حصلت الإعلامية المصرية نجلاء الجمّال المخرجة بقناة النيل الثقافية علي درجة الدكتوراة بمرتبة الشرف الأولي عن رسالتها التي نوقشت بكلية الإعلام جامعة القاهرة بعنوان "اعتماد الشباب علي وسائل الإعلام الثقافية التقليدية والحديثة كمصدر للمعرفة الثقافية"، تحت إشراف الأستاذ الدكتور محمود يوسف وكيل الكلية . تذخر مصرُ بالعديدِ من وسائلِ الإعلامِ المتخصصةِ في تقديمِ الموادِ الثقافيةِ علي اختلاف أنواعِها، والمُلاحظ أن أغلب هذه الوسائل متخصصة المضمون لا الجمهور، بمعني أنها موجهة لجميع شرائح المجتمع بهدفِ الارتقاء به ثقافياً ومعرفياً. وتهدف الوسائلُ الإعلاميةُ الثقافية- أي المتخصصة في تقديم الثقافة بأنواعها- بشكل عام إلي التعريف بالمنتج الثقافي بمختلف أنواعه ونشره، وإشباع ميول الجماهير في مجالات الثقافة المختلفة، ونقل التراث بين الأجيال، وتوعية الرأي العام بأهمية الثقافة ودورها في التنمية، كما أنها تقوم بدور الوسيط بين القراء والمؤسسات الثقافية في المجتمع، وذلك من خلال ما تنشره عن أنشطة هذه المؤسسات، إضافة إلي دورها المهم في دعم الهوية الثقافية لدي أفراد المجتمع، وذلك بربطهم بثقافة مجتمعهم وتراثه. ونظراً لأهمية الثقافة في أي مجتمع، وبخاصة في ظل متغيرات دولية مثل العولمة بشكل عام، والثقافية منها علي وجه الخصوص، فإن العديد من الكتاب والمثقفين دعوا إلي توجيه اهتمام الشباب نحو التثقيف الذاتي بدلاً من الانغماس في المضامين الترفيهية فقط، وحثهم علي العودة إلي قراءة التراث العربي وقراءة الأدب بأنواعه المختلفة بغية الارتقاء الفكري بالشباب، وإعداده ليكون مستعداً دائماً لمجابهة عمليات الغزو الثقافي التي قد يتعرض لها. ومن هذا المنطلق حرصت الباحثة علي تناول هذه القضية الشائكة خاصة في ظل السماوات المفتوحة والانترنت وغيره من الوسائط التي تدخل ضمن مصادر المعرفة الثقافية. الإعلام الحكومي حيث سعت الباحثة في هذه الدراسة إلي رصد مدي اعتماد الشباب المصري الممتدة أعمارهم من 18إلي 35 سنة علي وسائل الإعلام الثقافية سواء التقليدية منها (القناة الثقافية - البرنامج الثقافي - مجلة الهلال) أو الحديثة (المواقع الثقافية علي الإنترنت) كمصدر لمعارفهم الثقافية، وأهم العوامل المؤثرة في هذا الصدد، بالإضافة إلي دراسة درجة اهتمام الشباب بالمعارف الثقافية المختلفة، ومدي إدراكه لأهمية الثقافة بالمجتمع بشكل عام. كما تطرقت الدراسة إلي استقصاء آراء "القائمين بالاتصال في وسائل الإعلام الثقافية التقليدية" حول الإعلام الثقافي وفي علاقته تحديداً بالشباب، وذلك من واقع ممارستهم الإعلامية، فضلاً عن التعرف علي طبيعة بيئة العمل التي يعمل القائم بالاتصال في ظلها في إطار هذه الوسائل، وأخيراً التعرف علي أهم السمات التي تميز القائم بالاتصال وأهلته للعمل في هذا المجال. وقد صاغت الباحثة مجموعة من التساؤلات والفروض في ضوء المشكلة البحثية ومراجعة التراث العلمي، وأجريت الدراسة علي عينة عشوائية طبقية من الشباب ممن تمتد أعمارهم من "18 - 35 سنة" قوامها 400 مفردة بمنطقة القاهرة الكبري، بينما أجريت الدراسة الميدانية علي القائمين بالاتصال باستخدام أسلوب الحصر الشامل وذلك في كل من: قناة النيل الثقافية والبرنامج الثقافي ومجلة الهلال، وذلك بواقع 158 مفردة وذلك في الفترة الزمنية الممتدة من 1/2/2010 إلي 10/4/2010 . وتوصلت الدراسة لعدد من النتائج منها الآتي: - إن الإعلام الثقافي في مصر - كجزء من منظومة الإعلام الحكومي- يشوبه الكثير من أوجه النقد والقصور التي تشوب الإعلام الحكومي ككل، وقد أوضحت الدراسة عدم الرضا الكامل للشباب من عينة الدراسة عن أداء منظومة وسائل الإعلام الثقافية وذلك علي الرغم من أغلب أفراد العينة (80.3%) مستوي إدراكهم "قوي" لمدي أهمية الثقافة بالمجتمع، وهو ما يمكن ارجاعه إلي عدم قدرة الوسائل الإعلامية الثقافية - موضع الدراسة- علي استقطاب فئة الشباب لزيادة متابعتها. - الارتباط الوثيق بين الشباب ووسائل الاتصال الحديثة متمثلة في الإنترنت، حيث تصدرت "المواقع الثقافية علي الإنترنت" قائمة الوسائل الإعلامية الثقافية التي يعتمد عليها الشباب لاستقاء معارفهم الثقافية تلتها "قناة النيل الثقافية"، كما تصدرت المواقع الثقافية أيضاً قائمة الوسائل الإعلامية الثقافية التي يري الشباب من عينة الدراسة أن استخدامها ومتابعتها باستمرار يعمل علي دعم الهوية الثقافية لدي فئة الشباب تحديداً. - النسبة الأكبر من عينة الدراسة من الشباب (85.5%) يهتمون بثقافة الآخر وهو ما يمكن تفسيره في ضوء سيادة العولمة وتأثيراتها المتوقعة علي تحديد وتشكيل ثقافة الشباب، ومن هنا فإن الكثير من المفكرين نادوا بضرورة الحفاظ علي مقومات الهوية الثقافية الذاتية، وهنا تبرز أهمية الإعلام الثقافي في تأكيد الهويات الثقافية ودعمها من خلال ربط المتلقي بجذوره الفكرية وثقافة مجتمعه وتعميق روح الانتماء لديه والحفاظ علي موروثه الثقافي. - لم يعد من اللائق والعالم يعيش ثورة إعلامية اتصالية ضخمة أن يعمل القائم بالاتصال في وسائل الإعلام الثقافية في مصر في ظل بيئة عمل غير مواتية لهذه الثورة الاتصالية الحديثة، فلا يزال هذا القائم بالاتصال - كما أشارت الدراسة- يسعي لامتلاك معدات فنية متطورة وزيادة المخصصات المالية اللازمة لاتمام عمله علي أكمل وجه حتي يستطيع الصمود والمنافسه، ومازال هذا القائم بالاتصال ليس لديه درجة الرضا الوظيفي الكاملة عن عمله، وهو مكبد بكم من العوائق والروتين اليومي الذي يعوق عمله، كما أنه يعمل في جو يشوبه عدم الوضوح الكافي لأهداف العمل وخططه وأساليب تقييمه، الأمر الذي يستتبع ضرورة إصلاح منظومة الإعلام الثقافي في مصر وتفعيل دوره حتي يمكن جني ثماره المنشودة التي أهمها الارتقاء الفكري بالمجتمع والانفتاح علي الثقافات المختلفة دون الذوبان فيها. الرصد الثقافي وفي ضوء النتائج التي خلصت إليها الدراسة تقدمت الباحثة بعدد من التوصيات في ثلاثة مجالات رئيسية، ويمكن عرض بعضها علي النحو التالي: 1- بالنسبة لمجال الإعلام الثقافي: أهمية أن يعمل المسئولون عن الإعلام الثقافي في مصر علي: - وضع أهداف محددة والتخطيط لهذا النوع من الإعلام، ووضع أسس سليمة لتقييمه، وذلك من أجل النهوض بأدائه. - زيادة المخصصات المالية الموجهة إلي وسائل الإعلام الثقافية الحكومية، وذلك من أجل زيادة فعاليتها، وقدرتها علي المنافسة. - إجراء البحوث والدراسات لمعرفة متطلبات الفئات التي تتوجه إليها هذه الوسائل الإعلامية الثقافية وتخاطبها، والتعرف بدقة علي حاجات هذه الفئات من الوسيلة الإعلامية، وذلك حتي يتسني لها تلبية هذه الحاجات وإشباعها علي نحو فعال. - التعرف علي حدود دور كل وسيلة إعلامية في نشر الثقافة بين مستخدميها. - العمل علي الاهتمام بإبراز قضية الهوية الثقافية كقضية أساسية في الخطاب الإعلامي الثقافي، وذلك انطلاقاً من أن الهوية في جوهرها هي قضية ثقافية. - زيادة عدد وسائل الإعلام المتخصصة في تقديم مضامين جادة مثل الثقافة، والتي أثبتت هذه الدراسة إقبال الشباب عليها عكس ما هو شائع عن هذه الفئة من استغراقها في المضامين الترفيهية، ومن هنا تظهر الدعوة إلي دعم مجتمع المعرفة لدي الشباب. - إتاحة الموروث الثقافي والحضاري العربي في الإنتاج الإعلامي الثقافي والتوجه به تحديداً إلي فئة الشباب بشكل يسهم في تعميق ارتباطه وانتمائه وفهمه لجذور ثقافته وحضارته، وبما يحافظ علي هويته ويحفظها من الذوبان في طوفان الثقافات الوافدة من الخارج. - العمل علي استثمار مزايا الإنترنت من خلال إنشاء مواقع إلكترونية لهذه الوسائل الإعلامية الثقافية، علي ألا تكون فقط امتدادات إلكترونية تعيد تقديم ما يقدم بالوسيلة الإعلامية التقليدية، وإنما تكون بمثابة بوابات إلكترونية مستقلة، تقوم بتقديم الخدمات التفاعلية للمستخدم، مع وجود روابط مع أهم المؤسسات الثقافية العربية والعالمية. محتوي عربي وإذا كنا لانزال نعيش في أجواء ثورة 25 يناير فإنه يتحتم علي الإعلام الثقافي - كأحد أشكال الإعلام المعني برصد ما يدور حوله من أحداث- أن يقوم بقيادة الرأي العام المصري إلي مرحلة جديدة من البناء والتقدم، والتدقيق في المعلومات المقدمة والاعتماد علي شهود عيان عند سرد الوقائع والأحداث المختلفة بما يساعد المتلقي علي تكوين رؤية واضحة وسليمة من جهة، وتحقيق مصداقية وحرية ومهنية الإعلام المنشودة من جهة أخري. 2- بالنسبة لمجال المواقع الثقافية الإلكترونية: من المهم أن يعمل المسئولون علي المواقع الثقافية الإلكترونية علي: - زيادة أعداد المواقع الثقافية علي الإنترنت والعمل علي الاستفادة من إمكانيات الإنترنت كوسيلة أثبتت الكثير من الدراسات زيادة إقبال الشباب علي استخدامها في نشر الثقافة بين الشباب، كما أثبتت أحداث "ثورة 25 يناير" الارتباط الوثيق بينها وبين فئة الشباب تحديداً. - زيادة أعداد المنتديات الثقافية التي تعد بمثابة ساحة للحوار الفكري بين الشباب وغيره من الفئات المختلفة. - إعادة تقييم وتقويم المعلومات الثقافية المقدمة عبر الإنترنت. - العمل علي أن تحتوي المواقع الثقافية الإلكترونية علي روابط Links مع أهم المواقع الثقافية الأخري سواء المصرية أو العربية أو العالمية. - أن تتسع المواقع الثقافية لعرض كل الآراء والاتجاهات والرؤي الفكرية بما يعكس ثراء مضمونها في النهاية وعدم اقتصارها مع آراء دون غيرها. - زيادة نسبة المتاح من الموروث الثقافي والحضاري العربي مع ضرورة صناعة محتوي معلوماتي عربي قوي قادر علي المنافسة العالمية، فضلاً عن العمل علي استحداث الوسائل الخاصة بإبراز الأبعاد الثقافية والقيمية للشباب العرب لنظرائه من شباب الدول الأجنبية. - تحري المصداقية والدقة في عرض الموضوعات والأحداث المثارة علي الساحة بما يحقق النفع للمتلقي . 3- بالنسبة لفئة الشباب. أهمية أن تعمل المؤسسات المعنية بالشباب علي: - زيادة تفعيل دور الشباب في الحياة السياسية خاصة بعد أحداث ثورة 25 يناير2011، والعمل علي زيادة الوعي السياسي لهذه الفئة التي حملت لواء التغيير في المجتمع باعتبارها مفجرة ثورة 25 يناير، وتعريفهم بحقوقهم السياسية، فضلاً عن حثهم علي الاشتراك في أنشطة المجتمع المدني، وهو ما يمكن أن ينعكس بشكل مباشر علي ثقافة الشباب في طريق تطويرها. - تبني برامج لاكتشاف الشباب الموهوبين ثقافياً، وتبنيهم مالياً وثقافياً ومعنوياً باعتبارهم مثقفي المستقبل، فضلاً عن إتاحة النشر لشباب المبدعين. - عقد ندوات وبرامج توعية حول العولمة وتأثيراتها السلبية والإيجابية علي الشباب، وذلك في أماكن تجمع الشباب مثل: الجامعات، النوادي، مراكز الشباب، وفي الوقت نفسه فهذه الندوات تدعم لغة الحوار بين الشباب والمسئولين، مع إتاحة الفرصة للشباب أنفسهم للاشتراك في إعداد هذه المؤتمرات. - تنمية روح النقد والإبداع لدي الشباب، وتشجيع المبدعين منهم في المجالات المختلفة. - الاهتمام بالتعرف علي ملامح ثقافة الشباب، ومحاولة دفعها نحو الأفضل من خلال برامج التوعية المستمرة في المجالات الحياتية المختلفة. - توعية الشباب باستمرار بمخاطر العولمة خاصة الثقافية منها والإعلامية، وفي الوقت نفسه العمل علي ربط هذا الشباب بتراثه وهويته الثقافية، وتقوية روح الانتماء للوطن لديه. وبشكل عام أكدت هذه الدراسة علي أن الشباب المصري لا يتسم بالضياع الثقافي والفكري كما كان شائعاً قبل ثورة 25 يناير، فقد أثبتت هذه الدراسة بما لا يتيح مجالاً للشك أن الشباب المصري علي درجة من الثقافة والمعرفة، وبالتالي فلم يكن غريباً أن يفجر هذا الشباب ثورة علي الفساد والظلم ويستفيد من الإمكانيات التكنولوجية الحديثة في تفجير ثورة تابعها العالم وأشاد بها الكثيرون.