كان رسكنRuskin من أكثر البشر علي وجه الأرض رقة قلباً وحباً للسلام، ولكنه آمن بالحرب بكل حماس عاشق للحياة النشطة ،يقول في "تاج الزيتون البري"حين أقول إن الحرب هي أساس كل الفنون ، فإنني أقصد أنها أيضا أساس كل فضائل الإنسان وملكاته السامية، ان الشعوب العظيمة تولد في الحروب وتموت وتفني في السلام. فليس غريبا أن تنشأ أهم حركات الفن التشكيلي بعد الحرب العالمية الأولي والثانية وتبرز الثورات دماً جديدا كما ينضح باطن الأرض عن براكين تتجدد معها الحياة فتحتفظ بخصوبتها واستمراريتها. وفي الثورات والحروب يصبح الفن مثل التاريخ كلاهما سجل لحياة الإنسان وواقعه ومن أشهر اللوحات لوحة(موت مارات) رسمها الفنان "جاك لويس ديفيد " التي تسجل ضحايا الثورة الفرنسية ،ولوحات تعبيرية رسمها الفنان "أوروسكو" الذي عاش خلال سنوات الثورة في المكسيك. وفي صالون الشباب الرابع عشر كشفت أعمال الفنانين التشكيليين الشباب عن مشاعر وطاقات كامنة تعكس ملامح عميقة وواعية في شخصية الجيل الجديد وحرصهم علي المشاركة في معرض يحمل اسم (جنين الباسلة) فكانت الأعمال تنطوي علي ثورة شخصية ضد الظلم والمعاناة . وفي ميدان التحرير رأيت كل المصريين مبدعين وأيقنت أنني في المدينة الفاضلة في مواجهة الفساد وقد تمنيتها حقا لولا أنها سوف تنهي ذلك الصراع الأبدي الذي هوأساس الحياة فأصاب بالملل . رأيت شباب 25 يناير ليسوا أكادميين لكنهم مبدعين متألقين في لحظات الألم يستخدمون أكواب الشاي من البلاستيك الأبيض تحمل في قاعها بقايا الشاي أو التفل تتراص بشكل مرتب بحيث تكون رسمًا لكلمات تعبر عن الحالة وأخري من علب الكشري والبعض الآخر من المصريين رسم تكوينات من قطع الحجارة علي هيئة الهلال والصليب وتكوينات أخري عبارة عن جملة "نحن شباب الفيس بوك 2011" وآخر يرسم وجه كنتاكي ولكن في صورة متوحشة من بقايا القمامة والأكسيد الأسود لتصبح فنون مفاهيمية تحمل مضموناً حقيقياً تطلعنا إليه كثيراً والبعض قام بالتعبير بالكتابة علي اللافتة التي يحملها بخط يده ولم يلجأ الي الكمبيوتر.. وآخرين رغم افتقارهم للموهبة الا أن رسوماتهم البسيطة كانت تحمل أعظم إحساس بالثورة الي جانب لغة الشعر والقافية والأفشات النافذة والجمل السريعة الصائبة للهدف وآخرين يرسمون العلم المصري علي وجوه الأطفال امتزجت كل هذه الابداعات بالموسيقي فاكتملت الرؤية لأعظم مشهد في تاريخ العالم. وحيث إنني كنت أري هذا المشهد منذ البداية فقد لاحظت أن وجود شباب الفنانين التشكيليين جاء متأخراً بضعة أيام وكانوا قد صنعوا لهم ركناً علي جانب من الرصيف في عزلة وعلقوا لافتة كتب عليها ( فنانو الثورة) وعبروا عن انفعالاتهم من خلال رسوم الكاريكاتير المصحوبة بتعليقات ساخرة بجانب استخدامهم للألوان المائية. ولم ينفصل الفنان التشكيلي المصري عن واقعه ليظل بمثابة الترمومترالذي يقاس به انحطاط الأمة أو نهضتها ولما كانت أجيالنا المعاصرة تتخبط بين فنون الغرب والهوية القومية وتلك الهوة الساحقة التي فصلت بين الانسان ومجتمعه لسنوات طوال فقد فقدت الأعمال الفنية القيم الابداعية المرتبطة بالعوامل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية لتأتي ثورة 25 يناير لتحدث ذلك التغيير داخل البنية الاجتماعية ازاء الفن ودوره الحضاري الذي سوف يبرز بوضوح بعد سنوات قد تطول وقد تقصر. وعندما نرصد رواد الفن التشكيلي المصري فنحن نرصدهم من خلال حركات فنية كانت تعبر عن مواقفهم التي تنبثق من العقل الجمعي حيث ان قضية الثورة والتمرد كانت أكبر من قضية الفن فتنشأ (جماعة الفن والحرية) عام 1939 لتباشر دورها السياسي في الدفاع عن حرية الفن والثقافة ونشر المؤلفات الحديثة وإصدار البيانات الفكرية واقامة المعارض مؤكدين علي ارتباط الفن بالمجتمع. وفي عام 1946 تنشأ (جماعة الفن المعاصر) لتؤكد علي القيم الفلسفية داخل الفنان التي تنبع من الروح والجوهر فتشجع هذه الجماعة علي اهمال القيم الشكلية أو الأوضاع الجمالية المجردة التي لاتنطوي علي فكر الفنان الذي يغذي احساسه بقيم متغيرة ثم (جماعة بغداد للفن الحديث) عام 1951 التي ضمت بين صفوفها فنانين عرب وجماعة( نحو المجهول) ومنذ قيام ثورة يوليو 1923 تعاقبت أجيال وأجيال حتي أصبحت الثورة مجرد ذكري نحتفل بها كإحياء لذاكرة الأمة لتقام معارض الفنانين التشكيليين الذين عاصروا هذه الثورة والتي لايخلوا فيها المشهد من المواطن البسيط والعامل والفلاح وقضايا الاصلاح الزراعي والصناعة ومن هؤلاء الفنانين (خديجة رياض)، (عبد الهادي الجزار)، (انجي أفلاطون) ،(مريم عبد العليم) ، (عبد الهادي الوشاحي )،(محمد صبري)، (أحمد نوار).وأتوقع من أجيال شباب 25 يناير فيض من الابداع يوازي عظمة هذه الثورة. تحية لروح الشهيدين من الفنانين التشكيليين الفنان أحمد بسيوني والفنانة سالي زهران.