حذرت مصادر عسكرية إسرائيلية من اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة خلال الأيام القريبة القادمة، وقالوا إن الضفة الغربية تشتعل بمرور الوقت، وان حريق الغضب الفلسطيني علي وشك أن يمتد إلي داخل إسرائيل. وأوضحت مصادر في الجيش وأجهزة الأمن الإسرائيلية أن الحديث لا يجري عن مواجهات مع المستوطنين اليهود فقط حول تجميد الاستيطان، وحرق مسجد نهاية الأسبوع الماضي قبل صلاة الفجر في قرية كفر يوسف، وإنما بسبب 3 محاولات فلسطينية لتنفيذ عمليات كبري في الأيام العشر الأخيرة. وألقت المصادر الإسرائيلية بمسئولية تدهور الاوضاع في الضفة الغربية علي اربعة جهات، عرضتها كما يلي: أولا: يدير رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) سياسة التجاهل إزاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه ايهود باراك، وكأنه غير مضطر للتفاوض معهما، رغم انه في الواقع يدير اتصالات يومية مكثفة معهما عن طريق رئيس وزرائه سلام فياض، الذي يجري لقاءات سرية دائمة مع محافظ بنك إسرائيل ستانلي فيشر، الذي أصبح الوزير الإسرائيلي المسئول عن الشئون الفلسطينية بفضل علاقته الوطيدة مع فياض. وتشير المصادر الإسرائيلية، التي تصف نفسها بأنها قريبة الصلة من الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية، إلي انه في حين يجري التنسيق علي أعلي المستويات الاستراتيجية بين فياض وفيشر حول السياسة الإسرائيلية الفلسطينية التي ستحقق ازدهارا اقتصاديا كبيرا في الضفة الغربية، يجري التنسيق الفلسطيني الإسرائيلي حول المسائل اليومية عبر لقاءات أسبوعية دائمة بين فياض و"بولي مردخاي" ممثل الجيش الإسرائيلي ووزير الدفاع ايهود باراك. ولكن إسرائيل والفلسطينيين يفرضون تعتيما علي هذه اللقاءات، بما يتيح لابو مازن ان يتظاهر أمام الرأي العام الفلسطيني بأنه يقود سياسة مقاطعة تجاه إسرائيل ويشن عليها هجوما دبلوماسيا واسعا في كل فرصة ممكنة، بما ينال من سمعة إسرائيل ومواقفها علي الساحة الدولية. ولذلك قال رئيس الاستخبارات الداخلية الإسرائيلية (الشاباك) يوفال ديسكين، في اجتماع للحكومة السياسية الأمنية الإسرائيلية المصغرة، ان الفلسطينيين يتبنون سياسة تستهدف إلغاء المفاوضات السياسية واستبدالها بفرض حل سياسي يرتضيه الفلسطينيون علي يد عناصر خارجية. الأمر الذي اعتبرته بعض المصادر الإسرائيلية تعبيرا عن تدشين أبو مازن لانتفاضة فلسطينية سياسية علي إسرائيل منذ شهرين.ثانيا: وفي نفس الوقت الذي تم تدشين الانتفاضة الفلسطينية السياسية، تقول مصادر عسكرية إسرائيلية إن الأسبوعين الأخيرين شهدا إشارات واضحة علي استئناف الفلسطينيين عملياتهم الفدائية في الضفة الغربية. وتدعي المصادر الإسرائيلية ان اجهزة الامن والجيش الاسرائيلي تخفي القبض علي 6 فلسطينيين علي الأقل، منذ أسبوعين، عندما كانوا في طريقهم لتنفيذ عملية فدائية في اسرائيل. واوضحت المصادر ذاتها انه عند طريق عافار الذي تستخدمه الدوريات التابعة للجيش الاسرائيلي تم العثور علي لغمين كبيرين كانا علي وشك الانفجار في احدي الدوريات العسكريات الاسرائيلية المارة من هناك، لولا اكتشاف اللغمين. وبزعم المصادر الاسرائيلية: "تم اكتشاف لغم آخر قبل ذلك بالقرب من بيت اومار في قطاع الخليل. وشهد الاربعاء 9 ديسمبر القبض علي فلسطيني عند حاجز قالنديا، تابع علي ما يبدو للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كان يحاول الوصول الي وسط القدس لتنفيذ سلسلة عمليات فدائية مستخدما 6 الغام كانت بحوزته". وتميل المصادر الاسرائيلية الي القول بان تزامن هذه الاحداث ليس من قبيل الصدفة، لكن المصادر ذاتها تزيد من لهجتها التحريضية تجاه الفلسطينيين حين تقول ان سياسة التجاهل التي يتبناها الجيش الاسرائيلي والاجهزة الامنية تجاه هذه الاحداث تمثل موقفا خطيرا قد يترتب عليه احداث امنية قاسية، تماما كما حدث في سلسلة العمليات الفدائية التي ضربت اسرائيل خلال العامين 2000 و 2001. ثالثا: العنصر الثالث الذي يتحمل مسئولية تدهور الاوضاع في الضفة الغربية، بحسب المصادر الاسرائيلية هو ادارة الرئيس الامريكي باراك اوباما ودول اوروبا التي لا تطالب ابو مازن بالتوقف عن سياسته الحالية الخطيرة - علي حد تعبيرها - التي يمكن ان تتحول خلال وقت قصير من انتفاضة سياسية الي انتفاضة مسلحة.رابعا: وحملت المصادر ايضا مسئولية تدهور الاوضاع لرئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو ووزير دفاعه باراك، بدعوي تقاعسهما عن تنفيذ سلسلة هجمات وقائية ضد الفلسطينيين، وبدلا من ذلك يركز الاثنان علي جبهتين فقط، وهما الامريكيون والمستوطنون اليهود! واعتبرت المصادر الاسرائيلية ذلك شبيها بسياسة باراك حينما كان رئيسا للحكومة في اشهر الخريف والشتاء من عامي 2000 وبداية 2001، مع بدء الحرب علي الفلسطينيين، اذ تجاهل مخططات الفلسطينيين وأمر الجيش الإسرائيلي بالرد علي الفلسطينيين عبر شن هجمات علي أراضي خالية لا فلسطينيين فيها!واتهمت المصادر نتنياهو بالانجرار خلف باراك حفاظا علي أطول عمر ممكن لحكومته، وقالت انه يظهر في كل مرة استعداده الكامل لتغيير مواقفه وسياسته حتي بدت عليه علامات الضعف والوقوع تحت ضغط، الأمر الذي سيؤدي إلي تدهور الأوضاع في الضفة الغربية. ولكن مثل هذه الاتهامات الموجهة لنتنياهو ليست صحيحة في ظل تعالي الاصوات التي تتحدث عن خنوع باراك، بل وموات المعارضة الاسرائيلية كلها، حتي بدت الساحة الاسرائيلية وكأنها بلا معارضة اصلا. اضف الي ذلك ان نتنياهو لم يقم باية خطوة فعلية لصالح عملية السلام، بل علي العكس يجري الحديث ليلا نهارا عن استمرار الاستيطان في الاراضي الفلسطينية وفي القدسالشرقية وعن تصريحاته في لقاءاته مع قادة المستوطنين اليهود بانه مضطر لاطلاق بعض التصريحات المعادية للاستيطان في وسائل الاعلام، وقوله لهم ان عليهم ان ينظروا الي ما يجري علي ارض الواقع فقط وهو استمرار الاستيطان! انتفاضة مخططة وسارت صحيفة "يسرائيل هيوم" علي نفس الرأي القائل بان الفلسطينيين يخططون لاندلاع انتفاضة ثالثة، واتهمت السلطة الفلسطينية بانها تلعب بالنار، واستشهدت الصحيفة في افتتاحيتها التي كانت حول هذا الموضوع بتصريحات اطلقها مسئولون فلسطينيون، خاصة ممن ينتمون الي حركة فتح، والذين تحدثوا مطلع هذا الاسبوع في رام الله خلال فعاليات "المؤتمر الوطني لتعزيز النشاط الشعبي" -واستمر 3 ايام. وقالت الصحيفة ان المسئولين الفلسطينيين بحثوا سبل الانتفاضة الثالثة لمواجهة التعنت الاسرائيلي علي عدة مستويات من بينها: بناء الجدار العازل العنصري؛ استمرار الاستيطان وفي شرقي القدس؛ حل مسألة اللاجئين واقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدسالشرقية. ونقلت الصحيفة علي لسان مسئول فلسطيني، لم تذكره، ان القرارات التي بحثها هذا المؤتمر، كانت تتعلق فعليا بآليات التنفيذ لقرارات اتخذت في مؤتمر حركة فتح الذي انعقد مؤخرا في بيت لحم، حيث اتخذ قراراً استراتيجياً بمواصلة المقاومة لاسرائيل، بمعني الانطلاق الي انتفاضة ثالثة "سلمية". اين الحقيقة؟وفي ظل الحديث عن فرض تعتيم فلسطيني واسرائيلي علي التنسيق بين الجانبين فيما يتعلق بملف المفاوضات واوضاع الاراضي الفلسطينية، يميل بعض المراقبين الي اعتبار ذلك السلوك، عند اضافته الي الهجوم السياسي الذي يشنه ابو مازن علي اسرائيل من حين لآخر، جزءا من عملية طارئة يجري الاعداد لها بدقة شديدة في ظل تنسيق اسرائيلي امريكي مع السلطة الفلسطينية برئاسة ابو مازن، في محاولة لانقاذ حركة فتح من التلاشي في الشارع الفلسطيني من جهة، ولمحاولة امتصاص الصدي الهائل الذي ستجنيه حركة حماس من وراء تنفيذ صفقة جلعاد شاليط التي ستؤدي الي الافراج عن الف اسير فلسطيني، الامر الذي يعني زيادة شعبية حماس بصورة جارفة في الشارع الفلسطيني، خاصة ان حماس لم تقصر طلبها علي اسري حماس فقط، وانما طالبت ان تشمل الصفقة الافراج عن قياديين من حركة فتح مثل مروان البرغوثي، وآخرين من الجبهة الشعبية، بل وتم الاعلان عن وجود اسري سوريين ضمن الصفقة!ويقول المراقبون ان التنسيق الاعلامي يسعي الي اظهار ابو مازن في صورة المتشدد في مواقفه الداعمة للقضية الفلسطينية، بهدف الوصول الي مستويات حماس التي تمسكت بمواقفها الصلبة واذعنت لها اسرائيل في النهاية. ويتزامن ذلك الحديث مع احتفالات حركة حماس بذكري تأسيسها في 14 يناير 1987، وهناك من يقول ان الحديث عن تشدد ابو مازن ازاء اسرائيل بشكل موسع، وعن تشدد قادة حركة فتح، يأتي بمثابة تمهيد لخروج مروان البرغوثي من السجن في اطار صفقة شاليط، ليقود حركة فتح "جديدة" تختلف عن تلك التي تراجعت شعبيتها وفقدت ثقة الشارع الفلسطيني، حتي يكون اهلا لمنافسة حركة حماس في الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة. بل ان بعض وسائل الاعلام الاسرائيلية بدأت تتحدث عن البرغوثي باعتباره الرئيس الفلسطيني القادم، الذي ستتفاوض معه اسرائيل حول الحل النهائي للقضية الفلسطينية. ويذهب البعض الي نثر بذور الشك في الموضوع كله حين يقول ان الفترة التي قضاها البرغوثي في السجون الاسرائيلية لم تكن فترة سجن، وانما كانت فترة تفاوض، وان الاسرائيليين قد توصلوا الي حلول الوضع النهائي مع البرغوثي، ولم يعد باقيا سوي مشهد التوقيع الرسمي واخراج المشاهد المؤدية له!