في ميدان التحرير، وهو يقدم لقسمه الرئاسي محاولا تسوية المكان الرسمي للقسم بأي مكان آخر ولو كان الشارع، وفي حصره تاريخ نضالات المصريين في تاريخ جماعته وسعيها المتعدد الوسائل من الجريمة السياسية إلى التوغل والتغول الاقتصادي ووصولا إلى احتراف الرشا والتزوير الانتخابيين، نطقها السيد الرئيس : " والستينيات، وما أدراك ما الستينيات".. وها قد أتى العيد الستيني للثورة المصرية المجيدة ثورة 23 يوليو 1952، وقد تعود رؤساء مصر الاحتفال الرسمي بعيد الثورة، وزيارة قبر الزعيم خالد الذكر والأثر ووضع باقة من الزهور عليه، ثم يلقون خطابا في الأمة.عبر ستين عاما كان معتاد رؤسائنا ومعتادنا هذا الأمر، غير أن الوضع اختلف واختلف جدا، فقبل الفاتح من 2011، أعني يناير، كانت جماعة الإخوان المسلمين جماعة محظورة بحكم القانون، وقانونا هي ما تزال كذلك.. قبل هذا الفاتح المصري جدا، كان تأليف أحزاب على أساس ديني ممنوعا دستوريا ومجرما قانونيا.. قبل هذا الفاتح الثوري للغاية كان السيد الرئيس مسجونا ولم يفرج عنه إنما هرب فيمن هرب، إذ هاجمت جماعته وجماعات أخرى السجون، وروعوا أمن الشعب كل الشعب بإفلاتهم المجرمين كرامة لمن أفلت من هذه الجماعة وغيرها سواء من حماس أو حزب الله.. قبل هذا التاريخ كان الشغل الشاغل لكل أجهزة الأمن رصد تحركات جماعة الرئيس. الآن، لا شيء يشبه الماضي في شيء، مسجون الأمس القريب رئيسا لمصر، وجماعته احتل حزبها مقاعد الأغلبية في المجلس الباطل دستوريا، وكل تيارات الإسلام السياسي من السلفية العلمية إلى الجهاد والسلفية الجهادية ألفوا أحزابا، وختم السيد الرئيس على حقهم في الممارسة السياسية بعفو رئاسي معظّم عن أكابر مجرميهم من الجماعة الإسلامية. نعم، لا شيء يشبه الأمس القريب ولا الأمس البعيد، فكيف يخطبنا السيد الرئيس السجين السابق ؟.. وماذا يقول في الفتية من العسكريين الذين صنعوا، بقيادة الزعيم خالد الذكر والأثر جمال عبد الناصر، أكبر عملية تحول اجتماعي وحضاري في تاريخ مصر، وأكبر عملية سياسية عالمية بإنشاء القوة العالمية الثالثة "دول عدم الانحياز"، ودعموا حركات التحرر في العالم العربي وأفريقيا والعالم من الاستعمار. ومن يومها، أعني من الستينيات، ولا يدرى السيد الرئيس – إذ نحسن به الظن ونأخذ قوله على ظاهره – ما الستينيات، ومدرسة الوطنية المصري، أعني الجيش المصري العظيم، هو درع الوطن الواقي سواء في السياسة أو في الحروب، من الستينيات أي 23 يوليو 1952 إلى يوم الناس هذا. ولأن الجيش كذلك، والسيد الرئيس كذلك، كان ضروريا أن تنتقص صلاحياته، وكان ضروريا أن يظل جيش مصر الأمين على مصر هو ضمانة كل شيء، حتى في التحول الدراماتيكي للسيد الرئيس وجماعته والذي عرضنا له سلفا. هل يعرف السيد الرئيس أن قيادة المجلس العسكري لهذه المرحلة مستمدة شرعيتها من شرعية 1952 وليس من تفويض المخلوع فقط ؟ وأن يتخرص متخرص داعيا إياك لمواجهة المجلس العسكري لامتلاك كافة صلاحياتك، فإنما هو يدعوك إلى مواجهة مع شرعية الستينيات التي أنكرتها خطابا ولا يملك مصري أن ينكرها فعلا وسلوكا. هذه وحدها الشرعية الثورية الحقيقية التي حددت منذ اليوم الأول لثورة يناير موقف الجيش المصري بالتضامن مع شعبه وحماية ثورته والتعجيل بخلع المخلوع، فيما لم يعلن – بعد – من أسرار اللحظات الأخيرة لوجود المخلوع في قصره. السيد الرئيس، بقطع النظر عما جاء في خطابك، وعن كونه خطابا بروتوكوليا، أو أنه حقيقة ما تؤمن به، بقطع النظر عن هذا وذاك، أؤكد لك أن الغالبية الساحقة للشعب المصري وراء جيشها وقيادته الممثلة في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وأن أية صلاحيات يتمتع بها الآن هي أكثر الصلاحيات المطمئنة للشعب ، أما ما لك من صلاحيات، فأنت أعرف بها منا، فلك أن تشكل الوزارة ولم تشكلها حتى الآن، ولك أن تحل مجلس الشعب، فاتخذت قرارا بعودته بعد إثبات بطلانه دستوريا، ولك حق إصدار عفو عمن ترى من المحكومين، فتركت الثوار في المعتقلات والسجون، وعفوت عن الإرهابيين الذين تلوثت أيديهم بدماء الجيش والمدنيين مسلمين ومسيحيين وحتى الأجانب.. في ظل كل هذا، اعذر البعض إذ يتمنى سرا وعلانية لو لم تكن لك أية صلاحيات على الإطلاق.