إلا أنه منذ اندلاع الثورة تم وضعهم ضمن القوائم السوداء لم نسمع أغانيهم إلا نادرا جدا بالإذاعات الأرضية ومحطات الfm ومن حين لآخر بالقنوات التليفزيونية، ومنذ أيام خرج علينا المطرب تامر حسني بأغنيتين جديدتين: «يوم ما اتقابلنا» و«لا تساوي الدنيا» من ألبومه الجديد القادم وكان من الطبيعي أن تذاع هاتان الأغنياتان طوال اليوم كعادة طبيعية للأغاني الجديدة، كما حدث مع المطرب محمد حماقي وتامر عاشور وكما كان يحدث للجميع، لكن الفتور الجماهيري حال دون ذلك وكأنه حدث عادي مر مرور الكرام ولم يبال به أحد علي ما كان يحدث من قبل بالإضافة إلي البرامج الإذاعية والتليفزيونية الخاصة بطلبات الجماهير التي لم تقبل علي أغاني عمر وتامر الآن. - يا تري ما سبب هذه الفجوة والهوة الجماهيرية نحو عمرو وتامر؟ - ومن هم مطربو الامبراطورية الغنائية القادمة؟ في البداية يحدثنا الإعلامي وجدي الحكيم بقوله: تميز عمرو دياب بوعيه التام للأعمال الفنية وفهمها وتحليلها وتقديمها بأي مناسبة وفي كل مرحلة ولذا استطاع أن يتربع من بين فناني جيله علي عرش الأغنية المصرية لمدة 4/1 قرن، بالإضافة إلي اختياره التوزيعات الموسيقية الجديدة التي كانت تبهر في ذلك الوقت وكل المطربين الذين جاءوا بعده ساروا علي نفس نهجه وبسبب تقليده جميعهم سقطوا في الهاوية ولكن تامر بداية ظهوره كدويتو مع المطربة شيرين التي وصفها النقاد وقتذاك بالمطربة الشعبية كان لونا مختلفا وحاز المطربان بهذا اللون علي إعجاب الجماهير وانفصل كلاهما وأصبح لكل منهما لونه الغنائي المميز ولحقا بالمطرب عمرو دياب وأصبحوا ثالوثا في المنافسة والحرب الخفية وأحيانا العلنية مما خلق لهم جماهيرية تنتظرهم وتعمل مقارنة بينهم أما الآن فالحياة تغيرت والكل مشغول بآثار الثورة والمستقبل والوطن والدستور والانتخابات الجديدة واهتمامات الناس وأذواقهم سوف تتغير بالتأكيد ولم يعد الفنان الذي كان يشجعهم في الزمن الماضي يصلح للوقت الحالي أو القادم فكل عصر وله أذان وهذه سنة الحياة والتنبؤ بمطربي الفترة القادمة شيء صعب في هذه الفترة ولكن أعتقد ربما يكون المطرب محمد حماقي لأنه مطرب يعمل في هدوء دون ضجة وكل أغنياته ذات إحساس عال وكلمات جديدة لها صدي جماهيري ولكن ينقصه الذكاء الإعلامي كعمرو وتامر لأنه جزء من الفن وليس في ذلك عيب وكان هذا الذكاء يتمتع به المطرب عبدالحليم حافظ. يعلل الموسيقار: محمد سلطان: فرض امبراطورية عمرو دياب وتامر حسني الغنائية بسبب تحطيم عمرو دياب مقاييس الأغنية الطبيعية من حيث المقامات الشرقية التي دمجها بالموسيقي الأوروبية والكلمات البسيطة المتداولة بين الشباب واطلقوا عليها الأغنية الشبابية ثم جاء تامر في نهاية عصر الفساد الذي اتسم بالعشوائية الفكرية والعلمية والثقافية والفنية ولذا تناولت بعض أغانيه اللغة النابية وهذان المطربان كانا مناسبين للفترة السابقة والفن عموما جزء من السياسة القائمة وصار هذان المطربان مؤرخين تبعا للحكم السابق الديكتاتوري الذي كان يسعي إلي قمع الناس من خلال تغيب الهوية الثقافية المصرية التي نعاني من آثارها الآن كالتطرف الديني والتخلف الفكري والثقافي ولكن دائما بعد كل نكبة نصرة وكلما اشتد الظلام يعني الاقتراب من النور وهكذا نحن الآن وأنا متفائل لأن التاريخ كموج البحر دائما الثورة ثم يأتي الهدوء وأتوقع أن يعيد التاريخ نفسه وستعود أم كلثوم وحليم، فايزة، وردة، ليلي مراد وشادية بشكل جديد متطور حضاري يلائم الثورة العظيمة ومصر منذ فجر الإسلام زاخرة بالموهبين بشتي المجالات ودائما النهضة عقب النكسة. تشير المطربة سميرة سعيد إلي: يحكي المطربون في الآونة الأخيرة عن الكلاسيكية والرومانتيكية المتوارثة منذ عصر عمرو دياب الذي أول من كان يستعين بأجمل فتيات الفيديو كليب وبعد ذلك ابتكارات في التغيير والمضمون الفكري والفني المتدني بإدعاء أن هذا هو الفن الحديث وسار علي نهجه كل المطربين وكان آخر منافسيه تامر حسني والفن بطبيعته مرتبط بحياة الإنسان بكل نظمه الاجتماعية والايدولوجية التي تحرك الفنون الموسيقية التي تعبر بها اللغة الغنائية بانفعالاتها الجمالية تحقيقا للتوجه الفني لانتقال المطرب إلي المراحل العليا المشبعة باللمسات الجمالية والموهبة الفنية وهؤلاء الفنانيون شكلوا بشكل أو بآخر شيئا ما داخل نسيج المجتمع العربي وأصبح لديهم تاريخ لا يمكن تهميشه أو تجاهله ولكن الفترة القادمة المستمع في أشد الظمأ إلي التحسين والتجديد والتميز دون ابتذال وعدم مزج لغة الغناء بلغة الجسد، كما حدث مع هوجة مطربات لبنان اللاتي أسأن للمهنة وكان علي أثره التهديد بسقوط الأغنية وتهميش الطرب الحقيقي وتعطيل ظهور المواهب مما أدي إلي عدم تطور الأغنية التي كانت في محنة وفراغ فني واضح وما أوكد عليه أن الأمور بالمنطقة العربية بالتأكيد سوف تصاحبها حالة جديدة غنائية. يؤكد الملحن عمرو مصطفي : أن الطرب والغناء حالة فنية وجدانية ثقافية في المقام الأول، ولكن الذكاء هو ما يتميز به عمرو دياب ولذا اقترب من جماهيره وجدانيا وفنيا وتصدرت ألبوماته النطاق العالمي وهو المطرب المصري الوحيد الذي ترجمت أغانيه لأكثر من لغة وهذا في حد ذاته شرف مصري ولكن الحجر علي أي فنان لمجرد إبداء رأيه ووضعه في القائمة السوداء هذا يعني عدم وجود حرية بالفعل والزعم بأن الفنانين الذين تربعوا علي عرش الأغنية انتهوا وسوف ينهار العرش هذا هراء لأن التاريخ مستحيل إلغاؤه أو تزويره، كيف نستطيع إلغاء 4/1 قرن من تاريخ فنان استمر في العطاء والغناء وكم امتع جماهيره بالإضافة لمواقفه الإنسانية والوطنية والتي لم يتردد فيها؟ وبالنسبة إلي عدم إذاعة أغانيهم فإن الجميع الآن يعيش حالة قلق ورعب من الأحداث المؤسفة كان آخرها حريق كنيستي مارمينا، العذراء بإمبابة، وحالة التفكك والتشتت ما بين الجماعات السلفية والإسلامية التي أعلنت مؤخرا عن اتجاهها للإنتاج الفني! وحالات الاعتصامات الفئوية العديدة والجميع مهموم بقضايا وطنه والطرب حالة من الإرسال وهم «المطربون» والاستقبال «الجماهير» وكلاهما يحتاج إلي مناخ هادئ مستقر. تقول الفنانة أنوشكا عن امبرطورية عمرو وتامر ان هيمنة وسيطرة شركات الإنتاج التي لا تتعدي أصابع اليد الواحدة من خلال بث أغانيهما بالقنوات الخاصة بهذه الشركات والإلحاح باغانيهما بجميع المحطات الإذاعية والقنوات الأرضية والفضائية وتمويل الجهات الخاصة بجائزة الميوزيك ورلد music aword وغيرها من الجوائز وفرض علي الناس ذوق معين من الطرب والآن الفن حالة تختلف عن الأدب والعلم والفلسفة فإنه حالة جمالية ترافقنا جميعا يلعب التعدد فيها جزءا كبيرا ولكن المستمع هو الناقد الأول والأساسي والقوي للألبوم من خلال الإيرادات يعني الجمهور هو الذي صنع امبراطورية عمرو وتامر، ولكن مقاييس الفترة القادمة بالتأكيد مختلفة جذريا وكليا لأن الظروف والمناخ والسياسة وكل شيء يتغير من حولنا بسرعة متلاحقة وأذواق ومشاعر الناس اختلفت عن الماضي ولكن التنبؤ بالامبراطورية الغنائية القادمة صعب جدا في ظل هذه الظروف المليئة بالغيوم والأحداث الدموية بمصر والمنطقة العربية. يعلق الملحن جمال ترك ومؤسس فرقة باندلي شو علي الحديث بقوله: ظواهر العولمة التي طرأت علي مجتمعنا العربي هي سبب ظاهرة امبراطورية عمرو دياب وتامر حسني واستخدام التكنولوجيا الحديثة بشكل سلبي أدي إلي كسل وخمول الأغنية بدليل أن كل أغاني مطربي العشرين عاما الماضية لم تترك أي أغنية أي أثر بوجدان الشعب المصري الذي كان يتغني بميدان التحرير أغاني الزمن الجميل كأغنية «يا حبيتي يا مصر» لشادية، و«صورة» لحليم، «ومصر التي في خاطري» لأم كلثوم، وهذا يعني أن كل أغاني الطرب الأصيل بالزمن الجميل محفورة بوجدان جميع الأجيال ومازالت أغانيهم هي المرسي والملاذ لنا جميعا ومازالت هي ترمومتر نجاح المطربين بالمعاهد والكليبات الفنية وأعتقد أن زمن الطرب الأصيل سيعود مباشرة بعد استقرار الأمور وأغاني عمرو وتامر ستكون مجرد ذكري للزمن الذي كان وتلك نهاية طبيعية تاريخية تحدث للمطربين. الملحن وليد سعد الحديث يفاجئنا بقوله إن الأغاني الجديدة الخاصة لعمرو وتامر لم تترك بصمة وجدانية لدي الجماهير لأن التكنولوجيا الحديثة منعت إقامة العلاقة الحميمة التي كانت تربط بين الموسيقي، الشاعر والمطرب من خلال البروفات التي كانت لا تقل عن شهر لتخلق حالة من الصدق وتعايش المطرب مع الكلمات والألحان كجزء منه يجعله في حالة صدق مع النفس ولذا عندما يستقبلها الجمهور إذاعيا أو مسرحيا يشعر بها ويصدقها ويقتنع بها وتترك أثرا وجدانيا. أما الآن فكل موسيقي يذهب للتسجيل وحده بآلته الموسيقية وكذلك المطرب ثم يقوم مهندس الصوت بدمج كل ذلك يعني انعدام العلاقة الروحية الموسيقية والطرب أساسه الروح، أما عمرو دياب وتامر حسني وغيرهما فإنهم ضحايا عصر التكنولوجيا وربما كثرة عدد المطربين في السنوات الأخيرة جعلنا مشتتين وأنا بصفة خاصة أتمني عودة روح الفن الجميل وتوظيف التكنولوجيا لصالح الموسيقي والمطربين وليس من أجل سرقة الألحان وأنا متفائل خيراً الفترة القادمة. يري الشاعر أيمن بهجت قمر: الامبراطورية الغنائية الجديدة لم تمح امبراطورية عمرو دياب وتامر حسني القديمة لأنها سيرة ذاتية فنية محفورة في الوجدان والذاكرة قبل التاريخ وكل عصر وله مطربوه ولكل أغنية مطربوها فمثلا ثورة يوليو سنة 52 كان مطربوها حليم وشادية ومن قبل كانت الست أم كلثوم وعبدالوهاب ثم محمد فوزي وليلي مراد وهكذا فالأغنية العربية بكامل قوالبها الغنائية تعبر في مضمونها عن الحالة السياسية والاقتصادية للدولة التي تنتمي إليها فمثلا أغنية تتر مسلسل «أهل كايرو» عبرت عن كم الفساد المتفشي بشتي القطاعات وتنبأت بشكل غير مباشر بقيام ثورة هذا يعني أيضا أن الأغنية تعبر عن ثقافة وذوق الناس في تلك الفترة والمرحلة القادمة لا نعلم كيف ستكون؟ ولكل عصر إيجابياته وسلبياته السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية ومن معطيات العصر يولد الفن. وفي نهاية تحقيقنا فإنه آن الأوان لأن نطبق مقولة لا يصح إلا الصحيح فنحن نتفق أن الفن الجيد سوف يلفظ الفن الرديء.