عن دار الهداية للطباعة والنشر بالقاهرة، صدرت دراسة ضخمة للباحث حاتم الجوهري، يعرض فيها - في صبر ودأب شديدين - تهافت فكرة اليسار الإسرائيلي الذي يدعي دوما الوقوف مع الحق العربي، عبر أدبياته، لكن "حاتم الجوهري " في هذه الدراسة الموسومة ب " خرافة الأدب الصهيوني التقدمي " يؤكد أن هذا الطرح يغلب عليه الدعائية الفارغة، من خلال دراسته العميقة لديوان " مدينة الحوت " للشاعر الإسرائيلي اليساري يتسحاق لاء ور، قدم للكتاب الأستاذان: د. أحمد عبداللطيف حماد و د. عمار علي حسن. في خيباتنا الدائمة يصيغ الكاتب في مقدمته مصطلحا لطيفا مخيفا، هو مصطلح "الاحتلال اللطيف "، في قوله: نزعم أن فكرة وجود أدب صهيوني تقدمي وآخر رجعي، هي فكرة خرافية، أسطورة أخري من أساطير الصهيونية العالمية - بأجنحتها المتعددة - نجحت في الترويج لها وتدشينها بكل ذكاء وحنكة وخبرة سياسية وفكرية وأيديولوجية، إن فكرة الأدب الصهيوني التقدمي، تشبه فكرة الاحتلال اللطيف !! الاحتلال التقدمي !! هل يمكن للإنسان أن يقبل بوجود محتل لطيف وآخر سمج ! هل نفتح ذراعينا للاحتلال التقدمي ذي الديباجات المادية والدياليكتية، ونرفض الاحتلال القائم علي ديباجات دينية عرقية ! قوم لا يقرأون يقدم الباحث كتابه في خمسة فصول هي : الكشف عن جذور ومبادئ "الصهيونية الماركسية" وخرافة التقدمية، البناء النظري للأدب الصهيوني، الشاعر والطرح السياسي الملتبس، توظيف الشاعر لآليات ما بعد الحداثة بين السياسة والفن، "الصهيونية الماركسية" عند الشاعر بين الاتساق والخرافة. يذكر الباحث أنه يدور "موضوع الدراسة" حول -تتخذ نموذجا له - الأديب والشاعر : يتسحاق لاء ور أحد أهم أقطاب أدباء ما يسمي : اليسار الصهيوني المعاصر، والذي لا يحسب فقط علي ما يسمي : اليسار الصهيوني التقليدي، وإنما يعد حاليا في دولة المشروع الصهيوني، أبرز رجال ما يسمي : "اليسار الراديكالي" أو ما يسمونه: "اليسار اللاصهيوني" .. ! الذي يعرف في الأدبيات الصهيونية بتيار "الصهيونية الماركسية"، إذ يقول هذا الشاعر بأنه يمثل الأدب الأيديولوجي في "إسرائيل"، أو ما يسمي في الأوساط الصهيونية والعالمية : أيديولوجيا " الصهيونية الماركسية " في الأدب الإسرائيلي، وهي الفكر الصهيوني .. الذي يدّعي الجمع بين فكرة الوطن القومي لليهود في فلسطين، وبين الانتماء للفكر الماركسي عامة، وهو الشاعر الذي أسس - منذ سنوات قليلة - مجلة فصلية تحت اسم : "مجلة ميتعم" مجلة للفكر الراديكالي التي سرعان ما أصبحت المنبر الأول لأدباء ومفكري ما يسمي : "اليسار الماركسي" في دولة المشروع الصهيوني، وأصدر في عام 2009 كتابا باللغة الإنجليزية بعنوان : "خرافة الصهيونية الليبرالية" . وقد رفع الشاعر في قصائده بعض الشعارات التي قد تبدو معادية - من زاوية ما - لبعض ممارسات الدولة الصهيونية، و بعض الشعارات، التي قد تبدو - من زاوية ما أيضا - مناصرة للفلسطينيين، ومن هنا كانت سعت هذه الدراسة للوقوف علي مدي صحة هذه الشعارات، وتحليلها تحليلا أدبيا ونقديا متعمقا «من خلال دراسة المضمون الشعري في قصائده»، ومعرفة منظومة القيم والمبادئ التي تحكم الشاعر وهل هي منظومة قيم متسقة ومقبولة منطقيا ؟! أم أنها منظومة قيم ومبادئ مشوهة قد تجمع في داخلها الأضداد ؟! من هنا أيضا كإشكالية الدراسة التي تختبر فكرة اتساق القيم عند الشاعر، ومدي تحققها من عدمه، وهل الشاعر يملك رؤية أو منهجا كليا شاملا للتعاطي المنصف مع الصراع العربي الصهيوني من جميع جوانبه؟ أم أنه يستخدم منهجا جزئيا غير متسق ؟! «يتناول بعض الحقائق والموضوعات، ويسقط ويهمل بعضها الآخر» . ويرجع سبب اختيار الموضوع في المقام الأول إلي ضرورة الوقوف علي ادعاءات وشعارات ما يمكن أن نسميه : " آلة الثقافة الصهيونية المعاصرة " و الدور الذي تلعبه، علي صعيد تطبيع الوجود الصهيوني في الأوساط الأكاديمية والبحثية - غير الرسمية - الدولية، وهل هي حقيقة تعمل وفق القيم الإنسانية التي ترفع شعاراتها، والتي يفترض أن تشمل قيم الحق والعدل والحرية واحترام حقوق الشعوب، أم أنها حركة ثقافية مزيفة؟! ولها دور مكمل في المشروع الصهيوني؟! يعتمد علي كسب تعاطف بعض القوي العالمية غير الرسمية، من حيث إمكانية وجود صهاينة معتدلين، وأن دولة المشروع الصهيوني «إسرائيل» ليست كلها شر. القاتل القتيل أما عن سبب اختيار الشاعر : " يتسحاق لاء ور " كنموذج لدراسة أدب فصيل الصهيونية الماركسية، فيرجع للمكانة التي يحتلها في دولة المشروع الصهيوني : "إسرائيل" و ديوان : "مدينة الحوت"، من أهم دواوين الشاعر السياسية والذي أصدره في العقد الأخير، في ذروة الانتفاضة الفلسطينية الثانية . صدر الديوان عام 2004 م، و حصل علي جائزة : "يهودا عميحاي" للشعر العبري، عن الديوان نفسه عام 2007 م، بالمناصفة مع الشاعر : "يسرائيل نيتع"، وأجمع معظم النقاد الصهاينة أن الديوان، هو من انضج مراحل الإنتاج الشعري السياسي ل " يتسحاق لاء ور " . نتائج مهمة أثبت تحليل الباحث لمضمون القصائد الأدبية عند الشاعر، أنه حاول أن يداري علي فكرة الصراع الفكري الداخلي «الناتج عن قصور الفكرة» الذي كان واضحا في قصائده، عن طريق حيلة معروفة ومشهورة عند بعض المفكرين والسياسيين من أصحاب القصور في البناء الفكري أو العقيدة النظرية، وهي كانت : حيلة المزايدة المستمرة، أو التشدد والمغالاة والتطرف في التمسك بأفكاره وادعاء الانتماء إليها، وتصنعه الدفاع الزائد في الدعاية لها، حتي لا يلتفت الناس إلي ما أهمله وأسقطه من حساباته، تسترا وراء قناع التشدد والمزايدة المفتعل .