وأوصله إدمانه لفاطمة وللمسرح إلي الاهتمام بالسينما. وكثيرا ما كان يعود إلي أصدقائه في حي العباسية، يروي لهم مشاهداته وملاحظاته ونقده لما يشاهده من مسرحيات وأفلام، ولم يكن أي منهم يهتم بشيء من ذلك، لكنهم التفوا حوله كظاهرة عجيبة، إذ أضحي يربي سوالفه (مثل الموسيقار محمد عبدالوهاب) تشبها برودولف فالنتينو أشهر نجوم السينما آنئذ، كما أنه كان يقلد نجوم السينما في ملابسهم وتصرفاتهم، وكان معارفه يسمونه بتاع "صديقة الطلبة"، نسبة إلي معشوقته فاطمة رشدي. وقد توفي والد كمال (تاجر الحرير القوقازي الأصل وعضو مجلس النواب عن دائرة الجمالية) عام 1928 تاركا مصنعا ومتجرا للحرير، وكان كمال حينها طالبا في مدرسة فؤاد الأول الثانوية، ولم يستطع وهو أكبر إخوته أن يواصل تجارة والده، ولا أن يحصل علي شهادة أعلي من البكالوريا، لأن السينما كانت تشغله. وسافر كمال إلي فرنسا عام 1932 بهدف دراستها، لكن تصادف وأن اغتيل رئيس فرنسا في هذه الفترة، فتم ترحيل كثير من الأجانب، والعرب منهم علي وجه الخصوص. حاول سليم بعد عودته من باريس تعويض مصابه، وقرر دراسة السينما بشكل مستقل، وجدّ في تعلم اللغات ليقرأ أمهات الكتب السينمائية، فأتقن الإنجليزية والفرنسية والألمانية، ثم جدّ في تثقيف نفسه، وواظب علي قراءة العديد من الدوريات والنشرات المتخصصة في السينما. وكان واسع الاطلاع إلي درجة تلفت النظر. وقد صاحبت القراءة مشاهدة ودراسة العديد من الأفلام. ومع ذلك حاول، دون جدوي، الحصول علي منحة مجانية لدراسة الإخراج السينمائي، مثل أحمد بدرخان، عن طريق المشروع الذي تبناه طلعت حرب. وقبل مدفوعا بالشوق العارم، وفي إطار العثرات المتتالية، أن يقوم بتمثيل دور الرجل المحبط في فيلم "ابتسامة الشيطان"، لمجرد أن يكون قريبا من الفن الذي يعشقه. كما مثل في فيلم "تحت ضوء القمر" دور رجل بائس محطم، وتعلم خلال العمل في هذا الفيلم فن الماكياج. ومع مثابرته نجح كمال سليم في الحصول علي فرصة لإخراج فيلم "وراء الستار"، بتمويل من صاحب شركة أوديون لتسجيل الأسطوانات، وبرغم أن الفيلم كان من بطولة اثنين من عمالقة الغناء في ذلك الوقت- رجاء عبده وعبد الغني السيد- فقد فشل جماهيريا، بينما نجحت الأغاني، وحققت شهرة لا بأس بها. التحق كمال سليم بشركة استوديو مصر كاتبا للسيناريو، وقام بكتابة فيلم أنتجته الشركة هو فيلم "الدكتور"، لكنه لم يكف عن محاولة إقناع المسئولين بالسماح له بإخراج فيلم آخر من تأليفه، إلي أن تحقق له ذلك بعد مغامرات متواصلة. عصابة ألمانية لقد كان بين العاملين في استديو مصر عصابة من الألمان، سعت إلي الهيمنة علي كل الوظائف الفنية. وضع المخرج أحمد بدرخان سيناريو فيلم "وداد" باكورة إنتاج الاستديو، عن قصة لأحمد رامي، وأخرج الأجزاء الأولي من الفيلم، الذي اجتهدت أم كلثوم في تمثيله. لكن أفراد العصابة تآمروا، حتي انتزعوا الفيلم من بدرخان، ليخرجه فريتز كرامب، بمساعدة بعض الأتباع المصريين، فلم يكن الألماني يتكلم العربية. كانت معظم أفلام تلك الأيام تدور في السرايات والقصور والبارات.. وعن رجلين لا عمل لهما إلا تنازع حب امرأة، أو امرأتان لا عمل لهما إلا تنازع حب رجل، أو عن بنت السلطان التي أحبت ابن الجنايني. وفي أفضل الحالات عن الريف الهادئ والمدينة الفاسدة ومحلاها عيشة الفلاح. ولم يكن الأمر غريبا. فقد كتب أحمد بدرخان في مجلة "الصباح (1932): "إن القصة السينمائية (السيناريو) التي تدور في أوساط وضيعة كأوساط العمال والفلاحين يكون نجاحها محدودا، لأن السينما قبل كل شيء مبنية علي المناظر، والطبقة المتوسطة (السواد الأعظم من رواد السينما) لا تحب أن تري العالم الذي تعيش فيه، بل علي العكس تطمح إلي رؤية الأوساط التي تجهلها. السيناريو المتقن يتكون من قصة حب، تدور خلال مدة قصيرة، حول ثلاثة أو أربعة أشخاص، في بلد جميل المناظر أو في منازل بديعة، ويتخلل القصة عقبات سواء أكانت طبيعية أو طارئة". وكان الجميع يصنعون الأفلام وفق مانفيستو بدرخان، فوجهة النظر السائدة تري أن ترفه السينما عن الجمهور، وتقدم له ما يفتقده، فاتحة له طريقا للهرب من واقعه. رغم أن كمال ابن بك، ويوجد في العباسية شارع يحمل اسم جده فقد كان حوارجي قح، فأراد الفكاك من سينما الباشوات والهوانم.. القصور والصالونات والبكيني والكباريهات وبدلا من الأجواء المستوردة التعبير عن واقع الناس وحياتهم بمشاكلها ومتناقضاتها. ولأنه حوارجي جاءته فكرة سيناريو ابن حلاق "الحارة"، الذي يتعلم تعليما عاليا، ويتوق للعمل حتي يتزوج جارته فاطمة، التي يقرر الجزار أن يشتريها بماله. فيلم يناقش مشاكل البطالة بين خريجي الجامعات، والصراع بين الأغنياء والفقراء حول المبادئ والقيم الأخلاقية. رفض فريتز كرامب السيناريو (البلدي) بحجة أن أحداثه لا تدور في القصور والملاهي، ككل ما سبقه من أفلام. إنه انقلاب يركز علي واقع يضج بصور الفقر والقبح والتخلف، ولن يعجب الجمهور. وراح الألمان ومن لف لفهم من المصريين يصفون سليم ومن يصادقه بالشيوعية، واتهموهم بأنهم لا يعرفون شيئا عن السينما، ولا يفقهون إلا الثرثرة حول "الحواري"، ولن ينجزوا عملا علي الإطلاق. ونجح هجومهم الكاسح في إبعاد كمال عن العمل. عاد المخرج أحمد جلال من بعثته الدراسية في فرنسا، فصار أحد المسئولين في إدارة الإنتاج بالشركة، التي كانت قاب قوسين أو أدني من التوقف، لعدم وجود نصوص يمكن تنفيذها. اقترح مع بدرخان إنتاج سيناريو "الحارة"، فعارض الألمان بدعوي أن الفيلم سيسبب خسائر كبيرة ولن يحقق إيرادات. رد أحمد جلال بأن توقف العمل في الاستديو، مع استمرار صرف مرتبات العاملين، سيسبب خسائر مالية أكبر، تدفع إلي الاستغناء عنهم. وكان لا بد من قرار سيادي. قرأ بعض كبار المصريين في الشركة السيناريو، فأيدوا تنفيذه، واقترحوا أن يطلق علي الفيلم اسم "العزيمة" تعبيرا عن قوة الإرادة. غالبية الكوادر الفنية في استديو مصر كانت من الألمان، فرفضوا العمل في الفيلم، وراحو يعوقون إنجازه. اعتذر مهندس الصوت ورشح مساعده، وكذا فعل مدير التصوير، وتجرأ مساعده واعتذر هو الآخر، ليضطر كمال إلي الاستعانة بالمصور المجري فاركاش، من خارج الاستديو. وليت الظروف المعاكسة اقتصرت علي الألمان وحدهم. قرر سليم إسناد دور البطولة للممثل محمود المليجي الذي كان يعمل في فرقة يوسف وهبي، لكن البك كان غاضبا علي استديو مصر لأن بطولة فيلم "لاشين" لم تكن من نصيبه. "جاءوا بحسن عزت من أمريكا، ولم يكن قد مثل في حياته، وأعطوه الدور". لهذا رفض يوسف بك أن يتعاون ممثل من فرقته مع استديو مصر. يومها ركض المليجي المتحمس للدور خلف سليم في الشارع، وأكد أنه علي استعداد لترك الفرقة من أجل الفيلم. لكن مدير الاستديو رفض، حتي لا يثير حفيظة يوسف بك، فاستعان سليم بحسين صدقي للقيام بالدور. ظل سليم علي عشقه لفاطمة رشدي من بعيد لبعيد أكثر من عشر سنوات، ودعاها مدفوعا بذلك لبطولة "العزيمة". والطريف أنهما تزوجا مع ذلك الفيلم. ولم يقف أمر الألمان عند تعويق العمل، بل وصل إلي ضربات خشنة تحت الحزام. كان تصوير مشهد خناقة "العزيمة" عجيبا. أعادت سليم أيامها حكاية عبدالوهاب مع محمد كريم في "الوردة البيضاء". كانت سوالف عبدالوهاب تتدلي علي صدغيه، طويلة علي غير المألوف. ورفض كريم أن يظهر عبدالوهاب بهذه السوالف. ولما كانت قد أصبحت موضة بين الشبان وطلبة المدارس، رفض عبدالوهاب أن يقصها وراح يكرر: "يا أستاذ كريم أنا مشهور بالسوالف دي ولما أقصها مابقاش عبدالوهاب".. وراح كريم يكرر: "يا أستاذ عبدالوهاب دورك في الوردة البيضاء دور شاب يعمل كاتبا في مصلحة، والسوالف رمز الفنانين. لهذا فهي لا تتفق مع شخصيتك في الفيلم". طال النقاش، قبل أن يتفقا علي حل وسط. شرح كريم للحلاق المطلوب. لكن ما إن اقترب من سوالف عبدالوهاب حتي ألقي بأدواته وقال في عصبية "لا يا أستاذ حرام ما قدرش. أنا ما تحملش مسئولية قصها. حرام ياناس". وحتي بعد أن طلب عبدالوهاب منه الامتثال ظل يردد وهو يقص "حرام ياناس. حرام عليكم"، بينما يكرر كريم "إيه اللي حرمه. قص ياراجل قص". كيف ينهزم الفتوة؟ إن كان هذا حدث مع فنان مثل عبدالوهاب، فلك أن تتصور ماذا يمكن أن يحدث مع الفتوات الحقيقيين الذين استعان بهم سليم لتنفيذ أحد مشاهد العزيمة. كان الأمر عصيبا. استحال أن يقبل فتوة (حقيقي) انتهاء الأمر بهزيمته. عبثا حاول سليم أن يوضح لهم ويفهمهم أنها سينما وتمثيل وسيناريو و... . لكن لا حياة لمن تنادي: "إنها جرسة وفضيحة يا أستاذ". وهكذا انقلبت المعركة من تمثيل إلي حقيقة. وكتب سليم: "إن ما ينشده المخرج هو الطبيعية، إلا أن هذه كثيرا ما تفسد عليه الترتيب الذي رسمه، لصعوبة التوفيق بين طبيعية الضرب، وبين تكوين المنظر. وقد اضطررت من أجل ذلك إلي إعادة المنظر مرات، وكنت أتحايل علي الأمر بأن أصورهم أثناء البروفات دون علمهم، حتي أستطيع إخراج المنظر وفق رغبتي، لكن "الفتوات" الذين ظهروا في منظر "المولد" كانوا يتباهون بقوتهم وعضلاتهم المفتولة، وكان من الصعب إقناع بعضهم بوجوب الانهزام، كما يتطلب المنظر، واستغرق تصوير المنظر ثلاثة أيام متتالية من السادسة مساء إلي السابعة صباحا، وكان الوقت شتاء والبرد قارسا، والمنظر خارجيا". هكذا تطلب المشهد حلولا إخراجية خاصة. وأثناء تنفيذ سليم لذلك قام أحد الألمان مستثارا، واعتدي عليه. رفع الكرسي يود تحطيم رأسه، وتدخل الكومبارس من الفتوات (الحقيقيين) في المعركة، إلي جانب كمال طبعا. وحدثت المفاجأة بعد أن حمد كمال ربه علي الانتهاء من تصوير المشهد الحرج والفيلم علي خير، فشب حريق في المعمل، ودمر أشياء كثيرة، منها نيجاتيف المشهد العصيب. وظن الألمان أن الفرصة لاحت لتكرار ما فعلوه مع بدرخان في فيلم "وداد"، وحاولوا سحب الفيلم من كمال، بحجة تجاوز الميزانية المقررة. وشكلت لجنة فنية لاتخاذ القرار. شعر كمال بمؤامرات الألمان تضيق حول عنقه، فقرر أنه لن يفل الحديد إلا الحديد. اجتمعت مجموعة من العاملين في "العزيمة" في جلسات سرية، للتفكير فيما يجب عمله. وقرروا أن الحل الوحيد هو التخلص من المخرج فريتز كرامب شخصيا. وقرر كمال أن يقوم بالمهمة بنفسه، لكن المجتمعين رفضوا لأنه مخرج الفيلم، وبذلك سيحققون للألمان ما يريدون. كان صلاح أبو سيف قريب عهد بممارسة الملاكمة فتطوع للمهمة، وبينما يتم إعداد "المسدس" وإحكام "سيناريو" القتل، أنقذت اللجنة الفنية الموقف، فبعد مشاهدة ما تم إنجازه قررت استمرار سليم في تنفيذ الفيلم. وفي النهاية تنفس سليم الصعداء فلم يتم المشهد فقط، بل وجاء أفضل كثيرا في الإعادة، مع التمثيل والخبرة والعزيمة والتحدي. محمد وفاطمة انتشي الناس برؤية أنفسهم علي الشاشة فأقبلوا علي الفيلم، يتراهنون علي اكتشاف الحي الذي تقع فيه الحارة. هذا يؤكد أنه السيدة زينب، وذاك يثبت أنه باب الشعرية، وثالث يقر بمعرفته بالحلاق وفاطمة، ورابع يؤكد أنها حارتهم في بولاق أو عابدين أو.. رغم أن الحارة لم تكن سوي ديكور من الخشب، صنع في الاستديو. أحب الناس الفيلم الذي يناقش مشاكل التعليم والبطالة والزواج والقيم و... التي يعانونها. تجاهلوا اسمه الغريب، وأطلقوا عليه اسم "محمد وفاطمة"، وبات أول فيلم مصري تتخطي إيرادات عرضه في الأسبوع الثاني إيرادات الأسبوع الأول. وكانت المفاجأة أن توزيعه حقق ربع مليون جنيه في سابقة لم تحدث، رغم أنه تكلف تسعة آلاف فقط. وقد مثل في "العزيمة" إلي جوار فاطمة رشدي وحسين صدقي زكي رستم وماري منيب وأنور وجدي وعباس فارس وحكمت فهمي وعبد السلام النابلسي والسيد بدير. كما عمل صلاح نظمي وشفيق نور الدين وسامية جمال وكومبارس في الفيلم، وكان كل منهم يتقاضي 25 مليما كاملة، مقابل عمل اليوم الواحد! كانت الأفكار والآراء السياسية والاقتصادية، التي انتشرت خلال تلك الفترة، تتحدث عن ضرورة العمل الحر وعدم الانسياق وراء العمل الحكومي، إذ كانت بنوك وشركات كثيرة قد أنشئت، وكان الكثير من الطلبة والشباب يريدون بناء حياتهم الاقتصادية والعمل في هذه الشركات، ويحلمون بإنشاء شركات خاصة. وهكذا التقط سليم فكرة فيلم "العزيمة" من واقع الحياة، وهكذا جاء بطل الفيلم ليعبر عن أحلام قطاع فعال من الشباب وعن آلامهم ومشاكلهم. ورغم أن الفيلم لم يتعرض، من بعيد أو من قريب، للمشكلات السياسية الشائعة آنذاك إلا أنه حام حولها، من خلال بعض الإيحاءات والإسقاطات، وبأسلوب يدفع الي التأمل والتفكير، رغم ثوب التهكم والسخرية اللاذعة، ويستحيل مع ذلك كله إغفال صدق الفيلم الفني ولغته السينمائية وحرفيته المتقدمة. لقد جاء "العزيمة"، لا كإضافة جديدة للسينما المصرية فحسب، وإنما ليصبح عملاً رائداً في الشكل والمضمون، وليقدم به كمال سليم اللبنة الأولي في بناء الفيلم الواقعي، بعمل درامي فني وفكري متماسك وخلاق. ويؤكد كثير من الدارسين أن التاريخ الفعلي للسينما المصرية يبدأ بهذا الفيلم لأكثر من سبب، فهو أول فيلم ينتمي إلي الواقعية من جهة، وهو الفيلم الذي شكل نقطة تحول في تاريخ السينما المصرية، إذ انطلقت بعده بفورة من الإنتاج الغزير وصل إلي ثمانين فيلما في العام، حيث اكتمل في هذه الفترة نصاب الفنيين المصريين العاملين في كل مرافق الإنتاج السينمائي، وإذا كانت الحرب العالمية الثانية قد أوقفت الإنتاج في كثير من البلدان الأجنبية، فإنها كانت فترة ازدهار تجاري وتقني للسينما المصرية. ولعل ما سبق كان أهم الأسباب التي جعلت "العزيمة" يحتل المركز الأول في قائمة أفضل مائة فيلم مصري طوال مائة عام كاملة من عمر السينما العربية. وهو ما جعل المؤرخ والناقد السينمائي الفرنسي جورج سادول يكتب: إن فيلم "العزيمة" يعرض مضموناً فكرياً يشغل قطاعاً مهما من قطاعات المجتمع، ويعتبر هذا الفيلم أحد الأفلام الرائدة في تاريخ السينما العالمية، إذ أرهص بظهور "الواقعية الجديدة" بعد ذلك في إيطاليا. لقد وقفت السينما المصرية بهذا الفيلم علي أرض صلبة، ودخلت به مجال التعبير الواقعي في عالم الفن والفكر. ثقافة سينمائية عريضة ولم يكن الأمر غريبا فقد كان سليم يتمتع بحاسة فنية بارزة صقلها بالقراءة المستمرة والدراسة الحرة للكتب الأجنبية، التي كان يوافيه بها أحمد جلال من أوروبا. وقد اهتم كمال بتجارب أعلام المخرجين ونظريات السينما وكان يطمح إلي ترجمة بعض الأعمال عن ذلك. ومن الطرائف التي يذكرها صلاح أبو سيف عن علاقته بكمال سليم أنه كان معروفا لدي أصحاب المكتبات، ولمعرفتهم شغفه بالكتب كانوا يرفعون سعر الكتاب الذي يختاره، فاتفق مع صلاح أن يمرا معا علي المكتبات. يشير كمال علي الكتاب الذي يريده فيشتريه صلاح بدلا منه.. "أشتريه أنا بشلن بدلا من عشرين أو خمسة وعشرين قرشا لو أن كمال اشتراه بنفسه". ولم تقتصر ثقافة كمال علي الموضوعات السينمائية المباشرة. إذ امتدت دراسته إلي الفلسفة والأدب والاقتصاد والتصوير والموسيقي، وتلقي دروسا في الرسم علي يد صديقه الفنان صلاح طاهر، ودرس الموسيقي علي يد صديقه محمد حسن الشجاعي، وتعلم عزف البيانو علي يد الموسيقار الروسي المقيم في القاهرة تشيرنيافسكي، وما لبث أن عزف، بعد شهور، أعمال كبار الموسيقيين، بل وقام في أول أفلامه "وراء الستار" بتلحين أوبريت "بدر الدجي"! تبقي إشارة إلي أن فيلما من أفلام كمال سليم التالية لم يحقق النجاح الذي حققه فيلم "العزيمة".. لقد أشرنا من قبل إلي غرام كمال سليم بفاطمة رشدي وزواجهما بعد قصة حب ملتهبة. وكنا قد وصفنا واقعة الزواج بالطرافة، لكن الأطرف أن فاطمة رشدي أكدت بعد ذلك أنها كانت السبب في نجاح "العزيمة"، بما وفرته لكمال سليم من أجواء عاطفية ملتهبة. والمعروف أن فاطمة انفصلت عن كمال، بعد فيلمهما التالي الذي شهد سوء تفاهم بسبب عزيز عيد زوج فاطمة السابق، لكن كمال ظل يهيم بحبها حتي رحيله المبكر. وقد كان كمال سليم يخرج من قصة حب ليدخل في قصة جديدة.. كان أول غرامه بجارة جميلة، أراد أن يتزوجها وهو يخرج أول أفلامه، ولما سأله والدها- وهو رجل لا علاقة له بالفن- عن عمله، اعتذر لأنه ظن أن عمل المخرج السينمائي هو الوقوف علي باب السينما ليخرج الجمهور! ثم أحب كمال مدام لوتس، وهي سيدة ألمانية كانت تعمل بقسم المونتاج في استديو مصر، ساعدته علي إتقان اللغة الألمانية، كما يسرت له تعلم فن المونتاج. وبعد طلاقه من فاطمة رشدي تزوج بأميرة أمير، وكانت تعمل في ملهي قاهري، وصنع منها نجمة سينمائية.