ترددت قبل كتابتي لهذا المقال، أعلم مسبقًا وأنا أسطّر هذه الأحرف والكلمات أنني سأجد من يختلف معي من مجرد قراءته للعنوان، حيث أننا اعتدنا علي المقولة الشهيرة "فاقد الشئ لا يعطيه". دعوني أتوقف كثيرا عند هذه المقولة التي أثبت لي العديد من الأفراد عدم صحتها، فهناك أناس فقدوا احتواء الأهل في الصغر وكانت الشدة شعارًا اتخذه الآباء في تربية الأبناء، فلم يعرف الأبناء للرفق معني، ولم يلمسوا الكلمة الطيبة التي أنتظروها لسنوات، فأستكثر الآباء أن يمنحوها لهم، ولكن بقي الأبناء يفتشون و ينقبون عن هذا المعني الثمين. ومرت السنوات و صار الأبناء آباء، وأستطاعوا أن ينيروا بالحب و العطاء دروب أبنائهم وكأنهم يريدون تعويضهم عما انتظروه هم لسنوات، تألموا و لكنهم لم يجعلوا من حولهم يتألم. وهناك من أبتلاها الله بفقد نعمة الأمومة، فكان الرضا شعارًا أنار كيانها واستطاعت أن تربط كيانها العظيم بكيان ملائكة صغار، فكان الرابط بينهما أقوي من أي "سجلّ مدني" أو شهادة ميلاد، فقد كتب في شهادة الميلاد اسم الأم : "هذه من أهدتني مشاعرها و أكرمتني بروحها الطاهرة و دعواتها شقت عنان السماء دون أدني مقابل، يكفيها أن تراني بخير " .. وهناك من فقد الأحبة، ولكنه لازال يستطيع أن يمنح الحب، فلم يتوقف نبض قلبه عن الحب و العطاء، فكان ببسمته عنوانًا للمحبة، وكان عطاؤه كنزًا يهدي للجميع. وهناك فاقد الثقة الذي صُدم في أشخاصٍ الخيانة مبدأهم ، ربما لم يستطع أن يمنح ثقته للجميع بعد الطعنات التي تلقاها، ولكنه ظل ملجأ لأسرار أحبائه، يستمع لمعاناتهم علي مر السنوات فلم يسأم من الاستماع لهم ولشكواهم، ظل مبتسما يستمع في هدوء. فليس كل من فقد شيئا لا يستطيع منحه للأخرين، فالخير يملأ نفوسنا و العطاء كنز دفين في كل انسان منّا، ولكن هناك من يمنح هذا الكنز الثمين فيزداد الكنز ثراءً بمحبة الجميع، وهناك من يخبيء هذا الكنز، و يعتبر مجرد ظهوره أو اكتشافه ضعف؛ لأنه يذكره بألم الفقد. أمنح السعادة للأخرين دون مقابل، ابتسم و أنشر المحبة بين الناس، وأرحل في هدوء، فذكراك الطيبة ستدوم للأبد. ربما ما فقدته ويؤلمك، ستحيا متعته حين تمنحه للأخرين. استبدل ذكري " الفقد" بداخلك بذكري "المنح" التي تدوم. أعلم أن الجميع ليسوا كذلك، ولكن لماذا لا تبدأ أنت بالتفتيش عن كنزك الثمين. هناك من يراني أتحدث عن عالم مثالي لايوجد علي أرض الواقع، العالم المثالي لن تنار منارته سوي بنا، ولن نخطو أرضه إلا حين نبدأ التغيير من داخلنا و البحث عن كنزنا الدفين ومنح سعادته للأخرين ليزداد رقينا .. أنا سأبدأ .. فهل تتبعني ؟؟