عيار 21 الآن بعد الارتفاع الأخير.. سعر الذهب في ختام تعاملات اليوم الإثنين (تحديث)    وزير الدفاع الإسرائيلي: تشكيل فرق مدربة وشراء أسلحة متطورة لتعزيز أمن المستوطنات    الخارجية الأمريكية: 9 كيانات مقرها في الصين سهلت حصول الحوثيين على أسلحة    الزمالك يسجل هدف تقليص الفارق أمام المصري    البحر يكسب البالون يستقبل زوار رأس البر.. ونسبة الإشغال فى الغردقة 95%    عمرو عرفة: أهل الكهف أصعب أعمال مسيرتي الفنية.. وصورناه في 3 دول    أبرزهم خالد زكي وحمدي حافظ.. شائعات الوفاة تطارد كبار نجوم الفن    «حياة كريمة» تعيد الابتسامة على وجه بائع غزل البنات.. ما القصة؟    بتوزيع الهدايا للأطفال.. محافظ الأقصر يهنئ متحدي السرطان بعيد الأضحى    منظمة الأغذية: مصر تنتج 413 ألف طن لحوم أبقار سنويًا    «حياة كريمة» تعلن تكفلها بإقامة مشروع لصاحب واقعة «غزل البنات»    مصدر أمني: لا صحة لتغيب سيدتين ببعثة الحج.. وهذه هي الحقيقة    فسحة ب 5 جنيه.. زحام شديد بحدائق القناطر الخيرية في ثاني أيام عيد الأضحى (صور)    9 سيارات كسح لشفط المياه.. استمرار العمل على إصلاح كسر خط رئيسي بأسيوط    مشروع الضبعة.. تفاصيل لقاء وزير التعليم العالي بنائب مدير مؤسسة "الروس آتوم" في التكنولوجيا النووية    محمود الليثي يدخل في نوبة بكاء في بث مباشر    الإفتاء توضح حكم طواف الوداع على مختلف المذاهب    سعرات اللحم البقري والضاني والجملي- أيهم أفضل للرجيم؟    انتبه- 3 روائح يصدرها جسمك عند الإفراط في لحم العيد    ثاني أيام عيد الأضحى.. استمرار انقطاع المياه بالفيوم    أيمن الرقب يكشف السيناريوهات المتوقعة عقب حل مجلس الحرب الإسرائيلي (فيديو)    بترا: الأردن يثمن تنظيم مؤتمر السلام بشأن أوكرانيا ويرفض الانضمام للبيان الختامى    ستولتنبرج: نصف الإنفاق الدفاعي في الاتحاد الأوروبي يذهب إلى الولايات المتحدة    رئيس وزراء الهند يهنئ الرئيس السيسي: عيد الأضحى يذكر بقيم التضحية والرحمة    شروط القبول في برنامج البكالوريوس نظام الساعات المعتمدة بإدارة الأعمال جامعة الإسكندرية    مرض العصر.. فنانون رحلوا بسبب السرطان آخرهم الموزع الموسيقي عمرو عبدالعزيز    البابا تواضروس يستقبل عددًا من الأساقفة    "تضامن الدقهلية" تواصل توزيع اللحوم على الأسر الأولى بالرعاية    تفاصيل جديدة حول الطيار المصري المتوفى خلال رحلة من القاهرة إلى الطائف    حقق حلمه.. إشبيلية يعلن رحيل سيرجيو راموس رسميًا    «حصريات المصري».. تحرك عاجل بشأن الشيبي.. 3 صفقات في الزمالك وحقيقة مشاجرة «ناصر وزيزو»    أسقف السويس يهنئ قيادات المحافظة بعيد الأضحى المبارك    حماس: إقدام الاحتلال على إحراق مبنى المغادرة بمعبر رفح عمل إجرامى فى إطار حرب الإبادة    تفاصيل إنقاذ طفل اُحتجز بمصعد في عقار بالقاهرة    تعرف أفضل وقت لذبح الأضحية    دعاء يوم القر.. «اللهم اغفر لي ذنبي كله»    إطلاق مبادرة «الأب القدوة» في المنوفية.. اعرف الشروط    وزيرة التضامن تتابع موقف تسليم وحدات سكنية    بالصور.. شواطئ بورسعيد كاملة العدد ثاني أيام العيد    حمامات السباحة مقصد الأطفال هرباً من درجات الحرارة في كفر الشيخ    إيقاف عمرو السيسي لاعب فيوتشر مباراتين وتغريمه 20 ألف جنيه    بعد إعلان رغبته في الرحيل.. نابولي يحسم مصير كفاراتسخيليا    لبيك اللهم لبيك    عاجل.. تطورات مفاوضات الأهلي لحسم بديل علي معلول    محافظة القاهرة ترفع 12 ألف طن مخلفات من الشوارع في أول أيام عيد الأضحى    مدير صحة شمال سيناء يتابع الخدمات الطبية المجانية المقدمة للمواطنين    ثاني أيام عيد الأضحى 2024.. طريقة عمل كباب الحلة بالصوص    26 عامًا على رحيل إمام الدعاة.. محطات فى حياة الشيخ الشعراوي    التحقيق مع حلاق لاتهامه بالتحرش بطفلة داخل عقار في الوراق    الفرق بين التحلل الأصغر والأكبر.. الأنواع والشروط    «لست محايدًا».. حسام فياض يكشف صعوبات مسرحية النقطة العميا    مصرع طفل صعقا بالكهرباء خلال شرب المياه من كولدير في الفيوم    الخشت يتلقى تقريرًا حول أقسام الطوارئ بمستشفيات قصر العيني خلال العيد    عيار 21 يسحل 3140 جنيها.. أسعار الذهب في محال الصاغة اليوم    مانشستر سيتي يحدد سعر بيع كانسيلو إلى برشلونة في الميركاتو الصيفي    زلزال بقوة 6.3 درجة يضرب جنوب البيرو    في ثاني أيام العيد.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الإثنين 17 يونيو 2024    بيلينجهام: ألعب بلا خوف مع إنجلترا.. وعانينا أمام صربيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ساحرات ساليم.. ياقوت في مواجهة ميللر
نشر في القاهرة يوم 20 - 12 - 2011


عادة لا أبدأ مقالي بالحديث عن المخرج المسرحي لكن لكل قاعدة استثناء فموهبة المخرج جمال ياقوت موهبة متدفقة وهادرة للدرجة التي تجبرك أن تغير قوانينك وعاداتك فالموهبة المسرحية في الوسط المسرحي أصبحت نادرة فمعظم من يعمل الآن مجرد صنايعية لا يملكون، فجمال ياقوت منذ أن شاهدت عرضه المسرحي الأول «القفص» وهو حالة مسرحية متفردة ينسج تاريخه بمنتهي التعقل، يخترق من معين المسرح العالمي رحيق القضايا الإنسانية لكي يناقش من خلالها قضايا مجتمعه، فالقفص ل«ماريو فرايتي»، كان الأول والثاني بيت الدمية لابسن والثالث القرد الكثيف الشعر والرابع والأخير «ساحرات ساليم» للكاتب العالمي آرثر ميللر ترجمة د. عبدالمنعم حفني والتي تقدم الآن علي خشبة مسرح الطليعة «زكي طليمات» وهذا العرض في تصوري الخاص أفضل عرض موجود الآن علي خشبات المسارح ليس بمقياس الجملة أنه «أفضل الوحشين»لا، فليس هذا ما أقصده فهذا العرض يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن المسرح الجاد لم ولن يموت وأن دعاوي الجهلة والفشلة ممن يملئون الساحة الآن هي دعاوي هابطة كفنهم فكل إناء بما فيه ينضح، لقد قطع المخرج جمال ياقوت شوطا كبيرا في النجاح باختيار هذا النص وأدرك بوعي وحساسية أن المتلقي حتما سيدرك انعكاس مايشاهده علي خشبة المسرح علي واقعه المؤلم والمزري. الأزمنة المتداخلة حكاية ساحرات ساليم التي استوحاها ميللر هي قصة من واقع الحياة الأمريكية وأزعم أن ميللر لجأ إلي مسرحة هذه الحكاية بعد أن وجد تماثلاً بين الفترة التي كانت تحياها أمريكا وقت كتابة المسرحية وبين القرية التي وقعت فيها الحكاية أو الحادثة عام 1692، وميللر لم يكن الكاتب الأول الذي رصد تلك الواقعة التاريخية في مسرحية بل سبقه كاتبان مسرحيان هما «فلورنس سفيفسون» و«لويسن كوكس» كما صدر عن تلك الحادثة كتاب بعنوان «الشيطان في ماساشوستس» والحادثة تشبه كثيرا ما جري في المجتمع الأمريكي في ذلك الوقت كما يقول ميللر نفسه فلم يكد ينتهي عام 1952 حتي قامت في أمريكا حركة تشبه تماما الحركة التي ظهرت في قرية ساليم وكان يتزعم هذه الحركة في ذلك الوقت السيناتور المعروف جوزيت مكارثي ومن المعروف أن ميللر نفسه طلب ليستجوب أمام لجنة مكارثي كما طلب منه أن يوقع علي وثيقة بأسماء الكتاب الأمريكيين الذين كانوا معه في اجتماعات الكتاب الشيوعيين 1947 لكنه رفض التوقيع كما رفض بطل مسرحيته ساحرات ساليم «جون بروكتور» وأعرض عن حمي الحقد التي كانت تجتاح المجتمع الأمريكي في ذلك الوقت والواضح هنا أننا بإزاء زمنين حتي الآن زمن الحادثة التاريخية 1692 وزمن النص المكتوب وهو عام 1953 وفيه انتهي ميللر من كتابة النص ونشره بعد أن اجتاحت أمريكا في ذلك الوقت موجة عنيفة من التفتيش في الضمائر فأدين كل صاحب رأي حر وتم وأد كل كلمة حق. كتب ميللر هذه المسرحية كرد فعل طبيعي علي سيطرة الفكر المحافظ المدعوم بقوة من رجال الدين هذا عن زمن الحادثة وزمن الكتابة، أما الزمن الثالث فهو زمن المتلقي الذي أصبح بعد ما حدث في يناير أكثر حساسية لكل ما يدور علي الساحة السياسية وعلي هذا الرهان راهن المخرج علي وعي المتلقي المصري الذي وضعه نصب عينيه مؤمنا بأنه حتما سيربط ما بين أحداث قرية ساليم وبين ما يحدث الآن من تفش للزيف والكذب والجهل والسحر والشعوذة باسم الدين وخلط الدين بالسياسة التي هي «فن السفالة الأنيقة» كما وصفها الراحل أنيس منصور، لقد تم صهر الأزمنة في بوتقة واحدة متماسكة ونسيج أشبه بنسيج القصيد السيمفوني. مواجهة ميللر المواجهة هنا لا تعني الخصومة بقدر ما تعني ندية فكر أمام فكر إبداع يواجه إبداعا فالمخرج منذ البداية يدرك أنه يتوجه لمتلقي عام 2011 وهذا المتلقي أصبح بطبيعه ملولا من نظام الفصول الثلاثة فقام بدمج فصول ساحرات ساليم الثلاث وجعلها فصلا واحدا دون استراحة «ساعة ونصف الساعة» فالمخرج وهو في طريقه لإعداد هذا النص أو لاختصاره تعامل معه بمنطق الدراماتورج منطق المدرك لأبعاد الصراع وأين تكمن عقدة المسرحية وجوهرها إنه الضمير الفردي الذي لم يعد يخص الفرد وحده بل أصبح شيئا يتناولونه بعضهم البعض ويشكرون بعضهم البعض عليه وهذا ما جعل المخرج يقوم بتصدير حكمته في الكتيب الخاص بالعرض بمنولوج «جهد بروكتور» وهو يصرخ في البرية «نحن الجبناء الذين نضعف.. ضعفت أنا كما ضعفتم أنتم .. إذ تعلمون في قرارة نفوسكم مقدار ما أنتم فيه من كذب وبهتان ضعفنا عن اعلاء كلمة الحق وجبنا عن إظهار ما يعيش الناس فيه من جهل ليلعن الله جنسنا الجبان وليدخلنا الجحيم فلقد نكستم علم الله ورفعتم شأن عاهرة» وما أكثر العُهر الذي يطاردنا ليل نهار عُهر سياسي عُهر فكري عُهر إعلامي لذلك لم يكن غريبا أن يبدأ المخرج مسرحيته برقصة تعبيرية للساحرات وهن يرقصن تحت أشعة القمر رقصات مجنونة مفضلا تلك البداية الموحية علي أن يبدأ كما بدأ ميللر نصه بيت القس يارسين الذي نعرف أن ابنته «بيتي» تعاني حالة صرع دائم وأن الطب وقف عاجزا أمام حالتها وتقوم بيتي باتهام الخادمة «تيتوبا» التي تعتبر أداة في يد «إبيجال» ابنة شقيق القس يارسين والتي تلعب بالجميع كنتيجة حتمية لرغباتها الدونية فلقد أرسلها القس يارسين إلي منزل «جون بروكتور» لكي تتعلم أصول إدارة المنازل لكنها تنجح في الإيقاع بالرجل الطيب «بروكتور» وتجعله يضاجعها فتشاهدهما «ربيكا الزوجة» وهما في حظيرة الماشية فتقوم بطرد إبيجال ومن هنا تنشأ الكراهية العميقة بينهما تتهم إبيجال «ربيكا» بأنها المسئولة الأولي عن انتشار السحر بالقرية بعد أن تحالفت مع الشيطان وحتي تنجو زوجته يعترف بخطيئته مع إبيجال لكنه يشنق في النهاية كمبرر حتمي لإنكاره ممارسة السحر. الكائن السينوجرافي أزعم أن د. صبحي السيد هو كائن سينوجرافي من رأسه حتي أخمص قدميه فمن الصعب أن تجد أكاديميا موهوبا وناجحا علي المستوي التطبيقي ومن الصعب أيضا أن تجد عناصر عرض مسرحي تتناغم وتتكامل مثل عرض ساحرات ساليم فأنت لا تستطيع أن تفصل الإضاءة عن الديكور عن الأزياء عن الموسيقي عن الرقصات التعبيرية عن الحركة، إنه هارموني متكامل ومتناغم التقطت عين صبحي السيد السينوجرافية قرية في طريقها إلي الاحتضار فأبدع في تجسيدها علي خشبة المسرح إذ تحولت الخشبة إلي غابة متشابكة من الدلالات فالأشجار التي تملأ المكان مضاءة إضاءة حمراء خافتة توحي بأن أحداثا رهيبة في انتظارنا وعلي الأجناب بوابات وكنائس متداخلة مع الأشجار المرتفعة في دلالة واضحة علي التشابك والتعقيد وينتظم هذا الفضاء من خلف البانوراما سماء مرصعة بنجوم زرقاء كأنها القدر المحتوم علي القرية كل ما تلتقطه العين منذ اللحظات الأولي وقبل هجوم الساحرات وتحول الخشبة إلي غابة لكي يمارسن فيها سحرهن الأسود لقد تشابك هذا الفضاء الوسيع مع إضاءة أقل ما توصف بأنها محكمة ودقيقة فجاءت معبرة بكل حرفية عن المزاج الحدثي في المسرحية كذلك جاء الإعداد الموسيقي الرائع لإيهاب قنديل ليؤكد مدي وعيه بقيمة مايسمي بالتعبير الموسيقي ومصاحبته للشخصية في كل لحظة تحياها كذلك تناغمت الأزياء وصنعت لنفسها عاما خاصا في هذا الفضاء المستباح بالدلالات لتكتمل تلك المعزوفة بخطة حركة شديدة الرقي في المبني والمعني معا ليتمخض هذا كله عن بناء فني رائع يقدر ما هو راق اسمه ساحرات ساليم. الأداء التمثيلي هذا العنصر ينسف تماما المقولة المنتشرة التي أصبحت نظرية يتبناها الجميع وهي نظرية التمثيل مسئولية كل ممثل هذا العرض الذي يقف وراءه مخرج موهوب يحترم نفسه لا مكان لتلك النظرية الفاشلة التي أفسدت جيلا كاملا من الممثلين المسرحيين في هذا البناء الشامخ حدث ولا حرج عن إمكانيات رائعة للموهوب «رامي الطمباري» أو عن تمكن واضح من مفردات الشخصية لسمر علام كذلك يقف باقي الجمع داخل هذا البناء الفني المتماسك ليعلن عن موهبته الخاصة مثل محمد العزايزي وحسن نوح ولبني عبدالعزيز ومحمد بدري ولينا جميل ونهلة محمود ورشا سامي وسميحة عبدالهادي ورفيف حمدي وعصام مصطفي ومحمد إبراهيم وأشرف صالح ومازن المونتي.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.