لم يفكر السلاموني يوما في النقد السينمائي، كان مثل جيله يفكر في كتابة القصة والقصيدة، لكن الشعر استعصي عليه فتركه غير نادم.. فالشعر مثل الحب لا يمكن ان تحصل عليه بمجرد رغبتك فيه. ولم تكن القصة سهلة ولكنها لم تكن مستحيلة.. استمر ثلاثة شهور كاملة يكتب اولي قصصه القصيرة، وعندما انتهي منها اخذها وذهب الي الاستاذ عبدالفتاح الجمل الذي كان مشرفا علي الملحق الأدبي والفني لجريدة المساء.. ولكنه سرعان ما تلقي اولي صدمات حياته العملية في عالم الكتابة والابداع. لم يعجب عبدالفتاح الجمل بقصة سامي السلاموني ولم يكن عبدالفتاح الجمل يخشي لومة لائم في الحق ولا يخاف قول رأي بأكبر قدر من الخشونة وربما يصل لحد القسوة اذا لم يعجبه عمل تقدم به احد. الميلاد والنشأة نصح عبدالفتاح الجمل السلاموني بأن ينظر حوله قبل ان يكتب ولم يكابر السلاموني.. وادرك أنه كاتب مقال وليس كاتب قصة. ولد سامي السلاموني في 12 مارس عام 1936 في احدي قري محافظة الدقهلية «سلمون القماش».. الأب كان موظفا حكوميا مدمنا للسياسة ومتابعاً لها علي صفحات الصحف والمجلات التي كان يرسل ابنه لشرائها وكان الابن يجلس بأي مكان يقابله ليقرأها قبل ان يعود الي أبيه. ومن هنا وقع سامي السلاموني اسيرا في هوي الصحافة، وتمني ان يكون واحدا من هؤلاء الذين يكتبون هذا الكلام الجميل الجريء وبأفق واسع فقرر سامي السلاموني ان يكون صحفيا مهما كان الثمن. وبعد ان حصل علي شهادة التوجيهية.. رحل الي القاهرة ليكون قريبا من حلمه.. ولكن حدث ما يغير بعض الأحداث، وهو رحيل الأب في عز الشباب تاركا وراءه حفنة من الصغار تعلقوا أمانة في عنقه، وهذا ما جعل السلاموني يشتغل ويدرس في وقت واحد. قارئ عدادات عمل قارئا لعدادات الكهرباء.. وسكن قريبا من ادارة الكهرباء في حي بولاق.. ووجد حجرة في بيت قديم غاية القدم، وكانت الحجرة في الدور الرابع، وكان ينام ويأكل ويكتب ويقرأ ويستقبل فيها الأصدقاء. وحتي بعد ان اصبح اشهر ناقد يحسب له الف حساب والكل يسعي في مجال السينما الي كسب وده.. ظل في تلك الحجرة الصغيرة الي ان تقرر هدم البيت الذي يسكن فيه.. وهنا لم يجد السلاموني مفر الا ان يلجأ لبعض البنسيونات والفنادق المتواضعة، الي ان تتدخل الكاتب الصحفي الكبير احمد بهجت واقنع محافظ القاهرة انه من العار والخزي ان يظل افضل النقاد في تاريخ السينما المصرية بلا سكن يستقر فيه. درس سامي السلاموني في معهد السينما ومعهد التذوق الفني بعد ان انتهي من دراسته الجامعية في كلية الآداب قسم الصحافة. وقد وجد مقاله النقدي الأول منشورا باهتمام بالغ لم يحظ به غير الكتّاب الكبار والمحترفين.. وفي تلك الليلة سهر حتي الصباح يقرأ ما نشر له مئات المرات، وانفق كل ما في جيبه علي شراء نسخ من الصحيفة ووزعها علي اصدقائه وجيرانه وارسلها الي اهله في القرية. احتراف النقد والمثير للدهشة انه لم يكن يفكر في احتراف النقد السينمائي، وكانت علاقته بالسينما مثل علاقة المتفرجين بها _ الجلوس في الظلام.. الاندماج في الخيال ومنافسة البطل في عشق البطلة.. وهو ما جعله يفكر في ان يكون بطلا علي الشاشة. لكنه لم يتوقف طويلا عند هذا الحلم فلا هو في وسامة وطول رشدي اباظة، ولا هو في جرأة عماد حمدي.. ولا يملك قوة الشر التي يتمتع بها فريد شوقي. وانتقل الحلم الي الاخراج السينمائي الذي درسه في معهد السينما، وجرب فيما بعد عدة محاولات تسجيلية قصيرة، اخذت عناوين من كلمة واحدة وهي : - مدينة 1971 المعهد العالي للسينما. ملل 1972جمعية الفيلم.كاوبوي 1973 شركة نفرتاري.الصباح 1982 المركز القومي للسينما.القطار 1989 المركز القومي للسينما. اللحظة 1991التليفزيون المصري. كما شارك في اعداد بعض البرامج التليفزيونية عن السينما مثل: «نجوم وافلام» و«سينما الأمس واليوم» . منصة القضاء. حرص سامي السلاموني في نقده السينمائي علي ان يكون مثل القاضي الذي يجلس علي منصة العدالة متجردا من اي هوي شخصي.. كان يدفع ثمن تذكرة السينما من جيبه، وكان احيانا كثيرة لا يكتب الا بعد ان يشاهد الفيلم اكثر من مرة. ولم يكن صديقا الا لقلة قليلة جدا من النجوم عرفهم قبل ان يصبحوا نجوما مثل احمد زكي.. ولم تمنع صداقته مع هؤلاء النجوم من هجومه الشرس الحاد عليهم لو ادوا ادوارا غير مقنعة. وهذا ما جعله من العصاميين الشرفاء الذين يأنفون من ان يأتيهم المدد الا من عرقهم وكفاحهم المستميت. ولم يخطر في بال من هاجمهم السلاموني بالحق انه أحد الظرفاء الساخرون من كل شيء..... بما في ذلك نفسه شخصيا.. وسخريته كانت مريرة مثل سخرية «صلاح جاهين - بيرم التونسي ومحمود السعدني»، لكنه لم يحول السخرية مثلهم الي كتابة ابداعية الا نادرا عندما قرر بعد ان يئس من النقد السينمائي وفشل في جدواه في تغيير حال الافلام ان يصدر مجلة اطلق عليها «الترمواي» او «الترام» كان ينشرها داخل مجلة الاذاعة والتليفزيون التي كان معينا فيها.. وبعد يأسه من النقد السينمائي ايضا كتب مقالات في الكرة.. عبر فيها بخفة ظل متناهية عما يجري في ملاعب الرياضة الشعبية الاولي في مصر.. ولم يخف فيها انه كان متعصبا الي حد الجنون الي الاهلي الذي كان يعتبره بمثابة الحزب الحاكم الحقيقي في البلاد. كان سامي السلاموني عضواً بجمعية الفيلم ثم رئيسا لمجلس ادارتها من عام 1972 الي 1977وعضو مجلس ادارة نادي السينما بالقاهرة. وكتب العديد من المقالات والدراسات السينمائية في جريدة المساء ومجلات الطليعة والكواكب والهلال والسينما والمسرح ونشرة نادي السينما. واصدر ثلاثة كتب غير دورية هي :«كاميرا 78» و«كاميرا 79» و«كاميرا 80». جوائز وأوسمة كان يعمل ناقدا سينمائيا بمجلة الاذاعة والتليفزيون حتي يوم وفاته.وحصل علي العديد من الجوائز منها :جائزة السيناريو 1972 عن فيلم «مدينة».جائزة النقد الاولي والثانية 1975 عن فيلمي «امرأة عاشقة» و«الرصاصة لا تزال في جيبي».جائزة شرف شخصية 1984 من المركز الكاثوليكي المصري للسينما.جائزة احسن اخراج 1985 عن فيلم «الصباح».وسام شرف 1986 من جمعية الفيلم.جائزة افلام المجتمع 1986 عن فيلم «الصباح».الجائزة الفضية للافلام التسجيلية متوسطة الطول 1988 عن فيلم «الصباح». ولانه كان لا يكف عن التدخين والغضب والسعي المستحيل لتغيير العالم من حوله كان لابد ان يصاب بمرض القلب الذي ورثه عن ابيه.. ولانه كان مهملا في حياته الخاصة فلا يأكل بانتظام ولا ينام بانتظام ولا يستجيب للنصيحة من احد فإنه لا يكتشف ان شرايينه ضاقت وخدعته الا بعد فوات الآوان.. ومات بالسكتة القلبية في يوم 25 يوليو عام 1991. فقد كان رحمه الله رجل يعرف أو يكاد لكل معضل حلوله ولكل حق دليله، ولا يعرف للرجل وجهين، ولا للحق ميزانيين، ولا للكرامة صورتين، ولا لقيمة الانسان معيارين.