملين في هذا المكان دائما ما يتعرضون لمخاطر عصابات السرقة، ولكن هذه الأخطار زادت الآن بسبب أحوال البلاد، وأضاف: عددنا قليل بالنسبة للمنطقة ولابد من زيادة عدد الحراس علي الآثار لمواجهة العصابات المسلحة التي تأتينا من الصحراء بسيارات جيب وتحمل أسلحة آلية ورشاشات مع ضرورة تحسين أحوال العاملين في هذا المجال خاصة أننا نعاني من ضعف المرتبات، مشيراً الي أنه يعمل في هذا المجال منذ عام 1979 وحتي اليوم وراتبه لم يصل الي 1000 جنيه رغم عمله في هذا المجال منذ ما يقرب من 22 عاما. وأشار الي أنه يقيم في الفيوم ويسافر اليها يومياً وهذا الراتب لا يكفي لشيء. ويلتقط عبده عبد الحكيم ابراهيم حارس بهيئة الآثار اطراف الحديث مشيراً الي أنه يعمل في الهيئة منذ 12 عاما بعقد مؤقت ولم يتم تعيينه حتي اليوم، ويتقاضي 300 جنيه فقط ولديه 4 أولاد فكيف يطعمهم؟ خاصة ان المرتب قد يتأخر لمدة 3 أشهر كاملة، وأضاف: انه يواجه الخطر بدون سلاح، فحراس الآثار غير مسموح لهم بحمل سلاح وزملائنا ماتوا بسبب هجمات العصابات المسلحة عليهم ولم يتمكنوا من مواجهتهم. وأضاف: هناك أكثر من 8 آلاف حارس يعملون في الهيئة بدون تعيين ولا يحصلون علي روابتهم إلا كل 3 أشهر، ومع ذلك فهم يحمون كنوز مصر فلماذا لا تساعدهم الدولة وتقوم بتعيينهم وتسليحهم لحماية تراث مصر وثرواتها من اللصوص الذين يهاجمون المخازن ليلاً ونهاراً عن طريق الصحراء. وإذا كان هذا هو حال حراس المخازن القديمة فحال حراس المخازن المتحفية الجديدة ليس بأفضل من ذلك حيث كشف لنا سيد عباس حسين حارس أحد المخازن المتحفية انه يعمل في الهيئة منذ 21 عاماً ويتقاضي 250 جنيها فقط في الشهر، رغم أنه يعمل لمدة 12 ساعة كاملة يومياً، فورديتي تبدأ من السابعة صباحاً وحتي السابعة مساء، ولديه 6 أبناء ومطلوب منه أن يحمي الآثار وهو غير مصرح له بحمل سلاح فكيف يحدث هذا؟ الغريب في الأمر أن مراقب الأمن في المخزن المتحفي يتقاضي 300 جنيه شهرياً بالاضافة الي 130 جنيها كحافز في حين أنه تم استبعاد 20 حارس أمن لسوء سلوكهم من العمل بحراسة الآثار بالمنطقة، ومع ذلك يتقاضون مرتباتهم كاملة بالاضافة الي 160٪ حوافز و130٪ بدل جهد لأنهم معينون في الهيئة أما الحراس غير المعينين والذي يتحملون عبء حراسة الآثار وحدهم الآن فلا يحصلون سوي علي رواتبهم بالاضافة الي 130 جنيها كحافز. ويتساءل الحراس ومشرفو الأمن هذا الظلم لمصلحة من؟ فحياتنا معرضة للخطر كل يوم، ونحن لا نحمل سلاحاً يحمينا ولا نحصل علي حقوقنا المادية فمن يرفع عنا الظلم؟ اللصوص استغلوا «إجازة العيد» وتعدوا عليها.. أراضي الآثار.. مستباحة! كارثة خطيرة تتعرض لها آثار مصر، وهي الاستيلاء علي الأراضي التابعة للآثار، ومعظمها أراض يتم العمل بها للتنقيب عن الآثار أو موضوعة في خطط التنقيب. هذه الأراضي تحمل في بطنها ثروات وكنوزاً لا تقدر بثمن، فجأة أصبحت مستباحة، يقوم المواطنون بالاستيلاء عليها ويبنون عليها بيوتاً أو مقابر، وأثناء الحفر قد يجدون آثاراً وهي طبعاً غير مسجلة، وبالتالي يمكن بيعها، وبذلك تضيع علي مصر فرصة استردادها للأبد. هجمة سرشة تتعرض لها الأراضي التابعة للآثار منذ قيام الثورة، لا تقل خطورة عما تعرضت له مخازن الآثار، والمناطق الأثرية من سرقة ونهب، بل إن هذه التعديات التي تتعرض لها أراضي الآثار تعد الأخطر، حيث إن هذه الأراضي معظمها أراضي «بكر» لم تتم بها أي أعمال حفر وتنقيب، وبالتالي فالآثار الموجودة بها غير مسجلة، وفي حالة سرقتها وبيعها لن نتمكن من استعادتها أبداً. فمنذ عدة أيام تعرض حوالي 07 فداناً تابعة لمنطقة آثار الإسكندرية إلي تعديات خطيرة، حيث استغل اللصوص فترة إجازة عيد الفطر وغياب مفتشي الآثار عن المنطقة وقلة عدد الحراس، وقاموا بالتعدي علي أراض مملوكة للآثار في مناطق برج العرب، وماريا والنهضة، وكانت هذه المناطق قد تعرضت للتعدي إبان الثورة بهدف انتشار مساكن وفيللات سكنية عليها، ورغم أن الدكتور محمد مصطفي عبدالمجيد مدير عام آثار الإسكندرية أصدر 05 قراراً بإزالة هذه التعديات لا يتم مخاطبة الجهات الأمنية وعلي رأسها المجلس العسكري والشرطة لإزالتها إلا أن أحداً لم يتحرك، وكانت النتيجة المزيد من التعديات أثناء فترة العيد. كذلك شهدت منطقة صان الحجر بالشرقية قيام بعض الأهالي بالاستيلاء علي الأراضي التابعة للآثار، وقاموا بإنشاء منازل عليها، كذلك فقد شهدت محافظة البحيرة عمليات تعد علي أراضي الآثار خاصة في مدينة المحمودية، كذلك قام أهالي الإسكندرية بالبناء علي أراضي الآثار بمنطقة برج العرب وأقاموا أسواراً حولها. وفي منطقة أبو صير قام الأهالي بالاستيلاء علي مساحة تقدر بحوالي 51 فداناً، وهو ما أكده أسامة الشيمي مدير عام آثار الجيزة وخطورة الأمر كما يقول الشيمي إن هذه الأرض «بكر» لم يتم التنقيب علي الآثار بها، وتحتوي علي مجموعة من المقابر الأثرية المهمة التي ترجع لعصر الأسرتين الأولي والثانية، وهي من أقدم المناطق الأثرية الموجودة في مصر، وقاموا بإقامة سور عليها بحجة إنشاء مقابر عليها، وإذا حدث هذا فستندثر الآثار تماماً تحت المقابر. وأضاف أن الهيئة اعتمدت مبلغ 021 ألف جنيه للتنقيب عن الآثار في منطقة ميت رهينة لتفريغها مما بها من آثار، ثم منحها للأهالي بعد ذلك ليقيموا عليها المقابر، ولكن الأهالي لم ينتظروا واستغلوا حالة الفراغ الأمني الموجودة للاستيلاء علي الأرض التابعة للآثار. وإذا كان هذا ما حدث في منطقة أبو صير فإن ذكره ليس علي سبيل الحصر وإنما علي سبيل المثال الصارخ للتعديلات علي حُرمة أراضي الآثار في مصر التي لم نقدرها أو نعيرها اهتماماً. والأمثلة علي التعديات كثيرة وعديدة شهدتها صحاري مصر الشاسعة التي تدفن في أحشائها تاريخ ربما لم يكتشف أو تضم صفحاته إلي تاريخ مصر وإذا كانت هناك مبررات لسهولة التعدي علي حرمة الآثار بحجة الغياب الأمني الذي يتلاشي بعيداً عن العاصمة الحديثة «القاهرة»، فإن القاهرة قد شهدت تحت مرأي ومسمع من كل المسئولين أكبر عملية قرصنة علي أراضي الآثار. فمن المعروف أن منطقة عين شمس «هوليوبوليس» والمطرية من أهم المناطق الأثرية الفرعونية في القاهرة والتي لم يبق من آثارها إلا إحدي المسلات الشاهقة التي شيدها الملك «سنوسرت الثالث» تبقي وحيدة بازغة من تلة تم الاعتداء عليها بمساحة تتجاوز 002 فدان في المطرية وعرب الطوايلة تم البناء عليها بمساكن عشوائية خرج من تحت أساساتها آلاف القطع الأثرية لاقت رواجاً في عالم تجارة الآثار المصرية. وأثري من هذه التجارة «تجارة الأرض المحرمة والآثار المحرمة» من كانوا يعيشون في الماضي علي حد الكفاف. منطقة المسلة بالمطرية مثال واضح علي العبث بالتاريخ والتعدي علي إرث تركة المصريين الأوائل ليس لأبنائهم الذين لا يقدرونه ولكن للبشرية أو الإنسانية التي تُقدر التاريخ وتضعه في منزلته. أشار كمال وحيد مدير آثار سقارة إلي أن مثل هذا الإجراء اتبعه الأهالي في مناطق سقارة، حيث استولوا علي حوالي 01 أفدنة، وأبي صير حيث استولوا علي 5 أفدنة بحجة تحويلها إلي مقابر وكلها أراض تابعة للآثار وتحتوي علي آثار مهمة لم يتم التنقيب عنها بعد، والآثار الموجودة بها لم يتم تسجيلها، وهذا يعني أننا نمحي جزءاً من تاريخ مصر. ويطالب الأثريون بضرورة تدخل القوات المسلحة لإنقاذ تاريخ مصر وحماية أراضي الآثار من تعدي الأهالي عليها. كذلك يطالب أيمن جمال الدين - أثري بمنطقة سقارة - بضرورة إنشاء سور غرب مناطق الهرم، أبو صير، سقارة، دهشور، يضم أراضي الآثار التابعة لهذه المناطق، ومخازن الآثار بها، هذا السور سيضمن لنا حماية الآثار، وتحويل المناطق الأربع معاً إلي متحف مفتوح، ويمكن شق طريق يربط بين المناطق الأثرية وبعضها وبذلك نضمن حماية الآثار والأراضي من تعديات الأهالي عليها. مخازن الآثار «مغارة علي بابا» بدون «افتح يا سمسم» العصابات تنهب الكنوز بسيناريو واحد منذ تخلي رجال الشرطة عن مواقعهم يوم 28 يناير الماضي، والآثار في مصر كلها تتعرض لهجمة شرسة بدأت بالهجوم علي المتحف المصري وسرقة بعض محتوياته ثم بدأت السرقات التي تتعرض لها مخازن الآثار في كل مكان تتوالي. هذه المخازن التي تتضمن تراث مصر النادر والفريد تحتوي علي آلاف القطع الأثرية هذه القطع أصبحت في خطر حقيقي بعد أن بدأت عصابات منظمة في استهداف هذه المخازن مستغلين حالة الفراغ الأمني التي تشهدها البلاد مع ضعف الحماية علي هذه المخازن حيث إن أغلبها مازال يحرسها خفراء سلاحهم الوحيد هو «النبوت» حتي عساكر الشرطة المكلفين بحماية الآثار يحملون اسلحة بسيطة في حين ان العصابات التي تهاجمهم غالباً ما تكون مسلحة بالرشاشات، لذلك «الوفد» تدق ناقوس الخطر قبل نهب كنوز مصر وثرواتها الأثرية. كان يوم 28 يناير الماضي من أسوأ الأيام التي شهدتها مصر حيث تخلي رجال الشرطة في كل مكان عن مواقعهم، تركوا أمن مصر فريسة للصوص والبلطجية والخارجين علي القانون، ودفعت مصر كلها ثمن هذا، وكجزء من هذا الثمن تمت سرقة حوالي 58 قطعة من محتويات المتحف المصري يوم 29 يناير في هجوم تتاري عليه، ورغم تأكيدات الدكتور زاهي حواس وزير الدولة لشئون الآثار وقتها أنه لم يسرق منه شيئا الا انه بعد ذلك بأيام قليلة أعلن انه تمت سرقة 8 قطع ليكشف الدكتور طارق العوضي مدير المتحف بعد ذلك أنها 58 قطعة تم العثور علي 4 منها وألقت وزارة الداخلية منذ ايام القبض علي 3 لصوص اعترفوا بمكان 12 قطعة أخري ليظل هناك عدد 42 قطعة اخري مازالت مفقودة، ورغم العثور علي بعض القطع بعد ذلك إلا ان هناك عدداً من القطع لم يتم العثور عليها حتي الآن، واذا كان شباب الثورة قد تمكنوا من تشكيل حائط بشري لحماية المتحف لحمايته من السرقة بعد المحاولة التي تعرض لها يوم 29 يناير، فقد تركت مخازن الآثار في كل انحاء مصر فريسة للصوص والخارجين علي القانون وعصابات سرقة الآثار وحتي المواطنين البسطاء أنفسهم الذين لا يعلمون قيمة آثار مصر وأنها لا تقدر بثمن حيث توجه عدد من أهالي منطقة أبي صير القريبة من مخازن آثار سقارة القديمة وحاولوا تكسير الابواب واقتحام المخازن لسرقة محتوياتها مراراً، وشوهد من بين المقتحمين اطفال تتراوح أعمارهم بين 8 و10 سنوات!! أما في كفر الشيخ فقد حاول 35 مسلحاً السطو علي مخزن آثار بها وبالفعل تمكنوا من فتح 5 صناديق تحتوي علي آثار بعد أن حطموا ابواب المخزن الثلاثة، وتمكن الاهالي من القبض علي 4 منهم، بينما لاذ الباقون بالهرب وبحوزتهم مجموعة من القطع الأثرية. كذلك تعرضت مخازن سليم حسن بالهرم للسرقة بعد ان قام اللصوص بتكميم أفواه الحراس والاستيلاء علي أسلحتهم وقاموا بحفر نفق في الأرض تحت الأبواب الثلاثة للمخازن ووصلوا لمحتوياتها، وقاموا بسرقة بعض المحتويات. جدير بالذكر أن مساحة المنطقة الأثرية بالهرم تقدر ب 28 كيلومتراً وتحتوي مخازن سليم حسن بالهرم علي عدد كبير من القطع الأثرية ويحرسها 6 حراس فقط ما بين خفراء «بنبوت» وعساكر بطبنجات!! وفي الأقصر قام مجموعة من اللصوص - وبنفس السيناريو السابق - بالاستيلاء علي مخزن آثار البعثة الألمانية العاملة بحفائر معبد أمينوفيس الثالث حيث قاموا بتقييد الحراس وتكميم أفواههم وقاموا بسرقة 18 رأس جرانيتية للآلهة خمت، ورأس الملك أمينوفيس الثالث والد اخناتون وتنتمي تلك القطع الأثرية للأسرة18. جدير بالذكر أن المخزن الذي تمت سرقته يبعد 20 متراً فقط من قسم شرطة آثار البر الغربي ورغم عودة الشرطة الي عملها إلا ان مخازن الآثار مازالت في خطر، خاصة مخازن الآثار بالوجه القبلي حيث إن اغلبها يقع في مناطق جبلية خاصة مخازن آثار سوهاج والمنيا وأسوان وأغلبها مخازن مبنية من الطوب اللبن، ولا يوجد عليها حماية كافية. الخطير في الأمر انه حتي المخازن المتحفية التي تكلف انشاء كل منها حوالي 5 ملايين جنيه، وهي مؤمنة بكاميرات وأبواب حديدية وأسوار لم تنجو أيضا من خطر السرقة ومنها مخزن القنطرة شرق الذي اقتحمه اللصوص وسرقوا منه عدة صناديق مملوءة بالآثار، كما تعرض مخزن بعثة متحف المتروبوليتان بدهشور لهجوم مجموعة من اللصوص، كذلك تم نهب مخازن تل بسطة، ومقبرة «كن آمون» بالاسماعيلية، كما تعرضت مقبرة «حتب كا» و«بتاح شبس» بأبوصير للسرقة. جدير بالذكر أن مخازن الآثار في مصر تحتوي علي عدد كبير من القطع الأثرية، ومع ذلك لا توجد خريطة لهذه المخازن ولا يوجد حصر دقيق وشامل بكل ما تحتويه من كنوز خاصة ان بعضها يحتوي علي قطع متشابهة وبعض هذه القطع لا يتم تسجيلها ومن ثم يصبح الاستيلاء عليها وبيعها كارثة لأنه لايمكن استردادها حيث إن القطع التي يمكن استردادها او قد يفشل اللصوص في بيعها هي تلك القطع المسجلة فقط، ومن ثم يصبح الاستيلاء علي القطع غير المسجلة سواء الموجودة في المخازن أو في المقابر التي يتم العمل فيها الآن كارثة حقيقية حيث لن تتمكن مصر من استردادها ابداً. وهذا الخلل كان سبباً في فقد مئات القطع الأثرية من قبل من هذه المخازن، وخروجها الي خارج البلاد ولن تتمكن مصر من استردادها ومع ذلك لم تستوعب الدرس ولم تستفد من تجارب الماضي، وتركنا آثارنا مكدسة في المخازن بلا حامي، وكانت النتيجة استغلال اللصوص لحالة الفراغ الأمني، وراحت العصابات المنظمة التي تتبع سيناريو واحداً في الهجوم علي مخازن الآثار في كل مكان لسرقتها. جدير بالذكر ان هناك عدة مشكلات تواجه الآثار الموجودة في المخازن وهي عدم التأمين ونقص عدد الخفراء والحراس وعدم وجود سيارات لدي الهيئة للمرور علي هذه المخازن ونقل محتويات المخازن الي أماكن اكثر أمنا لتأمينها من الخطر. مقام «الأربعين» وكر للمجرمين.. مسجد لاشين بلا ترميم.. وسبيل يوسف بك مهدد بالانهيار لا يترك الاهمال فرصة للباحث عن الأصالة في شوارع مصر القديمة!! وهذه الأيام تتعرض مناطق مصرالاسلامية الاثرية لموجات من الفوضي والاهمال الذي يمسخ روح التاريخ وعراقة الماضي، فالتعديات هي السمة الأولي لكل اثر تزاحم الجمال امام عين الرائي. وجولة سريعة علي الآثار الإسلامية تحديداً تؤكد أن «السرقات» ليست هي الهم الأول في قضية الآثار لأن كل مكان شاهدناه، كان كنزاً مفتوحاً لاي يد تعبث به أو تدمره أو علي الاقل تسرقه. شارع المعز من أهم الشوارع التاريخية في مصر ويضم أكبر عدد من المباني الاثرية في العام والذي بناه جوهر الصقلي الفاطمي وكان يسمي بالشارع الأعظم لكن «الدكاكين» في الشارع أصبحت تنافس الآثار لدرجة أن عدد المحلات وصل في الشارع لحوالي 1200 محل، في الشارع الذي يبلغ طوله 1500 متر يطل عليه أكثر من 40 أثراً هي أهم الآثار في القاهرة الاسلامية، ويمتد الشارع من بداية باب الفتوح ناحية الدراسة وحتي باب زويلة ويقطعه في وسطه شارع الأزهر ويمر بمنطقة النحاسين ثم خان الخليلي ثم منطقة الصاغة ثم يقطعه شارع جوهر القائد «الموسكي» ثم يقطعه شارع الأزهر مروراً بمنطقة الغورية ثم زقاق المدق والسكرية لينتهي عند باب زويلة ويبلغ عدد سكانه الأصليين نحو 100 ألف مواطن ولأنه مزار سياحي وسوق تجاري يتردد عليه يومياً مئات الآلاف. وأجريت عمليات ترميم لآثار الشارع علي مراحل بدأت بترميم 61 أثراً بما فيها أسوار القاهرة القديمة وبوابتها التي يصل عمرها لألف عام وذلك عام 2003 وتكلفت هذه المرحلة نحو 150 مليون جنيه مصري، ويضم الشارع ستة مساجد أثرية وسبع مدارس وسبعة أسبلة وأربعة قصور ووكالتين وثلاث زوايا وبوابة الفتوح وباب زويلة وحمامين ووقفا أثرياً وعقب انتهاء كل مرحلة كان يتم افتتاح ما تم انجازه ليعلن شارع المعز أكبر متحف مفتوح في العالم من قبل وزير الثقافة السابق. وطبقاً لتصريحات مسئولي الآثار وقتها ان عمليات الترميم تمت ومازالت تتم علي 4 مراحل لانقاذ 210 آثار أهمها مجموعة قلاوون وخانقاه الظاهر بيبرس وجامع القاضي وغيرها من الآثار. الأهم في قضية الآثار ليس مجرد الترميم لكن التعديات هي التي تجعل كل الجهود المبذولة تضيع هباء، وزير الثقافة نفسه أكد أن هناك 8 آلاف حالة تعد علي الآثار وهناك اكثر من 80٪ من هذه الآثار معرضة للخطر حسب العديد من طلبات الإحاطة التي قدمت لوزير الثقافة المصري في الدورات البرلمانية في السنوات الماضية ويمثل الزحف العمراني بكل أشكاله أهم صور هذه التعديات من المنشآت التجارية والصناعية وهناك مئات الأسر تشغل الآثار الاسلامية المهمة بالاضافة الي أن التعديات التجارية داخل تكوين الواجهة لبعض الآثار الاسلامية، وتشمل التعديات أيضا تراكم النفايات بالقرب من المناطق الاثرية ووجود الأكشاك الخشبية واللافتات وملصقات الدعاية والاعلان والباعة الجائلين والمتسولين الي جانب تشييد المباني بطرز حديثة وارتفاعات لا تتناسب مع الطابع الأثري للمنطقة ويهددها بالدمار فضلاً عن استخدام أدوات الحفر والبناء التي تمثل خطراً علي الآثار مما دفع البعض الي المناداة بضرورة إخلاء المنطقة من كافة الانشطة التجارية والصناعية، وبالطبع فإن جزءاً كبيراً من القضية هو تأجير الأوقاف للآثار كمشاريع تجارية فالأوقاف تمتلك حوالي 80٪ من الآثار الاسلامية ورغم انها مسجلة آثاراً الا أن الانشطة التجارية تمارس فيها. وأثناء جولتنا بشوارع مصر التاريخية ليس في شارع المعز فقط وانما في شوارع اخري تحمل الطراز القديم وتحوي في حواريها الضيقة كنوزاً لا تقدر بمال مثل مسجد «برسباي» الذي تحيط به التعديات من كل جانب وعلي واجهته أعمال انشاء سنتر تجاري كبير كذلك مسجد سبيل كتاب علي مظهر الذي يحمل أثر رقم 40، أما سبيل السلطان محمود الذي يحوي تكية ايضا فهو خاضع للترميم منذ 10 سنوات وتكاد لا تستطيع قراءة البيانات في لوحة التعريف بالأثر. القيمة الفنية والأثرية العالية للأثر واضحة فهو يحوي بلاطات خزفية واردة من تركيا وبني في عام 1750 ميلادي إلا أن المقاهي تحيط به وترتكن الي جدرانه الخارجية فضلاً عن وجود حوالي 12 «دكاناً» منهم محلات «كاوتش» صبغت واجهة المكان بأوساخ وقاذورات شوهت الأثر، وهذه «الدكاكين» في حوزتها عقود من وزارة الأوقاف، وعندما سألنا بعض مفتشي الآثار داخل الأثر أبلغونا أن أي تعديات أو مخالفات نقوم بابلاغ شرطة الآثار وهناك «نوباتجيات» أمن من تفتيش جنوبالقاهرة لكن مسألة الدكاكين والمقاهي ليس لهم علاقة بها. في شارع عبد المجيد اللبان مسجد أثري مغلق وعلي بوابته لوحة عليها بيانات أثر رقم 217 مسجدلاشين السيوفي 854 ه - 1450 م، الأثر استندت عليه «أجولة» من البصل والثوم وعندما نظرنا من فتحة صغيرة بالباب وجدنا آثار هدم بالمسجد، وأكد لنا السكان بالشارع أن المسجد مغلق منذ أكثر من عام وذلك بعد أن جاء عمال وموظفون بعبوات اسمنت وحديد وأكدوا لهم أنهم يرممون المسجد إلا أنهم وبعد أسبوعين اخذوا معداتهم وأغلقوا المسجد ولم يعودوا بعدها، المشكلة التي شكا منها السكان ان مسجد لاشين كان هو «الجامع الأوحد» بالمنطقة وكانوا يصلون فيه وسبق أن رمموه علي نفقاتهم الخاصة في اعقاب زلزال 1992 كما أنهم اصطحبوا معهم خفير المسجد وتركوه بلا ترميم أو خفير أو غيره! علي بعد أمتار من المسجد وبالتحديد في شارع عبد المجيد اللبان يوجد مقام سيدي الأربعين وهو عبارة عن بناء صغير يعلوه قبة والمكان مجوف وعبارة عن مقلب قمامة والقبة تعلوها نقوش جميلة وملونة، أما السكان فأكدوا أن «المقام» مرتع للصبية يمارسون فيه الرذيلة ويتعاطون المخدرات ورغم الابلاغ عنه أكثر من مرة إلا أن احداً لم يسأل، المشكلة الأكبر ان «المقام» محاط ببيوت مهدمة وتمثل خطراً بالغاً علي المارة بالشارع. هناك أيضاً سبيل يوسف بك الذي بدا علي مظهره عملية ترميم عشوائي واستكمال الأحجار بأخشاب رديئة نالت من جمال الأثر الذي وضعت عليه لوحة مطموسة المعالم وبجواره «كوم قمامة كبير» وبيت قديم مهدم والمنطقة أعلاه معظمها بيوت قديمة شبه متساقطة، وقد أكد السكان أنه لا يوجد أي اهتمام بالأثر وهو ليس إلا مقلباً للقمامة وذلك بعد أن انصرف عنه المسئولون ولا يوليه أحد أي اهتمام! حاولنا ان نتعرف علي كيفية حماية المساجد الاثرية عن قرب فتوجهنا الي جامع الكخيا وهو جامع أثري كبير عمره حوالي 300 سنة ويحتوي علي منبر أثري منذ عهد المماليك وبئر مياه في صحن المسجد كانت تستخدم للوضوء سألنا حارس المسجد «الذي كان نائما علي إحدي الأرائك» عن كيفية حراسة المسجد فقال هناك خمسة يتناوبون حراسة المسجد ومعينون من الأوقاف إلا أننا نغلقه في الساعة الثانية عشرة مساء ونمنع أي احد من النوم فيه. سألناه عن أي المسئول من الآثار يحمي المسجد فقال هناك حارس من الآثار يمر بين الحين والآخر لكن مقره في مسجد العشماوي الذي يقع علي بعد 200 متر من «الكخيا» وهو مجرد مرور ويسألنا عما اذا كانت هناك أي مشكلة. أما من أهم صور التعديات فتبدو في شارع من أهم الشوارع التاريخية بمصر وهو «الغورية» التي تحظي بمكانة تجارية تنافس مكانتها الأثرية فهي مقصد كل الزبائن الراغبين في شراء أي سلعة! فالتعدي علي وكالة الغوري وقصر الغوري صارخ اذ استخدم الباعة واجهات الاثر كفترينات لعرض بضائعهم من ملابس وطرح وعبايات وتلاصقها العربات الخشبية بجدران الآثار في اهمال صارخ ورغم أن الاثرين خضعا لعمليات ترميم علي مستوي عال من الدقة وتكلفت الملايين إلا ان كل هذا سقط أمام إمبراطورية الباعة التي تتعرض سطوتها علي المكان.