خلطة الجهل والتشدد والمصالح السياسية علي مسرح «الطليعة» بطلات العرض: المسرحية رسالة لكل وقت وتناسب أي مجتمع «نحن الجبناء الذين نضعف، وكما ضعفت أنا وكما ضعفتم أنتم إذن تعلمون ما في قرارة نفوسكم، مقدار ما أنتم فيه من كذب وبهتان ضعفا علي إعلان كلمة الحق وجبنا علي إظهار ما يعيش فيه الناس من جهل ليلعن الله جنس الجبناء» بهذه الكلمات العميقة أنهي بطل تلك المسرحية الرائعة «ساحرات سالم» المأساة التي عاش فيها مجتمعه من جهل وتدين سطحي «شكلاني» ممزوج بالخرافات التي تسيطر علي قريته لتنتهي بشنق المظلوم وبراءة العاهرة. «ساحرات سالم» رائعة الكاتب المميز «آرثر ميللر» والتي كتبها سنة 1953 من القرن الماضي ردا ونقضا للجنة التي كونها الكونجرس وقتها وعرفت بلجنة «مكارثي» لمحاربة المد الشيوعي في حين أنها حاربت في الحقيقة الفكر الحر والمستقل. وحتي لا نطيل عليك قارئي العزيز بكلمات قد لا تعتاد علي سماعها، تعتبر مسرحية ساحرات سالم» والتي تعرض حاليا علي مسرح الطليعة بوجوه شابة ورؤية مخرج عبقري وصفه البعض «بالشجاع» وهو د. جمال ياقوت فالمسرحية تحمل الكثير والكثير من الإسقاطات المهمة في مرحلتنا الحالية.. فالقصة مستلهمة من واقعة حقيقية شهدها المجتمع الأمريكي أواخر القرن ال 17 واستعارها «ميللر» فهي بلدة صغيرة تتميز بالتدين السطحي وانتشار الجهل بالقرية والإيمان العميق بالسحر والتشدد وارتباط كل هذا بالمصالح السياسية والشخصية، ولتترك أنت كمشاهد خيالك للتوقف كثيرا عند كل كلمة وتدويرها بعقلك ومزجها بواقعنا المصري أو قد تخلع عنك واقعك لمدة ساعة ونصف الساعة هي مدة العرض لتعيش معهم الأحداث ثم مع تصفيق الجمهور نهاية العرض وفتح الأنوار تستيقظ وتظل في الطريق تفكر وتفكر وأنت تضع معادلتك الخاصة بالعرض المسرحي وواقعك المعاش، إذن لك كل الاختيارات. القصة يفاجئ أهالي القرية المؤهلون بالأساس لأي أفكار غير منطقية بانتشار ظاهرة غريبة وهي تعرض الأطفال لمرض غريب يسارعون للأطباء لعلاجه لكنهم يعجزون عن التوصل للعلاج في حين يترك أهل القرية حتي من صفت أنفسهم لأفكار ترتبط بالسحر وسيطرة بعض الساحرات علي أهالي القرية و«حديث الشيطان لهن» وسيطرته علي عقولهن وهن يسلبن إرادة الجميع خاصة الأطفال ويؤدي هذا لإصابة الأطفال بهذا المرض فتتأكد الرؤية بعد أن يضبط رجل ابنة أخته وابنته وهن يرقصن بالغابة حول طبق من الدم داخله ضفدعة وهي طقوس يعتبروها سحرا للسيطرة، ولكن تشعر أنت كمشاهد من وجود سر ما يغلف الفكرة خاصة بعد أن تظهر «أبيجال» بطلة المسرحية والتي تهدد الفتيان بعدم التحدث وسماع كلامها لتكتشف فيما بعد أنها تصنع تمثيلية خاصة من أجل عاطفتها تجاه «جون بروكتور» زوج «إليزابيث» الزوجة الطيبة والتي عملت لديهم «أبيجال» لفترة حتي اكتشفت الزوجة يوما ما سلوكها السييء وخيانتها مع الزوج لتكتفي بطردها من المنزل ومسامحة زوجها إلا أن أبيجال تصر علي اتهام الزوجة أمام الجميع بأنها هي الساحرة الشريرة في القرية للتخلص منها وهو ما يوقظ الزوج محاولا إنقاذ زوجته حتي لو اعترف أمام المحكمة بخطيئة «الزنا» لإنقاذها لكنه دون جدوي لوجود ما هو أكبر من الاعتراف، هي ظروف مجتمع جاهل تسيطر عليه الخرافات وتعقد فيه مصالح خاصة مع المسئولين عن القضاة والحكم بالقرية لتنتهي المسرحية بعدم قدرة الزوجة علي إنقاذ الزوج من حبل المشنقة وتبرئة العاهرة في مشهد أكثر من رائع والمظلوم يصرخ قائلا: «مكثتم أعلام الله ورفعتم شأن عاهرة» لتكتشف جميعا أن كلمة السر هي «صناعة البشر للمجتمع» فقط هو صانعه وجزء منه كل الأحداث سلوكيات بشر ليس لها علاقة بالغيبيات. فعاطفة «أبيجال» تجاه «جون» هي التي صنعت هذا وظروف مجتمع يفتقد إلي الحق والاستنارة يكفر فيه الناس بعضهم بعضا ويستخدمون الدين من أجل مصلحة ما.. فالقس يخشي افتقاد وظيفته الدينية ويهدد بفقدانها من السلطة إذا لم يجاريهم في اللعبة وامرأة تلعب بالبعض لمصلحتها وآخرون لا يعملون العقل تكون النتيجة الطبيعية شنق مظلوم. عوامل نجاح تميز العرض بكل شيء فالديكور يحولك في لحظات للقرية الموجودة بأمريكا رغم بساطته فالفنان «صبحي السيد» مسئول الرؤية التشكيلية أبدع في صناعته أيضا موسيقي «إيهاب قنديل» والتي كانت جزءا رئيسيا من الأحداث في علوها وخفوتها واستعراضات «عاطف عوض» منذ الدقائق الأولي بحركات الراقصات لخصت الفكرة في إشارات مهمة شكلا ومضمونا، أيضا الأبطال الشباب الرائعين رامي الطمباري البطل الذي جسد «جون» وجعلنا نفكر في الإجابة علي سؤال النجم الحقيقي «مش كده وكده»، أيضا فريق الساحرات «سمر علام، لينا جميل، رشا سامي، رفيقة حمدي» الجميع أتقن كل شيء والمايسترو جمال ياقوت الذي قاد رؤية إخراجية نبيلة. تقول «سمر علام» خريجة معهد الفنون المسرحية منذ عامين: قمنا بالكثير من البروفات ودرسنا الشخصيات جيدا وناقشنا المخرج في كل التفاصيل، فالمسرحية رسالة لكل الأوقات حول التعصب والبعد عن الحقيقة وهي مشكلة كل مجتمع، قدمت سمر أدوارا مختلفة في «أحدب نوتردام، عجايب، تذكار التحرير، روميو وجولييت» لكن دور الشر في ساحرات سالم يعد جديدا عليها وهو ما أجادته لدرجة جعلت البعض يشبه أداءها «بعادل أدهم» فلها تنقلات ما بين الشر والإغراء والطيبة بسهولة شديدة أما الجميلة رشا سامي وهي الوجه الأقرب إلي المشاهد لأنها قدمت أدوارا مختلفة علي شاشة التليفزيون في مسلسلات «حدائق الشيطان» و«أفراح إبليس» و«الريان» فهي خريجة تجارة عين شمس ودرست بالمعهد العالي للفنون المسرحية أول أدوارها المسرحية «ولاد الذين» علي مسرح ميامي تأليف أسامة أنور عكاشة وإخراج أحمد عمر، ملامحها الرقيقة قربتها من أدوار الطيبة والخير تقول ل «الأهالي»: أحرص علي تقديم أعمال جيدة تناسب مجتمع راق، لا يهمني الانتشار قدر أهمية العمل برمته، دوري «ماري» ضحية مجتمع ديني وسياسي تمثل الكثير من الفتيات حاولت مذاكرة الدور جيدا وشاهدت الأفلام التي صيغت من القصة لآرثر ميللر، ساعدتني كثيرا توجيهات المخرج لأتمكن من مفاتيح الشخصية أسعدني إشادة الكثيرين بدوري فيما تري أن المسرحية «عرض مهم وصعب في نفس الوقت» حيث تحذر من فكرة القهر والظلم واستغلال الدين. أما لينا جميل «صديقة أبيجال» «مس لويس» فهي خريجة معهد الموسيقي العربية بأكاديمية الفنون لكنها تعشق التمثيل أجادت دورها رغم أنها «أول مرة مسرح».