من مشاهدات الواقع الراهن، أن هناك فارقا كبيرا بين درجة اهتمام العلماء والمسئولين في النطاق العربي بقضية تغيرات المناخ العالمي، والاهتمام والتجاوب والتحركات علي المستوي العالمي، وفي دول العالم الأخري، تجاه هذه القضية الشائكة. وإذا كنا هنا نعتبر أن الاهتمام من جانب العلماء، والمسئولين في النطاق العربي، بمسألة تغيرات المناخ وتداعياتها، هو أقل من المستوي المطلوب، بالرغم من بعض المؤشرات المحدودة، والتحركات النسبية في هذا الصدد، فإنه من دواعي القلق أن يبدو الرأي العام العربي، أعلي وأكثر اهتماما بالمسألة، ممن هم في حكم المتخصصين، والمسئولين باتخاذ القرارات، ومباشرة التحركات الفعلية، كما يفترض فيهم وفقا لواجبهم العلمي والوطني. فعلي مستوي الرأي العام العربي، وعلي عهدة " المؤتمر العام السنوي الثاني للمنتدي العربي للبيئة والتنمية " في نوفمبر 2009، أن استطلاعات الرأي العام العربي تدل علي أن 98 % من السكان في 19 بلدا عربيا تعتقد أن المناخ العالمي يتغير، وأن 89 % يعتقدون أن تغيرات المناخ العالمي هي من نتاج نشاطات انسانية، مما يعني مسئولية البشر عن ذلك، بما في ذلك الاستخدام المفرط للطاقة، واستنزاف الموارد، ومن النتائج المهمة لهذا الاستطلاع للرأي العام العربي اعتبار نسبة 84 % أن التغير المناخي، هو من أهم التحديات الجديدة للبلدان العربية، بينما يري 51 % (وهي نسبة فيها قدر ملحوظ من المجاملة) أن الحكومات العربية لا تقوم بما يكفي استعدادا لظاهرة المناخ العالمي، ولا تتصدي للمشكلة بالقدر الكافي من الاجراءات. هذا، بينما قال 94 % من الرأي العام العربي، وفقا للاستطلاع أن البلدان العربية سوف تستفيد من المشاركة في الجهود العالمية للتعامل مع ظاهرة تغيرات المناخ العالمي. وإذا كنت هنا أطلق صيحة احتجاج ومناشدة للعلماء العرب، والمسئولين العرب لسرعة التحرك واتخاذ المواقف المناسبة، والواجبة، والمسئولة إزاء تحديات التغيرات المناخية، فإني أشير إلي نتيجة مهمة أثبتها الاستطلاع المشار إليه، وهي أن 93 % من المستطلعة آراؤهم أكدوا استعدادهم للمشاركة، في عمل شخصي، يساهم في التصدي لمشكلة المناخ. المواقف المراوغة في عز انشغال العالم بمتابعة مؤتمر كوبنهاجن للمناخ العالمي الذي انعقد في الفترة من 7 18 ديسمبر 2009، في إطار سعي دولي حثيث للتوصل إلي اتفاق عالمي ملزم، لإلزام الدول الكبري للقيام بمسئوليتها لخفض انبعاثات الغازات الضارة، ومحاصرة ظاهرة الاحتباس الحراري، وإلزام الدول النامية باتخاذ خطوات مناسبة، بقدر استطاعتها بما يساعد علي خفض درجة حرارة الأرض، بالتعاون مع الدول الكبري، أقول، في عز انهماك الجميع بالمتابعة، والترقب، إذا بنا في النطاق العربي أمام تصريحات واضحة من (علماء عرب) مصريين، يؤكدون علي حقائق، مغايرة، ومعاكسة لكل ما يقوله علماء العالم عن المناخ العالمي. يقول الدكتور محمد محمود عيسي استاذ المناخ، ونائب رئيس هيئة الأرصاد الجوية إنه ليس صحيحا ما يقال عن ارتفاع منسوب البحار في السنوات القادمة، وغرق المناطق الساحلية لارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض بعد ذوبان الجليد بالقطبين. ويؤكد المتخصص المناخي أن ارتفاع سطح البحر يمر بدورة طبيعية، مدتها 24 سنة، ترتفع فيها درجة الحرارة لمدة 12 سنة، وتنخفض لمدة 12 سنة أخري، في مدي لا يتعدي 15 سنتيمتر. ويؤكد المتخصص أن ما يثار (هو هراء علمي، ليس له أساس علمي، وصادر عن غير متخصصين). والنقطة الأخري التي أصر عليها الدكتور عيسي هي تبرئة النشاط الإنساني من ادعاءات من أسماهم غير المتخصصين في تأثيره علي المناخ العالمي، حاصرا هذا التأثير (التأثير الإنساني) فقط علي كم من الملوثات الجوية التي تؤثر علي صحة الإنسان. ويستنتج أن الاتجاه العام لتغير درجات الحرارة خلال القرن 21 يشير (علي عكس مايقوله علماء العالم) إلي الانخفاض، وليس ارتفاع درجات الحرارة. هذا الرأي عرض خلال المؤتمر العلمي الذي عقدته جامعة قناة السويس بالتعاون مع الجمعية المصرية للعلوم البيئية عن التغيرات المناخية وأثرها علي الموارد البيئية. وهناك أساتذة آخرون يرون ما يشابه الرأي السابق. فالدكتور محمود حسين رئيس قسم علوم البحار، من الهيئة العامة للاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء يقول إن عملية دراسة وحساب التغيرات المناخية تحتاج إلي دراسات دقيقة، وحسابات معقدة جدا، وتعاون دولي... فلا يصح أن نجري وراء تكهنات ليس لها أساس علمي صحيح (ويقول إن النقاشات الحالية لها أبعاد سياسية، وليست علمية..) ولا يصح أن نقع ضحية هذا الفخ ! تساؤلات مشروعة 1) علي المستوي العربي بوجه عام، ليس معروفا علي وجه الدقة توجهات العلماء المتخصصين تجاه قضية تغيرات المناخ العالمي، ذلك أنه إذا كان منهم عدد كبير من المصدقين لمسألة التغيرات المناخية، فإن ذلك كان لابد أن يدفعهم للقيام بدور كبير وفاعل ونشط للحث علي التحرك والتجاوب واتخاذ الخطوات الوقائية تجاه السلبيات التي ستشهدها المنطقة، في غضون سنوات، أو عقود من جراء ارتفاع درجة الحرارة، وغرق أجزاء من السواحل والمدن، وهجرة ملايين السكان، وانقراض الكائنات البحرية، وتغيرات المحاصيل الزراعية، واتساع مساحات التصحر، والجفاف... الخ. وعلي الرغم من أن المنطقة العربية عموما، لاتساهم في الغازات العالمية الضارة إلا بنسبة 5 %، إلا أنها ستضار وتدفع ثمن التغيرات المناخية، كغيرها من مناطق العالم، وقد يكون الثمن الذي تدفعه غاليا وبالغ الخطورة. 2 ) من المؤكد أن العلماء والمتخصصين العرب الذين ينكرون مسألة التغيرات المناخية لهم أسانيدهم العلمية، ودراساتهم التي ترتكز عليها الآراء التي يعلنونها، ونحن نقدر قيمتهم العلمية حق التقدير، ولكن ليس بمقدورنا أن نصدق أن ما يقوله العالم كله حول الاحتباس الحراري، وارتفاع درجة حرارة الأرض، ومسئولية البشرعن هذه الظواهر، هو من قبيل (الهراء) و(الفخ) الذي ينصبه الآخرون لنا. فإذا كان ذلك، من وجهة نظرهم صحيحا، ومؤكدا، نقول لهم : أليس من الواجب العلمي والإنساني مواجهة علماء العالم، علنا وجهارا بهذه الآراء، ومناقشتها، ودحض الآراء المعاكسة من خلال الحجج العلمية الموثوقة ؟ وإذا كان ثمة (فخاخ) منصوبة للشعوب المغلوبة علي أمرها، فمن هو المتآمر ؟ ولماذا ؟ وكيف يمكن مواجهته طالما أن لديكم (الحجة الداحضة) للمؤامرة ؟ هذا، علما بأنه أصبح لدينا الآن الاستعداد شبه الفطري لتصديق نظرية المؤامرة، ربما من كثرة الطعنات التي نتلقاها سرا وعلانية. 3) علي المستوي المصري، والعربي، فنحن لم نتعود علي " التفكير المستقبلي "، ربما لأننا غرقي في أتون الماضي، ومشاكل الحاضر.. وطبعا كل مايقال عن التغيرات المناخية هو أساسا توقعات مستقبلية إطارها الزمني يصل إلي عقود، هذا، بالرغم من أن تغيرات المناخ نلمسها جميعا، ونشهد بأعيننا مقدماتها، ولكن غالبية ما هو أخطر هو أساسا توقعات مستقبلية، وهنا يكمن جوهر المشكلة.. فالعالم من حولنا يفكر في الأجيال القادمة، ومستقبل الأبناء والأحفاد، وربما أحفاد الأحفاد، وهناك الدول التي بدأت بالفعل في تنفيذ مشروعات وإجراءات وقائية، لحماية الأرض، والحدود، والسواحل، والتراب، وطبعا البشر، فهل كثير علينا نحن العرب أن نفكر في حماية مستقبل أراضينا وبلادنا وأجيال المستقبل ؟ سيقال إننا بالكاد نفكر في الحاضر ومشكلاته ومآسيه، ولكن هذا منطق مغلوط، ومرفوض، ومحبط، لأننا قادرون، ولكن فقط تنقصنا الإرادة، والرؤية الصائبة، وحسن الإدراك، وصدق النوايا. إن المسئولية الإنسانية، والوطنية، والتاريخية، تفرض علي علمائنا، ومن بيدهم مسئولية اتخاذ القرارات أن يعدوا العدة لمواجهة تحديات هذا المستقبل الذي يواجه الجميع، ولن يرحم التاريخ من يقصر في هذه المسئولية. خطوات مبدئية في حدود المعلن، وربما هناك ما هو أكثر ولكن لم يأخذ حقه من الإعلان والتركيز، فإنه علي الصعيد العربي هناك ما يمكن اعتباره " من قبيل الخطوات المبدئية " لإثارة الاهتمام بمشكلة التغيرات المناخية. فقد حذر المؤتمر السنوي الثاني للمنتدي العربي للبيئة والتنمية في تقريره لعام 2009 من تغيرات المناخ، مؤكدا علي أن البلدان العربية هي من البلدان الأكثر تعرضا في العالم للتأثرات المحتملة لتغير المناخ، وحذر من التأخير والتجاهل، لهذه المسألة الخطير ة، حيث لم تعد القضية من قبيل الخيارات، بل من قبيل الضرورات، ونحن نري العالم كله يعطي المسألة كل اهتمامه، وهو ما يحتاج تبني سياسات حكومية تروج للسلع والخدمات قليلة الكربون، والكفاءة، واعتماد إدارة مستدامة للموارد الطبيعية، وحماية السواحل، وأقر التقرير الحقائق التي تذكر عن ارتفاع معدل درجات الحرارة، وانخفاض كمية الأمطار، وارتفاع مستويات البحار، في منطقة تعاني أصلا من الجفاف المتكرر، وشح المياه، مما سيصل إلي مستويات خطيرة في عام 2025، مما يهدد الأمن الصحي والغذائي. وللعلم، فإن المؤتمر الذي اضطلع ببحث هذا التقرير المهم شارك فيه ثلاثون مسئولا حكوميا، وقادة 120 شركة، و45 جامعة، ومركز أبحاث، و35 جمعية أهلية، و70 وسيلة إعلامية عربية وعالمية، ولكن لا أعتقد أن ذلك كافيا، وأخشي ما أخشاه، أن تكون المسألة برمتها، هي (مؤتمر وعدي). هناك أيضا الندوة التي عقدتها الجمعية المصرية للأمم المتحدة بمقرجامعة الدول العربية في ديسمبر الماضي، تحت عنوان " التغير المناخي وأثره علي البيئة "، وأكد علي أن التغيرات المناخية تعد من أهم القضايا علي الساحتين الإقليمية والعالمية لأنها تهدد سلامة وأمن البشرية، وتؤدي إلي حدوث الجفاف، والتصحر، وغرق الدلتا، والأماكن السياحية، وانهيار منظومة الأمن الغذائي، واحتمال فقدان 12 % من أجود الأراضي الخصبة في الساحل الشمالي، وقد أعلن أن جامعة الدول العربية بصدد إعداد مشروع عربي متكامل لمواجهة التغيرات المناخية، وأنه سيتم عرضه علي القمة الاقتصادية العربية التي ستنعقد في عام 2011، وأنه تجري حاليا دراسة مشروع انشاء قمر صناعي عربي لرصد ومراقبة مظاهر التغيرات المناخية، بعد أن أغفلتها وسائل الإعلام العربية، وتجاهلها لقضايا البيئة. وبالطبع، فإن هذه خطوات إيجابية، ومعقولة، ولكن الأمر يستحق المزيد من الاهتمام، وجدية التنفيذ.