استقر مجري النيل في شكله الحالي بعد سلسلة من الحركات الأرضية والثورات البركانية في نهاية العصر الرباعي .. ثم منذ حوالي خمسين ألف سنة .. في نهاية العصر الجليدي الحديث . وفي رأيي أنه لابد أن نتعلم شيئا عن جيولوجية حوض وادي النيل .. وجغرافيته من المنابع عند خط الاستواء وحتي المصب في المنطقة المعتدلة حول المتوسط، وبعدها نبدأ تقييم الكلام الذي يشاع عن تهديد مصر . فإن للنيل منبعان : أولهما من مياه الأمطار المتساقطة علي هضبة وسط أفريقياطول العام وتتجمع في البحيرات الكبري وتفيض مياهها عبر النيل الأبيض إلي الشمال مارة بمنطقة بحر الغزال المنبسطة جنوب السودان ( وتقدر كمية المياه الواردة منها للمجري الكلي بحوالي 15 % من إيرادات النهر من المياه الدائمة مع الأمطار الاستوائية ) والمدهش أن كمية الفاقد بالبخر في هذه المرحلة حوالي 30 مليار متر مكعب ، ومن الممكن الحفاظ عليها بحفر قناة جونجلي لكي يتم تجميع المياه المنبسطة في مجري محدد ومن ثم استصلاح كل هذه المساحات لزراعة الأرز .. وغيره .. لكن هذا المشروع معطل منذ اندلاع حرب جنوب السودان . . وثاني مورد رئيسي لمياه النيل من الأمطار الساقطة علي هضبة الحبشة بعدما تصطدم بها الرياح العكسية الصيفية المشبعة بالرطوبة قادمة من فوق المحيط الهندي . وبعدما تتجمع في عدة بحيرات صغيرة ينبع منها أنهار صغيرة تتجه جنوبا للصومال .. لكن اكبر هذه البحيرات بحيرة تانا منبع النيل الأزرق الذي يحمل مع نهر عطبرة الموسمي حوالي 85 % من موارد الماء في الصيف فقط .. وهنا يطرح السؤال نفسه ماهي جغرافية إثيوبيا وهل يصلح سطح هضبتها للتخزين؟ والحقيقة هي : إن بحيرة تانا منبع النيل الأزرق وأكبر بحيرات إثيوبيا، تغطي 3,625 كم2 طولها 76 كم وعرضها 71 كم وتقع علي ارتفاع 1830 متراً فوق سطح البحر. وهي ممتلئة بالطمي بسبب ازالة الغابات حولها. ويبدأ النيل الأزرق من طرفها الجنوبي من خلال هدار ينظم منسوب البحيرة وبعد 9 كم يهوي فوق شلالات تيسيسات ليتجه بعد ذلك شرقاً ثم شمال شرق في سلسلة من الوديان العميقة ذات الجوانب الحادة . وهذا يعني أن منطقة الهضبة الأثيوبية كلها لا تستوعب أي احتمال تخزين لمياه النيل نظرا لطبيعتها الخشنة العالية غير المستوية وكذلك الوديان العميقة ذات الجوانب الحادة التي ينحرها النهر بمياه الأمطار الغزيرة ناقلا منها الغرين وهذه تشكل عائقاً هائلاً من العسير جدا وبتكاليف هائلة إقامة مشروع سدود كبيرة عليها مهما عظمت قدراته الهندسية الإنشائية .. خاصة أن جوانب هذه الأودية العميقة بها طبقات طينية ولا تصلح للاستخدام كخزان دائم لأنها تهدد بالانهيار نتيجة الرشح بالمياه .. وأيضا طبيعة الصخور المتكسرة بسلسلة الفوالق الجيولوجية النشطة بالقرن الأفريقي . وللعلم فقط لاغير .. تعتبر بحيرة ناصر خلف السد العالي هي المنطقة الوحيدة الصالحة علي مجري النيل للاستخدام كخزان طبيعي لصالح تنظيم الاستفادة بماء مجري النهر كله وقد حفظت معظم مياه الفيضان الصيفي القادم من إثيوبيا لصالح الجميع بدلا من انسيابها هدرا في البحر طوال آلاف السنين السابقة علي اقامته لخير جميع الأشقاء علي طول المجري الخالد .. أرجوكم اعلموا أن النيل جسد واحد وأن كل ما يريده الأخوة حق مشروع في استغلال المياه لتوليد الكهرباء من قناطر ترفع المنسوب لادارة التوربينات .. ومن ثم تعود للمجري مرة ثانية .. وأن تعلموا أن التوسع المحدود طبوغرافيا في زراعات غذائية فسوف ترويها الأمطار .. وقد تستكمل الري من النهر .. بكميات تافهة لا تقارن بالكميات المهدرة بالبخر .. يا أيها الناس إعرفوا أولا ثم فكروا ثم تكلموا قولا كريما بين الأهل والأشقاء .. وبلاش تهديدات فارغة ليس لها من مبرر عاقل