صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يوم 10 ديسمبر 1948، وهو يتكون من ديباجة و30 مادة . ومنذ لحظة ظهور هذا الاعلان حتي الآن، ترجم إلي مايزيد علي 300 لغة، وكان غالبا هو أساس مطالبة الشعوب والأفراد في كل أنحاء العالم باحترام حقوقهم وحرياتهم، كما اتخذت العديد من دساتير الدول هذا الإعلان أساسا لقوانينهم، واستشهدت المحاكم الوطنية والدولية به في نصوص أحكامها، والواقع أن هذا الإعلان لم يصدر من فراغ، ولكنه حصيلة تراكمات حضارية متتابعة مرت بها البشرية منذ فجر تاريخها، ففي مصر الفرعونية وفي متون التوابيت في عصر الأهرامات، نجد النص التالي الذي كتب في حوالي القرن ال 27 قبل الميلاد: "لقد أعطيت خبزي لكل الجائعين، وكسوت كل من كان عريانا، وأشبعت كل حيوانات الجبل وطيور السماء، ولم أظلم أحدا قط في ممتلكاته، وفي كتاب الموتي وفيما يعرف بمحكمة أوزيريس أمام ما يعرف بقاعة الحق، حيث كان المتوفي يقف أمام 42 قاضيا، ويعطي تقريرا عما فعله في حياته يقول فيه: "انظر ... إني أحضر بالعدل، ولم أرتكب ضد الناس أي خطيئة إني لم أرتكب شيئاً خبيثاً، إني لم أترك أحدا يتضور جوعا، ولم أتسبب في بكاء إنسان، إني لم أرتكب القتل أو آمر بالقتل». وفي حكم أمينموب نجد تعاليم جميلة موجهة للحاكم حتي تكون المحاكمة عادلة ونزيهة، فينصحه قائلا : " لا تجبر رجلا علي الذهاب أمام المحكمة، لأنك لن تستطيع أن تلوي العدالة فلا تيمم وجهك نحو صاحب الملابس البراقة بينما تطرد من تكون ملابسه بالية، لا تضطهد الضعيف من أجل ضعفه فالعدالة هبة عظيمة من الإله يهبها من يشاء، وبقوة الإله يفلت المظلوم من ضربات القاضي " . وفي العصر اليوناني نجد خطبة لبركليس قال فيها: " وجميع المواطنين من الناحية القانونية يتمتعون بالمساواة فيما يتعلق بالخصومات الفردية، أما من حيث الوصول إلي المناصب فالمفاضلة بين الأفراد لا تقوم إلا تبعا لما يتميزون به، وأساس التميز هو الموهبة لا الانتماء إلي طبقة معينة، ولا يمكن أن يحال بين شخص وبين خدمة المدينة بسبب فقره أو خموله الاجتماعي مادام قادرا علي النهوض بهذه الخدمة" . وفي العصر الروماني تجد فقيها يدعي "كانليوس " يخاطب أشراف الرومان قائلا لهم: " إنه إذا لم يعط الشعب الروماني حرية التصويت ولم يسمح له بأن بعطي منصب القنصل لمن يشاء، فإن روما لن تستطيع البقاء علي قدميها، إن الإمبراطورية ستنهار، وفي النهاية من الذي يملك السيادة ؟!.... أنتم الذين تملكونها أم الشعب الروماني ؟!.... وعندما طردنا الملوك هل كان ذلك لكي نقيم سيطرتكم محل سيطرتهم ؟ أم كان لكي نحقق للجميع الحرية وسط المساواة ؟ يجب أن يعطي للشعب الروماني الحق في أن يضع التشريع إذا أراد " . كما ظهر الخطيب الروماني الشهير "شيشرون " وقدم صياغة لفكرة القانون الطبيعي إذ قال: " إن القانون الطبيعي هو قانون توحي به الطبيعة ويكشفه العقل وهو سرمدي لا يتغير ولا يتبدل بتغير الزمان ولا بتغير المكان وهو قانون للفضيلة والعدالة، وإعطاء كل ذي حق حقه" . الأديان السماوية والكرامة وجاءت الأديان التوحيدية الثلاثة (اليهودية- المسيحية - الإسلام) لكي تؤكد قيمة الإنسان وكرامته، كما أكدت فكرة العدالة والمساواة بين جميع البشر . ثم جاء عصر النهضة الأوروبية وظهور الحركة الإنسانية لتشهد طفرة كبري في هذه الأفكار . وبعدهم ظهر الفلاسفة العظام مثل جون لوك (1632- 1704) وجان جاك روسو (1721 - 1778) كما جاءت الثورات الكبري ممثلة في العهد الأعظم أو الماجنا كارتا (1215) وهي تحتوي علي 61 بندا، والثورة الأمريكية التي خرج عنها وثيقة إعلان الولاياتالمتحدةالأمريكية في 4 يوليو 1776 ، والثورة الفرنسية التي خرج عنها وثيقة إعلان حقوق الإنسان والمواطن في عام 1789 التي جاءت في 12 بنداً. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ولا نريد أن نطيل في التطورات التي حدثت قبل ظهور الإعلان حتي نعطي مساحة أكبر للإعلان نفسه، ثم للمواثيق التي ظهرت بعد هذا التاريخ والتي جاءت مكملة للإعلان الأم الذي ظهر في عام 1948 . فلقد ظهر الاعلان العالمي لحقوق الإنسان كما ذكرنا في المقدمة يوم 10 ديسمبر 1948، وجاء مكوناً من ديباجة و 30 مادة، وبالطبع لن نستطيع أن نعرض للمواد الثلاثين في هذا الحيز المحدود، ولكننا سوف نذكر بعض المواد المهمة فقط، فلقد جاءت المادة الأولي لتؤكد علي الحرية والمساواة بين جميع البشر، وجاءت المادة الثالثة لتؤكد علي الحق في الحياة، والمادة الرابعة علي حظر الرق، والمادة الخامسة علي تجريم تعذيب البشر، والمادة 13 علي حرية التنقل، والمادة 16 علي حق تأسيس أسرة، والمادة 17 علي حق الملكية الشخصية، والمادة 18 علي حق التفكير والضمير والدين، والمادة 19 علي حرية التعبير، والمادة 23 علي حق العمل، والمادة 26 علي الحق في التعليم، والمادة 27 علي حق الثقافة والتمتع بالفنون .... إلخ . ثم توالت بعد ذلك المواثيق المكملة للوثيقة الأم، ففي 16 ديسمبر 1966 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة "العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية " و"العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية " وهي تطالب بحق الإنسان في التعليم، الغذاء، السكن، الرعاية الصحية، الحق في العمل، حرية الانتقال، حرية الفكر والوجدان، حق التجمع السلمي، حظر العبودية والتعذيب وجميع أشكال المعاملات القاسية . وفي عام 1969 ظهرت "الاتفاقية الدولية للقضاء علي جميع أشكال التمييز العنصري " وجاء فيها :" حظر أي تمييز أو استعباد أو تقييد أو تفضيل يقوم علي أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني، ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها، علي قدم المساواة في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي، أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة " . وفي عام 1981 ظهرت اتفاقية "القضاء علي جميع أشكال التمييز ضد المرأة ، والتي طالبت بتغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة، بهدف القضاء علي التحيزات والعادات العرفية، وكل الممارسات الأخري القائمة علي الاعتقاد بكون أي من الجنسين أدني أو أعلي من الآخر " وفي عام 1987، ظهرت اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة". وفي عام 1990، ظهرت اتفاقية حقوق الطفل " وحددت سن الطفل بأنه "كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه " وهي تسعي إلي حماية الأطفال من الممارسات التي تعرض رفاهيتهم - علي وجه الخصوص - للخطر، بما في ذلك الاستغلال الاقتصادي، والاستخدام المحظور للمخدرات، وكل أشكال الاستغلال والإيذاء الجنسي". وفي عام 1991 ظهر ما يعرف ب"قانون الجرائم المخلة بسلم الإنسانية وأمنها " كعنوان للمادة التي أصبحت "الجرائم ضد الإنسانية " في عام 1996، والتي حددتها في الجرائم الآتية: "القتل العمد، والإبادة، والاسترقاق، والتهجير القسري للسكان، والسجن الطويل، والتعذيب، والاغتصاب والاكراه علي البغاء، واضطهاد أي جماعة محددة من البشر لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو إثنية أو ثقافية أو دينية، والاختفاء القسري للأشخاص، والفصل العنصري، والأفعال اللاإنسانية الأخري والتي تتسبب عمدا في معاناة شديدة، أو أذي خطير يلحق بالجسد، أو العقل». وفي عام 2003 ظهرت الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم . ومع نهاية عام 2006 ظهرت اتفاقيتين جديدتين، الاتفاقية الأولي هي "الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة " وتشمل (الحق في اتخاذ القرارات، الحق في الزواج، الحق في تكوين أسرة، الحق في العمل، الحق في التعليم) ويتوجب علي الدول الامتناع عن التمييز علي أساس الإعاقة، واتخاذ الإجراءات التي تقضي علي مثل هذا التمييز من قبل أي شخص أو منظمة أو مؤسسة . أما الاتفاقية الثانية فهي "الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري " وتعرف هذه الجريمة بأنها " الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم علي أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد الذين يتصرفون بإذن، أو دعم من الدولة، أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته، أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده ، مما يحرمه من حماية القانون " .