هل نعاني من ظاهرة التدين المزيف ..! هؤلاء الذين ارتضوا بدين الفقهاء بديلا عن دين الله فقصروا الدشاديش وأطلقوا اللحي وأرغموا نساءهم علي التنقب وغالوا في التمسك بالفروع ربما أكثر من الأصول.. ولاشيء عن سلوك يرفع من شأن الأمة علما وفكرا وأخلاقا..!! نعم نعاني وبقسوة الي الحد الذي دفع شابا جزائريا ..الي تهديد زوجته بالطلاق ان لم ترضع صديقه الذي يعتزم قضاء شهر رمضان في ضيافته ..والقصة المفزعة رواها الشيخ شمس الدين بوروبي، وهو أحد أشهر رجال الإفتاء بالجزائر لصحيفة السياسةالكويتية في عددها الصادر 23/9/2007 ضمن قصص أخري رواها عن تأثير فتاوي المشايخ علي الشباب وقال انه بسبب هذه الفتاوي ذبح آلاف الجزائريين!.. ومالم يقله الشيخ الجزائري أنه بسبب الدين المزيف تقوقع مئات الملايين من المسلمين في شرانق مذهبية بغيضة ..كل يظن أنه هو المغمور بنور الله.. أما الآخرون فكفرة ينبغي قطع دابرهم ..فيذبحون وتفجر مساجدهم وتنسف بيوتهم ..ولقد أضعف هذا الجهاز المناعي للأمة.. وبدت كالرجل المريض..وها هو الرجل المريض يتعرض لغارة أخري.. أظن ان لم ينهض مثقفونا لمواجهتها ..فالنتائج كارثية..! فها هم جنرالات الفضائيات هنا وهناك يستخفون بعقولنا ويسوقون للأمة شكلا مضحكا للانتماء ..! الا أنه الضحك الذي يشبه البكاء..! فأبلغ صور الانتماء للوطن عند هؤلاء الجنرالات تتمثل في احتشاد الشعب في ملاعب الكرة ويلوحون بالأعلام هاتفين تحيا مصر.... فان كنت واحدا ممن زحفوا الي الملاعب والشوارع ولم تسعفك قريحتك في إيجاد الشعارات والأشعار التي تعبر عن انتمائك.. فلا تحمل هما.. شركات المحمول ومصانع المياه الغازية ..لديها شعراء وكتبة سيلقنونك ما ستهتف به..المهم عبر.. مين قدك.!! وبكده "انت منتمي" حتي النخاع .. وبشهادة شركات المحمول أو المياه الغازية وبصمة أي معلق كرة شهير ان لم يكن يجيد القراءة والكتابة !! تلك هي ثقافة الانتماء الجديدة التي يحاول جنرالات الفضائيات نشرها في الشارع المصري ..وكذلك نشرها وعلي نفس الشاكلة في الشارع الجزائري وشوارع عربية أخري ربما ..! مع بعض التغييرات اللازمة في هوية العلم والشعارات والأغاني التي ترددها الجماهير ..وطبقا لهذه الوصفة ..فما أسهل الانتماء للوطن ..علم وأغنية وشعار..!ولامانع من أن يمارس بعض هؤلاء المنتمين بعد التعبير عن انتمائهم كل موبقات الفساد! زبانية عم محمد ..المنتمون جدا! عم محمد البيلي عجوز مريض علي مشارف السبعين من عمره .. من قرية المعصرة بلقاس دقهلية .. حركته اليومية انحصرت في التوجه الي المسجد لأداء الصلاة .. والصيدلية لشراء بعض الأدوية أو استشارة الصيدلي في أمر يتعلق بما يعانيه من أمراض .. الا أن حياته طرأ عليها تغيير اجباري خلال الأيام الأخيرة ..حين فوجيء بقوة من الشرطة تطرق بابه في الواحدة صباحا وتقتاده الي التخشيبة .. وهناك عرف أن حكما غيابيا صدر ضده بالحبس ستة أشهربتهمة تبديد ..وتبين أن محضرا في قرية أخري بمركز آخر كتب محضر تبديد باعتباره أنه يملك أرضا في هذه القرية..أقسم الرجل للضابط وللمحضر وللدنيا كلها بأنه لايملك أرضا في هذه المنطقة ..وتبين أن هناك خطأ وقع نتيجة تشابه في الأسماء!.. "وما اكثر الذين يقتادون فجرا الي التخشيبة بسبب تشابه الأسماء ..!" لكن مش مهم ..في نهار اليوم التالي سيجلس الجميع.. المواطن المخبر والمواطن الحرامي والمواطن البريء والمواطن المحضر الذي أخطأ في كتابة الاسم ..جميعنا سنجلس في الاستاد وأمام شاشات التليفزيون نشاهد منتخبنا القومي ونلوح بأعلام مصر و نهتف تحيا مصر ". المحامي طمأن عم محمد: براءة باذن الله..وتم تحديد جلسة في المحكمة.. وطلب منه المحامي ألا يذهب..الموضوع سهل ياعم محمد مفيش داع تتعب نفسك ..!.. لكن القاضي أيد الحكم السابق بحبس الرجل ستة أشهر ..لماذا؟ لأن المحامي نفسه ..لم يحضرالجلسة.. رغم أنه قبض أتعابه! تم القبض علي عم محمد مرة ثانية ..وأيضا في الساعة الواحدة صباحا .. وأتي بمحام آخر ليطمئنه ..وفي هذه المرة يحصل عم محمد علي البراءة حين اكتشف القاضي أن ثمة خطأ في الاسم.. لكن الحكم لم يتم تسليمه لشرطة مركز بلقاس حتي تكف عن ملاحقة المتهم .. والرجل العجوز مازال يدور في دائرة جهنمية زجه فيها محضر في مدينة نبروه أخطأ في كتابة الاسم ومحام أول لم يحضر الجلسة.. ومحام ثان لم يتأكدمن تسليم حكم البراءة لمركز الشرطة ..وأمام الجميع لايكف عن الصراخ : والله ماعندي أرض واسمي مش ده ! والكل يمصمص شفايفه اشفاقا ..لكنهم جميعا سرعان ما يهرعون للتعبير عن انتمائهم للوطن..في الاستاد وأمام شاشات التليفزيون وفي الشوارع ملوحين بأعلام مصر.. هاتفين تحيا مصر! وأظن أن هذا المحامي الذي لهف مبلغا كبيرا من هذا المواطن التعيس و لم يحضر الجلسة لو كان من سكان القاهرة لحرص علي حضور فرح العمدة الذي نظمته نقابة المحامين مؤخرا للتنديد بالبربر الهمج الذين اعتدوا علي المصريين في الخرطوم ..وسيهتف مع الهاتفين.. تحيا مصر! والمحضر الذي كتب الاسم خطأ ورفض تصحيحه ربما ثبت علما كبيرا في شرفة منزله بمدينة نبروه ..دلالة علي حسن وصدق انتمائه..رغم أنهما المحامي والمحضر ذبحا الوطن حين ساعدا في إهدار آدمية هذا المواطن العجوز. المنتمي الحقيقي فان كنا في حاجة الي صورة للانتماء الحقيقي غير تلك الصورة التي سوقها جنرالات الفضائيات فلن أذكر الجميع بأبطال حروب 48و56 و67 والاستنزاف و1973. فربما يري البعض يأسا أن تلك أزمنة ولت.. والأحوال تبدلت.. وضغوط رغيف العيش والتطلعات غيرت الناس..! لكن بيننا رجلا من شحم ولحم ..مواطن مصري عادي جدا.. منسحق مثلنا تحت وطأة الضغوط اليومية.. الا أنه جدير بلقب المنتمي الحقيقي لمصر.. الصعيدي عبدالرحمن صفوت فتحي.. موظف بريد منفلوط الذي رفض رشوة مقابل من أحد المحامين تسهيل الاستيلاء علي مبلغ 40 مليون جنيه من الأموال الخاصة بالهيئة القومية للبريد!.. ولن نعدم أبدا ألاف المصريين ..بل الملايين الذين يقدمون وهم يمارسون حياتهم اليومية الاعتيادية صورا حقيقية وليست مزيفة للمنتمي.. الي حد التضحية بحياتهم في ملاحقة الفساد والفسدة مثل النقيب حسام أحمد محمد البدوي " الذي استشهد خلال مطاردته لتجار مخدرات في محافظة 6 أكتوبر أواخر أكتوبر الماضي وقبله بعشرين يوما استشهد اللواء إبراهيم عبدالمعبود مدير إدارة البحث الجنائي بالسويس وأصيب الرائد أحمد محمد فتحي البهي "رئيس مباحث منطقة عتاقة" والنقيب أحمد يسري عبدالحليم الضابط بإدارة البحث الجنائي بالمديرية بعد أن أمطرهم شقي خطر بالرصاص من سلاح آلي كان بحوزته أثناء قيامهم بضبطه.. وغير هؤلاء العشرات ممن يمارسون مصريتهم بشكل طبيعي وعفوي دون صراخ أمام كاميرات التليفزيون ..فبوابة الانتماء..لاينبغي أن تكون ماتش كورة.. بل مكافحة الفساد..في البيت والشارع والعمل .. في كل مكان.. بوابة الانتماء أن نتخلي عن الثقافة البالية التي تمسك برقبة المواطن ونسعي إلي التحديث الحقيقي للعقل المصري.. بوابة الانتماء أن نسعي جميعا إلي إعلاء انسانية الانسان المصري.. فلا يتبهدل في الشارع والمواصلات وقسم الشرطة والعمل.. كرة القدم رياضة جميلة .. واني أحد عشاقها ..لكن ليس الي حد الخلط الأعمي أو الخبيث بين ماهو ترفيهي وما هو حتمي ..بحيث يتم اقصاءالحتمي وتتويج الترفيهي ليصبح مسوغ انتمائنا وحضور الوطن علي الخارطة الكونية..ولو كانت كرة القدم المحك لأصبحت البرازيل هي عاصمة العالم الآن ..وليست أمريكا .. والأرجنتين تحظي بحق الفيتو في مجلس الأمن وليست بريطانيا..والتشيك ثاني قوة اقتصادية وليست الصين..! أين مثقفونا ! ..وما زالت الفرصة متاحة أمام المثقفين ان لم يكن لتقويض امبراطورية التافه والسطحي والمغرض في اعلامنا .. حيث يبدو أن هذا هدف صعب المنال في الزمن المنظور..فعلي الأقل توجيه ضربة موجعة لتلك الامبراطورية ..! ليترك نقاد الأدب دراساتهم الأدبية ..وليزح المحللون السياسيون خرائط العالم المحتقنة جانبا ولتبدأ النخبة عبر الصحف والفضائيات والمنتديات والنقابات حوارا قوميا حول ماحدث : من وراء انزلاق الأمة الي هذا المستنقع الخطير ..تعبئة الشارع وزجه في حرب ترفع فيها الأعلام من أجل مباراة كرة قدم ..ما حدث شديد الخطورة ..تستفحل خطورته ان ترك دون أن يدرس..! ..ومن يدري اذا اتسع صدر الجميع الي انبثاقات هذا الحوار من آراء واتهامات وحتي ادانة ..فقد تكون تلك هي الوقفة المحورية التي من خلالها نستبين الخيط الأبيض من الأسود .. نستبين منها ثقافة الانتماء الكاذب والانتماء الحقيقي ..نستبين منها ماذا نريد من الاعلام لتحديث فكرالأمة وليس سحل دماغها ..! نستبين منها ما هي الأسباب التي أدت الي اقصاء دور المثقف واستيلاء الأميين علي مقعده ..! ومن وراء تضخيم دور الترفيهي في حياتنا ككرة القدم ليبتلع الحتمي كالقراءة. الأمر جلل ولاينبغي أن نتركه ينزوي في بؤرة النسيان ..فما انتصرنا في حرب أكتوبر الا بعد تمحيص وتحليل لكل جوانب كارثة 1967. وكوارث نوفمبر المونديال تأثيرها بالغ الخطر علي الشعبين الشقيقين.. وأظن أن عقلاء الجزائر وحكماءها وهم كثيرون أكثر وعيا من أن يقعوا في فخ شماريخ الفرحةالتي يطلقها مهاويس الكرة في الشارع الجزائري ابتهاجا بالفوز في مباراة كرة، ورجاء الي محمد سلماوي ..دوما كنت صاحب المبادرات غير الاعتيادية التي تصب في صالح الأمة ..ابدأ عبر اتحاد الكتاب بفتح هذا الحوار.. وأخيرا ..دعوة من مواطن مصري عربي.. إلي الفنانة الكبيرة وردة.. يقينا أن لديك من الوعي الوطني.. هذا الذي تلقمناه خلال شدوك في رائعة عبدالوهاب وطني حبيبي الوطن الأكبر ..ما يجعلك لاتنصتي لهذا الصراخ الشوفيني للسفهاء والخبثاء هنا أوهناك.. عودي من الجزائر وطنك الأول الي مصر أيضا وطنك الأول..ولك في فؤاد كل مصري مثلما هو الحال في فؤاد كل جزائري وفؤاد كل عربي مهجع .. تصلين فيه للوطن الكبير باطمئنان.