لوحات الفنان احمد شيحا تحمل الكثير من مفهوم الجدار وحالاته النفسية وتراكماته لتبدو اللوحة الجدار ككائن صامت شاهد يتنفس وليس مجرد لوحة منفذة بعجائن سميكة معلقة في حالة عرض .. في بعض لوحاته الأخيرة التي عرضت في قاعة الفنان صلاح طاهر بدار الأوبرا . . عمل الفنان لوحات للعام 2011 للتعبير عن الثورة كحالة مرتبطة بحدث الحاضر ورمز الماضي ونبوءة المستقبل لتصبح لوحاته بتقنيتها الجدارية بطريقة ما جزءاً من منظور زمني في تراكمية .. لوحاته الجدارية التقنية أري فيها تفاعلية بمستوياتها وتجلياتها علي اعتبار تواجه المشاهد والعمل المتعدد الكثافة بلدائنه وعجائن السطح مما يجعل المشاهد يدرك انه امام او مُحاطاً بجدار سميك مُركب يخفي عالماً سرياً داخله قد نستشعر أمامه بغموض وقلق .. وقد استخدم المفكر الوجودي "جان بول سارتر" فكرة "الجدار" للتعبير عن فكرة الانتقال من الحياة للموت في روايته " الجدار " .. بينما الجدار في لوحات شيحا يوحي بفكرة السرد أي فكرة امتداد الحياة. داخل المعرض بتجاور لوحاته الجدارية تأملت فكرة أن يكون رغم تواجد جدار الي جوار جدار آخر الا أن هناك عزلة كاملة بين اللوحات بوضع الفنان لجدارياته داخل أطر سميكة شديدة الحدة في الحجم واللون .. خاصة أن للجدار عادة ما يوحي بأنطولوجيا خاصة واجب الحفاظ علي حيويتها وتفاعلها داخل محيطها وكان من المتوقع ان تكون جداريات الفنان شيحا سلسلة متصلة من مشهد الثورة إلا انه بدا المشهد متجزئاً مرتبطاً بالعزلة في لوحات فرادي .. وفي غالب اعمال الفنان شيحا الأخيرة يوجد ما يوحي بفكرة الكتابة علي الجدار وايضا تأكيد المسألة العضوية لكائن حي يتنفس من وراء جدار .. وأيضاً تدخل اعماله نطاق لوحة فن العلامة وتقديمه للمعاصر وللتراكمي القديم معا وداخل رؤية ومساحة واحدة مما يجعل جدارياته الخاصة بالثورة هياكل واضحة المعايشة والامتداد داخل الحالة المصرية والتاريخية بإعادة تطويق الحدث الثوري وربطه بأمجاد مصر القديمة كمحاولة النظر الي ما وراء الظاهر في مساحات من الفضفضة البصرية والروحية .. وللفنان لوحتان بدتا لي كجدران السجون ما زالت ساخنة بأنفاس وعلامات وآلام واحباطات وامال ساكنيها التي استشعرت وحشتهما من النظرة الاولي التي لهما لعنة جدران العزلة والموت تماماً كجدران "سارتر".. لكن هل يمكن تحقيق حياة لجدران المعاناة القديمة واستنطاقها أم ان الجدران تصبح مدافن للذكري؟ وهل يتراوح ادراكنا للجدار بين العضوي الحي وبين الجامد الميت ؟ .. ربما اراد الفنان من لوحتيه التعبير عن حال ما قبل الثورة . .علي اعتبار ان الجدار يُعد وسيلة مُرددة لصدي اصوات مرئية تتواصل وعوالم بعيدة .. وهناك لوحة بدت لي كأنها تطفو بأصوات عائمة داخلها وحولها ربما قصد بها اصوات مُحركي الحدث .. واخري بدت لي صدئة تحمل صوتاً مُهشراً للواقع البشري كأنها لبشر موتي داخل اكفانهم .. وأخري بدت كأنها تتحدث لغة مُنقرضة لها همهماتها كأن السطح يحكي قصة حياة .. وأخري متحفزة بشخوصها للإنسلاخ عن الجدار لاستكمال ما لم يُستكمل .. وأخري مستشرفة تحرسها نجوم معابدنا القديمة .. وللجدار ثقافته وهي ثقافة تفاعلية عبر الصوت المحيط فالجدار يمتص موجات اصواتنا ولانه لا شيء فاقداً في الكون فالجدار مخزن لأصوات البشر ويبدو لي الجدار الصدئ البني أكثر بشرية من الجدار الجديد اللامع.. وجدران لوحات الفنان شيحا اكسبها سمة انسانية حاول خلالها وصف فكرة ثورة شعب دون التركيز علي مشاهدها وقد بدت رسوماتها وعلاماتها كذبذبات وترددات لما يحيطها التي قد يصدها جزء من جدار وقد يمتصها جزء آخر.. وتبدو لوحات الثورة جدارية التقنية قابلة للبقاء خلال الزمن كمخزون قابل للإفاضة فيما بعد كصوت مسموع من الماضي - الذي هو حاضرنا الآن - ليمدد حواس مشاهديها الي احداث مُخزنة في لدائن وعجائن تتيح للمشاهد الكشف عن أجواء ما في مكان آخر وزمن آخر في اختراق المسافة الثقافية والجغرافية .. في تصوري الفنان شيحا بدا محاولاً فتح عمق وهمي للسطح الجامد ليعيد اغلاقه بعجائنه ليقف المشاهد علي مقربة من لوحاته متخيلاً ان الجدار هو النهاية ويعجز عن تصور فراغ .. بينما بدأ الفنان من العكس بمد يده الي داخل الجدار مستخرجاً ما فيه قبل ان يلقيه متراكماً في عجائن فوق السطح الذي يختفي ليوهمنا بتضاريس تتسلقها العين لتدرك الاحساس بالسطح وصلابته وحدته كتجربة بصرية حسية لمسية فريدة.