لا أحد يختلف أنها انتخابات وأنها أتت بالسيد الرئيس/الموضوع في قصر الرئاسة، كما لا أحد يختلف أنها ثورة ذهبت بالسيد الرئيس/المخلوع من قصر الرئاسة . لا أحد يختلف في هذه ولا في تلك، ولكن هل يختلف الموضوع عن المخلوع فعلا ؟ هذا سؤال تأخر حتى كان التشكيل الوزاري للحكومة الجديدة، كي لا يتهمنا أحد بهيمنة نظرية المؤامرة على تحليلاتنا، أو على بنائنا لسيناريوهات المستقبل، فلدينا الآن قرينة على ما نقول . لدينا تشكيل وزاري يقوم على أساس القوتين المتنازعتين على الصلاحيات : "إسلاميين" و"عسكر" وبينهما "فلول" النظام القديم، وبعض الموظفين من وكلاء الوزارات المرفَّعين إلى مرتبة الوزير تحت اسم "التكنوقراط" . وهذا تشكيل لم يكن ليختلف لو أن السيد الرئيس/المخلوع قد ظل بعد ثورة يناير، فبكل تأكيد كانت حكومة ما بعد الثورة ستضم القوة القديمة الجديدة "الإخوان"، بحكم تنظيمها الدقيق، وبحكم أنها القوة الوحيدة التي يمكن دعائيا أن تجمع بين التناقضين، أعني بين كونها في الحقيقة قوة ممثلة للنظام القديم بحكم تمثيلها المستمر في مجالس الشعب المتعددة عبر المساومات والاتفاقات معه، وبين ادعائها بأنها قوة ثورية، بل الزعم أنها هي التي قامت بالثورة أصلا .. لم يكن شيء سيختلف إذن، فأن تحكم يعني أن تغير استراتيجياتك وتكتيكاتك، وربما لم يكن هناك أفضل على مستويي الاستراتيجيا والتكتيك، مما مكّن النظام القديم من الاستمرار ثلاثين سنة عجافا، فالمنطق الذي أدخل الإخوان مجلس الشعب منذ أنور السادات، هو نفسه الذي يدخل الفلول الآن إلى حكومة الإخوان، والإسناد العسكري لها قائم ما دام الثمن القديم قد تم دفعه مجددا، فها هو وزير العشرين عاما لدفاع مبارك هو هو وزير الحكومة الأولى لدفاع الإخوان .. إنه نفسه ثالوث الديكتاتورية السابقة يتكرر بالاختلاف – فقط – في الموقع الرئيسي من السلطة، فما كان للحزب الوطني صار للإخوان، وبالعكس فما كان للإخوان صار للحزب الوطني، والعسكري هنا هو نفسه العسكري هناك، وطبعا العزاء كل العزاء للثورة والثوار والحلم بمصر الجديدة . إن تشكيل الحكومة، بالمزيج القديم الجديد، يمثل مؤشرا شديد الخطورة على ما يمكن أن يحدث في غيرها بالتفاهمات التي كانت – ويبدو أنها ستظل – سرية تماما بين الإخوان والعسكري، فهل نعتبر هذا المزيج الثلاثي هو صيغة التفاهم الممكن على الدستور المصري الدائم، وبخاصة أن العسكري ممثل فيه عبر اللواء "ممدوح شاهين" ؟ وهل يمكننا أن نحلم بتغيير، ولو كان تغييرا شكليا، في المنظومة القانونية المقيدة للحريات التي ورثها الحكام الجدد، وبخاصة أنهم يحلمون بأطول من ثلاثين سنة في الحكم ؟ وهل يستمر الإخوان في هذا المزيج النفاقي، أم سينقلبون عليه . منذ تخلى المخلوع عن صلاحياته للعسكري، والسؤال سيد الموقف، إلا أنه مما لا شك فيه أن النظام هو النظام، وألا شيء تغير إلا الأسماء والانتماءات، أما الفعل فواحد، وشهوة الحكم واحدة، وللمواريث المنتقلة، من طاغية إلى طاغية شبيه به، قداستها، بحيث إذا التبس علينا الفرق بين الموضوع والمخلوع غدا فسيكون لهذا الالتباس سبعين عذرا، وإن لم نجد فسوف نطيل – ولابد – لوم أنفسنا على ما أتيناه بحق الوطن ودم الشهداء، من أول الاستفتاء على التعديلات الدستورية إلى انتخاب السيد الرئيس، لا بل من قبل ذلك بكثير، من يوم 11/2/2011 حين تبدل الشعار من "الشعب يريد إسقاط النظام" إلى "الشعب يريد إخلاء الميدان