رحمه الله مفكرنا الكبير الدكتورعبدالوهاب المسيري ..كان يقول إننا نضفي علي اليهود قوة لا يملكونها حينما نعتقد في صحة ماجاء في بروتوكولات حكماء صهيون ..أتذكر ندوة نظمت في معرض الكتاب منذ عدة سنوات وكان يلح علي هذه النقطة .. اليهود شعب عادي منهم الطيب ومنهم المتآمر ..لكن أن نعزي كل مصيبة تقع في هذا العالم اليهم ..ونصيح أنها من تدبيرهم ..هذا ما حذرنا منه مفكرنا الكبير..ليس لأنهم شعب نقي من الشر والتآمر ..لكن لأنهم ليسوا بتلك القوة الإعجازية التي يتخيلها بعضنا فيعزي كل الحروب والأزمات الاقتصادية وحتي الزلازل والأعاصير إلي خبثهم وتدبيرهم .. ويقينا أن من بين الاسرائيليين من يسعدهم اعتقاد "الأغيار" أنهم قوة لاتقهر.. ولولا إيماني بما قاله المسيري لظننت ..بل ولأقسمت بأغلظ الايمان أنهم وراء حرب داحس والغبراء التي تكاد تشتعل جولتها الثانية الآن بين المصريين والجزائريين مع تصريحات إسماعيل أمزيان رئيس معرض الكتاب الجزائري الدولي الأخيرة . فبحسي العروبي والديني والانساني لايمكنني تصور أن مصريا أو جزائريا نصف عاقل يمكن أن يلقي علي خلاف كروي بين منتخبي حتي المشتري وزحل نصف احتياطي العالم من البترول لتشتعل بينهما الحرب ..وقد يكون مفهوما.. هيستيريا الدرجة الثالثة في ملاعب الكرة ..صبية متعصبون ..ليس ضد منتخبات دول أجنبية بل وضد فرق من نفس القطر ..ظاهرة مألوفة في ملاعبنا وملاعب الجزائر والبرازيل وكل بلاد الدنيا .. لكن أن يمتد هذا التعصب إلي متفرجي المقصورة .. إلي الاعلام .. إلي السياسيين ..والآن إلي المثقفين ..! إذن إن لم يكن الإسرائيليون وراء هذه الحرب .. وطبقا لرؤية المسيري هم لا يملكون تلك العقلية التآمرية الجبارة ليجعلوا من صفارة حكم في مباراة نفير حرب بين الشقيقين ..فمن الذي أشعلها ؟ نحن ... خبثاء السياسة فينا وسفهاء الاعلام وصبية الدرجة الثالثة ومن استجابوا لصراخهم أو يحركونهم من نخبة المقصورة.. ومكان هؤلاء إن لم يكن السجن فمستشفي الأمراض العقلية.. عنبر الحالات الخطيرة ..لكنهم - مجرمو الحرب هؤلاء مازالوا في مواقعهم ..هنا وهناك .بلا حساب ولو بكلمة عتاب..والآن ماذا نحن فاعلون ؟ الحرب امتدت ألسنتها إلي المعبد ..الثقافة ..!الناشرون الجزائريون قاطعوا معرض القاهرة الدولي للكتاب في فبراير الماضي ..وكنا نظن أن زيارة الرئيس مبارك للجزائر في مطلع يوليو الماضي سوف تساهم في تضميد الجراح ..لكن هاهو إسماعيل أمزيان رئيس معرض الكتاب الجزائري الدولي يؤكد لصحيفة الشروق الجزائرية أنه لم ولن يوجه الدعوة للناشرين المصريين للمشاركة في المعرض لماذا؟ لأن الشعب الجزائري - يقول أمزيان-تجرع إهانات فنانيها ومثقفيها !يعني مثقفي مصر وفنانيها .. المثقفون أبرياء وأظنه يغالي في غضبه إلي درجة تعريض ذاكرته للتشويش ..فمصر الثقافة مثلما كانت الجزائر الثقافة حكيمة في تعاملها مع واقعة أم درمان ..وعبر أكثر من بيان صدر من مثقفين مصريين وجزائريين ومن اتحاد الكتاب هنا وهناك أدان الجميع محاولات البعض للوقيعة بين البلدين الشقيقين ..لم ينزلق أبدا المثقفون المصريون في تلك الحرب الحمقاء .. وكان من بين الكتاب الصحفيين من تعامل مع الأمور بموضوعية شديدة حتي أن مجدي الدقاق رئيس تحرير مجلة أكتوبر هنأ المنتخب الجزائري بصعوده إلي المونديال ..ونشر صورة للمنتخب الجزائري علي غلاف المجلة .. وكانت صحيفتي المصري اليوم والقاهرة في طليعة الصحف المصرية التي حذرت مرارا عبر مقالات رئيسي تحريرهما وكتاب آخرين أشرف بكوني واحدا منهم .. من مغبة الانزلاق بالعلاقات بين البلدين الشقيقين في مستنقع التعصب الكروي ..وأتذكر مقالا نشرته في صحيفة المسائية عدد 23 أكتوبر أي قبل موقعة أم درمان بأسابيع .. سخرت فيه من جنرالات الكورة والفضائيات الذين سعوا إلي تحويل المباراة إلي قضية أمن قومي ! وبعدها دعوت في صحيفة القاهرة إلي تنظيم محاكمة من قبل اتحادات الكتاب لسفهاء الاعلام الذين انزلقوا بالأمة في هذا المستنقع البغيض من الغوغائية. إن أشد ما أخشاه أن تكون تصريحات إسماعيل أمزيان صدي لموقف رسمي غير معلن من قبل الحكومة الجزائرية خاصة وأن تعليق وزيرة الثقافة الجزائرية خليدة تومي علي منع الناشرين المصريين من المشاركة في المعرض الجزائري يبدو غير مقنع ..حين قالت لجريدة الحوار . إن أمازيان وحده المسئول عن القرارات الخاصة بالمعرض، وكيفية تنظيمه وعدد دور النشر المشاركة ! ..وهو أمر لايمكن تصديقه .. فلا يعقل أن يترك البت في قرار مشاركة الناشرين المصريين في المعرض خاصة هذا العام لموظف رغم أبعاده السياسية الخطيرة !!الجزائر مثل مصر ..مثل السواد الأعظم من دول العالم الثالث قرارات مثل تلك لاتترك هكذا لهوائية الموظفين صغار ولا حتي لوزراء !! ولو كان حرمان الناشرين المصريين من المشاركة في المعرض مسئولية امزيان ..فهل هو أيضا المسئول عن التخلي عن صفقة بناء مصنع الصلب في الجزائر والذي سبق وأن أسند لشركة حديد عز المصرية !! وهل هو المسئول عن تلك القرارات المتعنتة التي اتخذت ضد الناشرين المصريين والمتعلقة بالزامهم بتحويل أموالهم بدلا من الخروج بها من المطار، الأمر الذي ألحق ضررا كبيرا بالناشرين المصريين حتي أن بعضهم لم يتمكنوا إلي الآن من الحصول علي مستحقاتهم المالية عن بعض مشاركاتهم السابقة في دورات الصالون الجزائري الدولي للكتاب ! هل مثل هذه القرارات اتخذت بغير رضا السلطات الجزائرية العليا ؟ صوت الحكمة في القاهرة وعلي النقيض يبدو صوت الحكمة والعقل هو الأعلي في القاهرة الآن .. بل لاصوت سواه .. حيث اختفي سفهاء الاعلام ومهاويس الكورة..وهذا يبدو واضحا في تصريحات الدكتور محمد صابر عرب رئيس الهيئة العامة المصرية للكتاب ورئيس مجلس إدارة دار الكتب ردا علي تصريحات امزيان ....حيث قال : ان مصر لا تنظر للعائد المادي من المشاركة في هذا المعرض، إنما تنظر للعائد الثقافي والاجتماعي. واستطرد قائلا إن مصر ستظل الأخت الكبري الأكثر وعيا وتفهما وتسامحا، مع كل الدول العربية وستبقي تلعب هذا الدور إلي الأبد، وهو ما سيجعلنا نتصرف معهم بشكل مختلف، وندعوهم لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته القادمة !! وللأسف يظن البعض أن مثل هذا الموقف من قبل المؤسسة الرسمية ماهو الا احد انعكاسات حالة التردي التي يعانيها "الرجل المريض "وهذا ما لاحظته فيما يكتب في بعض المواقع .. أن " مصر الضعيفة " تسعي وتلح في انهاء الأزمة مع الجزائر لأنها لاتقوي علي المقاطعة ..لذا كان استخدام د.صابر للغة الربح والخسارة لفتة ذكية لتوضيح موازين القوة في العلاقات الثقافية المصرية العربية حين قال إن قرار محافظ الصالون الدولي الجزائري للكتاب إسماعيل أمزيان بمقاطعة الناشرين المصريين وعدم دعوتهم للمشاركة في المعرض هو عقاب للجزائريين أنفسهم وللشعب الجزائري الذي سيحرم من أهم وأكبر دور النشر العربية وأهم مثقف في العالم العربي ..واستخدم صابر أيضا لغة الأرقام لتوضيح ما يمكن أن يغيب عن البعض من الحقائق حين أشار إلي أن الناشر المصري يمثل 42% من الناشر العربي، وهو ما سيجعل المعرض يفتقد أكبر وأهم دور النشر في العالم العربي ! صوت الحكمة في الجزائر ولغة الربح والخسارة استخدمها أيضا مثقفون جزائريون ..ذلك أن صوت أمزيان ليس هو الأقوي .. بل إن صوت الحكمة في جزائر مالك بن نبي وآسيا جبار والطاهر وطار ومحمد أركون يتنامي بقوة .. فقد قال الشاعر بوزيد حرز الله لصحيفة الفجر الجزائرية، إن حرمان الكتاب المصري من المشاركة في الصالون الدولي للكتاب المقرر تنظيمه من الثامن والعشرين أكتوبر وحتي السادس من نوفمبر المقبل، يعد خسارة بالنظر إلي القيمة الفكرية التي يتمتع بها الكتاب المصري، وهو الأمر الذي يقول الشاعر إنه لا يمكن إنكاره أو تجاهله ..وقد اعتبر الشاعر عادل صياد، استبعاد المشاركة المصرية من الصالون الدولي للكتاب خسارة لا يمكن تجاهلها، والأكثر من ذلك فهو يراها إساءة ليس لمصر ولكن للثقافة، وقال صياد إنه رغم الأحداث التي صاحبت مباراة أم درمان، وبغض النظر عن الموقف الشعبي الغريب للمثقفين، إلا أنه ليس من حق أحد إنكار الدور الريادي لمصر في مجال صناعة الكتاب، وتابع: "شئنا أم أبينا فإن مصر تبقي مركزا للثقافة العربية والدين والأدب"، وأضاف أنه كمثقف جزائري لن يسمح بأن يسقط في قرار من سماهم بالسطحيين والغوغائيين أما الكاتب والإعلامي الخير شوار فيلح علي حق القارئ الجزائري الاطلاع علي كل التجارب الإنسانية بغض النظر عن جنسيتها، معتبراً أن التجارب المصرية تبقي من أهم التجارب العربية، وبالتالي لا يحق لأي كان أن ينوب عن المثقف الجزائري في اختيار ما يقرأ، ويؤكد شوار رفضه أن يتحمل القارئ الجزائري تبعات القرارات السياسية غير المدروسة ... وقالت الروائية الجزائرية فضيلة الفاروق "إن استمرار الرفض الشعبي لعودة العلاقات بين البلدين مؤشر حقد متنام أما مايخص مباراة الأهلي وشبيبة القبائل الجزائري فأتمني أنه لو أتي أحد أو بعض المهاوويس والمتعصبين بفعل أحمق فلا ينبغي أن يدفع هذا الحكماء في البلدين إلي اليأس.. لنلح علي حتمية إعادة رسم العلاقات بين البلدين كما ينبغي أن تكون بين شعبين شقيقين يتوحدان في الهم والحلم .وكما قال الشاعر الجزائري عادل صياد لا ينبغي أن نسمح لأنفسنا كمثقفين أن نسقط في قرار الغوغائيين والسطحيين .. فالمثقف هو الذي ينبغي أن يقود الشارع وليس السفهاء والمتعصبين.. فإن تقاعس فهو خائن !