لإعادة قراءة آثارنا بمنظور جديد بعد الثورة: بلدنا في حاجة إلي "شامبليون مصري" - لا يمكن أن نستمر أتباعاً للغرب في دراسة آثارنا المصرية ونحتاج لثورة في التعليم الأساسي والعالي لإعادة الاعتبار لتاريخنا القديم وثقافة الأجداد لتخريج علماء مبدعين في زياراتي لآثار جدودنا في الأقصر وغيرها، تكرّرالمشهد المأساوي التالي : المرشد السياحي يخطئ في المعلومات، والسائح الأوروبي أوالياباني يصحح له الخطأ. ومن حُسن حظي أنْ كان معي دائمًا العالم الراحل الجليل محسن لطفي السيد، فكان يؤكد خطأ المرشد «المصري» ودقة معلومات السائح الأجنبي. وفي صالونه كان أغلب الحضورمن المرشدين السياحيين، والقليلون منهم ىُجيد اللغة المصرية القديمة. لذلك كان يحرص علي تخصيص ساعتىْن في كل مرة لتدريس اللغة المصرية القديمة. وأعتقد أنه من العارأنْ يعرف السائح الأجنبي لغة جدودنا علي الجداريات وفي البرديات ولا يعرفها المرشد «المصري» وأنّ عدم معرفة تلك اللغة توقعه في الأخطاء «المعلوماتية» لذلك أري أهمية تدريس اللغة المصرية القديمة بخطوطها «الهيروغليفية والهيراطيقية والديموطيقية والقبطية» في كل مراحل التعليم «وفق منهج علمي يناسب كل مرحلة» لتحقيق هدفين قوميين : الأول : كسراحتكارالعلماء الأوروبيين لعلم المصريات، فمع التقديرالذي لايمكن انكاره لمجهودهم فإنّ الحقيقة التي لايمكن تغافلها هي أنّ هذا العلم يجب أنْ يكون شعبنا هو أول من يهتم به. ويدفعني لهذا الاعتقاد أربعة أسباب «1» إننا أحفاد من أبدعوا هذه الحضارة «2» من يضمن أنّ بعض الدراسات الأوروبية قد يشوبها التشويه أوالتزويرأوحجب المعلومات؟ فمن القادرعلي الرد غيرالأحفاد ؟ «3» تضع بعض الجامعات الأوروبية الخطوط الحمراء أمام أي باحث مصري يود التخصص في علم المصريات. وقد أكد لي هذه الحقيقة صديقي الراحل الجليل «لويس بقطر» الذي عاش في السويد أكثرمن 20سنة. وذكرلي أنهم في السويد قالوا له بصراحة : هناك بعض المناطق في التاريخ المصري القديم لايجوزلأي باحث مصري الاقتراب منها، ولذلك عاني كثيرًا في الاطلاع علي بعض البرديات المحفوظة في جامعاتهم ومتاحفهم. وبمجهوده الخاص استطاع أنْ يكتب عدة كتب منها كتابه المهم «مصرالقديمة- التاريخ الاجتماعي» الصادرعن المجلس الأعلي للثقافة- المشروع القومي للترجمة عام 2000و«تأملات في الأدب المصري القديم- هيئة قصورالثقافة- عام 95 غيرالترجمات «4» إنّ المصريين المتخصصين في علم المصريات عددهم ضئيل جدًا بالنسبة لعدد العلماء الأوروبيين من جهة وبالنسبة لحجم وأهمية هذه القارة «الحضارة المصرية» التي لم يتم الكشف عن كل كنوزها من جهة ثانية. لكل هذه الأسباب لابد أنْ يكون لدينا جيل من العلماء المُتخصصين في حضارة جدودنا، وهذا التخصص لاىُمكن أنْ يكون جادًا إلاّبتعلم اللغة المصرية القديمة. الهدف الثاني : لايجوزالاستمرارفي الوضع الراهن البائس للمرشدين السياحيين المصريين، الذين يكتفون بقشورالدراسة النظرية في الكليات والمعاهد «الخاصة» التي همها الحصول علي المصاريف الباهظة من الطلاب، دون تحصيل علمي منهجي، وبالتالي لايتقنون اللغة المصرية القديمة. فإذا تحقق مطلب تدريس تلك اللغة في المدارس والجامعات، سيكون الطالب الراغب في العمل كمرشد سياحي علي دراية بلغة جدوده. وبالتالي يكون شرحه للسياح علي المستوي العلمي الجاد . ولعلنا نعي درس يوم 14سبتمبر1822في علم المصريات، عندما قال جان فرانسوا شامبليون «المسألة في حوزتي» وكان يقصد حل رموزاللغة المصرية. في ذاك التاريخ تم اكتشاف «قارة حضارية» اسمها الحضارة المصرية. وتم تأسيس علم جديد اسمه «علم المصريات» طبعًا كانت هناك جهود سابقة علي شامبليون، ولكنه هوالأكثردقة. كان عشقه الأول للغويات. وإنّ اهتمامه باللغات العربية والكلدانية والسريانية بدأ وعمره 13سنة بعد أنْ درس اللاتينية والعبرية، ثم عكف علي دراسة اللغة القبطية. وفي عام 1812قال «استسلمتُ تمامًا لدراسة اللغة القبطية. كنتُ منغمسًا في هذه اللغة لدرجة أنني كنتُ ألهو بترجمة كل مايخطرعلي ذهني إلي القبطية. كنتُ أتحدث مع نفسي بالقبطية. ولفرط ماتفحّصتُ هذه اللغة كنتُ أشعرأنني قادرعلي تعليم أحدهم قواعدها النحوية في يوم واحد. ولاجدال أنّ هذه الدراسة الكاملة للغة المصرية تمنح مفتاح المنظومة الهيروغليفية وقد عثرتُ عليه» وعندما زار مصر وقف أمام معبد الكرنك وقال «لسنا في أوروبا سوي أقزام. لايوجد شعب قديم أوحديث تصوّرالفن المعماري مثلما فعل المصريون، وعلي مستوي بمثل هذه المهابة والفخامة والرحابة. إنّ الإبداع الذي ىُحلق عاليا فوق أروقتنا في أوروبا يسقط عاجزًا عند أقدام بهوالأعمدة في الكرنك الذي يضم 140عمودًا» بعد حل رموزاللغة المصرية بدأ علم المصريات ينحو نحو التأصيل المؤسس علي قراءة اللغة المنقوشة علي الجداريات والمكتوبة في البرديات، أي بدأ ذاك العلم يعتمد علي المصادرالأصلية وليس علي ماكتبه المؤرخون والرحالة فقط . وكان لعدد من العلماء الأوروبيين الفضل في «الكتابة العلمية» عن الحضارة المصرية. وهذا الجهد العلمي لم يكن يتحقق إلاّبعد أنْ عكفوا علي تعلم اللغة المصرية القديمة، أمثال أدولف إرمان وهو من أبرزالمتخصصين في دراسة التاريخ المصري القديم وأحد منشئي المدرسة الحديثة التي اهتمتْ بالحضارة المصرية وباللغة المصرية علي أساس علمي. وكان لهذه المدرسة فضل كتابة المعاجم والأجروميات لمختلف لهجات اللغة المصرية القديمة في كل عصورها. وقد انتشرتلاميذ إرمان في أوروبا وأمريكا. أما العالم برستد فقد تم تعيينه أستاذًا للدراسات المصرية القديمة والتاريخ الشرقي بجامعة شيكاغومن عام 1905- 1933وله فضل الكشف عن بعض الآثارالقديمة في مصر والعراق. وكذلك «سيرآلان جاردنر» عالم الآثارالإنجليزي رئيس جمعية التنقيب عن الآثار المصرية. درس علم المصريات في مانشستر«1912- 14» ورئيس تحريرمجلة الآثارالمصرية. أسهم في قراءة نقوش مقبرة توت عنخ آمون «1923» عُين أستاذا للآثارالمصرية في جامعة شيكاغو. وترتب علي مجهوده في الحضارة المصرية أنْ صار عضوًا في كثيرمن الجمعيات العلمية المتخصصة في تاريخ مصرالقديمة. أصدرالعديد من الكتب عن مصرمنها «الأجرومية المصرية» عام 1927 وترجم بردية «شستربيتي رقم "1"» عام 1931و«التصويرالمصري القديم» بالاشتراك مع نينا دي جاريس عام 1936 و«نقوش قادش لرمسيس الثاني» عام 1960 . ويعتبرعلماء المصريات أنّ كتاب جاردنر«النحوالمصري» هوعمدة اللغة المصرية القديمة في مرحلتها الهيروغليفية وكتب «ظلّ التاريخ المُدوّن في حكم العدم حتي اكتشف المصريون قبل نهاية حقبة ماقبل الأسرمبدأ الكتابة الصورية» وما كتبه جاردنرعن الكتابة الصورية وعن اللغة المصرية أكده علماء لغويات كثيرون من بينهم اللغوي الإنجليزي «سيمون بوتر» الذي كتب «جميع الأبجديات جميعًا اشتقتْ من الكتابة الصورية التي نشأتْ في مصر» «انظركتاب حاضرالثقافة في مصر- تأليف الراحل الجليل بيومي قنديل- ط 4 علي نفقته الخاصة- عام 2008- أكثرمن صفحة» إنني أناشد المسئولين عن التعليم في مصر ضرورة أنْ يتضمن منهج التعليم تدريس اللغة المصرية القديمة لأبنائنا، من الابتدائي إلي الجامعي، كي يكون لدينا علماء في علم المصريات ومرشون سياحيون علي مستوي المنهج العلمي، وإذا كانت أوروبا لديها ولع يصل لدرجة العشق و«الغرام» بالحضارة المصرية واهتمام بتدريس اللغة المصرية القديمة. ولدرجة تدريس مادة «علم المصريات» للتلاميذ من الابتدائي إلي الجامعة. فإذا كان الأمركذلك فإننا نحن المصريين أولي بهذا «الاهتمام» الأوروبي بتاريخنا القديم. يؤكد ذلك شهادة د.حسن بكر، رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة أسيوط الذي كتب الطالب الغربي عمومًا والأمريكي بالذات يدرس الآثار المصرية في جميع مراحل التعليم قبل الجامعي بدقة تفوق دراسة أي طالب مصري أوعربي لها. وقد أذهلني حينما كنتُ طالب بعثة بالولايات المتحدة خلال عقد الثمانينات أنّ عديدًا من الأمريكان يحفظون مراحل تطورالحضارة المصرية عن ظهرقلب. وقد أوجعني كثيرًا أنّ أحدهم دخل في مناقشة معنا في النادي الثقافي المصري، فراح يعدد لنا أسماء الأسرالفرعونية واحدة تلوالأخري ووقفنا أنا وزملائي المصريين واجمين» «أهرام 21/4/92» وكتب د. صبحي شفيق «أول كتاب يتسلمه التلميذ بالمدارس في أوروبا، في صفحته الأولي صورة لهرم زوسرالمُدرّج وتحته يقرأ : أول حضارة عرفتْ استخدام الأحجار ذات الزوايا القائمة وأول صرح حضاري في تاريخ الإنسانية» «صحيفة القاهرة 22/11/2005» أما الكاتب أ.محمد صالح فقد اقترح اقتراحًا منذ عدة سنوات ولم يهتم به أحد من المسئولين إذْ كتب « لستُ أعرف لماذا لم نفكرحتي الآن في أنْ يكون يوم كشف اللغة الهيروغليفية وحل رموزها عيدًا قوميا لمصرباعتبارأنّ ذلك هوالحدث الذي كشف حقيقة الحضارة المصرية ووضعها في مرتبة أعلي من سواها» «أهرام 21/9/ 2002 ص 10» .