علي طريقة الربيع العربي:الشعب الروسي يتململ من طول فترة رئاسة بوتين ويطمح إلي التغيير السياسي علي طريقة " الربيع العربي " اندلعت مظاهرات الغضب الشعبي في العاصمة الروسية موسكو ومدينة بطرسبرج، احتجاجا علي تزوير انتخابات " الدوما " التي أجريت في 4 ديسمبر ، وشابتها عمليات تزوير فاضحة تناقلتها مصادر المعارضة الشعبية علي شبكات التواصل الاجتماعي، كما شهدت عليها وسائل إعلام عالمية، مما أجج الغضب العام، ودفع إلي تنظيم تظاهرات شارك فيها ما يقرب من 100 ألف متظاهر، وقابلها الأمن الروسي بقوة حيث بلغ عدد المعتقلين أكثر من 1000 شخص، وهي الأحداث التي مثلت أكبر شرخ يلحق بشرعية الحكم في روسيا منذ انهيار الاتحاد السوفييتي السابق في تسعينات القرن الماضي . وفي ضربة قوية لحزب " روسيا الموحدة " بزعامة فلاديمير بوتين وميدفيديف، كشفت مجموعة " المواطن المراقب " الروسية المستقلة لمراقبة الانتخابات أن حزب " روسيا الموحدة " حصل فقط علي 29.8% من الأصوات وهو ما يقل بنحو 20 % عن النتيجة التي أعلنتها السلطات الرسمية وهي 50 % كما كشفت المجموعة المستقلة أن حزب " يابلوكو " الليبرالي حصل علي 14 % من الأصوات، وهي نسبة تؤهله للحصول علي مقاعد في البرلمان، علي العكس من النتائج الرسمية، التي قالت إن الحزب حصل علي .33% فقط بما لا يؤهله لدخول مجلس الدوما وبالنسبة للحزب الشيوعي، قالت مصادر المجموعة إنه حصل علي 22.6 % وليس 19.6% وفقا للأرقام الرسمية . غير أن تظاهرات الغضب التي اندلعت في روسيا مؤخرا، وطالبت برحيل فلاديمير بوتين، جاءت أيضا علي خلفية حالة استياء شعبي كامنة بسبب اقتراب موعد تطبيق " التوريث الثنائي " بين بوتين والرئيس الروسي ميدفيديف، حيث اتفق الجانبان علي تبادل المناصب مجددا ، والبدء في ترشيح بوتين رسميا تمهيدا لانتخابات الرئاسة المرتقبة في مارس 2012 . وفي تحد واضح لهذه الخطوة، أعلن ميخائيل بروخوروف، وهو من أغني أغنياء روسيا عزمه ترشيح نفسه في انتخابات الرئاسة القادمة. الربيع الروسي فجّر حادث تزوير انتخابات مجلس النواب «الدوما» غضب الشعب الروسي معلنا استياءه البالغ علي الطبقة السياسية والنظام السياسي الروسي الذي لا يليق بحال من الأحوال بدولة عظمي، تمتلك مقدرات قطب دولي عملاق، ولكنها تئن تحت وطأة ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية، تطابق تقريبا ظروف دولة من دول العالم الثالث . وفي يوم السبت 10 ديسمبر، دق جرس الإنذار لرئيس الوزراء فلاديمير بوتين، إيذانا ببدء نداء الرحيل، حيث انطلقت المظاهرات من أقصي الشرق الروسي حتي العاصمة موسكو، وهي الأضخم من نوعها منذ انهيار الاتحاد السوفييتي السابق في تسعينيات القرن الماضي، وعندما امتلأ ميدان " بلوتنايا بلوشاد " بالقرب من الكرملين بالمتظاهرين، تحدث الكثيرون عن تكرار سيناريو ميدان" التحرير " المصري، أيقونة الثورة المصرية في 25 يناير والتي انتهت بسقوط الطاغية حسني مبارك . وأيضا علي طريقة " الربيع العربي " كان الحشد الشعبي الروسي يجري عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي، فيس بوك وتويتر ويوتيوب، بالرغم من أن عددا من منظمي تظاهرات روسيا أكدوا أن " ثورة " روسيا سيصنعها «الشارع وليس شباب الانترنت» في إشارة إلي اتساع نطاق الظروف السيئة التي تدفع الروسيين للخروج والإعراب عن حالة الجمود والضيق والاكتئاب السياسي، من طول فترة مكوث نفس الشخصيات في نفس المناصب، بدون أي اعتبار لحالة الناس، ورغبتهم في التغيير . وبالرغم من البرد القارص والصقيع الروسي تحت الصفر، فقد تضاعفت حرارة النداءات الشعبية ضد بوتين، وضد مزوري الانتخابات، مطالبين بالمحاكمة والسجن للفاسدين ومن يتلاعبون بإرادة الشعب الروسي، وتحديدا حزب " روسيا الموحدة " بزعامة بوتين الذي سرق انتخابات الدوما، وأيضا علي طريقة الأمن العربي، اتسع نطاق العنف الرسمي ونشر العربات والمصفحات في شوارع المدن الروسية خباروفسك، فلاديفستوك، سيبيريا والأورال، كراسنويارسك، تومسك، وحلقت الطائرات في سماء موسكو، واعتقل الأمن الآلاف من المتظاهرين، واحتلوا الميادين التي كان المتظاهرون علي وشك الاعتصام فيها، فيما دعا مجلس حقوق الإنسان الروسي إلي إعادة الانتخابات إذا ثبت تعرضها للتزوير، وبدا الموقف في صورته النهائية موزعا بين احتمالين، إما أن يختار فلاديمير بوتين التصعيد الأمني وتشديد القبضة الحديدية في مواجهة الغضب الشعبي وزيادة مساحة العنف الرسمي، وإما اختيار التراجع، والمهادنة مع المطالب الإصلاحية الشعبية، وفي هذه الحالة فإن مستقبله السياسي سيبقي رهنا بإرادة الشعب الروسي، الذي يطالب الآن بالتغيير الجذري في صيغة الحكم والإدارة السياسية لدولة روسيا . ومن الملاحظات الجديرة بالاعتبار، أنه وفقا لنتائج الانتخابات، حتي بعد تزويرها، فقد انخفض نصيب حزب بوتين المتهم بالفساد والتزوير من مقاعد الدوما من 70 % إلي 53 % أي أنه فقد أغلبية الثلثين التي كانت تمنحه حق التلاعب في الدستور دون منازع، هذا، فضلا عن انخفاض شعبية بوتين نفسه إلي أدني مستوي لها منذ سنوات، ومن الغريب أن نوعا من " التصويت العقابي " انتشر في الانتخابات الأخيرة، وياللمفارقة ، أنه جاء لصالح الحزب الشيوعي، فقط، من أجل التخلص من القائمين علي الحكم حاليا، وتحديدا، فلاديمير بوتين، وميدفيديف . احتمالات الثورة بغض النظر عما إذا كان " الربيع العربي " قد وصل إلي روسيا فعلا ، أو أن ما يجري في المدن الروسية حاليا هو " شتاء روسي " بخصائص تعكس نمطا من الانتفاضات المطالبة بالإصلاح السياسي، فإن الجديد الذي يتجسد في روسيا حاليا هو ضخامة التظاهرات التي تعكس درجة عارمة من الغضب المتراكم بين الروسيين . صحيح أنه عبر سنوات منذ عام 2000 شهدت البلاد حالات من المعارضة و مظاهرات الاحتجاج لأسباب سياسية أو اقتصادية، غير أن المعارضة الروسية عموما تتسم بالضعف والتشتت، وسرعان ما كان يخبو بريقها، ويطوي النسيان القائمين عليها ومنهم بطل الشطرنج جاري كاسباروف، بدون أن تحقق أي نتائج علي الأرض، ومع ذلك، فإن الشعب الروسي يظل مختزنا لحالة الاحتجاج الموجهة أساسا لجهاز الدولة الذي فشل في انتاج النموذج الديمقراطي الحقيقي الذي يليق بالشعب الروسي، وبدولة كبري مثل الدولة الروسية . وعبر سنوات، منذ انهيار الجهاز الشمولي السوفييتي، مرت البلاد بمسيرة من الأحزاب السلطوية، بدءا بحزب «روسيا بيتنا» الذي فشل في انتخابات 1993 التي فاز فيها الحزب الليبرالي الديمقراطي بالأغلبية، وحزب "خيار روسيا" الذي اكتسحه الشيوعيون في 1995 ليأتي حزبا "الوحدة " و "روسيا وطننا " اللذين سعي بوتين لدمجهما في حزب "روسيا الموحدة" وحزب "القضية العادلة" الذي وقف وراءه ميدفيديف في محاولة رعاها بوتين، من أجل خلق نظام حزبي ثنائي علي النمط الأمريكي، مثل الحزبين الجمهوري والديمقراطي، غير أن حزب " القضية العادلة " فشل فشلا ذريعا في الانتخابات الأخيرة . كذلك، فإن الصيغة الحزبية الحالية في روسيا لم تحقق للروسيين ما تمنوه لنظامهم السياسي، فالنظام يقوم علي التزييف، والتلفيق، وتوريث الحكم، وتشغيل ترزية القوانين لينسجوا نظاما علي «مقاس اللصوص ونصابي الحزب الحاكم» كما يقول المعارضون ، وهكذا، أراد النظام مد فترة الرئاسة من أربع سنوات إلي ست سنوات، ومد الدورة البرلمانية من أربع إلي خمس سنوات، ليظل الفساد المالي والإداري ينخر في جسد الاقتصاد والدولة علي حساب حياة ومستقبل المواطن الروسي. وفي هذه الحالة، فإنه لا مجال للتساؤل عما إذا كان عنصر " البؤس الاجتماعي والاقتصادي " هو السبب الحقيقي وراء احتمالات انفجار الثورة في روسيا، صحيح أن نسبة البطالة تصل إلي 10 %، وهناك 13 % يعيشون تحت خط الفقر، ويبلغ متوسط دخل الفرد الروسي حوالي 16 ألف دولار سنويا بحسابات عام 2010، وتتمتع روسيا بموارد طبيعية هائلة، وهي منتج ومصدر رئيسي للنفط، وكل ذلك يفسره البعض علي أنه لا يعني علي الإطلاق أن العامل الاقتصادي وحده سيكون وراء انفجار ثورة شعبية في بلد يتمتع فيها الغالبية بمستوي معيشي مناسب، لذلك، فإنه يمكن القول إن احتمالات الثورة القائمة في روسيا تعود لأسباب سياسية بحتة، وتتركز علي الطلب الديمقراطي، مثلها مثل ثورات " الربيع العربي "، وكما فجرت جريمة تزوير انتخابات 2010 الثورة في مصر، فإن تزوير انتخابات ديسمبر 2011 في روسيا، فجرت غضبا شعبيا مرشحا للتصعيد، لما تمثله جريمة تزوير إرادة الشعب من " إهانة " سافرة لا يتقبلها ولا يتحملها الجمع الوطني بحال من الأحوال، ويؤكد زعماء المعارضة في روسيا أن الشعب الروسي يشعر أنه تعرض للخيانة والخديعة، ويقول ريجوكوف إنه من المتوقع أن تتحول انتخابات الرئاسة في مارس 2012 إلي "أزمة سياسية " كبري في روسيا . ويقول يوري ليفادا رئيس مركز الدراسات الاجتماعية والسياسية " لقد مل الشعب الروسي رؤية هاتين الشخصيتين يتصدران الحياة السياسية، وقد يمكثان معنا 12 سنة أخري، مما يسلم البلاد إلي مزيد من الجمود السياسي والاجتماعي . ويقول كونستانتين رامشاكوف رئيس تحرير نيزافيسيمايا غازيتا إن الكريملين ظل لمدة عشر سنوات يحدد " جدول الأعمال السياسي" لروسيا منفردا، فالاستراتيجيون هم الذين كانوا يختارون ويطرحون الموضوعات التي يتناقش فيها الرأي العام، أما الآن وبعد مرور أيام علي الانتخابات، فإن جدول الأعمال السياسي يحدده أشخاص آخرون منهم نيميتسوف، والمدون الناشط نافالني . وفي تقرير أعده عدد من علماء الاجتماع في روسيا، جاء أن سكان موسكو وعددا من المدن الروسية يشعرون بالإحباط الكبير إزاء بوتين وحكومته، ويعود ذلك إلي المستوي المرتفع من الفساد الذي يهدد الثروات الشخصية، علي غرار ما حدث في أيام حكم الجنرال أوجستو بينوشيه في شيلي، حيث يؤدي النمو الاقتصادي إلي نشوء " طبقة حضارية " تطالب بالحقوق السياسية، وبالتالي فإن ثورة روسيا ليست بحال من الأحوال ثورة جياع، ولكنها خروج شعبي بسبب الإحساس " بالإذلال السياسي " الذي تعرضوا له، وعموما، إنها ثورة الطبقة المتوسطة الروسية ضد الحكام . ويعلق محللون سياسيون علي الحالة الروسية وأمثالها خاصة الحالة العربية أن طول فترة الرؤساء والسياسيين في الحكم، يفقد الناس الاهتمام بالحياة السياسية، لعدم وجود منافسة حقيقية، ولمعرفة الناس أن تصويتهم في الانتخابات لن يفيد فإنهم يفقدون الإحساس بالاقتدار السياسي، فلا يهتمون بالأحزاب أو تطورات الشأن العام، فينتشر الركود والجمود، وتفقد الحياة السياسية حيويتها، وقد يؤدي ذلك إلي اكتئاب سياسي عام . رجل روسيا القوي علي الرغم من قوة الحركة الاحتجاجية في روسيا حاليا، والتوقعات التي تشير إلي أنها مرشحة للتصاعد خاصة مع اقتراب انتخابات الرئاسة في مارس القادم، غير أن ذلك لا ينفي أن شعبية فلاديمير بوتين لا تزال عند نسبة 61 %، فبوتين «59 سنة» لا يزال من وجهة نظر عدد كبير من الروسيين رجل روسيا القوي الذي أقالها من عثرتها بعد الرئاسة الفاشلة لبوريس يلتسين في التسعينيات، وقد حقق بوتين لروسيا نقلة اقتصادية، وارتفعت مستويات المعيشة، وتعامل العالم مجددا مع روسيا كقطب دولي كبير يعادل القوي العالمية : الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي . وعندما اندلعت مظاهرات الغضب العارمة احتجاجا علي تزوير الانتخابات، رافعة شعار " روسيا بدون بوتين " لم يجد رجل المخابرات الروسية القوي بدا من الاعتراف ضمنيا بأنه سيحترم وجهات نظر المتظاهرين ، وبعد ذلك طلب الرئيس ميدفيديف إجراء تحقيقات حول تزوير الانتخابات . غير أن موقف السلطة الروسية بوجه عام " أظهر التحدي " لمطالب المحتجين التي تركزت في : إلغاء الانتخابات، وإعادتها، ومحاسبة المسئولين عن التزوير . ثم رفض بوتين وميدفيديف الاعتراف بذلك علي اعتبار أن نسبة التزوير لم تتعد .5%، وهو ما لايؤثر علي شرعيتها . وربما يعتمد بوتين في صموده علي تلك الفئة من الروسيين الذين يرون أن بلادهم لا تزال في حاجة إلي "الرجل القوي " أكثر من حاجتها إلي الديمقراطية . ويلاحظ المتابع للشأن الروسي في المرحلة الراهنة تغييرا في الخطاب السياسي العام، فهناك "شخصية" حداثية فرضت نفسها علي الرأي العام الروسي، وهو الناشط المدون أليكسي نافالني المسئول عن حشد وتوجيه الاحتجاجات المناهضة للحكومة عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي، أيضا علي طريقة الربيع العربي والمصري تحديدا . وقد قام نافالني «35 سنة» بتوجيه الغضب المتراكم نتيجة الانتهاكات الانتخابية التي تم الإبلاغ عنها وتحويلها إلي حركة سياسية داعيا القوميين والليبراليين واليساريين والخضر والنباتيين إلي الخروج للشوارع برسائل قصيرة علي تويتر، ونجح نافالني في تعبئة الشباب، علي غرار الحركة التي انتشرت في الولاياتالمتحدة بعنوان " احتلوا وول ستريت "، حتي تمكن من تحويل الاحتجاجات إلي " أكبر مظاهرة مناهضة للكريملين في التاريخ الحديث "، والجديد في الموضوع هو وجود حركة شبابية جديدة تسعي لترشيح نافالني في انتخابات الرئاسة في مارس القادم، ويؤيدها حتي الآن 1 % من الجماهير الغاضبة . ويوصف نافالني بأنه شخصية كاريزمية، يتمتع بالوسامة وروح الدعابة اللاذعة، ولا ينتمي إلي أي منظمة سياسية، وكان قد ترك حزب يابلوكو الليبرالي قبل خمس سنوات بعد أن ضاق بنزاعات الليبراليين، وانعزالهم عن التيار السياسي السائد في روسيا . وطبعا عندما سمع المسئولون عن ترشيح نافالني للرئاسة، صبوا عليه جام غضبهم، واقتيد إلي السجن، مما ضاعف من شعبيته . ومن ناحيته يؤكد فلاديسلاف سوركوفيتس النائب الأول لرئيس إدارة الكرملين والمعروف بأنه مهندس النظام السياسي الروسي الحالي إن هناك حاجة ماسة للتغيير في روسيا لأن التعامل بأساليب سنة 2000 في سنة 2011 خطأ فادح، وأنه لابد من تغيير النظام الروسي ليصبح أكثر انفتاحا . ومنذ فترة، قدم معهد التنمية المعاصرة تقريرا بعنوان " روسيا القرن الحادي والعشرين- نموذج الغد الذي نريده " بما تضمن مطالب إصلاحية منها : تعددية حزبية واسعة، والعودة إلي انتخاب المحافظين الذي ألغي في 2004، وتحديث الحياة السياسية في إطار يمين ووسط ويسار، والدعوة إلي يسار جديد بدلا من الحزب الشيوعي، والدعوة لأحزاب ليبرالية ديمقراطية، وتخلي الدولة عن السيطرة علي الإعلام، والعودة لانتخاب أعضاء مجلس الاتحاد وليس تعيينهم، وإلغاء وزارة الداخلية وجهاز الأمن والمخابرات وشرطة المرور، واستحداث أجهزة بديلة مثل جهاز الشرطة الجنائية وأجهزة شرطة تابعة للمحافظين إلي جانب الحرس الوطني الذي يمكن أن يحل محل القوات الداخلية . ودعا التقرير أيضا إلي تشكيل القوات المسلحة الروسية علي أساس التطوع وليس التجنيد الإجباري في حدود 500 600 ألف جندي بدلا من مليون ومائة ألف حاليا. ولكن، يبدو أن الثنائي «بوتين وميدفيديف» يمضيان في طريق " التحدي " بالرغم من أن دعوات الاحتجاج مستمرة، وهناك دعوة لتظاهرات حاشدة يوم 24 ديسمبر، حيث يسعي المحتجون لإقناع السلطات بأن صيغة سيطرة الدولة واحتكارها للسلطة والثروة والإعلام لصالح نخبة فاسدة، هي صيغة لم تعد قابلة للاستمرار، لأنها تعيد روسيا إلي المربع الأول . روسيا- وأمريكا أول ما يمكن ملاحظته إزاء الموقف الأمريكي من حدث الانتخابات الروسية هو " التصعيد " الأمريكي وحدة الهجوم الشديد من جانب واشنطن علي الانتخابات الروسية، وما شابها من تزوير سافر، وجاء ذلك علي لسان عدد من المسئولين الأمريكيين، في مقدمتهم وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون التي أفاضت في نقد التزييف الذي تعرضت له إرادة الناخبين في روسيا ، مؤكدة أن الولاياتالمتحدة تناصر الحقوق الديمقراطية للشعوب، في أي مكان في العالم . وعندما استهجن بوتين هذا النقد الأمريكي الحاد للانتخابات الروسية، واتهم الولاياتالمتحدة بأنها هي التي تقف وراء الحركة الاحتجاجية، وتمولها، فإن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية أعلن صراحة بأن واشنطن فعلا أنفقت علي الانتخابات البرلمانية التي جرت في روسيا مؤخرا أكثر من 9 ملايين دولار، ويشمل ذلك عدة جهات منها منظمة " غولوس " الاجتماعية الروسية، مما ألمح إلي أن جهات أمريكية تقف وراء جماعات للمعارضة في روسيا، بهدف زعزعة الاستقرار في البلاد ، واستخدام الأموال للتأثير علي العملية الانتخابية . وعلي نفس منوال الموقف الأمريكي، نلاحظ التصعيد الأوروبي ضد الانتخابات الروسية، حيث أعلنت كاترين آشتون منسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي أن الرئيس الروسي ميدفيديف يواجه أسئلة من قبل قادة الاتحاد بشأن الانتخابات البرلمانية الأخيرة . هذه الاتهامات المتبادلة بين روسيا والغرب، وتحديدا بين العملاقين أمريكا وروسيا هددت بعودة " التوتر " بينهما، بعد فترة طويلة نسبيا من الهدوء والمصالحة، وما أطلق عليه " علاقة الصداقة " بين الزعيمين الأمريكي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين، وأثيرت التساؤلات عن نوعية العلاقات الأمريكية الروسية وتوجهاتها في المستقبل القريب ، خاصة أن كلا من الرئيسين علي وشك الدخول في المرحلة الانتخابية، بوتين في مارس، وأوباما في نوفمبر، مما جعل البعض يرجع التصعيد في الاتهامات إلي أسباب انتخابية تتعلق بالموسم السياسي، وهو ما ألمح إليه ماثيو روجانسكي خبير الشئون الروسية في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي بواشنطن، مشيرا إلي أن الأمور بين روسيا وأمريكا قد تسير إلي الأسوأ . وكان أوباما قد واجه اتهامات داخلية بأنه يهادن روسيا إلي حد الاسترضاء، علما بأن روسيا تنتهج مواقف متصلبة في عدة قضايا مثل موقفها من إيران وسوريا . وقد أعلنت واشنطن أنها وهي تسعي لعلاقات التعاون مع موسكو في القضايا المشتركة، فإنها تحتفظ بحقها في التعبير العلني عن انتهاكات روسيا لحقوق الإنسان، فيما أثيرت تكهنات أخري بأن تصعيد بوتين في اتهاماته لأمريكا تأتي لصالح محاولاته صرف الأنظار عن مشاكله الداخلية . وإذا كان صحيحا أن الجانبين الروسي والأمريكي يحاولان " ضبط " بوصلة الاتهامات المتبادلة بينهما حتي لا تخرج عن نطاق السيطرة، غير أن المرحلة الحالية تشهد اختلافات وخلافات بين الجانبين لا يسهل تجاهلها، ومن ذلك : 1- أفادت تقارير أمريكية بأن روسيا قدمت لإيران معدات اعتراض متقدمة قد تكون هي التي استخدمتها إيران في إسقاط الطائرة الأمريكية بدون طيار من طراز اركيو 170، وأكدت مصادر الكونجرس القلق الأمريكي في حالة امتلاك إيران تكنولوجيا الاعتراض القادرة علي إسقاط الصواريخ والطائرات، وقد عرض البنتاجون علي اوباما خطة لاستعادة الطائرة او تدميرها، ولم يرغب اوباما في الصدام المباشر. 2- يستمر الخلاف الأمريكي الروسي حول مشروع الدرع الصاروخية الأمريكي في أوروبا، وقد حذر جنرال روسي بارز من أن مواقف الغرب تدفع روسيا لمرحلة جديدة من سباق التسلح، وجاء هذا التحذير بعد الانتقادات الأمريكية للانتخابات الروسية، وأعلن حلف الأطلنطي من جانبه أن دخول روسيا في مرحلة جديدة من سباق التسلح يهدر الأموال الروسية، حيث لا يستهدف برنامج الدرع الصاروخية تهديد الأمن القومي الروسي،ولكنه يستهدف صد الهجوم الصاروخي من جانب إيران، وتطالب موسكو الحلف بتقديم وثيقة ملزمة قانونا تؤكد أن النظام الصاروخي لا يستهدف روسيا، ولكن الحلف يؤكد أنه قدم ما يكفي من تعهدات بهذا الشأن . 3- يتردد في روسيا أن ما يجري في المنطقة العربية مما يسمي عالميا ب "الربيع العربي " هو من تدبير الولاياتالمتحدة، ويدخل في سياق هذا التدبير صعود قوة الأحزاب الإسلامية «برعاية أمريكية»، في محاولة «لنشر عملية الأسلمة» وصولا إلي شمال القوقاز، حيث تدفع حالة عدم الاستقرار هناك وانعدام الثقة في السلطات الفيدرالية إلي الاعتقاد بأن الحل الوحيد للمشاكل المتفاقمة يكمن في تطبيق الشريعة الإسلامية، حيث يوجد تياران رئيسيا : أحدهما يريد دمج الشريعة مع القوانين الفيدرالية وإنشاء فضاء إسلامي داخل روسيا الاتحادية، والثاني يري الانفصال عن روسيا وإنشاء دولة إسلامية مستقلة . 4- يتهم بوتين الولاياتالمتحدة بأنها شجعت الثورة البرتقالية في أوكرانيا في 2004، وكانت وراء سقوط الحكومات في قرغيزيا،وهي الجمهورية التي كانت ضمن الاتحاد السوفييتي السابق، والواقعة حاليا في منطقة النفوذ الروسي، وتؤكد دوائر روسية أن جهات امريكية كانت وراء خروج المظاهرات الغاضبة إلي الشوارع في قرغيزيا، وهو السيناريو نفسه الذي تعيد واشنطن تكراره حاليا في روسيا، ويعلق بوتين علي ذلك قائلا، إن زعزعة استقرار روسيا هو هدف أمريكي مباشر «حتي لا ننسي من هو السيد علي ظهر هذا الكوكب» .