الغنية والدول الفقيرة بسبب قضية المناخ! بعد اسبوعين من المفاوضات الشاقة التي شارك فيها 130 رئيس دولة وحكومة، ضمن أعمال قمة كوبنهاجن للمناخ في الفترة من 7 18 ديسمبر، لم يتمخض هذا الجهد الدولي سوي عن اتفاق من ثلاث صفحات، فيما اطلق عليه البعض (إعلان كوبنهاجن) لتتراوح الآراء حوله بين من يعتبره (خطوة لا أكثر ولا أقل)، ومن يعتبره بداية مسار معقد، لتجنب الكارثة التي تعني الفشل في إنقاذ الأرض من تداعيات المناخ العالمي. ووسط مناخ من الخلافات العميقة، انتهت قمة كوبنهاجن باتفاق منفصل، بين الولاياتالمتحدة وأربع دول هي الصين الهند جنوب أفريقيا البرازيل، فيما اعتبر أكبر مؤشر علي تجاهل 173 دولة، كان من المفترض أنها شريكة في المفاوضات . وعلي الرغم من انتهاء قمة الأممالمتحدة حول المناخ في العاصمة الدانماركية كوبنهاجن بدون التوصل إلي " اتفاق ملزم " يلبي الأهداف الأصلية لها، فإن دولا مثل الصين والمانيا دافعت عن النتائج التي أسفر عنها المؤتمر، حتي أن وزير خارجية الصين أعلن أن قمة كوبنهاجن أثمرت " نتائج ايجابية وجوهرية "، هذا، بينما دوائر العالم استقبلت نتائج كوبنهاجن بحالة غامرة من الإحباط والفتور الشديد. كان أكثر ما أبرزته ساحة كوبنهاجن هو البون الشاسع بين الدول الكبري المتقدمة الصناعية، والدول الصغري النامية والفقيرة، حول "المسئولية التاريخية" عن انبعاثات الغازات الضارة، ومستويات تلك الانبعاثات حاليا، ومرحلة النمو التي تمر بها، وظروفها الوطنية المميزة فالدول المتقدمة تصر علي أن يكون المتوسط العالمي لارتفاع درجة الحرارة هو درجتان، بينما طالبت الدول الأفريقية بألا يزيد عن درجة ونصف الدرجة، نظرا لأن ارتفاع المتوسط بدرجتين، سيعني أن الزيادة في حرارة القارة الأفريقية ستتراوح مابين 3 4 درجات، وهو ما سيؤدي إلي غرق العديد من الدول المكونة من جزر صغيرة، حتي أن مبعوث السودان وصف الخطة بأنها بالنسبة لأفريقيا تمثل "محرقة نازية". وبالرغم من ذلك، فإن آراء أخري تثمن بعضا من الإيجابيات التي تمخضت عنها قمة كوبنهاجن ممثلة في الإجماع علي عدة قضايا منها: الأهداف طويلة المدي لخفض انبعاثات الغازات الضارة وأهمية خطة تقديم الدعم المالي والتكنولوجي للدول النامية وقضية الشفافية وأهميتها فيما يتعلق بتطورات المسألة المناخية وزيادة وعي الرأي العام العالمي حول تحديات قضية المناخ . نتائج صادمة لم تواكب نتائج قمة كوبنهاجن حول التغيرات المناخية المتطلبات الدولية للحد من الاحتباس الحراري في الأرض، وقد جاء الاتفاق ضعيفا جدا، لأنه لم يلزم الدول المتقدمة بتخفيض شامل لمعدلات انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري وهو ما يمكن أن يؤدي إلي ارتفاع درجة الحرارة بثلاث درجات. ورغم أن الاتفاق اعترف بأن الهدف هو عدم زيادة الحرارة بدرجتين مؤيتين، إلا أنه لم يتخذ خطوات لدعم هذا الهدف، ولم يتم تحديد السنة اللازمة لخفض الانبعاثات، ولم تحدد أهداف جماعية للحد منها. ويقضي القدر الذي اتيح الاتفاق بشأنه في كوبنهاجن بتخصيص 30 مليار دولار للأعوام الثلاثة المقبلة للدول الفقيرة لمواجهة مخاطر تغيرات المناخ، علي أن ترتفع إلي 100 مليار دولار بحلول عام 2020، ولم يتم التطرق إلي نسبة المناخ التي يجب تخفيضها لعدم زيادة درجة الحرارة درجتين مؤيتين. وقد وافقت الدول المتقدمة علي استمرار العمل باتفاق كيوتو تحت ضغط شديد بعد تهديد الدول النامية بالانسحاب، بالاضافة إلي مظاهرات عمت دولاً عديدة مطالبة بانقاذ الأرض. وتعهدت دول الاتحاد الأوروبي بدفع 10 مليارات دولار سنويا لإصلاح آثار تغير المناخ في الدول النامية، حتي عام 2013، كما تعهدت اليابان بدفع 15 مليار دولار لنفس الغرض حتي نهاية عام 2012، أما الوعد الأمريكي بتوفير 100 مليار دولار بالتعاون مع الدول الكبري، فقد وضع له شرط هو توافر الشفافية داخل الدول النامية، الأمر الذي يعني تدخل أمريكا في شئونها الداخلية، وهو ما ترفضه هذه الدول. الحرب الباردة الجديدة في أعقاب القمة، بدأت موجة من التصريحات تقدم صورة لتضارب المصالح والمطامع والمخاوف والاختلافات السياسية، والتراشق، والاتهامات المتبادلة، لدرجة أن الموقف العام جسد بامتياز مشهدا من مشاهد الحرب الباردة بين الدول الكبري من ناحية، وبينها وبين الدول النامية والفقيرة من ناحية أخري فوزير البيئة البريطاني يتهم الصين والسودان وبوليفيا ودول أمريكا اللاتينية بعرقلة التوصل إلي اتفاق، بينما جماعات البيئة وعناصر دبلوماسية تتهم الولاياتالمتحدة وبريطانيا بمحاولة إملاء شروطها علي الدول الفقيرة. أما الزعيم الكوبي فيدل كاسترو فيصف القمة بأنها لم تكن سوي ساحة للفوضي السياسية، مارست فيها الدول الكبري معاملة مزرية ومذلة للدول الصغري. ويعتبر رئيس بوليفيا أن "هيمنة الدول الكبري انكسرت في كوبنهاجن" وهددت اليابان بالتراجع عن تعهد رئيس وزرائها بخفض انبعاثات الغازات عام 2020 بنسبة 25% مقارنة بعام 1990، ما لم ينص تمديد العمل باتفاقية كيوتو علي النسب التي تلتزم بها الصين والولاياتالمتحدة. وعلق الاتحاد الأوروبي تنفيذ تعهده بتقديم 10 مليارات دولار خلال السنوات الثلاث القادمة لمساعدة الدول الفقيرة، علي تعهدات مماثلة للولايات المتحدة والدول الصناعية الكبري بذلك. واشترطت موسكو علي الدول الكبري أن تأخذ في الاعتبار أن انهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الشيوعية، أدي إلي انخفاض انبعاثات الغازات بنسبة 34% مقارنة بعام 1990، وأنه بموجب كيوتو فإنه يحق لروسيا أن تبيع كمية من الغازات التي قامت بتوفيرها للدول الصناعية الغنية المستعدة لشرائها. وهددت واشنطن بحجب أية مساعدات في مجال المناخ عن الصين بدعوي أنها تمتلك اقتصادا ديناميكيا، وتمتلك 2 تريليون دولار من الاحتياطات المالية، ليرد المبعوث الصيني للمؤتمر بأن الموقف الأمريكي ينطوي علي نوع من الجهل، والافتقار للادراك السليم. وهكذا.. واجه العمل الجماعي في إطار الأممالمتحدة ضربة قاسية في كوبنهاجن، ربما تؤثر علي مسيرة القضية وضاعت فرصة التوافق العالمي حول قضية المناخ، وما كان من صحيفة نيويورك تايمز، تعليقا علي مشهد كوبنهاجن سوي استعارة عنوان لاذع، من رائعة شكسبير (هاملت) بقولها (شئ ما عفن في دولة الدانمارك). الرأي العام العالمي في كوبنهاجن، تكلمت الولاياتالمتحدة من منطلق انكار حقيقة أنها مدينة للعالم بتاريخها في اطلاق غازات الكربون، وهو ما جاء علي لسان تود شتيرن مبعوث واشنطن للمؤتمر. ثم جاءت كلمة أوباما أمام الوفود مخيبة للآمال الكبار التي كانت معقودة علي واشنطن لدفع القضية قدما للأمام. فقد أكد أوباما أنه يوافق علي إصدار اتفاق ملزم للدول بتخفيض الانبعاثات الكربونية الضارة بالمناخ بنسبة (17% فقط) حتي عام 2020 مقارنة بسنة الأساس 2005، علي أن ترتفع هذه النسبة إلي 70% عام 2050، ولكنه لم يقدم مقترحات جديدة لمعالجة الموقف وهو عرض لن يكون نافذا، ما لم يوافق عليه مجلس الشيوخ وهناك انقسامات بين أعضاء الحزب الديمقراطي في مجلسي الكونجرس، بسبب المصالح الاقتصادية، واستطلاعات الرأي العام العالمي تحمل الولاياتالمتحدة والصين القدر الأكبر من مسئولية تعثر الجهود الدولية في مواجهة قضية المناخ العالمي، وإنقاذ الأرض. وكشف استطلاع في هذا المجال عن حصول الولاياتالمتحدة علي 39 % من الإجابات الإيجابية، ولم تصل نسبة المؤيدين للصين بصدد طريقتها في التعامل مع قضية المناخ إلي أكثر من 34% وأظهر الاستطلاع وجود أغلبية في 11 دولة تعارض طريقة الصين في التعامل مع القضية، وأغلبية ساحقة في 6 دول تعارض طريقة أمريكا في التعامل مع التغيرات المناخية. العالم بعد كوبنهاجن يواجه العالم عدة حقائق حرجة بعد فشل كوبنهاجن، تتراوح بين: حتمية التفكير في إعادة النظر في أساسيات النظام الصناعي الرأسمالي (خفض استهلاك الفحم والنفط بمعدل 70%) وإلا استمرت حالة الحرب مع الأرض. مضاعفة حجم الاستثمارات، لتحمل تداعيات التغيرات المناخية، وابتداع تكنولوجيات جديدة للتأقلم مع الواقع المناخي. إحداث نقلة نوعية في العمل الجماعي الدولي، والانتقال باتفاقية كيوتو إلي مرحلة جديدة، أكثر واقعية واتزانا. اعتماد استراتيجيات تنموية صديقة للبيئة، وتنمية مصادر جديدة للطاقة من الرياح، والأشعة الشمسية، والطاقة المائية، لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.