متحدث «الشباب والرياضة»: سلوك معلم الجيولوجيا مخالف لتوجه وزارة التربية التعليم    تضامن الدقهلية تختتم المرحلة الثانية لتدريب "مودة" للشباب المقبلين على الزواج    سهرة خاصة مع عمر خيرت في «احتفالية المصري اليوم» بمناسبة الذكرى العشرين    "فضل يوم عرفة" أمسية دينية بأوقاف مطروح    «تضامن الدقهلية» تستعد لعيد الأضحى المبارك ب«55 رأس ماشية»    محافظ الغربية يتابع أعمال تأهيل ورصف طريق كفور بلشاي    نصائح يجب اتباعها مع الجزار قبل ذبح الأضحية    التضامن توضح حقيقة صرف معاش تكافل وكرامة قبل عيد الأضحى 2024    أستاذ علوم سياسية: زيارات بلينكن للمنطقة يعقبها تصعيد إسرائيلي في غزة    دبلوماسي روسي: تفاقم الوضع في شبه الجزيرة الكورية بسبب واشنطن    وزير خارجية الأردن يشدد على ضرورة الوقف الفوري للحرب على غزة    حقيقة رفض محمد صلاح تعليمات حسام حسن بالاستبدال أمام غينيا بيساو | عاجل    وزير الرياضة: تأجير صالة حسن مصطفى للدروس الخصوصية مخالفة واضحة للائحة والقانون    «الأرصاد» تكشف سبب ارتفاع درجات الحرارة بداية من الغد.. الذروة تستمر 3 أيام    Apple Intelligence .. كل ما تحتاج معرفته عن ذكاء أبل الاصطناعي الجديد    افتتاح مدرسة ماونتن فيو الدولية للتكنولوجيا التطبيقية "IATS"    خالد النبوي يشوق جمهوره ويروج لفيلم "أهل الكهف"    محمد لطفي يروج لشخصية الشربيني في فيلم ولاد رزق 3    غدا.. "ليتنا لا ننسى" على مسرح مركز الإبداع الفني    «الإفتاء» توضح حكم صيام اليوم العاشر من ذي الحجة    الأفضل للأضحية الغنم أم الإبل..الإفتاء المصرية تحسم الجدل    وزير الصحة: برنامج الزمالة المصرية يقوم بتخريج 3 آلاف طبيب سنويا    تفاصيل قافلة لجامعة القاهرة في الصف تقدم العلاج والخدمات الطبية مجانا    تزامنا مع احتفالات الكنيسة، قصة القديسة مرثا المصرية الناسكة    الإفتاء: النبي لم يصم العشر من ذي الحجة ولم يدع لصيامها    قيادى بفتح: الرئيس محمود عباس يتمتع بصحة جيدة وسيشارك غدا فى مؤتمر البحر الميت    وزير التجارة ونظيره التركي يبحثان سبل تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين    لفقدان الوزن- تناول الليمون بهذه الطرق    ميدفيديف يطالب شولتس وماكرون بالاستقالة بعد نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي    لميس الحديدي تكشف عن سبب إخفائها خبر إصابتها بالسرطان    محمد ممدوح يروج لدوره في فيلم ولاد رزق 3    أمين الفتوى: الخروف أو سبع العجل يجزئ عن البيت كله في الأضحية    تكريم أحمد رزق بمهرجان همسة للآداب والفنون    مشروب بسيط يخلصك من الصداع والدوخة أثناء الحر.. جسمك هيرجع لطبيعته في دقايق    رشا كمال عن حكم صلاة المرأة العيد بالمساجد والساحات: يجوز والأولى بالمنزل    موعد محاكمة ميكانيكي متهم بقتل ابن لاعب سابق شهير بالزمالك    «المصريين الأحرار» يُشارك احتفالات الكنيسة بعيد الأنبا أبرآم بحضور البابا تواضروس    جامعة أسيوط تطلق فعاليات ندوة "الهجرة غير الشرعية: أضرارها وأساليب مكافحتها"    مصر تتربع على عرش جدول ميداليات البطولة الأفريقية للسلاح للكبار    الرئيس الأوكراني يكشف حقيقة استيلاء روسيا على بلدة ريجيفكا    غدًا.. ولي عهد الكويت يتوجه إلى السعودية في زيارة رسمية    المرصد المصري للصحافة والإعلام يُطلق حملة تدوين في "يوم الصحفي المصري"    سفر آخر أفواج حُجاج النقابة العامة للمهندسين    ليونيل ميسي يشارك في فوز الأرجنتين على الإكوادور    "بايونيرز للتنمية" تحقق أرباح 1.17 مليار جنيه خلال الربع الأول من العام    "محدش يتخض".. شوبير يكشف مفاجأة كولر للأهلي في الصيف    مستشفيات جامعة أسوان يعلن خطة الاستعداد لاستقبال عيد الأضحى    مفاجأة مثيرة في تحقيقات سفاح التجمع: مصدر ثقة وينظم حفلات مدرسية    تشكيل الحكومة الجديد.. 4 نواب في الوزارة الجديدة    أفيجدرو لبيرمان يرفض الانضمام إلى حكومة نتنياهو    مطلب برلماني بإعداد قانون خاص ينظم آليات استخدام الذكاء الاصطناعي    ضياء رشوان: لولا دور الإعلام في تغطية القضية الفلسطينية لسحقنا    صندوق مكافحة الإدمان يستعرض نتائج أكبر برنامج لحماية طلاب المدارس من المخدرات    رئيس منظمة مكافحة المنشطات: رمضان صبحي مهدد بالإيقاف لأربع سنوات حال إثبات مخالفته للقواعد    الدرندلي: أي مباراة للمنتخب الفترة المقبلة ستكون مهمة.. وتحفيز حسام حسن قبل مواجهة غينيا بيساو    جالانت يتجاهل جانتس بعد استقالته من الحكومة.. ما رأي نتنياهو؟    حالة الطقس المتوقعة غدًا الثلاثاء 11 يونيو 2024| إنفوجراف    عمر جابر يكشف كواليس حديثه مع لاعبي الزمالك قبل نهائي الكونفدرالية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر والولايات المتحدة .. المؤامرة والثورة والإنقلاب
نشر في الوفد يوم 05 - 10 - 2011

ما الذى يجرى فى بر مصر؟ وإلى أين نتجه؟!. سؤال يصرخ به الثوار وتتهامس به الأغلبية الصامتة: كم ذا بمصر من المضحكات **** لكنه ضحك كالبكا ، ..... يا ترى ما الذى كان يحدث فى مصر وجعل المتنبى يقول هذا البيت من الشعر منذ أكثر من ألف سنة
، وماذا كان سيقول شاعر العرب أبو الطيب لو كان يعيش بيننا اليوم ليصف الأحوال فى بر مصر؟! ..
لا أعرف فلست بشاعر إلا بهم ثقيل وقلق ليس على ما جرى ووقع فى بلد وصفه نابليون بونابرت منذ نحو قرنين من الزمان بأنه أهم بلد فى الدنيا ، وإنما قلقى هو على البوصلة التى ضاعت من النظام البائد قبل ثورة 25 يناير الماضى، ولم يعثر عليها المجلس العسكرى الحاكم الذى تولى إدارة شئون البلاد بعد الثورة حتى الآن ،.. قلقى على المجهول القادم حتما بلا إستئذان.
الشىء الذى أعرفه يقينا أن الهجرة الثانية أصعب من الأولى، وأن الإغتراب فى الوطن أشد وطأة وقسوة من الإغتراب فى المهجر ، وأن الضحكات والإبتسامات المصرية النابعة من القلب قد إختفت من على الوجوه والشفاه، وحلت مكانها ضحكات وإبتسامات "باهتة " مصنوعة فى الصين "ككل شىء يباع فى مصر اليوم، ولم يبق للمصريين سوى الضحك على الذقون التى طالت، والعقول التى غابت ، والخناجر المغموسة بسموم الفتنة والطائفية، والحناجر التى تنفث رياح الحقد والكراهية للآخر،.. ورصاص البنادق الذى يخشى أقلام الرصاص، .. لم يعد أمام المصريين سوى الضحك على بهلوانات الساسة فى سيرك السياسة، وعلى أهل النفاق فى الفضائيات، لكنه ضحك كالبكاء،.. لا وقت للحب، ولا وقت للبكاء ...لا على لبن مسكوب ولا على بلد منهوب .
نحن يا سادة نعيش فى زمن أصبحت السيادة فيه للوجبات السريعة والكليبات والبيانات العسكرية والمحاكمات الهزلية والإنزلاق على سطوح الأشياء ،.. أصبحت كلها وصفات فعالة للحزن والإحباط والحسرة على ما آلت إليه الأوضاع فى مصر – مصر التى بفضل الإنفلات الأمنى لم تعد محروسة آمنه ، ومن جراء التدهور الحاد والسقوط المروع فى مستنقع التخلف والجهل والتعصب والفساد لم تعد فاعلة مرفوعة الرأس والكرامة ، وإنما مفعول بها ومنصوب عليها، .. كل هذا أدى بالضرورة إلى تفشى حالات مرضية ، وصور عبثية من التطرف والهوس الدينى والطائفى والتدين الزائف والدروشة والشعوذة، ناهيك عن غياب الضمير وإختفاء الإنتماء وعدم إحترام القانون ، والسلبية واللامبالاة والأنامالية والتبلد فى المشاعر والأحاسيس والتكلس فى العقل الجمعى للمجتمع المصرى.
ما الذى يجرى فى بر مصر، وإلى أين نتجه؟.. لايمكن الإجابة على هذا السؤال إلا إذا عرفنا أولا الإجابة على سؤال سابق له الا وهو : ما الذى جرى فى مصر خلال أيام الثورة ما بين الخامس والعشرين من يناير والحادى عشر من فبراير الماضى،لأننى على يقين أن غالبية الشعب المصرى لا تعرف حتى الآن إلا النذر القليل مما جرى.. ولا غرابة فى ذلك فمصر منذ عقود حبلى بالإشاعات والثرثرة على ضفاف النيل وفى الوادى، وفى جلسات النميمة والدردشة، وعلى الدخان المتصاعد من الشيشة فى القهاوى أو دخان البانجو والحشيش فى قعدات الأنس والفرفشة، يتحول بسطاء المصريين بقدرة قادر إلى محللين سياسيين وجنرالات عسكريين على علم بكل بواطن الأمور ويأتون بفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان، وبطبيعة الحال هذه هى النتيجة الطبيعية نظرا لندرة المعلومات الصحيحة عند المواطن المصرى ، التى يعتبرها حكامنا من أسرار الدولة العليا!.
طوال الثمانية أشهر الماضية أنقسم المصريون إلى ثلاثة فرق: فريق يرى أن ما حدث فى مصر طوال الثمانية عشر يوما هو مؤامرة أجنبية إشتركت فيها عدة عناصر مصرية فى الداخل، ، وهذا الفريق يمثله فلول النظام البائد ، وكل الذين إستفادوا من فساده وأثروا من حرام، وبعض أعضاء المجلس العسكرى ، والفريق الثانى يرى أن ما حدث هو ثورة شعبية عارمة، وهذا الفريق يمثل أغلبية المصريين لأنهم خرجوا إلى الشوارع والميادين بالملايين فى كل أنحاء مصر ، وأما الفريق الثالث فهو الذى يرى أن ماحدث هو إنقلاب عسكرى أطاح بالرئيس حسنى مبارك وحاشيته ، والذين يتبنون وجهة النظر هذه أقلية، الأمر المثير هنا أن كل فريق من الفرق الثلاث يستميت فى الدفاع عن وجهة نظره ويرفض أى دعاوى أخرى، الأمر الذى يزيد من حالة الشك والريبة والبلبلة ، وإتهامات البعض للبعض الآخر بالتخوين والعمالة، فما هى الحقيقة؟!
الحقيقة التى توصلنا إليها بعد بحث طويل إستمر عدة أشهر إطلعنا فيه على عشرات الوثائق والتقارير الصحفية والإستخباراتية والحوارات التليفزيونية مع خبراء فى شئون الشرق الأوسط وسياسيين ودبلوماسيين وباحثين أكاديميين ، من المستحيل سرد تفاصيلها هنا فى مقال أو إثنين بل سلسلة طويلة من المقالات أوكتاب من الحجم الكبير، ومعظمها نشر وأذيع خلال أيام الثورة وفى أعقابها ، فى عواصم دول عديدة مثل الولايات المتحدة وكندا وإسرائيل وعواصم أوروبية مؤثرة، وحتى فى الصين ،.. وكله على النت متاح لمن يريد أن يبحث ويقرأ ويعرف الحقيقية، ..الحقيقة هى أن أصحاب الفرق الثلاث كلهم على حق، فالذى حدث كان مؤامرة، وثورة شعبية وإنقلاب عسكرى من نوع خاص يكاد لا يكون له مثيل فى التاريخ المعاصر،.. كما أنهم أيضا على خطأ، والخطأ هنا يكمن فى تحديد الهدف من المؤامرة.
لقد كانت هناك بالفعل مؤامرة، وبالتحديد مؤامرة أمريكية وليست إسرائيلية، لكنها لم تكن موجهة ضد مصر الدولة والكيان وإنما كان لها هدف محدد ألا وهو إزاحة الرئيس حسنى مبارك من مقعد الرئاسة فى مصر وبالتالى وضع نهاية لمخطط التوريث، ثم تنصيب اللواء عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية فى ذلك الوقت رئيسا للبلاد خلفا للرئيس حسنى مبارك، هذا المخطط أو المؤامرة جرى الإعداد لها قبل إندلاع الثورة بعدة سنوات، .. بعض المصادر الغربية والإسرائيلية تقول أنه بدأ نسج خيوطها فى عام 2007 فى أثناء الولاية الثانية للرئيس الأمريكى السابق جورج دبليو بوش، وإن كنت شخصيا أعتقد أنها بدأ التخطيط لها فى عام 2004 ، الغريب فى الأمر حقا أن الرئيس مبارك كان على علم بالمؤامرة الأمريكية للتخلص منه، غير أنه لم يشأ أن يكشف أبعاد المؤامرة فى العلن لحرصه على عدم تدهور العلاقات الإستراتيجية بين البلدين ، لكنه كان يبعث بإشارات غير مباشرة من حين لآخر للإدارة الأمريكية تجعلهم يستنتجون منها أنه على علم بالمؤامرة وأبعادها، فمثلا كان يتندر فى أحاديثه الخاصة مع بعض الزعماء العرب والأجانب مثل العاهل السعودى عبد الله بن عبد العزيز، والرئيس الفرنسى نيكولاى ساركوزى ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو قائلا لهم: " فى المرة القادمة عندما تريدون عقد لقاء قمة معى إحجزوا الميعاد عن طريق واشنطن"،.. طبعا
Double Talk الزعماء العرب والأجانب كانوا يظنون أنه يقول ذلك لكبر سنه واشتداد المرض عليه خلال العامين الأخيرين قبل الثورة، لكنه فى الحقيقة كان يتكلم معهم بطريقة مزدوجة -
لكن لماذا أرادت الولايات المتحدة الأمريكية أن تتخلص من أكبر حليف عربى لها فى الشرق الأوسط؟ الإجابة على هذا السؤال يطول شرحها نظرا لطول علاقة الرئيس مبارك مع الولايات المتحدة الأمريكية والتى إستمرت لأكثر من ثلاثين عاما ، تعامل خلالها مبارك مع ست رؤساء أمريكيين بما فيها السنوات التى كان فيها نائبا للرئيس السادات، ولذلك أفضل أن أجيب على هذا السؤال فى مقال منفصل أو أكثر من مقال، لكن فى هذا المقام يمكننى القول أن الرئيس مبارك فى وقت من الأوقات ونظرا لطول مدة بقائه فى الحكم يبدو أنه قد نسى أو تناسى أنه يتعامل مع قوة عظمى وأن اللعب مع الكبار خطر، وأن الدول العظمى لا يمكن أن تغفر لرئيس دولة غير عظمى أو متوسطة أن يخدعها، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية أيضا فى وقت ما توصلت إلى قناعة بأن الرئيس حسنى مبارك أصبح يمثل خطرا على مصالحها الإستراتيجية فى مصر والمنطقة بعد أن خرج من بيت الطاعة الأمريكى، وحان وقت إزاحته.
ثورة 25 يناير:
– ويقابله فى العربية القول المأثور " وانقلب السحر على الساحر"، وهناك العديدThe law of unintended consequences فى السياسة يوجد ما يسمى بقانون النتائج العكسية
من الأمثلة على ذلك منها على سبيل المثال إفراج الرئيس السادات عن الإخوان المسلمين من السجون ومحاولة إستخدامهم لمناهضة وضرب التيار الشيوعى واليسارى فى مصر ثم إنقلابهم عليه فيما بعد عندما قويت شوكتهم، أو تجنيد الولايات المتحدة الأمريكية لألاف من الشباب العربى المسلم وتدريبهم على يد المخابرات الأمريكية وإرسالهم إلى أفغانستان لمحاربة القوات السوفيتية الغازية، ووصف الولايات المتحدة لهم بالمقاتلين الشجعان أو المجاهدين، ثم التخلى عنهم بعد إنهيار الإتحاد السوفيتى، فقام المجاهدون بأعمال عنف لضرب المصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط، وعندئذ وصفتهم الولايات المتحدة بالإرهابين بعد أن كانوا مقاتلين شجعان!،.. كذلك أيضا فإن ثورة 25 يناير المصرية لم تكن إستثناءا من قانون النتائج العكسية، فقد خططت الولايات المتحدة الأمريكية حقا لمؤامرة لإزاحة الرئيس مبارك عن الحكم ، لكنها لم تخطط لحدوث ثورة شعبية فى مصر بل إنها قد فوجئت بالثورة المصرية أكثر من أى دولة أخرى، وبعد أن أصبحت الثورة حقيقة وأمرا واقعا كان من الطبيعى للولايات المتحدة أن تركب الموجة وتمتطى حصان الثورة وتنسب لنفسها الفضل فى إندلاعها، ولكن هذا مغاير للحقيقة تماما.
لقد كانت مفاجأة الثورة بالنسبة للإدارة الأمريكية بمثابة خروج عن النص الذى وضعوه لسيناريو التغيير فى مصر، والذى إقتصر على إبعاد الرئيس مبارك عن سدة الحكم وتنصيب اللواء عمر سليمان وإجراء بعض الإصلاحات الطفيفة فى مجال الحريات وحقوق الإنسان كما ذكرنا آنفا، ثم جاءت الثورة المصرية لتهز عروش ممالك وإمارات، ودول وتقلب الإستراتيجية الأمريكية فى الخليج والشرق الأوسط رأسا على عقب،مع أنها ثورة لم تكتمل، .. جاءت الثورة المصرية بسيناريو آخر من تدبير المولى عز وجل المنتقم الجبار الذى يمهل ولا يهمل ويسبب الأسباب ويسلط أبدان على أبدان،.. سيناريو ربانى لا تعرفه تحليلات العقل البشرى أو حسابات الكومبيوتر الأمريكى، ولم يكن بمقدور إدارة الرئيس باراك أوباما أن تجاهر بمعاداة الثورة المصرية حتى لا تغضب منها الشعب الأمريكى الذى كان مفتونا بثورة المصريين مع غيره من شعوب العالم الحر، فلجأت الإدارة الأمريكية إلى تبنى أسلوب سياستها التقليدية عند التعامل مع الأزمات الكبرى .. تأييد الثورة فى العلن ولعنها فى السر، ومحاولة تفريغها من مضمونها وإحتواء آثارها وتداعياتها السلبية على المصالح الأمريكية فى المنطقة،.. لقد دأبت الولايات المتحدة الأمريكية فى سياستها الخارجية خاصة فى وقت الأزمات على فعل الشىء ونقيضه فى آن واحد، فنجدها، تؤيد وتناهض، وتمنح وتمنع، تساند الشرعية، وتخطط للإنقلاب عليها، وأيا كانت النتيجة فهى تضمن الحصول على مكاسب ومصالح.
الإنقلاب الأبيض:
أى إنسان على دراية بشخصية الرئيس السابق حسنى مبارك وعناده الأسطورى يستطيع أن يستنتج بسهولة أنه ليس من النوع من الرؤساء الذى يمكن أن يتخلى عن الحكم طواعية أو بمحض إرادته، إلا فى حالة توريث الحكم لنجله جمال ، لكنه تناسى أو ربما لم يعرف أن العناد صفة من صفات الأمريكان، فما بالك برئيس الولايات المتحدة الأمريكية- أقوى دولة فى العالم، .. عندما وقف الرئيس الأمريكى باراك أوباما يعلن فى خطاب من البيت الأبيض وعلى مشهد من العالم أن على الرئيس مبارك أن يرحل وأن وقت الرحيل الآن، أدرك كثير من المحللين السياسيين حول العالم أن حسنى مبارك إنتهى ، وقضى الأمر، لأن الرئيس الأمريكى بعد خطابه الشهير كان من المستحيل أن يرجع فى كلامه أو يعرض مستقبله السياسى للخطر،أو يضع " برستيج" ونفوذ الولايات المتحدة فى العالم على المحك ، .. لقد ذكرت بعض التقارير الصحفية حتى فى مصر أن حسنى مبارك قد أعرب عن شعوره بخيبة أمل كبيرة لأن الأمريكان قد تخلوا عنه، .. نفس الشىء قالته أيضا زوجته سوزان ثابت.! وهذا فى الحقيقة أمر يدعو إلى الدهشة والإستغراب إلى حد السخرية، لأنه لو كان الرئيس مبارك يحب القراءة أو حتى على دراية متواضعة بتاريخ الولايات المتحدة فى النصف قرن الأخير لعرف أن الولايات المتحدة الأمريكية لها سمعة عالمية سيئة فى التخلى عن أقرب الحلفاء لها وأشهرهم شاه إيران ومانويل نورييجا على سبيل المثال لا الحصر.
لم يكن الإنقلاب الذى أطاح بالرئيس حسنى مبارك إنقلابا عسكريا بالمعنى التقليدى المعروف، بل كان إنقلابا من نوع خاص لا مثيل له فى التاريخ المعاصر،.. كان إنقلابا مزدوجا فى وقت واحد، إنقلاب مصرى أمريكى، إنقلاب مصرى قام به الشعب المصرى من خلال ثورة شعبية عارمة إنقلب فيها غالبية المصريين على حسنى مبارك بعد سقوط ما يقرب من ألف شهيد ونحو خمسة آلاف جريح ومصاب ، وإندلاع مشاعر غضب وحنق مكبوتة نتيجة لشعور بالظلم والفساد وغياب أدنى درجات العدالة الإجتماعية، وفى نفس الوقت إنقلاب أمريكى بالتخلى عن حسنى مبارك وضرورة رحيله الفورى خوفا من تفاقم الأوضاع فى مصر وخروجها عن نطاق السيطرة داخل وخارج حدود القطر المصرى، وبعد أن وصلتها معلومات إستخباراتية بقرب وقوع إنقلاب عسكرى على يد ضباط متوسطى الرتب لا تعرف واشنطن شيئا عنهم، حتى أن نائب الرئيس عمر سليمان كان قد ذكر خلال إجتماعه برؤساء تحرير الصحف المصرية قبيل رحيل مبارك بيومين : " إن مصر بين خيارين .. إما الحوار أو الإنقلاب" ،وكانت كلمة "إنقلاب" كفيلة بأن تدق نواقيس الإنذار والخطر فى البيت الأبيض والبنتاجون وواشنطن كلها، وأصبحت الإدارة الأمريكية فى سباق مع الزمن فلم تكن على إستعداد لأن تفقد نفوذها وأستثماراتها فى بلد محورى كبير مثل مصر طوال أكثر من ثلاثين عاما، فمارست أقصى أنواع الضغوط – وهى بالفعل تملك الكثير من أوراق الضغط - على المجلس العسكرى كى يترك الرئيس مبارك الحكم خلال ساعات لا أيام، وهو ما قد حدث بالفعل، وتولى المجلس العسكرى برئاسة المشير طنطاوى إدارة شئون البلاد لفترة إنتقالية، ولم يتولى الرجل الغامض نائب الرئيس عمر سليمان الرئاسة بصفة مؤقتة كما يقضى الدستور.
الآن وبعد مرور ما يقرب من ثمانية أشهر على خلع الرئيس مبارك، وبعد كل ما جرى خلالها من أحداث وبعد إنتهاء فترة الستة أشهر الإنتقالية وتفعيل قوانين الطوارىء فإن على المجلس العسكرى الذى لا يزال يحكم حتى الآن أن يجيب على السؤال الذى يطرحه السواد الأعظم من المصريين:
- هل المجلس العسكرى مع الثورة أم ضدها أم أنه يمسك العصا من المنتصف ؟ على أن تكون الإجابة بالأفعال لا الأقوال أو الكلام المعسول. وللحديث بقية.
كاتب صحفى مصرى-كندى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.