مبدع آخر يودع الحياة ويرحل الي عالمه الازلي ، انه الكاتب الالمعي المتألق الطاهر وطار ، أب الرواية الجزائرية المعاصرة ، وصاحب (اللاز) و(الزلزال) و(العشق في الزمن الحراشي) تلك الروايات الشهيرة والجميلة ، التي قرأناها بلهفة وتمتعنا بها وتعرفنا علي عالم كاتبها في اواخر السبعينات من القرن الماضي. والراحل الطاهر وطار احد رواد الرواية الجزائرية والعربية الحديثة، انحدر من جذور شعبية ريفية ، امتهن الكتابة الصحفية والروائية منذ شبابه المبكر ، وانتمي للفكر اليساري التقدمي ، والتحق في صفوف جبهة التحرير ، وشارك من موقعه الفكري في تحرير بلاده من ربقة الاستعمار الفرنسي. والطاهر كان انسانا عنيداً وصلباً، ومثقفاً ثورياً وعضوياً صاحب مواقف وطنية وتقدمية أصيلة وراسخة، أخلص لرسالة الأدب والفكر، وشكل مع مجموعة من المثقفين الجزائريين مؤسسة الجمعية الثقافية الجاحظية، التي لعبت دوراً حقيقيا وطليعيا مهمًا في الحراك الثقافي وتنشيط الحياة الفكرية والابداعية في جزائر المليون شهيد. اللاز .. وقصة الثورة لقد تعرّف القارئ العربي علي الطاهر وطار حين صدرت روايته (اللاز) التي تصور مرحلة الكفاح والنضال من اجل التحرر والاستقلال . وهي رواية ملتزمة ترسم بشكل رائع بلاده، التي قال عنها في المقدمة "بلاد التسيير الذاتي والثورة الزراعية وتأميم جميع الثروات الطبيعية". كما وتطرح واقعاً سياسيا وفكريًا مرت به الثورة الجزائرية وما اعتراها من صراعات داخلية. وفي هذه الرواية التي تحكي قصة الثورة الجزائرية استطاع الطاهر وطار ان يصور بدقة متناهية وموضوعية اهمية الوعي السياسي في النضال من أجل التحرر والتحرير . الا ان العقلية الرجعية المتخلفة والعفنة لم تقبل بهذا الوعي فخنقته واغتالته هو ورفاقه، الذين جاءوا للدفاع عن الجزائر ونصرة الشعب الجزائري في ثورته المجيدة في سبيل الخلاص من براثن الاستعمار الفرنسي. كذلك وفق الطاهر في رسم موقف الامميين الفرنسيين الأربعة الذين جاءوا ليحاربوا في صفوف الثورة ضد المستعمر الفرنسي، فهم امميون، والأممية عندهم التزام، والالتزام قضية ومبدأ. أما (الزلزال) فهو عمل روائي فني يبرز وجه الجزائر بعيد الاستقلال، ومن خلال الأحداث نتعرف علي واقع الشعب الجزائري وعلي التحولات النوعية ، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية، التي طرأت علي المجتمع الجزائري. ونتفاعل ايضاً مع أبطالها، مع اطفال قسنطينة وشبابها الواثق المؤمن بالمستقبل. والطاهر وطار يخلط بين الأساليب المباشرة والاساليب غير المباشرة ، ويقول علي لسان احدي شخصياته بأن المباشرة السياسية ، اذا احسن استخدامها ، اداة نضالية يحاول البعض تحطيمها"، وفي الجزء الأول من روايته (العشق والموت في الزمن الحراشي) نجد اهتماماً بالجانب الفني بينما تحتل الايديولوجيا معظم الجزء الثاني. وبالاضافة الي هذه الروايات فقد ترك لنا الطاهر اعمالاً ابداعية اخري ، ابرزها (عرس بغل) و(الولي الطاهر يرفع يديه بالعاء) و(الشهداء يعودون هذا الأسبوع). عصي علي النسيان وغني عن القول ، الطاهر وطار كاتب وروائي مشاكس ومميز، ومن اعلام "الواقعية الاشتراكية" ، آمن بان الادب للحياة والشعب ويجب تكريسه في خدمة النضال من اجل تحقيق العدالة الاجتماعية، وبقي طوال حياته مشتعلاً بالاحساس الوطني والثوري الصادق ، وهو علي كل حال علم كبير من اعلام الادب الروائي والجزائري المعاصر ، ووجه من وجوه الثقافة العربية المضيئة. وفي النهاية ، فان الطاهر وطار ، الروائي، الضمير والانسان، والمبدع الحق ، والموقف الوطني التقدمي الجذري ، عصي علي النسيان ، وسيظل باقياً في ذاكرة ووجدان الشعب الجزائري والعربي ومثقفيه ومبدعيه. نقلا عن جريدة دنيا الوطن الإليكترونية 18 أغسطس 2010