كتب: شوقي علام مفتي الجمهورية من مقاصد الصيام العليا تحصيل التقوى، وتزكية النفس، والسمو بالروح، وتنقية القلب، وإزالة الحجب بين الإنسان وربه، والتحقق بحقيقة العبودية لله رب العالمين، ولأجل تحصيل هذه المعاني والغايات لابد أن ندرك حقيقة الصيام أنه عبادة روحية في المقام الأول، وهي بلا شك لها ظاهر من الامتناع عن الطعام والشراب وشهوة الجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. ولكن الوقوف عند هذا القدر فقط لا يحقق التقوى التي هي غاية الصيام، بل على الإنسان أن يدرك أن الامتناع عن المحرمات الظاهرة كغيبة الناس والخوض في أعراضهم والسعي بين الناس بما يوقع الشحناء والبغضاء ومتابعة المشاهد القبيحة التي تنتهك حرمة الآداب والأخلاق، وإطلاق البصر فيما حرم الله تبارك وتعالى النظر إليه وأمرنا بصون البصر عنه، والتعدي على الحقوق وظلم الضعفاء من عباد الله بغير وجه حق.. إلى غير ذلك من المحرمات الظاهرة، وكذلك الامتناع عن المحرمات الباطنة التي تؤدي إلى فساد الظاهر كالحسد الذي هو تمنى زوال النعمة، وقد ابتلى كثير من الناس به نظرا لتعلق القلوب بالدنيا وانصرافها عن طلب الآخرة، وكالكبر الذي هو بطر الحق وظلم الناس، وكالرياء الذي هو عمل الخير للسمعة والشهرة… إلى غير ذلك من الأمراض الباطنة التي يجب على الإنسان مجاهدة نفسه، وتطهير قلبه منها حتى يكون مؤمنًا سويًا. على الإنسان أن يدرك أن الامتناع عن هذه المحرمات الظاهرة والباطنة، هي الثمرة العظيمة المرجوة من التقوى التي هي غاية الصيام، فما الفائدة من الامتناع عن الحلال المباح والاستهتار بالوقوع في الحرام الممنوع؟ روى الإمام أحمد في مسنده عَنْ عُبَيْدٍ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، «أَنَ امْرَأَتَيْنِ صَامَتَا، وَإِنَ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَ هَاهُنَا امْرَأَتَيْنِ قَدْ صَامَتَا، وَإِنَهُمَا قَدْ كَادَتَا أَنْ تَمُوتَا مِنَ الْعَطَشِ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، أَوْ سَكَتَ، ثُمَ عَادَ، وَأُرَاهُ قَالَ: بِالْهَاجِرَةِ، قَالَ: يَا نَبِيَ اللهِ، إِنَهُمَا وَاللهِ قَدْ مَاتَتَا، أَوْ كَادَتَا أَنْ تَمُوتَا، قَالَ: ادْعُهُمَا، قَالَ: فَجَاءَتَا، قَالَ: فَجِىءَ بِقَدَحٍ، أَوْ عُسٍ، فَقَالَ لإِحْدَاهُمَا: قِيئِى، فَقَاءَتْ قَيْحا، أَوْ دَما، وَصَدِيدا، وَلَحْما، حَتَى قَاءَتْ نِصْفَ الْقَدَحِ، ثُمَ قَالَ لِلأُخْرَى: قِيئِى، فَقَاءَتْ مِنْ قَيْحٍ، وَدَمٍ، وَصَدِيدٍ، وَلَحْمٍ عَبِيطٍ، وَغَيْرِهِ، حَتَى مَلأَتِ الْقَدَحَ، ثُمَ قَالَ: إِنَ هَاتَيْنِ صَامَتَا عَمَا أَحَلَ اللَهُ، وَأَفْطَرَتَا عَلَى مَا حَرَمَ اللَهُ، عَزَ وَجَلَ، عَلَيْهِمَا، جَلَسَتْ إِحْدَاهُمَا إِلَى الأُخْرَى، فَجَعَلَتَا يَأْكُلاَنِ لُحُومَ النَاسِ». وعن عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، أَنَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الصِيَامُ جُنَةٌ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِما، فَلاَ يَرْفُثْ، وَلاَ يَجْهَلْ، فَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِى صَائِمٌ، إِنِى صَائِمٌ». متفق عليه. مر رجل مسكين أمام الحجاج بن يوسف الثقفي فدعاه الحجاج إلى الطعام، فقال الأعرابي له: يا حجاج لقد دعاني من هو أفضل منك.. إنني اليوم صائم ومدعو على مائدة الرحمن.. فيجيب الحجاج: يا أعرابي أتصوم هذا اليوم وهو شديد الحرارة؟ فيقول الأعرابي المؤمن: يا حجاج.. أصومه ليوم أشد منه حرا. فيجيب الحجاج: أفطر اليوم.. وصم غدا. فيجيب الأعرابي وكله ثقة وإيمان: يا حجاج.. هل اطلعت على الغيب فوجدتني سأعيش إلى الغد؟ المصدر: أصوات مصرية