نظراً للتطور التكنولوجي الكبير الذي نعيش في ظلاله، وبالأخص "الإنترنت" الذي استطاع أن يخترق جميع الحواجز والقيود التي تسيطر علي المجتمعات العربية، ظهرت العديد من الظواهر التي لم يتعارف عليها من قبل سواء جاءت بالإيجاب أو بالسلب. فمنها ما يخدم أهدافاً سلمية وبطرق مشروعة، ومنها ما يخدم أهدافاً تحقق أغراضاً خاصة سواء لأشخاص أو مؤسسات أو أنظمة. وبالتالي ظهرت العديد من الجرائم الإلكترونية والتي تعد أبرز السلبيات التي تسبب بها هذا التطور. والتي يأتي في مقدمتها ما يعرف ب"الإرهاب الإلكتروني "Cyber Terrorism" والذي يمثل تهديداً علي الأمن القومي للدول، حيث أصبحت البنية التحتية لأغلب المجتمعات الحديثة تدار عن طريق أجهزة الحاسب الآلي والإنترنت مما يعرضها لهجمات متعددة من "الهاكرز" و"المخترقين" بشكل عام. إن تلك الهجمات تستطيع أن تتسبب في خسائر مادية ومعنوية هائلة فهي يمكنها إغلاق الإتصالات الدولية وإعاقة حركة الملاحة الجوية أو البحرية، وإلحاق الضرر بخدمات عامة مثل شبكات الكهرباء، والمياه وأيضاً بالنظام المالي للدول من خلال الإضرار بالبنوك والمؤسسات المصرفية. ولا يمكن أن نَغفل عن عمليات تكوين خلايا وشبكات إرهابية جديدة في دول عديدة من خلال الإنترنت، عن طريق تجنيد عناصر مختلفة بالإضافة إلي عمليات التنسيق والتخطيط والتوجيه والتدريب لتلك الشبكات عن بعد، مما يشكل مخاطر حقيقية علي المجتمعات والدول المستهدفة. وهو ما يتطلب تنسيق الجهود لمواجهة تلك المخاطر وتزايدها المستمر خاصة في ظل المتغيرات الحادة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط. التحديات وأساليب المواجهة في هذا الإطار نظم "المركز الدولي للدراسات المُستقبلية والاستراتيجية" ندوة بعنوان "مستقبل الإرهاب الإلكتروني .. تحديات وأساليب المواجهة " والتي عقدت الإربعاء الماضي الموافق 11 إبريل 2012 . والتي تناولت في جلستها الأولي مفهوم الإرهاب الإلكتروني (صوره، وأشكاله، ومخاطره) من خلال مجموعة من الخبراء والأكاديميين والمتخصصين علي رأسهم اللواء محمود الرشيدي مدير إدارة التوثيق والمعلومات بوزارة الداخلية سابقاً والذي حذر من أخطار هذه الظاهرة، وأكد ضرورة التصدي لها من خلال التوعية المستمرة بسلبيات الإنترنت خاصة أننا في مصر دولة مُستهلكة لتلك التقنية وليست مصنعة لها. كما عرف د.هشام بشير المستشار الإعلامي للجمعية المصرية لمكافحة جرائم الإنترنت مفهوم "الإرهاب الإلكتروني" علي أنه العدوان أو التخويف أو التهديد المادي أو المعنوي الصادر من الدول، أو الجماعات أو الأفراد علي الإنسان، في دينه أو نفسه أو عرضه أو عقله أو ماله بغير حق، باستخدام الموارد المعلوماتية والوسائل الإلكترونية، بشتي صنوف العدوان وصور الإفساد. وأشار د.عادل عبد الصادق باحث سياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، ومُتخصص في أبحاث الفضاء الإلكتروني إلي تراجع دور الدولة العميقة في ظل سيطرة الدولة الحديثة بالإضافة إلي شرح ظاهرة "الإرهاب الإلكتروني" كشكل من أشكال الصراع الدولي الحالي. أما شيريهان المنيري مدير وحدة الدراسات الإعلامية والمعلوماتية بالمركز فقد لخصت أشكال الإرهاب الإلكتروني في بعض النقاط والتي تمثلت في التجسُس الإلكتروني، والاختراقات أو القرصنة علي المواقع الحيوية للمُنشآت والمؤسسات الرسمية في المجتمعات المُختلفة، والتجنيد الإلكتروني من خلال ما يطلق عليه التلقين الإلكتروني، وأخيراً التهديد والترويع الإلكتروني. كما أكدت ضرورة تعاون عدة جهات مع بعضها البعض بمعني أن تسن الحكومة قوانين وعقوبات لمرتكبي الإرهاب الإلكتروني ودعم الجهود التشريعية والأمنية، بالإضافة إلي ضرورة تصميم الشركات لبرامج حماية ضد تلك الجرائم التي ترتكب وتهدد أمن المجتمعات، إلي جانب أهمية دور الأفراد وحثهم علي استخدام أنظمة الحماية والوقاية لكل الأضرار التي يمكن أن تلحق بأجهزتهم ومؤسساتهم. بمعني دعم تنمية الوعي الإلكتروني. أما الجلسة الثانية من الندوة فقد تناولت آليات وأساليب التصدي للإرهاب الإلكتروني ومُكافحته من عدة نواحي منها الإطار التقني والذي تناوله د.مصطفي جاد وكيل كلية حاسبات ومعلومات جامعة عين شمس، مؤكداً ضرورة حماية البيانات وتشفيرها. بالإضافة إلي الكاتب والباحث أ.سمير العركي والذي أشار إلي ضرورة تبني الأزهر ودار الإفتاء كل الجهود التي تهدف إلي التوعية في مواجهة دعاوي الجماعات المتطرفة عبر الإنترنت. أما عن المنظور القانوني فقد أكد د.جميل عبد الباقي عميد كلية حقوق عين شمس ضرورة تخصيص دوائر قضائية معينة للنظر في الجريمة الإلكترونية، والإستفادة مما انتهي إليه الإتحاد الأوروبي والدول الأخري، في مجال التشريعات الجنائية. كما أشار إلي أهمية تعاون وتوافق دولي علي قانون موحد خاص بعقوبات الجرائم الإلكترونية. في حين تحدث د.نشأت الهلالي مساعد أول وزير الداخلية الأسبق، ورئيس أكاديمية الشرطة سابقاً، عن حقوق الإنسان الرقمية وأهمية وجود منظمة دولية تعمل علي ذلك. ورشة عمل في الشوري الجدير بالذكر أن ما جاء خلال الندوة من مشاركات بعض الحضور حيث ذكر أ.علي مكاوي العضو بمجلس الشوري، أن المجلس بصدد عقد ورشة عمل حول تشريعات الإتصالات مؤكداً أهمية دور التشريع في مكافحة جرائم الإرهاب الإلكتروني. كما أشارت رباب محمد الباحثة القانونية بجامعة الدول العربية، إلي أن جامعة الدول العربية لديها مشروع قانون إسترشادي بهذا المجال. وأخيراً، يمكن تلخيص بعض التوصيات التي خلصت إليها الندوة في : ضرورة نشر القيم الفاضلة ومفهوم السلام بين الأفراد وبين الدول، مع التأكيد علي أهمية وضع مفهوم دولي موحد للإرهاب بصفة عامة، والإرهاب الإلكتروني بصفة خاصة. وضرورة قيام مزودي خدمة الإنترنت بالإبلاغ عن النشاط الإرهابي الملموس في حالة الشعور بوجود أي نوع من التهديدات. مع ضرورة التأكيد علي أهمية دور وسائل الإعلام في بلورة استراتيجيات للتصدي لمزاعم الإرهابيين، وتشجيع وسائل الإعلام لوضع قواعد إرشادية للتقارير الإعلامية والصحفية بما يحول دون استفادة الإرهابيين منها في الاتصال أو التجنيد. أيضاً ضرورة تشجيع عقد المؤتمرات والندوات وورش العمل وحلقات النقاش في مجالات ظواهر التطرف والإرهاب بصفة عامة، والإرهاب الإلكتروني بصفة خاصة، والتعرف علي مصادرها ومناهجها وأسبابها ودوافعها ومخاطرها، ووضع الحلول الفعالة لمواجهتها والحد من انتشارها. أيضاً يجب أن تعمل الدول علي ضرورة توحيد جهودها نحو وضع تشريعات داخلية صارمة لمكافحة الجرائم التي تتعلق بالإرهاب الإلكتروني. بالإضافة إلي ضرورة إنشاء منَظمة عربية لتنسيق أعمال مكافحة الإرهاب عبر الشبكات المعلوماتية والأنظمة الإلكترونية، وتشجيع قيام اتحادات عربية تسعي للتصدي لجرائم الإرهاب الإلكتروني.