الجريدة (خاص) : كتب عمرو حسين فى مثل هذا اليوم منذ عام كامل و فى بدايات رمضان الماضى كنت فى رحلة عمل بالخارج و أذكر أننى كنت أقضى بعض الوقت فى التواصل مع أهلى و أصدقائى كل ليلة عبر الإنترنت و خاصةً عبر موقع “فيس بوك”. فى صباح أحد أيام رمضان تلقيت مكالمة من والدتى (و التى كانت تشغل منصب وكيل وزارة بأحد الوزارات السيادية). طلبت منى والدتى التوقف عن كتابة أى تعليق سياسى على الإنترنت و رفضت أن تفصح لى عن أى تفاصيل عبر الهاتف، بل و أبدت مخاوفها من أن تحدث لى مضايقات فى المطار عند عودتى! منذ أسبوعين و أنا أرى تطورات الموقف فى مصر من إعتصامات فى التحرير و مظاهرات فى روكسى ثم مليونية لم الشمل التى تحولت لمليونية الهوية الإسلامية ثم تعليق الإعتصامات فى رمضان. أرى أن الأمور تعقدت و الخيوط تشابكت و المطالب زادت. أرى الكثير فى حيرة شديدة الآن... عند عودتى للقاهرة فهمت منها أن أمن الدولة عضو نشط فى "فيس بوك" و أنهم يتابعون كل ما يكتب و أن مديرها إستدعاها و طلب منها ودياً أن أتوقف عن كتابة أى تعليق سياسى و لو صغير بناءً على تعليمات أو توصيات أحد ضباط أمن الدولة. و الغريب فى الأمر أننى لم أكن وقتها أكتب أى مقالات و لم تكن لى أى علاقة (و حتى الآن) بأى فصيل سياسى أو حزب أو جماعة و أقصى ما فعلته هو الإنضمام ل"جروب" مثل "كلنا خالد سعيد" أو غيره! و بالفعل توقفت تماماً عن إبداء أى رأى سياسى على الإنترنت لفترة طويلة (حتى يوم 25 يناير تحديداً) و إن كنت حتى هذه اللحظة لم أعرف من من أصدقائى الذى كان يتجسس على. منذ أسبوعين و أنا أرى تطورات الموقف فى مصر من إعتصامات فى التحرير و مظاهرات فى روكسى ثم مليونية لم الشمل التى تحولت لمليونية الهوية الإسلامية ثم تعليق الإعتصامات فى رمضان. أرى أن الأمور تعقدت و الخيوط تشابكت و المطالب زادت. أرى الكثير فى حيرة شديدة الآن، هل أنا مع الإعتصام أم مع التظاهر فقط؟ و هل متظاهرو التحرير على حق أم متظاهرو روكسى؟ و هل أنا مع مصر الإسلامية أم الليبرالية؟ و قبل أن تتوه الثورة وسط هذا الزحام من المتغيرات دعنى أحاول أن أجمع الخيوط فى خيط واحد فيه الحل... فكر معى، عندما إندلعت الثورة فى 25 يناير هل إندلعت من أجل دماء الشهداء؟ بالطبع لا، فلم يكن هناك شهداء حتى ذلك اليوم. هل إندلعت من أجل محاكمة الفاسدين؟ بالطبع هذا مطلب عادل و لكنه مطلب قائم منذ زمن و هو قائم الآن و سيظل هكذا أبد الدهر. هل إندلعت الثورة من أجل حل مجلس الشعب المزور؟ و لماذا لم تندلع إذن منذ نوفمبر الماضى عندما رأينا بأعيننا التزوير الفج؟ أحسب أن الثورة قامت من أجل "الحرية و الكرامة" للمصريين فالحرية و الكرامة كانا هما السبب الرئيسى لقيام الثورة و أعتقد أن الحل يكمن فيهما أيضاً. من أهم مكتسبات الثورة حتى الآن (إن لم تكن أهمها على الإطلاق) هى الحرية التى صرنا فيها اليوم. فالسلفيون صاروا يتظاهرون. و السياسيون ينتقدون مجلس الوزراء و المجلس العسكرى علناً. الإخوان المسلمون صار لهم حزب و له مقر علنى عليه شعار الجماعة. إبراهيم عيسى الآن حر طليق و تحت يديه جريدة و قناة تليفزيونية (و كان كل حلمه منذ عامين الخروج من السجن و منذ عام الحفاظ على الجريدة). أيمن نور حر طليق، حتى عبود الزمر صار طليقاً. ربما كانت هذه الحرية الشديدة المفاجئة سبباً فيما وصلت له الأمور من تشابك و لكن هذه الحرية أيضاً قد تقودنا للحل. فلنتكاتف كلنا كمصريين وراء هدف واحد لا يختلف عليه إثنين: "نريد إنتخابات نزيهة". أقولها للإسلاميين و الليبراليين و العلمانيين. أقولها لأبناء التحرير و مصطفى محمود و روكسى. أقولها حتى لمن كانوا و مازالوا ضد الثورة أو حتى للفلول، لنتكاتف معاً ضد أى تزوير و لو لصوت واحد فى الإنتخابات القادمة سواء البرلمانية أو الرئاسية، ففى الحرية حل لكل مشكلة و فيها إجابة لكل مطلب... فإذا كنا لا نثق بالمجلس العسكرى و نراه متباطئاً فى تحقيق أهداف الثورة، فالحمد لله أن أغلب مرشحى الرئاسة من أنزه الشخصيات و أكثرها ثورية و هم قادرون على تحقيق كل مطالب الثورة بلا تباطؤ. فالحل هو إستغلال المناخ الديمقراطى الحر فى إنتخاب مجلس شعب وطنى و ثورى و معبر عن كل المصريين و ليس عن طائفة بعينها. و إعادة إستغلال هذا المناخ الحر مرة أخرى فى إنتخاب رئيس قادر على تحقيق كل المطالب. قد يبدو هذا الحل سهلاً و بسيطًاً إلا أن تجاربنا السابقة الكثيرة المؤلمة مع الإنتخابات جعلتنا نفقد الأمل فى أن نراها "نزيهة" و لو لمرة واحدة. أعود للنقطة التى بدأت بها مقالى، أنظر الآن إلى حالى و أنا أختم مقالى الثانى و العشرين، و أعود لحالى منذ عام واحد فقط فأرى أننى فى حرية أشعر بها على المستوى الشخصى، حرية لم تكن أبداً متاحة لى من قبل، فأحمد الله و أدعوه فى رمضان أن يصلح أحوالنا أكثر و ألا يأتى رمضان المقبل إلا و عندنا مجلس شعب منتخب حر و رئيس منتخب حر و أن يخلصنا من الفلول ما ظهر منها و ما بطن. أسأل الله ألا يأتى رمضان المقبل إلا و قد رأيناها كلنا "نزيهة" و لأول مرة...