احتفلت الكنيسة القبطية الآرثوذكسية يوم 5 نسيء من الشهر القبطي الموافق 10 سبتمبر من الشهر الميلادي بتذكار نياحة (وفاة) القديس العظيم الانبا برسوم العريان.وفي مثل هذ اليوم من كل عام تقام احتفالات كبري بديره الشهير بحلوان، ولقد سمي القديس بالعريان نظرا لكثرة نسكه وقناعته فكان يكتفي بأقل القليل من الملابس، ومع الزمن تمزقت ثيابه ولم يبق منها إلا القليل الذي يستر جسده، أما كلمة "برسوم " فأصلها عبراني أو سرياني ومعناها "ابن الصوم " ومن يدرس حياته بالتفصيل يجد أنه حقا كان اسما علي مسمي فهو بحق ابن الصوم كما سنري من سيرة حياته. ولد من أسرة كريمة في عام 1257 م وكان والده يعمل كاتبا عند شجرة الدر "وهو منصب يعادل الوزير حاليا"، وبعد وفاة والده طمع خاله في ثروة والده، فلم يجادله الانبا برسوم العريان في شأن هذه الثروة فتركها له وذهب قانعا بحياة النسك واعتزل في كنيسة أبي سيفين بمصر القديمة في مغارة صغيرة مازالت قائمة حتي الآن، وعاش فيها عشرين سنة كاملة في صلوات وأصوام وعبادات، والقصة المأثورة عنه أنه كان يسكن في المغارة ثعبان ضخم، وعندما أراد القديس الانبا برسوم العريان السكن في هذه المغارة حذره الناس من هذا الثعبان، ولكنه عندما نزل من المغارة صلي صلاة قصيرة ورشم نفسه ثم رشم الثعبان بعلامة الصليب وطلب منه ألا يؤذي أحدا بعد ذلك ، ومن لحظتها عاش الثعبان مع القديس لم يؤذه لا هو ولا أي زائر له في المغارة لمدة عشرين سنة كاملة. ثم حدثت ضيقة واضطهاد بعد ذلك وكان ذلك في عصر الوزير الأسعد شرف الدين في أواخر سلطنة السلطان خليل بن قلاوون. فاضطر القديس إلي مغادرة المغارة التي بكنيسة أبي سيفين وجاء إلي المنطقة المعروفة حاليا بدير شهران بالمعصرة حلوان وعاش فيها علي نفس الدرجة من الوحدة والنسك حتي بلغ سن الشيخوخة وتنيح بسلام في يوم 10 سبتمبر 1317 م عن عمر يناهز60 عاما تقريبا ودفن جسده الطاهر في دير شهران بالمعصرة حلوان. ومازال قبره محفوظا هناك حتي الآن. أما دير شهران فلقد كتب عنه أبو المكارم فقال ( الدير المعروف بشهران جدده بيمن الراهب. ..... وفي هذا الدير جوسق يتوصل اليه من هذا الدير وهذا كان له بستان مساحته ستة أفدنة وفيه نخيل وأراض زراعية وكان الإمام الحاكم ملازم البرية بهذا الدير والتنزه فيه ) "تاريخ أبو المكارم ص 59 " أما العلامة المقريزي فقال عنه تحت اسم "دير شعران " ( هذا الدير في حدود ناحية طرا. وهو مبني بالحجر اللبن، وبه نخل وبه عدة رهبان.وهذا الدير كان يعرف قديما "بمرقوريوس " الذي يقال له مرقورة أو "أبو مرقورة " ثم لما سكنه برصوما ابن التبان عرف "بدير برصوما ". أما الراهب الدومنيكاني "فانسليب " ( 1635- 1679 ) فيقول عنه ( في الجنوب وعلي الشاطيء الشرقي دير الطوباوي "ابا برسوم العريان " أي الطوباوي برسوميوس، الذي كان دائما يتجول عريانا، وهناك دفن ). أما عن الاحتفالات بعيد القديس، فلقد كتب عنها العالم الانجليزي "جوزيف وليم مكفرسون ( 1866- 1946 ) في كتابه الشهير "الموالد في مصر " فقال ( يقام هذا المولد في دير القديس برسوم العريان بالمعصرة قرب حلوان، ومن ثم فإن الوصول اليه يتم عن طريق القطار من باب اللوق إلي محطة المعصرة حيث تنتظر الحمير. .... فإذا أراد المرء المسير فإنها مسيرة لطيفة لمدة عشرين دقيقة تقريبا، ولا يجب أن يفوت زائر للقاهرة حضوره، ولا يجب أن تقتصر الزيارة علي الليلة الختامية ولكن زيارة أو زيارتين في اليالي المبكرة والصغيرة واجبة أيضا. ..... وأنها من مظاهر التسامح عند المصريين، إن هذا العيد المسيحي به من الشعبية عند المسلمين ما له عند الأقباط. وفي الواقع فأنهم "المسلمون " ينتحلون بلطف "ماربرسوم " فيشيرون اليه كما سمعت "بسيدي محمد برسوم " يالها من مسحة مباركة ! لم أجد مكانا يمجد فيه المسيحيون بطوائفهم المختلفة، المسلمون وغيرهم مساجد بعضهم بعض وكنائسهم علنا بصداقة وطيب خاطر مثلما رأيت هنا "أي في مصر " ويطلبون البركة من أضرحة بعضهم البعض ). ويؤمن بعض الأقباط بسلطان القديس برسوم العريان علي الثعابين نظرا لأنه عاش في سلام مع الثعبان لمدة تزيد عن عشرين عاما، لذا نجد الشعب في مولده يهتفون (عم يا عريان يا طب التعبان ). كما يؤمن بعض الأقباط أيضا بظهورات للقديس برسوم العريان في يوم عيده، وتكون من دلائل هذا الظهور هو اهتزاز النخل الموجود بحديقة الدير، لذا يظل الأقباط يهتفون طوال الليل (هز النخلة يا عريان، هز النخلة يا عريان ) فهم يعتقدون أن اهتزاز النخل مؤشر علي حضور القديس وبداية ظهوره. ولقد رصد الرحالة الانجليزي س. ه. ليدر هذه الظاهرة وكتب عنها في كتابه الشهير "أبناء الفراعنة المحدثون " فقال "علي لسان أحد الأقباط المثقفين وهو علي قدر عال من التعليم " ( كنت أظن في البداية أن حكاية الرؤية هذه مجرد خرافة، وأنها تخلو من الصحة تماما. وبناء علي ذلك الاعتقاد ذهبت إلي الكنيسة في عيد العريان مع سبعة من أصدقائي الذين كانوا يعتقدون ما أعتقده، لم نهتم بالتمشية هناك، فقد ذهبنا من أجل غرض واحد هو الرؤية.وفي يوم الأحد صعدنا إلي الطابق الأعلي واتفقنا مع الخدم أن يتركونا ولا يسمحوا لأحد سوانا بالصعود، وسددنا نوافذ القبة، ثم نزل أربعة منا وأنا منهم إلي أسفل في الكنيسة، وبقي الأربعة الأخرون لمراقبة القبة.واقترحت علي أصدقائي أن الأمر سيكون أفضل لو أن كل واحد منا ذهب إلي ركن من أركان الكنيسة لمراقبة جزء معين، حيث قد يكون لدي شخص ما فانوس سحري أو جهاز ما يعكس الصورة علي القبة.ولكن لم يكن هناك وجود لهذا الشيء بالمرة في الكنيسة.وكان البطريرك حاضرا في ذلك اليوم "البطريرك المذكور هو علي الأرجح البابا كيرلس الخامس ( 1874- 1927 ) البطريرك ال112 " وكان هو الذي سيصلي القداس، وعلي وجه الدقة في بداية ذلك الجزء من القداس الخاص بالقديسين ظهرت الرؤية في منتصف القبة.وقد أكون أول من شاهد الرؤية. توقف البطريرك لبضع دقائق، وأنحني من كانوا داخل الكنيسة للرؤية ورفعوا أيديهم وهم ينطقون بخشوع بأمنياتهم وصلواتهم.أرسلت في طلب أصدقائي الذين كانوا في الطابق الأعلي فنزلوا علي الفور ورأوا الرؤية التي كانت واضحة وضوح الشمس.ولابد أن أقول ان اعتقادهم بأن الرؤية محض خرافة قد تزعزع منذ ذلك الحين . ثم يروي التجربة التي حدثت مع والدته منذ عشرين سنة، فهي لم تكن تؤمن بصحة الرؤية، وذات ليلة قررت أن تأخذ رداء خاصا بابنها ووضعته علي نافذة القبة لكي يحجب أي ضوء من اختراق القبة. ولكن بمجرد بدء القداس الذي كان يصليه البطريرك بنفسه شوهد الرداء وهو يحترق فور ظهور الرؤية، وعلي الفور أطفئت أمي النار التي في الرداء وأخذوها بعد ذلك إلي البطريرك حيث روت له قصتها كلها.ولقد أخذ بعض الأشخاص البارزين قطعا من الرداء ومازالوا يحتفظون بها حتي اليوم "وقت كتابة الكتاب باللغة الانجليزية عام 1918 " وأظن أن البطريرك مازال يحتفظ ببقية الرداء كذلك." والأمر الجدير بالذكر أن البابا كيرلس الخامس كان يحب هذا الدير جدا، وكان يقضي فيه فترات خلوة كثيرة، ولقد اهتم هذا الأب البطريرك بترميمه، ثم اقام بيتا للضيافة بجواره، وأهتم البابا كيرلس الخامس كذلك بزراعة حديقة الدير حيث كانت هناك أرض علي النيل مزروعة بأشجار النخيل فبني عليها كنيسة باسم مارجرجس كما ألحق بها بيتا لسكن الكاهن، ونثر بين النخيل مجموعة من المساكن الأنيقة ليرتاح فيها طالبو البركة والشفاء. كما اهتم الأسقف الحالي لحلوان نيافة الحبر الجليل الأنبا بيستني بتعمير الدير معماريا وروحيا، فأقام بيتا للمكرسات.كما اهتم ببناء أستراحة كبيرة للزوار وبوابة كبيرة عالية، كما اهتم نيافته بافتتاح مشغل لتعليم الفتيات صناعة السجاد والكليم.كما أنشأ بالدير دار حضانة تخدم أكثر من 300 طفل من أطفال الحي وهي مزودة بأجهزة الفيديو والكمبيوتر، كما يوجد بالدير دارمسنين ومسنات، وبيت حديث للطالبات يسع حوالي 250 طالبة من الطالبات المغتربات. كما قام قداسة البابا شنودة الثالث البطريرك الحالي - أطال الله حياته ومتعه بالصحة والعافية - بافتتاح مستشفي علي أحدث مستوي طبي بالدير وذلك يوم الأثنين الموافق 30 يناير 1995 بحضور عدد كبير من الوزراء والمسئولين. وهذه المستشفي تخدم الألوف من المرضي مسلمين وأقباطا.