منحت كلية دار العلوم جامعة القاهرة الباحثة شرين العدوي درجة الماجستير بامتياز، وكان عنوان الرسالة (الحياة الاجتماعية في كتاب الأصفهاني/ دراسة تاريخية نقدية). وقد تكونت لجنة المناقشة من د.حسن علي حسن، د. عبد الرحمن سالم، د. عطية القوصي، الرسالة مكونة من ثلاثة أبواب: الباب الأول يتناول: "الحياة الاجتماعية في العصر الجاهلي"، ويتناول الباب الثاني الحياة الاجتماعية في العصر الإسلامي حتي نهاية العصر الأموي، بينما يتناول الباب الثالث"الحياة الاجتماعية في العصر العباسي" وقد توصلت الرسالة إلي عدة نتائج منها: أن "الطابع الشعبي" ملمح أصيل في هذا الكتاب. وهذا واضح من الفكرة الرئيسية التي قام عليها الكتاب "مائة الصوت المختارة"؛ فهي بانحيازها إلي فن الغناء أدبية شعبية أو يغلب عليها ذلك؛ غير أنه من الملاحظ أن أبا الفرج لم يتماد في هذا الاتجاه، ومن ثم فلم يهتم بفنون كالموشح أو الزجل. ولشعبية الأداء التاريخي مسالك أخري منها: الرواية عن المغمورين، أو الاهتمام بجوانب عارضة في حياة الطبقات الدنيا والمتوسطة كأدوات الزينة، وأنواع الطعام والحلوي، واستحداث أزياء جديدة، وشيوع مجالس الغناء والطرب. بل إنه كان حاضر الذهن في تنبهه إلي رصد بدايات هذه المستحدثات الصغيرة ذات العلائق الاجتماعية؛ إذ كثيرًا ما كان ينبه قراءه بمقولة: "... أول من ..."؛ وهذا دليل قاطع علي وعيه بالتطور، فضلاً عن أنه يسر للباحثين تعقب هذه المستحدثات الصغيرة، ووضعها في دوافع وجودها، وملابسات استمرارها، وأسباب التوسع فيها، ثم استقرارها أو اضمحلالها بما يشكل في النهاية بصيرة عارفة بقانون العادات والتقاليد، ومصادر التأثير والتأثر، وأسبابه . ويتبين لنا كذلك أن "الظاهرة الاجتماعية" لا ترتبط في نشأتها وتطورها وبقائها أو فنائها بعامل الزمن وحده؛ لأنها تخضع في هذا كله لعوامل كثيرة متشابكة وممتدة في الزمان والمكان؛ ومن ثم فقد تبدأ جذورها في عصر معين دون أن يلاحظ ذلك، حتي إذا ما تهيأت لها الظروف بدت في اتساعها وانتشارها وكأنها وليدة العصر الجديد. وشواهد ذلك في الدراسة كثيرة منها شيوع ظاهرة "الخمر والمجون" في العصر العباسي؛ فقد كان امتدادًا لموجة حادة بدأت منذ أواخر العصر الأموي ، وساعد عليها بعد ذلك كثير من الموالي في البصرة والكوفة من أمثال : مطيع بن إياس ، ووالبة بن الحُباب ، وبشار بن برد وغيرهم ؛ وآفة التعلق "بالغلمان المرد" والتغزل فيهم في العصر العباسي لها جذورها ؛ إذ ترتد إلي فئة "المخنثين" في العصر الأموي وما ارتبط بهم من رقة وليونة وتخنث. وفيما يتصل "بعناصر السكان" فقد رصدت الدراسة انعكاس "عناصر السكان" بصورتها السابقة علي طبقات المجتمع؛ إذ ظل العنصر العربي يمثل الطبقة الأرستقراطية في العصرين الأول والثاني، مع حرص منه علي ما كان يسمي بنقاء الدم العربي، أما في العصر العباسي فلئن بدا في الظاهر أنه يشكل الطبقة الأرستقراطية فإن الواقع يثبت أن هناك عنصرًا آخر زاحمه في موقعه بعد أن كان من قبل في الدرجة الدنيا من السلم الاجتماعي ألا وهو العنصر الفارسي، وقد ساعده في ذلك أن العربي نفسه لم يعد يحرص علي ما كان يحرص عليه آباؤه السابقون من نقاء الدم العربي. وهناك مجموعة من الطبقات كانت تقع في الدرجة الدنيا من السلم الاجتماعي ومن أهمها طبقتا "الرقيق" و"الموالي" وقد لوحظ ازدياد عددهما بصورة كبيرة في العصر الإسلامي مع تحول في مفهوم "المولي" ليشمل كل من دخل الإسلام من غير العرب. وقد قامت هاتان الطبقتان بدور كبير في التحول الاجتماعي والثقافي للمجتمع العربي بدءًا من العصر الإسلامي ووصل إلي ذروته في العصر العباسي، وهو ما قد يدفعنا إلي القول بأن هناك طبقة أزاحت طبقة أخري . وقد لاحظنا خلال هذه الدراسة أن أبا الفرج لم يوجه اهتماما كبيرا إلي الغناء في العصر الجاهلي؛ ولعل مرد ذلك إلي أن الغناء في تلك الفترة كان ساذجًا فطريا يرتبط في المقام الأول بالحُداء، أو بعض الأصوات التي تتردد في الجزيرة العربية هنا وهناك عن طريق إمارتي الحيرة وغسان؛ ومن ثم فإنه لم ينتشر انتشاره في العصرين الأموي والعباسي ولهذا لم نفرد له في تناولنا للعصر الجاهلي فصلا خاصًا ، علي حين أفردنا له فصلين مستقلين في العصرين الأموي والعباسي؛ فلقد ارتقي فن الغناء فيهما ارتقاء غير مسبوق. وإن نظرة إلي ازدهاره في العصر الإسلامي - وبخاصة في بيئة الحجاز - لتثبت ذلك . وقد تناول البحث العوامل التي ساعدت في ذلك، وأهمها اتساع موجة الثراء والترف، وكثرة الأرقاء والموالي وامتزاجهم بالعرب، ورقة طبع أهل الحجاز؛ من هنا كان شغف السادة والأشراف وعلية القوم به وبأصحابه، وتوفير الجو المناسب لهم، بكفالتهم ماديا ، ورعايتهم معنويا. ثم أبانت الدراسة عما كان للغناء من أثر وما أحدثه من تغيرات اجتماعية وحضارية. ولقد وصل الغناء في العصر العباسي إلي حد يمكن القول معه إن هذا العصر كان عصر الغناء وذلك بفضل عوامل كثيرة رصدها البحث. وقد لاحظنا أثناء حديثنا عن الغناء كثرة المؤلفات التي تناولت هذا الفن؛ وحاولت الدراسة إبراز دلالة هذا في كشفها عن مدي ما وصل إليه هذا الفن من تقدم وازدهار، دفع المهتمين به إلي أن يرصدوا ظواهره ويحللوا جوانبه ويكشفوا عن أصوله. بل إن كتاب "الأغاني" نفسه لم يكن إلا ثمرة من ثمار هذا الاهتمام، وقد استرعي انتباهنا أن صاحبه لم يكتف "بمائة الصوت المختارة"، بل أضاف كذلك المزيد والمزيد من تلك الأصوات التي كانت تملأ الساحة العربية الإسلامية. وقد انتهي البحث في هذا الجانب إلي أن ازدهار هذا الفن، والتفاف الناس حوله، وشيوعه بين كل الطبقات كانت له دلالته الواضحة علي مدي الوعي العميق بدوره في رقي الذوق وتهذيب النفس وهو ما انعكس في نهاية الأمر علي تطور حركة المجتمع وتقدمه. أما المرأة فقد حظيت باهتمام خاص في هذا البحث؛ ومن ثم أفرد لها ثلاثة فصول علي امتداد العصور الثلاثة، وناقش كثيرًا من الجوانب التي أسهمت فيها سلمًا وحربًا، وكذلك شئون الزواج والطلاق. وقد تبين من الدراسة أن المرأة العربية كانت موضع تقدير المجتمع حتي في العصر الجاهلي فكانت تستشار في شئونها الخاصة، وكانت تشارك في أمور السلم والحرب، فضلاً عن حقها في أن تجير غيرها وما يتبع ذلك من عهود ومواثيق. كما تمتعت المرأة العربية بمساحة كبيرة من الحرية في العصر الإسلامي، وبخاصة في بيئة الحجاز، وشاركت في كثير من الأنشطة التي عمت هذه البيئة من مثل مجالس الغناء، والخروج للمتنزهات وما إلي ذلك. ومع أن العصر العباسي كان أكثر تحررًا وإقبالا علي مباهج الحياة، فإن الدراسة لاحظت أن صوت المرأة العربية الحرة قد خَفَت مقارنًا بصوتها في العصر الأموي، ولعل ذلك راجع إلي ازدياد الدور الذي قام به الجواري والقيان في هذا العصر العباسي . وأخيرًا؛ فإن البحث لم يغفل دور الشعر في تلك العصور إذ قام مقام الصحافة الحديثة في تسجيله للأحداث وتصويره لها؛ ومن ثم نُظر إليه علي أنه وثائق تاريخية، يمكن الاعتماد عليها والرجوع إليها في الكشف عن جوانب كثيرة من الحياة. كما أنه صور ظواهر كثيرة ارتبطت بموجة الترف وما صحبها من مجون وزندقة وغير ذلك من الأمور المستحدثة التي تبدو غريبة علي الذوق العربي وقيمه وتقاليده، ولكنها علي كل حال تصور واقعًا اجتماعيا لا يمكن إنكاره أو تجاهله.