ما أن أعلن عن فوز حزب روسيا الموحدة الحاكم في الانتخابات البرلمانية التي جرت في روسيا في 4 ديسمبر، إلا وسارع الغرب لشن حملة عنيفة ضد فلاديمير بوتين . ورغم أن هناك تقاريرحول انتهاكات حدثت بالفعل في انتخابات روسيا ، إلا أن هناك من يربط بين هجوم الغرب على بوتين وإعلان حزب روسيا الموحدة عن اختياره لخوض انتخابات الرئاسة في مارس المقبل . فمعروف أن بوتين كان التف على الدستور الذي يمنع ترشحه لأكثر من فترتين متتاليتين وعقد صفقة قبل 3 سنوات مع صديقه الرئيس الحالي ميدفيديف تبادلا خلالها منصبي الرئاسة ورئاسة الوزراء على أن يعود للكرملين مجددا في انتخابات مارس 2012 . وبالنظر إلى أن بوتين يوصف في روسيا بالبطل القومي لأنه أعادها إلى الواجهة مجددا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، فقد نظر الغرب بريبة لعودته للرئاسة مجددا ، وخاصة في ظل معارضته الشديدة لنشر الدرع الصاروخي الأمريكي في أوروبا الشرقية بالقرب من الحدود الروسية . ولعل ردود أفعال الغرب تجاه فوز حزبه في الانتخابات البرلمانية تدعم صحة ما سبق ، حيث وصلت إلى حد التحذير من اقتراب الربيع العربي من روسيا وتشبيه بوتين بالرئيس المصري السابق حسني مبارك . ففي 6 ديسمبر، حذرالسيناتور الأمريكى جون ماكين رئيس وزراء روسيا فلاديمير بوتين من اقتراب "الربيع العربي" لروسيا، وذلك بعد الاحتجاجات التى حدثت عقب الانتخابات البرلمانية . ونقلت وكالة الأنباء الروسية "نوفوستى" عن ماكين قوله :"عزيزى بوتين إن ثورات الربيع العربى آتية إلى المجاورة القريبة منك". وفي السياق ذاته ، قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية إن الانتخابات الروسية الأخيرة أرسلت رسالة واضحة إلى رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين بوجود شعور بعدم الرضا بين الناخبين الروس عن سياساته. وفيما أكدت أن انخفاض نسبة التصويت ل"حزب روسيا الموحدة" لا يمثل أي خطر على وضع بوتين، حيث ما زال الحزب يتمتع بأغلبية بالبرلمان، إلا أن الصحيفة حذرت من احتمال انضمام الروس إلى موجة الاحتجاجات ضد نظم الحكم المستبدة التي سادت في العالم العربي في عام 2011 . وشبهت الصحيفة الأمريكية بوتين بالرئيس المصري السابق حسني مبارك الذي فضل تحصين نظامه على إجراء إصلاحات نافعة ، مشيرة إلى أن قرار بوتين بالعودة إلى الرئاسة لست سنوات أخرى أصاب الكثير من الروس بخيبة أمل ويأس من إقامة نظام سياسي أكثر انفتاحا في بلادهم. وفي الوقت الذي قد يلجأ بوتين إلى رفع مستوى الإنفاق الحكومي لضمان الولاءات، أعربت الصحيفة عن مخاوفها من أن يذهب بوتين إلى أبعد من ذلك ويشعل تيار التطرف الوطني ويبدأ بالبحث عن أعداء في الخارج والداخل. وأضافت "واشنطن بوست" أن النظام الروسي كان قد بدأ في هذا الاتجاه قبل الانتخابات البرلمانية ، عندما هدد باستهداف منظومات الصواريخ الأميركية في أوروبا ، ولذا حثت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما على التصدي لمشاريع بوتين، واحتمال استهدافه للحكومة "الديمقراطية" في جورجيا. واختتمت قائلة : "إن العالم الديمقراطي يأمل أن تكون هذه هي البداية وليست النهاية للصحوة الروسية ". ومن جهتها ، أشارت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية إلى وقوع مخالفات في عملية التصويت هدفت إلى تعزيز نسبة التصويت لحزب روسيا الموحدة. ورأت الصحيفة أن التقرير اللاذع الذي أصدره المراقبون الدوليون وبعض أفلام الفيديو التي صورت من قبل بعض الهواة، ستثير أسئلة كثيرة حول نزاهة وشفافية الانتخابات البرلمانية الروسية الأخيرة. أما صحيفة " الديلي تليجراف " فقد تطرقت إلى المظاهرات الاحتجاجية التي شهدتها المدن الروسية بعد الانتخابات ضد بوتين وحزبه، بالإضافة إلى الموقف الرسمي لكل من بريطانيا والولايات المتحدة من الادعاءات بوجود مخالفات في عملية التصويت. وكانت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون دعت إلى إجراء تحقيق في مزاعم تزوير الانتخابات، وقالت :"إن الشعب الروسي مثله مثل أي شعب آخر، يستحق انتخابات نزيهة وحرة وشفافة وقادة يشعرون بالمسؤولية تجاههم". أما وزير الخارجية البريطاني وليام هيج فعبر عن أمله في أن تتخذ السلطات الروسية إجراء تجاه الاتهامات بمخالفات وقعت أثناء عملية التصويت، وقال :"ما حدث يولد بعض المخاوف الحقيقية، وآمل أن يأخذ الموضوع على محمل الجد من قبل السلطات الروسية ، نتطلع إلى رؤية طريقة تعاملهم مع الوضع ". وكان حزب روسيا الموحدة بزعامة بوتين حصل في الانتخابات البرلمانية -بموجب نظام معقد لتوزيع المقاعد مرتبط بكيفية الاقتراع- على 238 مقعدا من أصل 450 أي 12 مقعدا أكثر من الغالبية المطلقة، لذلك لن يكون الحزب بحاجة لأي تحالف لتشكيل الحكومة. وجاء الحزب الشيوعي في المرتبة الثانية ونال 92 مقعدا، فيما حصل حزب روسيا العادلة (وسط-يسار) على 64 مقعدا، والحزب الليبرالي الديمقراطي (قومي) على 56، كما أعلن رئيس اللجنة الانتخابية المركزية فلاديمير تشوروف. ورغم أن حزب بوتين كان يتمتع ب 315 مقعدا في الدوما قبل الانتخابات الأخيرة وخسر بذلك 77 نائبا وغالبية الثلثين التي تسمح له بتعديل الدستور ، إلا أنه سارع للتأكيد أنه سيجري تعديلات واسعة النطاق داخل جنبات الحكومة الروسية ، بالاضافة إلى تغييرات في محافظي الأقاليم عقب الانتهاء من الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها بالبلاد خلال مارس المقبل ، وهو الأمر الذي وصفه مراقبون بأنه يبعث برسالة لأمريكا تحديدا بأنه لن يتراجع أمام الانتقادات وسيواصل طموحاته حول عودة روسيا كقوة عظمى .