يمر 110 أعوام علي رحيل الفنان تولوز لوتريك ذلك الفنان الفرنسي الذي ينحدر من عائلة ارستقراطية يرجع نسبها الي كونت تولوز والذي امضي سنوات حياته الاولي في ألبي ، وبدأ دراسة الفن في باريس عام 1882 ، وترك التعليم الاكاديمي - عام 1884 ، واستقر في موسم خاص به في حي مونمارت ، وتعرف علي فان جوخ عام 1886 والمصور ديجا ومانية . لقد استطاع لوتريك أن يسير بالتأثيرية خطوة نحو التعبيرية ، وتأثر به عدد من الفنانين الجدد وعلي رأسهم بيكاسو الذي نهل من اتجاهاته عندما رحل من إسبانيا الي باريس ، وكان الجو الفني العام حينئذ يفيض بتأثيرات لوتريك . ولقد اتسمت أعماله التصويرية بالتحريف الخطي واللوني، حتي إنه خالف التأثريين في اهتماماتهم برسم مشاهد من الطبيعة، مفضلا عليها صوراً من الحياة الليلية . فآثر النقص الجسماني الذي أصيب به بعد حادثته ، علي حالته المزاجية والنفسية ، فمنعه ذلك من التمتع بمباهج الحياة الطبيعية، فكان مخرجه الوحيد ونقطة التنفيس لديه هي الانغماس في حياة الليل البوهيمية والتردد علي الحانات وصالات الرقص، وخالف بذلك رواد وفناني التأثرية من معاصريه في اهتمامهم برسم مشاهد من الطبيعة مفضلا عليها تصوير الحانات والبارات وصالات الرقص الموجودة في حي المونمارت . فكان دافع تشويه المرأة ورسمها بنسب تشريحية غير جمالية دافعا نفسيا عكس من خلاله الواقع المؤلم الذي يختفي وراء حياة الليل الصاخبة . لقد عبر الفنان " تولوز لوتريك " عن المرأة بصورة مختلفة عن معاصريه، ففي حين عبر عنها " رينوار " بمنتهي الرقي والرقة، وعبر عنها " ديجا " بمنتهي الرشاقة والجمال، نجد أن " تولوز لوتريك " قد استخدم كل مقومات القبح ليعبر بها عن المرأة سواء من خلال ملامحها الشكلية أو من خلال سلوكها وأماكن تواجدها فعبر عن الراقصات وفتيات الليل واستخدام الإضاءات المختلفة الملونة من أصفر، وأخضر لتعكس ملامح غامضة وسافرة علي وجوه فتياته تزيدهن قبحا، ونجده قد وجد ضالته في مثل هؤلاء الفتيات العابثات ليشوه صورة المرأة التي يشعر تجاهها بذلك العجز الناتج عن إصابته بساقيه. فمنذ إصابته بالشلل، وهو صبي ، كان ذلك النقص الجسماني سببا في منعه من التمتع بمباهج الحياة الطبيعية، ووجد المخرج من ذلك في الانغماس في حياة الليل البوهيمية في باريس والتردد علي الحانات وصالات الرقص، وخالف التأثريين في اهتمامهم برسم مشاهد من الطبيعة مفضلا عليها صوراً من الحياة الليلية . أصيب " تولوز لوتريك وهو صبي بنوع من الشلل أثر علي نموه ، وكان ذلك بسبب كسر ساقيه بعد وقوعه من فوق جواده واتجه إلي الفن يسري عن نفسه . وكان " لوتريك علي استعداد دائم للانجذاب نحو أي امرأة بسبب شعوره بالنقص ، كما استمالته الحركات الراقصة التي تتسم بالخطوط السريعة ، والحركة المندفعة ، كنوع من التعويض ، لذلك اهتم بتصوير الراقصات ، ولاعبات الباليه ، وفتيات الليل ، كما أن له دراسات متخصصة لأعمال تصويرية للخيل والتي يركز فيها علي حركة الأرجل خاصة . كان من نتائج ألمه ومعاناته النفسية وشعوره بالعحز والنقص، أن ظهرت نساؤه بنوع من القبح الناتج عن تحريف النسب الجسدية التشريحية ، والتي كان يؤكدها بالألوان القاتمة والداكنة فتسيطر مجموعة الألوان البنية بدرجاتها والأزرقات، والبنفسجيات ، بثقل ودكانة واضحة ، بجانب استخدامه للون الأسود الصريح، كما أن اللون الواحد ينال عند لوتريك تعدداً نغمياً يساعد علي إبراز البعد الثالث أو العمق . وفي لوحة " ايفيت جلبرت تحيي الجماهير " تظهر ملامح الممثلة والموديل ايفيت متناهية في الكبر، أي تعكس التقدم في السن مع القيم في المظهر بالرغم من كونها ممثلة مشهورة، ولعل استخدام " لوتريك " للون الأخضر الداكن غير المضيء، أضاف المزيد من الكآبة علي الممثلة المشهورة، كما نجد تلاشي النسب في الذراع الأيمن واختفاء المعصم، كما أن ارتفاع كل من الحاجبين والعينين إلي أعلي عن وضعهم الطبيعي زاد من قيم الوجه، وأكد ذلك اعوجاج الفم وصغره بالنسبة للأنف. وفي لوحة " امرأة في ملهي ليلي " صور " تولوز لوتريك " المرأة المستهترة ويتضح ذلك في جلستها غير العابئة، كما ظهرت ملامحها قبيحة وهو ما اتبعه " لوتريك " في تعبيره عن المرأة دائما، كما أكدت تلك القيم انعكاسات اللون الأخضر علي الوجه والشعر والملابس مع التضاد اللوني من خلال زينة الوجه السافرة والتي تؤكد استهتار المرأة، خاصة أنه يرسمها داخل الملهي بانعكاسات أضواءه الليلية الخافتة، والتي عبرت عن الواقع المؤلم الذي يختفي وراء حياة الليل الصاخبة في باريس. فاهتم " لوتريك " بتصوير المرأة في أماكن اللهو، فظهرت في جميع لوحاته نماذج من الفتيات الراقصات والغانيات، وكانت مغامراته مع بنات الليل معروفة ومشهورة لدي معاصريه، وكان يحمل ألوانه ولوحاته ويدخل بشكل يومي إلي الملاهي والحانات والبارات يرسم ملهماته الشهيرات من فتيات الليل في حي مونمارت الشهير، وكانت أعمال " لوتريك " شاهدا قويا علي ملامح أجواء الحياة الصاخبة بباريس في أواخر القرن التاسع عشر. وفي لوحة " درس البيانو " بالرغم من أن الموضوع يتسم بالرقي علي عكس الموضوع السابق والشهير عند" لوتريك " إلا أن المرأة لم تفلت أيضا من إصباغها بملامح القبح بالرغم من جاديتها ونبل الموضوع، فاستخدام اللون الأخضر الباهت بتدريجاته الفاتحة والغامقة ولم يؤكد أنوثة أو جمال المرأة، ويعد موضوع " درس البيانو " من الموضوعات القليلة التي تناولها " لوتريك " بعيدا عن الحياة البوهيمية الليلية والتي تشكل موضوعه الرئيسي في التصوير أو المطبوعات. لقد تناول " تولوز لوتريك " التعبير عن المرأة في أعماله من منظور مختلف كل الاختلاف عما سبقوه من فناني الفن الحديث، ففي أعمال " رينوار " رأينا المرأة مثالا للوقار والرقة والرقي، وفي أعمال " ديجا " كانت راقصة الباليه الرقيقة، وغيرهم من فنانين، أما "لوتريك" فقد اختار فتيات الليل والراقصات كبطلات لأعماله. " لقد تأثر تولوز لوتريك بالرسوم اليابانية المطبوعة فيما يتعلق بتنسيق الأشكال ، واختزال الأبعاد ، وتقريب بعض المناظر المهمة في اللوحة إلي الأمام ، مع إخراجها من بؤرة اللوحة " . ولقد تأثر لوتريك بالفن الياباني، فاتخذ منه سمة التسطيح، واستخدام الألوان القاتمة، ولاسيما اللون الأسود الذي استخدمه كثيرا في أعماله، علي عكس التأثريين، مما جعل أعماله التصويرية تتسم في الكثير من الأحيان بالبعد عن العمق، واتسامها بالتسطيح، مع ظهور اللون الأسود، مما أكسبها سمة الإعلان. اتسمت أعمال تولوز لوتريك بالتحريف، وذلك عن طريق المبالغة في بعض أجزاء الجسم دون الأخري، خاصة منطقة الأرجل، كما شوه في ملامح الوجوه ، خاصة وجوه النساء، عن طريق طمس معالم وملامح الوجه، باختزال واختصار الخطوط الأساسية المحددة للوجه، أو عن طريق الإعتام باستخدام الألوان الداكنة التي لا تحدد التفاصيل أيضا، وتصبغ الوجه بصبغة من الكآبة أو الحزن أو الانطفاء. كما بالغ لوتريك بالتأكيد علي استطالة الأرجل، وعنف الحركة التي كانت في أغلب الأحيان غير واقعية كما بالغ بالتضخيم في مناطق من أجزاء الجسد علي حساب مناطق أخري، مما جعل الجسم يبدو مشوها، وبالرغم من احتفاظ لوتريك بالنسب الواقعية للجسد البشري، إلا أن الاختزال، والتضخيم، والمبالغة، والاستطالة، في بعض أجزاء الجسم جعل شخوصه تبدو ذات رؤية تحريفية، وأصطبغت بالتحريف والتشويه، مما جعلها تخرج عن إطار الشخوص الطبيعية الواقعية.