تزامنا مع احتفالات العيد الأول لاندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير صدر أحدث ألبومات المطربة شيرين عبدالوهاب، نموذج بنت البلد المصرية علي مستوي الشكل والصوت، فقد كانت ملامحها صميمة المصرية، وبحوحتها الصوتية، وعفويتها العصرية، شفرتها الخاصة في الوصول الي قلوب المصريين وجمهور الوطن العربي. بدأت شيرين مشوارها الفني مع بداية الألفية الثالثة، وعلي مدار العشر سنوات تقريبا قدمت ستة ألبومات هي علي الترتيب "فري ميكس3" بالاشتراك مع الفنان تامر حسني، "جرح تاني"، "لازم أعيش" وجميعهم من انتاج شركة فري ميوزك، ثم انتقلت الي شركة روتانا لتقدم من خلالها ألبومات "بطمنك"، و"حبيت"، وأخيرا وبعد غياب العامين والنصف تطل علينا بأحدث ألبوماتها "اسأل عليا" لتُمتعنا من خلاله بعشر أغنيات تثري مشاعرنا بحالات انفعالية عاطفية متعددة. قدمت شيرين لجمهورها من خلال غلاف الألبوم كلمة رقيقة صادقة ُتعبر فيها عن مدي اهتمامها بإسعاد جمهورها وتقديرها له، كذلك كانت هذه هي المرة الأولي التي أجد فيها مقدمة موسيقية "Intro" للألبوم تسبق عرض الأغنيات والتي اعتمدت علي تقنيات موسيقي التكنو، وغالبا ماسيكون ذلك موضة ألبومات الفترة القادمة. أغنيات الألبوم أول أغنيات الألبوم حملت عنوان "والنبي لو جاني" من كلمات إيهاب عبده، الذي وضعها في اطار عاطفي يحمل الشعبية من خلال بعض الكلمات التي ظهرت في الشطرات "والنبي لوجاني/ باس ايدي كدة واترجاني" و"حد الله مابيني/ وبين واحد قلبه ناسيني". اللحن لغازي العيادي نغمات مقام البياتي ليضع فيه لحنه، وهو من المقامات الشرقية الطابع. التوزيع الموسيقي لمحمد مصطفي، الذي حاول الابتعاد عن التقليدية في الطرح الموسيقي، حيث نجد الأغنية تبدأ بمقدمة موسيقية قصيرة جدا غربية الطابع ومع دخول شيرين في الغناء يدخل تنويع علي إيقاع المقسوم المصري، حيث يمزج بين نقراته ونقرات ايقاع غربي آخر غير واضح المعالم. اللازمة الموسيقية عزفتها آلتي الأوكرديون والناي بمصاحبة بعض الأصوات الموسيقية المصنعة. الأغنية الثانية بعنوان "نفسي أفهم ليه"، من كلمات أمير طعيمة ومضمونها عاطفي درامي. ألحان خالد عز الذي اختار نغمات مقام نهاوند لوضع اللحن فيه، وهو من المقامات الحيادية الطابع حيث إنه مقام مستخدم في الموسيقي الغربيةوالشرقية. والتوزيع الموسيقي لمحمد مصطفي الذي اعتمد فيه علي ستايل غربي من حيث الإيقاع والآلات التي برز منها الجيتار الكهربائي، والكيبوورد، والبيانو الإلكتروني، الي جانب مجموعة الكمان. وقد أتاح طول النغمات للحن الفرصة لشيرين لاستعراض مهارتها في التنويعات الزخرفية أثناء الغناء، كما استخدمت فيها تقنية الصوت المكثف "Voice over"، وهي تلك التقنية التي تمكننا من سماع صوت المؤدي المنفرد وكأنه كورس. الأغنية الثالثة حملت عنوان "هتروح"، من كلمات أحمد عطيتة والتي جاء مضمونها درامياً عاطفياً يدور حول الفراق بين الأحباء. ألحان تامر علي ّ الذي اختار مقام الكرد ليضع لحنه في نغماته، وهو من المقامات التي تحمل نغماتها الشجن، حيادي النغمات حيث يمكن استخدامه في موسيقي الغرب والشرق الأوسط. التوزيع الموسيقي لمحمد مصطفي وقد اختار نموذجاً موسيقياً غربياً من حيث الإيقاعات والآلات الموسيقية التي أعتمدت علي الجيتارات بأنواعها الباص والإلكترك والأسباني، مع الأصوات المصنعة، ومجموعة الكمان التي نفذها تامر غنيم. وقد استخدم الموزع التوزيع الكورالي البسيط في تقنية الصوت المكثف، والذي يمكننا من خلاله سماع صوت المؤدي يغني مقطعاً واحداً في أكثر من خط لحني تؤدي جميعها في آن واحد، وبالرغم من مضمون الأغنية العاطفي الدرامي إلا أن أداء شيرين لبعض النغمات بالمقطع "لا لا لا لااااا " أكسب الأغنية طابعا خاصا غير تقليدي. الأغنية الرابعة جاءت بعنوان "أعصابه تلاجة"، كلمات أمير طعيمة وهي ذات مضمون عاطفي أيضا يدور حول شك المرأة في من ُتحب، وقد صاغها طعيمة بكلمات رشيقة خفيفة الظل. ألحان أحمد صلاح حسني الذي وضع لحنه في نغمات مقام الكرد ذي الطابع الغجري الذي يحمل الشجن. التوزيع الموسيقي وضعه طارق مدكور، والحقيقة أن مدكور بارع في تغيير رؤيته التوزيعية لموسيقي اللحن من مطرب الي آخر حسب طبيعة صوت هذا المطرب واللون الذي يتناسب مع هيئته، فقد جعل الأغنية تبدأ بغناء شيرين مباشرة دون أية مقدمات موسيقية بمصاحبة آلية بسيطة أعطت أجواء من البهجة، ثم يمهد لدخول الإيقاع بفترة صمت «سكتة موسيقية» قصيرة جدا ليدخل بعدها إيقاع المقسوم المصري مع بداية غناء المقطع "حالة غريب داخلين في يومين"، وهذه سمة من السمات التي تكسب الأغنية تفاعلا مع المتلقي، ومما لا شك فيه أن توزيع الوتريات «مجموعة آلات الكمان، والتشيللو» التي وضعها يحيي الموجي والتي عزفت اللازمة الموسيقية بين كوبليهات الأغنية أكسبتها ثراء نغمياً. الأغنية الخامسة بعنوان "واحدة بواحدة"، كلمات ايهاب عبده للمرة الثانية في الألبوم، ومضمونها عاطفي. لحن مصطفي عوض الذي وضع لحنه في نغمات مقام نهاوند، وهو من المقامات الحيادية كما ذكرتها سلفا، وقد صاغها في شكل درامي. توزيع موسيقي لمحمد مصطفي، وقد استخدم مصطفي فيها إيقاع الوحدة الكبيرة كما ظهرت في المقدمة الموسيقة للأغنية بنقر علي آلة البندير بالتبادل مع المقسوم المصري البطيء، صولو الموسيقي الذي فصل بين كوبليهات الأغنية عزفته آلة نفخ غالبا ساكسفون باستخدام كتامة لإكساب صوتها الدفء مع آلة كمان منفردة فخرج لنا مزيج صوتي رائع، والجدير بالذكر أن الأغنية بدأت وانتهت بأجزاء من موسيقية بحتة. الأغنية السادسة في الألبوم بعنوان "مسئولة منك"، وضع كلماتها سلامة علي في إطار عاطفي أيضا ولكن بتناول جديد، حيث يدور مضمون الكلمات حول مسئوليات الحبيب تجاه محبوبته. لحنها محمد يحيي في نغمات مقام الكرد بشكل بسيط ورشيق. وزعها موسيقيا محمد مصطفي ليبرز طابع اللحن الخفيف فاستخدم تقنيات الهندسة الصوتية لإكساب بعض المقاطع الغنائية المجردة الكلمات مثل لفظة "تراتاتاتا ترارارارا" بصوت شيرين صفة الآلة. كذلك استخدم مصطفي الخداع السمعي منذ الوهلة الأولي في الأغنية حيث بدأ الأغنية بعزف من مجموعة آلات الكمان بأداء شرقي تقليدي، ثم تحول بشكل مفاجئ الي آلية موسيقية غربية الطابع من خلال الإيقاع ونوعية الآلات المستخدمة، ثم يعود لروح الموسيقي المصرية من خلال إيقاع الفلاحي في المقطع "لو مش عجبك كلامي طيب اتفضل قول"، وتستمر الأغنية حتي نهايتها تمزج بين مفردات الموسيقي الغربية والمصرية، وتغيير في نماذج الإيقاعات مما أكسب اللحن الحيوية والرشاقة. الأغنية السابعة حملت عنوان "لو لسة باقي"، من كلمات عمرو الجارم مضمونها عاطفي درامي. أبرز درامية الكلمات اللحن الذي وضعه رامي جمال في نغمات مقام نهاوند. التوزيع الموسيقي لطارق عبد الجابر كان بسيطا اعتمد علي نموذج موسيقي غربي برز فيه آلتي الجيتار بنوعيه الليد والبيز «باص»، وهذه الأغنية من أكثر أغنيات الألبوم تقليدية في جميع عناصرها. الأغنية الثامنة بعنوان "ده مش حبيبي" كلمات أمير طعيمة كتبها في إطار عاطفي درامي وفق الي حد كبير فيها، وموضوعها يدور حول لوم الذات علي الدخول في قصة حب بعد تغير الطرف الآخر في هذه القصة. لحن خالد عز اختار له نغمات مقام الكرد، وأن تشابه كثيرا في المقطع "ده مش حبيبي" مع لحن آخر لوليد سعد وغناء وائل جسار بعنوان "لمين هاعيش". التوزيع الموسيقي لمحمد مصطفي شاركه فيه سعيد كمال بوضع توزيع مجموعة الوتريات، حيث بدأ اللحن بأصوات الأجراس علي خلفية لأصوات مجموعة التشيلو بصوتها العميق الحزين، تبعها دخول نقرات من آلة الماريمبا ثم دخول مجموعة الكمان التي حولت الحالة الانفعالية من الحزن الي التوتر، وقد جاءت المقدمة الموسيقية للأغنية معبرة منذ الوهلة الأولي عن المضمون الدرامي للأغنية. مزج مصطفي بين أكثر من إيقاع غربي وإيقاع الوحدة الكبيرة المصري الشرقي بدءاً من المقطع "أنا حبيبي كان يبكي قبلي لو يشوف دمعة ف عينية"، وحتي الأغنية بأكملها بغناء المقطع الأول في الأغنية "ده مش حبيبي" لتقرير الحالة الإنفعالية الأساسية في الأغنية وهي التوصل لهذه الحقيقة. أداء شيرين الغنائي كان الأفضل من ناحية الإحساس بالحالة الانفعالية لمضمون النص الدرامي للأغنية، وهذا لا ينفي حرفيتها في غناء أغنيات الألبوم الأخري. الأغنية التاسعة هي التي يحمل الألبوم عنوانها "اسأل عليا"، كلمات محمد عاطف ومضمونها عاطفي يدور حول عتاب الأحباء. لحن محمد يحيي الذي وضعه في نغمات مقام نهاوند بصياغة تطريبية تحمل عبق أغنيات الجيل الذهبي وان كانت قصيرة. وزعها موسيقيا طارق عبدالجابر حيث ليؤكد الشكل التطريبي للأغنية، حيث بدأها بأدليب «موال سبق تلحينه» غنائي، ثم يدخل إيقاع المقسوم المصري ويستمر حتي نهاية الأغنية، مستخدما فيها مزيجاً من الآلات الموسيقية الشرقية مثل القانون وناي، الي جانب الجيتار الليد والبيز، ولعبت فيها مجموعة الكمان دوراً رئيسياً في الأغنية. الأغنية العاشرة والأخيرة جاءت بعنوان "بتحكي ف إيه"، كلمات أحمد محروس مضمونها عاطفي مثل بقية أغنيات الألبوم يدور موضوعها حول ضرورة لحظة الفراق بين الأحباب. لحن محمد يحيي جاء في نغمات مقام الكرد. توزيع موسيقي لطارق مدكور للمرة الثانية في الألبوم، وقد صاغها في قالب موسيقي غربي من أنواع موسيقي الروك، وهي من الأغنيات المتميزة في الألبوم. سمات الألبوم ألبوم "اسأل عليا" ظهرت فيه شيرين بصورة جديدة علينا من خلال صور كتيب الألبوم ولكن أري أنها كانت بعيدة عن شيرين بنت البلد المصرية التي أحبها الجمهور لبساطتها. الشاعر أمير طعيمة، والملحن محمد يحيي، وزوجها الموزع الموسيقي محمد مصطفي كانوا الأكثر تواجدا من حيث الكم في أغنيات الألبوم. محاولة الموزع الموسيقي محمد مصطفي للمزج مابين الإيقاعات المصرية والغربية في توزيعه لأغنيات الألبوم صنعت حالة خاصة لأجواء الأغنيات. طغي علي أغنيات الألبوم مقامي الكرد والنهاوند، بينما لم تظهر المقامات ذات الطابع الشرقي التي تحتوي علي نغمة ثلاثة أرباع التون إلا في أغنية "والنبي لو جاني " فقط بالرغم من أن صوت شيرين مؤهل جيدا ليغني في تلك المقامات. جميع أغنيات الألبوم مضمونها عاطفي، وغاب عن الألبوم الأغنية الاجتماعية والوطنية بالرغم من حاجة المجتمع المصري لهما في ظل الظروف الراهنة.