هل آن أوان أن نمزق صفحات ونشطب سطورا من تاريخ مصرنا الحديث؟ إن أعمدة جرائد الحروب والهروب ومسالك الدروب إلي التربح ستظل في سجلات الوطن، في بطون الكتب، وأن أعمدة الجرائد وصفحاتها التي امتلأت بأخبار ثورة شباب الثقافة المغايرة، والسياسة المغايرة. إن لم ولن تضيع هباء، وأبدا لن يستبدل شبابك يا مصر «نون النخوة» أبدا إلي الاستكانة أو المهانة ثانية، لأن عقارب الساعة لن تعود إلي الوراء، ودال الدعوة للحياة ولنصرة ثورة شباب يناير 2011 أمل لنا ورجاء للجيل الطالع، لنعيد للوتر الذي استرخي في قيثارة نغماتنا الثورية شدته من جديد، ونعيد تلك الجسارة التي كانت لنا والتي لم تمت فينا في غفلة من الزمن ولم تظللنا تحت مظلة اليأس، وإنما أوصلتنا إلي السخط، ليصبح هذا السخط هو بداية الانطلاق. وإذن.. لابد للمساحات البيضاء داخلنا أن تتسع: وإذا أيقنا بأن قيام هذه الثورة الشبابية حققت أهدافها. وأنه علينا أن نرتاح لهذا الخاطر، الخطر جدا في حقيقة الأمر، لأن الكبار أرادوا أن يلعبوا دور الناصح الأمين، والبعض الآخر حاول أن يرتدي مسوح الشباب وأن يأخذ سمت الشباب. سواء بالإصباغ لفروات الرأس، أو بالرقص علي أحبال المعاني المطاطة، ذلك لكي يثبت أنه مع ثورة هذا الشباب ولم يدر هؤلاء ولا هؤلاء، بأن هذه أفعال مشينة في حق الكبار العارفين، وأنها لن تجعل المسافة البيضاء تتسع داخل نفوس الشباب تجاههم. وإذا كان عنوان المقال دال الدعوة إلي ثقافة مغايرة فدعوني أقول في هذا السبيل إن مسارح الدولة تحتاج من الوزير الجديد للثقافة إعادة نظر وإن ما كان يحدث آنفا لا يعود إلي ذات الإيقاع وذات النوعية وذات المنهج، فإذا كان المسرح القومي لم يزل مغلقا تحت زعم التجديد من بعد احتراقه فلتعجل وزارة الثقافة في إعادته إلي الحياة بأقصي سرعة. وأن تسعي الوزارة إلي فتح ملفات المسارح المغلقة فلدينا في وسط العاصمة وفي شارع عماد الدين بجوار سينما كوزموس دار عرض تتبع البيت الفني للمسرح باسم مسرح مصر. وهو مغلق منذ سنوات عديدة. ولسنا نعرف السبب حتي الآن، ثم لدينا في نفس الشارع دار سينما ستوديو مصر مغلقة هي الأخري منذ ما يقرب من نصف قرن. ولدينا علي كورنيش النيل في العجوزة بجانب مسرح البالون مساحة أرض كان عليها قبل عشرين عاما أو يزيد مسرح السامر، الذي أنشأه المرحوم سعد الدين وهبة، لكي يكون دار عرض للمسابقات المسرحية بالمسارح الإقليمية التابعة للثقافة الجماهيرية. ولدينا أيضا في شارع جانبي من شارع عماد الدين مسرح أوبرا ملك، خلف سينما ستوديو مصر. تحت التطوير منذ سنوات. ثم وهذا هو الأهم لدينا فرق مسرحية بلا مسارح تعمل عليها مثل فرقة المسرح الكوميدي، وكذلك فرقة مسرح الشباب تلك التي اكتفي من أدارها كل من أدارها بعمل تجارب شبابة في غرفة ضيقة ملحقة بمسرح السلام المؤجر من وزارة البحث العلمي. قاعة متناهية في الصغر، ولدينا فرقة المسرح المتجول تلك التي عادت «مسمي» بلا مكان ولا كيان ولا خطة ولا منهج، وكذلك بلا دار عرض، ولا نتهم أحدا من القيادات سواء السابقة أو الحالية وإنما نقول علي سبيل المثال: أليس مركز الهناجر للفنون دار عرض يجب أن تسرع الدولة في الانتهاء من تطويره وتحديثه، وأن تسكن عليه فرقة من هذه الفرق التي بلا دار للعرض؟ ثم أليس مركز الإبداع مكانا يمكن أن تسكن عليه مواسم مسرحية لفرق الوزارة، ثم أليس المسرح الصغير والمسرح المكشوف في أرض المعارض بالجزيرة فيهما متسع لتسكين مواسم مسرحية للفرق المعطلة طوال العام والتي لا تمارس نشاطاتها إلا من خلال شكل عشوائي أو مستضافة علي مسارح مشغولة بفرق أخري! ولزيادة المساحات البيضاء تتسع بداخل نفوس شبابنا لابد أن تعاد هيكلة الثقافة الجماهيرية وأن تراجع ملفات قصور وبيوت الثقافة وأن يفعل قرار هدم قاعة منف وإعادة البناء لدار عرض صيفية دائمة بدلا من السرادقات المؤجرة سنويا بمبالغ يمكن أن يشيد بها كيان عرض هندسي دائم يصلح لاستضافة فرق الثقافة أو تسكن عليه إحدي فرق الوزارة؟! وأود أن أشير إلي أن ملفات الثقافة الجماهيرية بها من الفظائع والمخالفات ما تنوء أية وزارة بتحمله، فالإنفاق فيها هو حصد المكاسب دون ردع من ضمير والمناصب فيها بالهبل. ومخالفات فيها يمكن أن تذهل من يفتح ملفاتها حيث يكون صادق النوايا في أن يضع النقاط علي الحروف! قضية التجريب! لدينا مهرجانات مسرحية وأخري ثقافية وثالثة موسيقية ورابعة سينمائية، واعترف أننا في هذا الصدد لسنا نبتدع شيئا جديدا فكل دول العالم تفعل هذا ولكن هل الإنفاق علي مراكز الإبداع ومهرجان المسرح التجريبي ومهرجان القاهرة السينمائي ومهرجان الموسيقي العربية ومهرجان الرقص الحديث ومهرجان المسرح القومي ومهرجان نوادي المسرح ومهرجان الأغنية الشعبية.. إلخ ألا يكفي ما أنفق علي هذه المهرجانات وأن نستبدل هذه المهرجانات باستضافات لتجارب مسرحية مثل عرض واثنين من الكوميدي فرانسيز علي مسرح دار الأوبرا لمدة أسبوعين ثم تستضاف فرقة المسرح الملكي في لندن بعملين مسرحيين جديدين أو تراثيين، ثم فرقة البولشوي ثم تعمل وزارة الثقافة علي دعم تذاكر الدخول لهذه الفرق علي مسارح دار الأوبرا ومركز الإبداع وخشبة المسرح القومي وأوبرا الإسكندرية «سيد درويش» وأن تستضاف أفلام سينمائية في ذات المسارح نهارا وأن نوفر الأموال الطائلة التي تنفق علي إقامة هذه المهرجانات واستضافة الممثلين للفرق الكثيرة جدا وتحمل أعباء الإقامة والإنفاق علي العروض. وأن تختار الأفلام الممتازة التي فعلت دويا في البلاد المنتجة لها، وأن تكون مسارح بيوت وقصور الثقافة في العواصم لها نصيب في استضافة هذه الفرق الوافدة والأفلام الرائدة. وأن نشرك الشباب في لجان التحكيم والاختيار والتقييم لكي نخلق جيلا جديدا من النقاد والمتذوقين وشغيلة الفن بمعناه العلمي والخبراتي. وأن الجانب المعتمد علي تزاوج الخبرة بالعلم يوصلنا إلي عدم التفريق بين الفنان الأكاديمي وبين الفنان الهاوي والتلقائي. وأن يكون في نقاباتنا المهنية جانب من الرعاية للمواهب حتي نفتح أمام الشباب أبواب حياة وتمتع بالحياة من خلال ممارسة الهوايات. سواء في الغناء أو التمثيل أو التأليف. وأن تكون لجان التحكيم أو التقييم مدركة لأبعاد المسألة الدقيقة، هي أن المرحلة المقبلة تحتاج تسكين المواهب والخبرات بجانب العلم في كل التخصصات من أجل النهوض بمستوي الاداء وعلاج جميع عموم الاحتقانات المهنية والهوايات وبراءات الاختراعات وأن نكون موضوعيين وأن تكون سياستنا في التعامل علي جميع الأصعدة جاذبة وليست طاردة وأن نفتح الأبواب للصدق وللشفافية وللتعامل الخلاق وتفعيل أحلام شباب 25 يناير 2011 الرائع. ولنعد إلي قضية التجريب في المسرح. ونقول عنه إنه أفرز شبابا يحاكي تجارب الغرب، ولكن في فنون العري والرقص الحديث ولغة الجسد. واعتقد أن النتيجة النهائية ليست في صالح شبابنا المتطلع الآن إلي الأصالة والمعاصرة أو هكذا ينبغي أن يكون المتجه العام الجديد والثوري والرائع. ولقد هبت علينا من ميدان التحرير درامات شبابية ووطنية لو صيغت باحتراف لأصبح لدينا مسرح إنساني رائع مسرح يحمل في أعطافه كل مزايا الإنسان المصري، فمنذ أن ارتفعت في سماء مصر مقولة السعد والوعد التي قالها مصطفي كامل «بلادي بلادي لك حبي وفؤادي، لك حياتي ودمي. فأنت أنت الحياة، ولا حياة بدونك يا مصر» ومنذ أن قال المصري الفلاح عرابي في ميدان عابدين أمام طغيان خديو مصر وأذناب الاستعار: «لقد خلقنا الله أحرارا ولم يخلقنا تراثا أو عقارا، فوالله الذي لا إله إلا هو لن نستعبد أو نورث بعد اليوم» ومنذ أن غني السيد درويش: قوم يا مصري مصر دايما بتناديك خد بنصري، نصري دين واجب عليك، وصولا إلي صوت شادية في: يا حبيبتي يا مصر، وحتي أغنية شيرين: ماشربتش من نيلها، ولقد عاني المصري المسرحي والفنان في مجال الإبداع للدراما المسرحية أو للأغاني الوطنية، ومنذ أن أغلق مسرح الريحاني لأنه مغلق للاستعمار فضغط علي السلطة في مصر أن يغلق مسرح الريحاني، ومنذ أن تشكلت في وزارة الصناعة، التي كانت مشرفة إداريا علي دار الأوبرا الخديوية، ثم دار الأوبرا الملكية. وكانت الرقابة تمنع المسرحيات وتحارب الفرق المسرحية، وقد امتدت سلطة هذه الرقابة علي المسرح لتصبح رقابة علي جميع عموم المصنفات الفنية مسرح/ سينما/ أغنية/ مقال نقدي/ مقال صحفي سياسي تحليلي، وكان شبح هذه الرقابة يجدل للإبداع المشانق، والآن ونحن نتنسم عبير الحرية لابد وأن ننتبه جيدا للأعاصير التي تهب. وسوف تنشط لتلتف علي ثورة شباب 25 يناير 2011. وعلي كل واع وراع في الثقافة والإعلام أن يتعلم من سير الأولين في هذا المجال، وأن يدرك أن هذا الالتفاف لابد وأن يقاوم باشتراكنا معا في رسم خريطة جديدة لوطننا الذي نبتغيه عفيا وقويا وديمقراطيا بالفعل لا بالقول. وكفانا ما حل بنفوس شبابنا وما حل بمقدراتنا ومصالحنا ومستقبلنا من هزات زلزلت نفوس الطامعين في إفساد هذا الوطن وقرروا أن ينقلبوا عليه وأن يسفهوا كل إنجاز قام به شباب 25 يناير. وأعيد القول بأن دال الدعوة إلي ثقافة مغايرة ومسرح مغاير، وفكر مغاير، وثقافة مصر والمسرح المصري قادرين علي لعب دور تنويري وقيادي خلاق، وهنا في هذا الوطن وفوق هذه الأرض الكثير من الشرفاء، الذين تجري في أوردتهم دماء مصرية حارة ونقية تسعي للقيم الإنسانية وخلق مجتمع جديد في كل شيء والله المستعان. وإن وطننا لم يعد مجهول الغد.