من واقع سؤالي المحير في محاولة مني ل "نكش" أدمغة الأطفال الصغار لاستخراج ما بداخلها عن كل ما جري ويجري حولهم منذ اندلاع الثورة المباركة، ثورة 25 يناير لعلي أصل لبر الإجابة التي وجدتها عن سؤالي. " هل يعي الأطفال أسباب اندلاع ثورة 25 يناير ؟!هل يفهمون ما يحدث الآن في مصر ؟! وجدتني دهشت لكم الإجابات الغريبة علي أسئلتي الموجهة لهم وأيقنت بعدها ،أن الثورة بكل عنفوانها قد تصبح فعلاً ترفيهياً أو حدثاً عابراً لا يؤثر بوجدان بعض الأطفال . حاجة حلوة فعندما سألت طفلاً في الصف الثاني الابتدائي: هل تفهم لماذا قامت ثورة 25 يناير؟ فدوت إجابته فضائي " كل اللي أعرفه إن الثورة دي حاجة حلوة لأنها أعطتنا إجازة طويلة السنة اللي فاتت" ! ذاك قول لطالب في الرابع ابتدائي: "أنا خالي كل شوية يسيب شغله وبيته ويروح التحرير لحد ما مراته غضبت وسابت البيت. أما طالب الصف السادس وهو أنضج قليلا فقال . أنا نفسي أفهم أنتم ليه عاوزينا نصدق ونوافق علي كل ما يحدث ، أنا صحيح باسمع كتير أن الثورة دي حاجة حلوة وأنقذتنا من الفساد لكن أنا ما شفتش ده بنفسي وما أقدرش أحكم علي الثورة لأن كل الباين لي أن يومياً مظاهرات في التحرير ودي بتوقف حال البلد، وبأشوف الناس بتصرخ من كثرة انتشار البلطجية . ولأن كل المناهج كانت تصور لنا الرئيس هو مصر والحضارة وصانع نصر أكتوبر، فجأة عاوزيني أصدق العكس طيب علي أساس إيه وليه أصدقك يعني تقول لنا يمين نروح . شمال نروح بصراحة ما عنتش فاهم حاجة " يعني تفضلوا ساكتين تلاتين سنة ومستحملين زي ما بتقولوا وفجأة عاوزينا ننسي كل اللي اتعودنا عليه طيب ادونا حتي عشر سنين عشان نفكر ونسمع ونقتنع بأن الثورة دي فجأة قامت عشان فيه فساد كثيرر أوي في البلد . فقلت له : يعني لازم تحس وتعيش الفساد وتكبر ويحيط بك عشان تقتنع بالثورة ؟ فأجاب . أحكم منين إنه فساد أنا في سن ما أقدرش أميز، أنا فاهم إن الأكبر يحس أكثر ، خلاص سيبوني لما أكبر. فذهلت وأدركت أن هناك فئة من المجتمع كبيرة جداً وهي الأطفال لا تعي ما يحدث فهي تعرف أن هناك فعلا قد حدث ، ثورة أفاقت الدنيا وزلزلت العالم لكنهم لا يعون لماذا قامت، وذريعتهم هنا هذا الجهل القابع فيهم . فقد كانت إذاعتهم المدرسية تأتي بكل ما هو معظم للرئيس وتعلي من شأن الدولة ووزرائها وكان سيل كلمات الاحتفال بكل المناسبات يغمر وجدانهم بكل ما هو طفولي ومنافق للواقع بفعل تعليمات تربوية، وكثيراً جداً ما كانت تمنع القصائد الوطنية التي تناقش مسائل حساسة كالوحدة الوطنية أو القضية الفلسطينية . كما قيل لي: بأن مديرة إحدي المدارس قد رفضت قصيدة بسيطة لطالب في الصف الثاني الابتدائي تعبر عن تحية الأطفال للشهيد "محمد الدرة" وتناجي صمت العرب تجاه فلسطين وبالنص قالت: إن التعليمات تقول بأن لكل سن قضاياه وهي طبعاً الهيافات" فكيف ننمي فيهم الآن الشعور بالانتفاضة علي الأوضاع السيئة وهم أصلاً لا يميزون بين الغث والثمين ولا يعلمون بأن الفساد يحيط بهم ؟! ماما سوزان كانت المدارس تزركش بصور الرئيس والسيدة حرمه التي كانت توزع الأنشطة والحقوق كأنها هبات ونفحات خرجت من عباءتها كحملة التطعيم ومشروع القراءة للجميع وكلها من وجهة نظر أطفالنا حسنات النظام القديم، وأذكر كلمة لأحد الطلاب بأن مشروع القراءة للجميع ما كان ليولد في مصر لولا " ماما سوزان" كما كان يردد لهم دائماً بأنها هي المنقذ من الجهل والمرض بل كان أغلبهم يدربون لحفظ أناشيد أغان كانت تكتب خصيصاً للاستعراض أمام مهرجانات تحضرها ماما سوزان، فمن يقنعهم اليوم بفساد وعكس كل ما كان يحيط بهم ، ومن يشرح لهم اليوم مطالب المليونيات وتعدد الأحزاب وكثرة الحركات ومواد الدستور والاتفاق والاختلاف بين السلفيين والإخوان وباقي فصائل الشعب وما هي مميزات الرئيس القادم ، والحد الأدني من الأجور ومشاكل البطالة وحق الشهداء وبيانات المجلس العسكري و..... إنني أطالب بحلقات ومناهج وندوات تخصص للأطفال لشرح كل هذا لكي يتواصل الطفل مع ما يحدث فتذبذبهم اليوم أو حتي عدم فهمهم لما يحدث هو نتيجة ذاك الجهل الذي ظل يروي عقولهم وذاك التعتيم الثقافي المقصود، كله يؤدي لبحر سبات تغرق فيه معان مثل حرية الرأي والمعارضة واختلاف الرأي فهم لم يروا ذات مرة نافذة أو حتي انتقاداً صغيراً لما يحدث مما أدي إلي سريان شلل في التفكير وانشطار في معني الانتماء فأصبح حب الوطن والإيمان بمبادئه ضمن مناهج التعليم التي تسطر وتحضر وتجهز مسبقاً ليحفظها الطالب ويرددها دون أي فهم أو نقاش ، فهل دخل مدرس ذات يوم وشرح لهم معني أن يختلف المرء مع النظام أو شرح لهم كم التزوير القاتل في انتخابات مجلس الشعب أو ما مواد الدستور، أو حتي ولو كلمة عن ماهية السياسة أو حق المواطن المصري في أن يرشح نفسه رئيس جمهورية؟!، فالذهول سيكون مدخلهم لأنهم تعودوا علي وجود رئيس مخلد واحد فأدمنوا كل ما يقوله حتي ولو حاول أي مدرس مناقشة بعض من هذا فسيمنع ويقطع لسانه، فالمنظومة التعليمية قد أفقدت الوعي لدي انتماء الأطفال، حتي أجمع الكل علي شعار"أنهم مازالوا صغاراً" وتلون كل طفل بلون بيئته وثقافة أهله، فهم وحدهم الآن من يتحكمون في توجيه مساره الفكري نحو معني الثورة فإن قبلوها قبل وإن ملوا من مظاهراتها مل لكنهم يتفقون علي كونهم ما زالوا صغاراً. ها هم اليوم ينفذون نصائحكم ويظلون صغاراً غير مدركين لما يحدث، يسمعون أحاديثكم ويرون مجادلاتكم ويسمعون نقاشاتكم ويتابعون مليونياتكم ويستغربون من اعتصاماتكم في الميدان لكنهم لا يعون ما يحدث فهم ضحية صمت المناهج والأنشطة وجدب التعليم عن قول الحق والحرية فلماذا اليوم تريدونهم كباراً؟!!