محفوظ عبد الرحمن: «بلقيس» ظلت حبيسة في أدراج هيئة المسرح ست سنوات وشعرت بصدمة عند إنتاجها دائما ما كان التاريخ بأحداثه وشخوصه مسرحا للعديد من أعماله الدرامية جاعلا منه حجر الاساس لغالبية كتاباته سواء للسينما التي عرفنا من خلال شاشتها جمال عبد الناصر وكوكب الشرق وحليم كما لم نعرفهم من قبل وسيرة سليمان الحلبي وعنترة وامرئ القيس ومحمد الفاتح والخديو إسماعيل وصفحات من تاريخ مصر في (بوابة الحلواني) وعايشنا معه ام كلثوم وفي انتظار بيرم التونسي في اهل الهوي من خلال الشاشة الصغيرة وقدم ايزيس عبر اثير الاذاعة وكانت غالبية أعماله التي قدمها تنهل من صفحات التاريخ دروسه وعظاته ولقد تناول صفحات مهمة من تاريخنا العربي القديم والمعاصر وها هو يعود ليقدم لنا بلقيس لينفض عنها تراب الماضي لنراها امامنا مجسدة علي خشبة المسرح ليضيف لرصيده المسرحي البالغ اثنتي عشرة مسرحية منها «عريس لبنت السلطان» و«حفلة علي الخازوق» و«السندباد والسلطان يلهو» عملا انتظرناه طويلا لنري من خلاله التاريخ حاضرا امامنا فهو ان جاز التعبير المؤرخ الدرامي محفوظ عبد الرحمن . في البداية لماذا دائما ما يكون التاريخ مصدر الهامك الاساسي في غالبية أعمالك؟ - التاريخ العربي غني بالصراعات وصعود عهود واضمحلال أخري بالاضافة الي انني عاشق للتاريخ وغالبا ما الجأ الي جوهره وفلسفته لايصال ما ينطوي عليه من قيم وعبر والحقيقة انني عندما اتجه للتاريخ في كتاباتي فإنني اتجه للواقع مباشرة لان التاريخ في حالة صيرورة مستمرة لا تنتهي وكما نقول دائما ان التاريخ دائما ما يكرر نفسه . حدثنا عن مشروعك المسرحي الجديد ولماذا اخترت بلقيس تحديدا لتعود بها؟ - من الصعب أن اجد غاية وراء اختياري شخصية دون غيرها لتناولها في اي من اعمالي الا أن بلقيس كانت تمثل هاجسا ملحا للكتابة عنها فدائما ما ابحث عن الشخصية التي تلتقي وافكاري وتكون بمثابة الموصل الجيد لقناعاتي بالاضافة الي انها ذات ملامح اسطورية لا تقل في حضورها عن ايزيس والالياذة وغيرها من الموضوعات التي لا يكف الناس عن تداولها فهي شخصية تاريخية تحتمل الكثير من التأويلات والقراءات علي مر الازمنة فقد ذكرتها كتب التاريخ والكتب السماوية كافة ورددتها الاساطير وتناولتها السينما الامريكية وستظل تحتمل العديد والعديد من المعالجات هذا كله، بالاضافة الي انني محب للتراث اليمني فهذه ثاني تجربة لي مع هذا التراث الخصب الذي مازال يحتفظ بالكثير من الجو الميلودرامي المشحون بالمشاعر القوية بعد مسرحية عن سد مأرب بعنوان "احذروا" والتي قُدِّمت من خلال المسرح التجريبي. شخوص مؤلفة ومن اي خلفية تاريخية تعاملت مع شخصية بلقيس؟ - قرأت غالبية الكتب والمصادرالتاريخية التي تناولتها ولكنها كانت قراءة عابرة لم اتوقف امامها طويلا ولكن من باب العلم بالشيء ليس اكثر لان بلقيس لم تكن سوي اطار عام لمجريات الاحداث الدرامية في المسرحية ولم استلهم من تاريخها سوي شخصية الوزير ووالد بلقيس وفقط اما بقية الشخوص فهي مؤلفة حتي الاسماء كان لها اسماء اخري معادلة فالتيمة الاساسية التي تدور حولها احداث المسرحية هي ماذا لو تعرضت ملكة في قوة وعظمة بلقيس للقهر والظلم فكيف ستواجهه وكيف ستكون ردة فعلها تجاه هذا القهر فبلقيس ليست امرأة عادية يمارس ضدها القهر ولكنها ملكة الا انها من وجهة النظر التاريخية لم تكن سوي وعاء لافكاري التي اريد ايصالها للمواطن والمصري والعربي في ظل الظروف الراهنة . وهل تناولت قصة بلقيس كما ذكرت في القصص القرآني؟ - ابدا لم اقترب من البعد الديني الذي ذكر في القرآن او اي من الكتب السماوية فقصتها الشهيرة مع سيدنا سليمان لم يكن لها اي ضرورة في السياق الدرامي الخاص بالخط العام للمسرحية، بالاضافة الي أن بلقيس لم تكن ابدا شخصية مقدسة فهل اذا تم تناول شخصية فرعون علي سبيل المثال هل يعتبر هذا تجسيداً لشخصية مقدسة لمجرد ذكرها في القرآن ومازلت اكرر أن المسرحية لا علاقة لها لا بالناحية الدينية ولا بالتاريخ الموثق ولا بالاسطورة بل هي عمل ادبي صرف يتكئ علي ارضية تاريخية ليس اكثر . وما رد فعلك بعد أن علمت بقرار ادارة المسرح القومي بإنتاج بلقيس بعد أن ظلت 6 سنوات حبيسة للادراج وما السبب وراء ذلك؟ - تضايقت لانني شعرت أن المسرحية ماتت ودفنت بل كنت احاول أن اتناسي واتعايش مع هذا الواقع الا انني عندما ابلغت بقرار انتاجها كانت صدمة حقيقية بكل المقاييس اما عن السبب فلا تسأليني فلست المسئول عن ذلك . حسابات كثيرة ولماذا تباينت الترشيحات حول من ستجسد شخصية بلقيس؟ - من الطبيعي أن يدخل في موضوع الترشيحات حسابات كثيرة خاصة بالمسرح وادارته لا شأن لنا بها خاصة بالميزانية وكون الممثلون معينين في مسرح الدولة ام لا وما الي ذلك من اجراءات خاصة بادارة المسرح ومخرج العمل احمد عبد الحليم الا أن الامر استقر في النهاية علي الفنانة رغدة التي اراها الاكثر تناسبا مع طبيعة الشخصية من حيث كل شيء واري اننا اذا اخذنا رأي الف شخص فبالتأكيد سيكون هناك اجماع علي انها بلقيس بكل صفاتها . الأجر الأفضل وهل دوامة تلك الترشيحات هي ما جعلتك تصرح قائلا ( بأن النجوم خربوا الدراما وفي طريقهم لتدمير المسرح )؟ - لا.. لم اقل النجوم فهم في النهاية لهم عذرهم ومن حقهم أن يطالبوا بالاجر الافضل حتي وان كانت بالملايين طالما هناك من يدفع لهم واقصد بهم المنتجين وهم من خربوا بل ودمروا الدراما التليفزيونية ومن قبلها السينما بسبب نظام العمل فمعروف أن كثيراً منهم لا علاقة له بالابداع بل إن منهم من دخلوا المجال بغرض غسيل اموالهم فبعد بداية التليفزيون المصري منذ ستينات القرن الماضي حيث كان للدراما التليفزيونية مكانة ادبية وفنية وشعبية لدي الجمهور المصري والعربي وكان لها تاثيرها المباشر في تحقيق حركة الاستنارة واعلان قيمة العقل والعلم ودعم ثقافة الحوار للاسف تراجع هذا الدور التنويري وهو ما يهددها بالانهيار لعدد من الاسباب منها أن يتم الترويج للعمل ككل تحت اسم النجم وبالتالي اصبح من حق كل نجم أن يطالب بما يراه يتناسب مع كم الاعلانات التي تعرض اثناء عرض المسلسل وما استتبع هذا من تحكم كامل لظاهرة الاعلان وتحكمها في مسالة التسويق بل والتحكم في الانتاج والابداع وبالتالي اغراق السوق باعمال درامية ضعيفة القيمة لمجرد ملء ساعات الارسال وهذا كله سبق وأن حذرنا منه منذ ما يقارب العشر سنوات والآن بدأت الدولة في الانتباه لخطورة هذا النظام الفاسد علي الدراما بشكل عام وهو ما تناولناه مؤخرا في مؤتمر جمعية مؤلفي الدراما العربية تحت عنوان"أزمة الدراما التليفزيونية بين الاعلان والاعلام وللاسف هذا النظام المدمر اثر بشكل اساسي علي النجوم الذين تم استغلالهم وجعلهم يعزفون عن العمل في المسرح فأجر احد النجوم في مسرحية ما قد يوازي اجره من حلقة تليفزيونية او حلقة من برنامج واحد فلماذا يقدم مسرحا اذا فالعملية بالكامل خاضعة لحسابات السوق وفقط دون اي اولوليات فنية وما زاد الوضع سوءا تخلي المسئولين عن تليفزيون الدولة عن دورهم في انتاج الاعمال ذات الرسالة الثقافية والاجتماعية والقومية، وهل رغم ارتباط اسمه بروائع الاعمال الدرامية سواء للسينما او للتلفزيون الا انه دائما ما يؤكد علي عشقه المتجدد للكتابة المسرحية.