في ظل غياب الأمن, تعرض المتحف المصري للسرقة خلال ثورة يناير وفقد نحو60 قطعة أثرية' كما ذكرت منظمة اليونسكو', ولا تزال عمليات سرقة الآثار من قبل عصابات محترفة مستمرة يوميا. من أشهر المواقع التي تعرضت للسطو المسلح قريبا مخزن' تل الفراعين' بمحافظة كفر الشيخ, موقع آثار' الزولين' بمحافظة الشرقية, مخزن' القنطرة شرق' المتحفي بسيناء, مخزن بعثة المترو بوليتان بدهشور, ومخزن' سليم حسن' بالجيزة, وعدد كبير من مواقع الآثار الفرعونية والإسلامية, جميعها يفشل حراسها في التصدي للعصابات حتي وصلنا لوضع كارثي يهدد تراث مصر. فما العمل ومن المسئول ؟ تستر مريب في هذا الإطار يقول الباحث والمؤرخ المصري أحمد عثمان' المقيم في لندن' انه في مساء28 يناير قام بعض المتظاهرين بإحراق مقر الحزب الوطني المطل علي نهر النيل, ثم قام بعض المخربين باقتحام المتحف المصري الواقع بميدان التحرير, خلف مبني الحزب الوطني, عن طريق شباك زجاجي في الطابق العلوي, ثم حضر الدكتور زاهي حواس وزير الدولة لشئون الآثار في حكومة الفريق أحمد شفيق في صباح اليوم التالي لمعاينة المتحف, وأكد عدم وقوع أية سرقات للآثار, وقال إن المقتحمين تسببوا في إتلاف70 قطعة أثرية وقام بعض المتظاهرين بالقبض علي تسعة أشخاص وتسليمهم إلي رجال الجيش. وأضاف عثمان قائلا عندما اتصلت السيدة أيرينا بوكوفا رئيسة هيئة اليونسكو بالدكتور حواس في4 فبراير, للاطمئنان علي آثار مصر وعرضت عليه إنشاء فريق دولي خاص لحماية المتحف, رفض حواس المساعدة وأكد لها أن المتحف المصري آمن, وهو لا يحتاج لمساعدة أجنبية. وخاطب حواس مندوبي الصحافة والتليفزيون ليؤكد أن المتحف المصري بخير, وقال إن كل ما أشيع عن سرقات للآثار لا أساس له من الصحة. وقال حواس لمحطة' سي إن إن' إن المخربين اقتلعوا مومياءين وألقوا الآثار علي أرض المتحف, لكن الجماعة التي تكونت من تسعة أشخاص لم تتمكن من سرقة أي شيء من محتويات المتحف. ومضي احمد عثمان مفندا هذه المعلومات قائلا: وفي الرابع من فبراير نشر حواس في موقعه علي الانترنت, أنه تأكد بنفسه من عدم فقدان أي قطعة من آثار توت عنخ آمون, وشاهد تمثال اخناتون الصغير وهو يقدم القرابين موجودا في مكانه. كما أكد أن كاميرات المراقبة تعمل في جميع صالات المتحف. ومع هذا وبعد مرور16 يوما عاد الدكتور حواس في13 فبراير ليفاجئ العالم كله بإعلانه عن سرقة18 قطعة أثرية مهمة من متحف القاهرة, كلها تتعلق بالملك توت عنخ آمون وعائلته: تمثالان لتوت عنخ آمون وتمثال لأمه'نفرتيتي وآخر لوالده إخناتون وتمثال لرأس أميرة من العمارنة, إلي جانب جعران وعدة تماثيل لجده الأكبر الوزير يويا. وتقدر هذه القطع في حالة بيعها في سوق الأنتيكات العالمية بما لا يقل عن مائة مليون دولار. والغريب هنا- والكلام لأحمد عثمان- أن الدكتور حواس كان قد خص علي طه مندوب جريدة' الشرق الأوسط' في29 يناير بتصريح قال فيه إن' المتحف تعرض للسرقة بالفعل', إلا أن القطع المسروقة' ليست بأهمية قطع توت عنخ آمون'. وهذا يدل علي أن الدكتور حواس كان مدركا لأهمية آثار توت عنخ آمون بالذات, وأنه تأكد بنفسه من عدم فقدانها, فما الذي حدث بعد ذلك؟ يجيب عثمان موضحا, الاحتمال الغالب أن هذه الآثار لم تتم سرقتها في مساء28 يناير, بل في وقت لاحق, حيث لم يتم العثور علي أية قطع أثرية مع الأشخاص التسعة المقبوض عليهم. وأضاف شهدت السنوات العشرون الماضية زيادة كبيرة في كمية الآثار المصرية المعروضة'للبيع في مراكز المقتنيات والأنتيكات في معظم المدن الرئيسة بأوروبا وأمريكا, كما تكاد غالبية المزادات التي تقيمها شركات عالمية, مثل كريستيز وساذبيز, لا تخلو من قطع للآثار الفرعونية. و حمل عثمان وزير الثقافة السابق فاروق حسني المسئولية عن هذه السرقات, فقد نشرت الصحف المصرية والعربية تقارير بأن عددا من المختصين والمسئولين بهيئة الآثار قدموا بلاغا إلي النائب العام في مصر يتهمون فيه فاروق حسني وزير الثقافة السابق, بوقائع يدخل ضمنها' سرقات الآثار مما أدي إلي فقدان مصر لعشرات الآلاف من القطع الأثرية', وطالب مقدمو البلاغ بالتحفظ علي أموال فاروق حسني لحين الانتهاء من التحقيقات في الوقائع المنسوبة إليه. مفاجأة مدوية و فجر عثمان مفاجأة مدوية بقوله أنه منذ عودته من أمريكا في سنة1987, نشأت علاقة صداقة حميمة بين الوزير حسني والدكتور حواس, الذي صار مسئولا عن آثار منطقة الجيزة. وفي أحد الأيام في1993 ظهرت صورة للفنان عمر الشريف في إحدي المجلات وهو يحمل تمثالا نادرا يرجع لعصر بناة الأهرامات من الأسرة الرابعة, كان قد تم العثور عليه حديثا. وانزعج الدكتور محمد إبراهيم بكر- الذي كان عندئذ رئيسا لهيئة الآثار- عندما شاهد هذه الصورة, وأصدر تعليماته للدكتور حواس بعدم إخراج هذا التمثال من المخزن بدون إذن كتابي منه هو شخصيا. ومع هذا فعندما قام الرئيس معمر القذافي بزيارة للأهرامات بعد عدة أيام من ذلك أخرج حواس التمثال مرة أخري بدون إذن من رئيس الهيئة مرة أخري. قرر الدكتور بكر إيقاف حواس عن العمل في21 مارس1993 وتحويله إلي التحقيق الإداري, ولكن فاروق حسني طالبه بإغلاق التحقيق. وعندما صمم الدكتور بكر علي الاستمرار في التحقيق, قام وزير الثقافة بإلغاء انتداب بكر وطلب من الرئيس الجديد إعادة حواس إلي عمله فورا. والسؤال الذي يطرحه احمد عثمان هو: هل سجلت كاميرات الحراسة صورا لمن قام بسرقة تماثيل توت عنخ آمون, أم أن الكاميرات كانت معطلة هذه المرة كذلك, كما حدث في متحف محمد محمود خليل عندما سرقت لوحة الخشخاش لفان جوخ! .. وحواس يرد وردا علي هذه الاتهامات أكد الدكتور زاهي حواس: أن عثمان رجل موتور, يريد أن يصبح بطلا, وهو يجلس مطمئنا في بيته بلندن, متسائلا كيف يجوز لأحد اتهامي وأنا الذي قمت بإرجاع آلاف القطع الأثرية من الخارج إلي مصر, وقال المهم الآن ليس زاهي حواس, ولكن الأكثر أهمية هو إنقاذ الآثار المصرية من اللصوص. وأضاف أن الثورة المصرية بعد أن أطاحت بالنظام كانت بمثابة احتفالية وانتصار للشعب المصري, إلا إنها أثرت بشكل سلبي علي آثار مصر وكنوزها الأثرية, بعد أن قام اللصوص باستغلال فرصة الإضطرابات والاستيلاء علي الآثار. وأعرب حواس عن قلقه وفزعه بشأن سلامة الآثار المصرية, معتبرا أن هذه السرقات ستكون خسارة للعالم أجمع. واقعة الجمل' بداية الكارثة أما الدكتور مختار الكسباني المستشار عام للمجلس الاعلي للآثار فأبدي استغرابه من غياب الأمن المصري بعد' واقعة الجمل' بشكل ظاهر للجميع, مما أتاح المجال لسرقات الآثار بشكل كبير, وقال أن الأمن لم يتراجع عن مناطق التظاهرات فحسب وإنما أيضا ترك واجبه بالمناطق الأثرية المتطرفة والبعيدة عن السكان كالمعابد القديمة بسوهاج وأسوان والبر الغربي بالأقصر, وهي مناطق هامة كان الزوار والسائحون يتوافدون عليها. والمصيبة كما يري الكسباني أن المساجين استطاعوا بمعاونة بعض العناصر الأمنية معدومة الضمير أن يهربوا وبينهم من يطمع بسرقة الآثار أو أدين بهذا الجرم في السابق, فظهرت الآن بمصر مافيا الآثار ومافيا التعديات علي أراضي الدولة والمملوكة للناس. آثار مصرية مسروقة كما تساءل الكسباني كيف يدخل الجناة للمناطق الأثرية بمعدات ثقيلة كالأوناش واللودرات ويهدمون ويبنون ويحفرون في سقوط أمني مروع ؟! وذكر أيضا أن سرقة الآثار ستعرض مصر للمساءلة الدولية, وربما فوجئنا بتدخل قوي أجنبية بدعوي حماية آثارنا المنهوبة. علي جانب آخر بعث الآثاريون المصريون أمس بنداء إلي رئيس مجلس الوزراء, قالوا فيه:' نتشرف بأن نرفع لسيادتكم نحن مجموعة من الآثار يين المصريين والأجانب مناشدة بسرعة تدخل الدولة بكل إمكاناتها لتأكيد عودة شرطة السياحة والآثار إلي المواقع الأثرية والمتاحف لحماية تراث مصر الأثري, وميراث الأجداد من الأخطار التي تتهددها متمثلة في عمليات النهب المنظم الذي تمارسه عصابات مسلحة لمخازن الآثار والمواقع الأثرية والمتاحف وعمليات التعدي بالبناء العشوائي علي المواقع الأثرية وترويع القائمين علي حراستها غير المجهزين بالسلاح أو التجهيزات للتصدي لهذه العصابات المسلحة.