في الأسبوع الماضي تحدثت عن أرثر ميلر الكاتب التقدمي الذي كان ينتقد السياسة الامريكية الخارجية وسعت لادانته لجنة تحقيق النشاط المعادي لأمريكا عام 1955 برئاسة السناتور جوزيف مكارثي فيما عرف وقتها بالمكارثية نسبة اليه واتهام ميلر باعتناق الشيوعية مع عدد من اشهر الكتاب والمخرجين في ذلك الوقت.. هذه الواقعة جعلت ميلر يستدعي حادثة وقعت في نهايات القرن السابع عشر في قرية سالم بولاية بوسطن في نص مسرحي كتبه عام 1953باسم "ساحرات سالم أو البوتقة" وهي من روائع اعماله الخالدة في تاريخ المسرح في العالم ويعرض الان علي خشبة مسرح الطليعة ترجمة عبد المنعم الحفني ورؤية تشكيلية للدكتور صبحي السيد واستعراضات د. عاطف عوض واعداد موسيقي لايهاب قنديل واخراج جمال ياقوت وبطولة رامي الطمباري ومحمد العزايزي وسمر علام ومحمد ابراهيم ورفيف حمدي وسميحة عبد الهادي ورشا سامي . يقول أرثر ميلر في نهاية مسرحيته علي لسان بطله جون بروكتور "أقدام إبليس تطن في أذني ووجهه القذر يطل أمام عيني لتحل علي جنسنا لعنة الله .. نحن الجبناء الذين نضعف وكما ضعفت أنا وكما ضعفتم أنتم .. إذا تعلمون في قرارة أنفسكم مقدار ما أنتم فيه من كذب وبهتان .. ضعفنا عن إعلاء كلمة الحق وجبنا عن إظهار ما يعيش فيه الناس من جهل .. ليلعن الله جنسنا الجبان وليدخلنا جهنم .. فلقد نكستم علم الله ورفعتم شأن عاهرة"! جاءت كلمات ميلر لتؤكد معني واحد أراد ان يوصله للناس حينما سعت العاهرة الي الانتقام من كبار القوم بما فيهم بروكتور الذي كانت تعمل خادمة لديه وتريد ان تتزوجه بعد اعدام زوجته . انها الفوضي والخراب وحب الانتقام وعدم التمييز بين الخطأ والصواب في عالم يعاني من الخلل ويفتقد للمعني ويريد محاكمة كتابه ومثقفيه! هذا العرض الممتع يعيد الحيوية للمسرح المصري خاصة في عروض ما بعد ثورة يناير ويناقش المخرج من خلاله هذه المرحلة التي نحياها بعد الثورة وإطلاق الاتهامات جزافا بين مختلف القوي السياسية علي الساحة وبين المثقفين أنفسهم وعدم احترام الآخر وعدم احترام العقائد وغيرها ممن نعاني منه الان خاصة أن جمال ياقوت سبق له تقديم مسرحية (بيت الدمية) للنرويجي هنريك أبسن الذي طرح من خلالها قضية حقوق المرأة ومسرحية (القرد كثيف الشعر) للأمريكي يوجين أونيل التي طرح فيها قضية حقوق العمال وفي هذا العرض يطرح رؤيته لمجتمع تراجع عن حقوق المهمشين. الرؤية التشكيلية رائعة فقد أبدعت جوا مخيفا علي خشبة المسرح يوحي بجو السحر من خلال تلك الأشجار الضخمة المضاءة من أسفل بإضاءة حمراء خافتة قبل الدخول في العرض ثم تلك البوابات المحاطة بالقرية التي توحي بالانغلاق والتقوقع علي نفسها مع الإضاءة الباهتة خلال المحاكمات كل هذه العوامل هيأت المتفرج للإنصات والدخول إلي أحداث العرض باهتمام.. الإعداد الموسيقي لفت نظري منذ البداية بالتأكيد من خلال الجملة الموسيقية علي أن أمرا هاما آت فالموسيقي سريعة متلاحقة مع الاستعراضات التي توحي بجو السحر والشعوذة.