الإصلاح والنهضة يهاجم الحركة المدنية: تسير خلف "تريندات مأجورة"    أفراح واستقبالات عيد القيامة بإيبارشية الوادي الجديد والواحات .. صور    انفوجراف.. توقعات بنمو الطلب العالمي على الصلب    نقيب الفلاحين يحذر: سعر الثوم يصل ل 150 جنيها في تلك الحالة    إزالة 164 إعلاناً مخالفاً خلال حملة مكبرة في كفر الشيخ    جيش الاحتلال الإسرائيلي: تنفيذ 50 غارة جوية على رفح    سنؤذيك.. أمريكا تهدد المدعي العام للجنائية الدولية    غارة إسرائيلية تدمر منزلا في عيتا الشعب جنوب لبنان    قرار مفاجئ.. فرج عامر يعلق على لقطة طرد حسام حسن بمباراة الزمالك    بيزود الشك.. نجم الزمالك السابق يفتح النار على حكم مباراة سموحة    احتفالاً ب شم النسيم.. إقبال كبير على حديقة صنعاء في كفر الشيخ|صور    أثناء زفة عروسين .. إصابة 5 أشخاص بينهم 3 أشقاء فى حادث تصادم بقنا    فيفو تكشف موعد إطلاق هاتفها المميز Vivo X100 Ultra    تصريح خاص ل "صدى البلد" .. بلال صبري يعلن أسباب توقف فيلم نور الريس    بإطلالة شبابية.. ليلى علوي تبهر متابعيها في أحدث ظهور    محمد عدوية يشعل حفل أعياد الربيع في المنوفية    صالة التحرير ترصد معاناة سيدة من مرض سرطان العظام والصحة تستجيب    ضحايا احتفالات شم النسيم.. مصرع طفل غرقًا في ترعة الإسماعيلية    موعد إجازة عيد الأضحى 1445 للطلاب والبنوك والقطاعين الحكومي والخاص بالسعودية    ثقافة الإسماعيلية تحتفل بأعياد الربيع على أنغام السمسمية    بعد فوز ليفربول على توتنهام بفضل «صلاح».. جماهير «الريدز» تتغنى بالفرعون المصري    زيادة في أسعار كتاكيت البيّاض 300% خلال أبريل الماضي وتوقعات بارتفاع سعر المنتج النهائي    صانع الدساتير يرحل بعد مسيرة حافلة، وفاة الفقيه الدستوري إبراهيم درويش    مائدة إفطار البابا تواضروس    طلاب جامعة دمياط يتفقدون الأنشطة البحثية بمركز التنمية المستدامة بمطروح    خاص| مستقبل وطن: ندين أي مواقف من شأنها تصعيد الموقف ضد الشعب الفلسطيني    قبل عرضه في مهرجان كان.. الكشف عن البوستر الرسمي لفيلم "شرق 12"    في 6 خطوات.. اعرف كيفية قضاء الصلوات الفائتة    غداً.. «التغيرات المناخية» بإعلام القاهرة    صحة الإسماعيلية.. توعية المواطنين بتمارين يومية لمواجهة قصور القلب    رفع الرايات الحمراء.. إنقاذ 10 حالات من الغرق بشاطئ بورسعيد    عضو ب«الشيوخ» يحذر من اجتياح رفح الفلسطينية: مصر جاهزة لكل السيناريوهات    الأهلي يُعلن تفاصيل إصابة عمرو السولية    لسهرة شم النسيم 2024.. طريقة عمل كيكة البرتقال في المنزل    أمينة الفتوى تكشف سببا خطيراً من أسباب الابتزاز الجنسي    لقاء علمي كبير بمسجد السلطان أحمد شاه بماليزيا احتفاءً برئيس جامعة الأزهر    المصريون يحتفلون بأعياد الربيع.. وحدائق الري بالقناطر الخيرية والمركز الثقافي الأفريقي بأسوان والنصب التذكاري بالسد العالي يستعدون لاستقبال الزوار    عقوبة التدخل في حياة الآخرين وعدم احترام خصوصيتهم    الصحة تعلن إجراء 4095 عملية رمد متنوعة مجانا ضمن مبادرة إنهاء قوائم الانتظار    نانسي عجرم توجه رسالة إلى محمد عبده بعد إصابته بالسرطان.. ماذا قالت ؟    في العام الحالي.. نظام أسئلة الثانوية العامة المقالية.. «التعليم» توضح    التعليم العالي: تحديث النظام الإلكتروني لترقية أعضاء هيئة التدريس    إصابه زوج وزوجته بطعنات وكدمات خلال مشاجرتهما أمام بنك في أسيوط    في خطوتين فقط.. حضري سلطة بطارخ الرنجة (المقادير وطريقة التجهيز)    المستشار حامد شعبان سليم يكتب :الرسالة رقم [16]بنى 000 إن كنت تريدها فاطلبها 00!    مفوضية الاتحاد الأوروبي تقدم شهادة بتعافي حكم القانون في بولندا    مصر تحقق الميدالية الذهبية فى بطولة الجائزة الكبرى للسيف بكوريا    متى يُغلق باب تلقي طلبات التصالح في مخالفات البناء؟ القانون يجيب    "كبير عائلة ياسين مع السلامة".. رانيا محمود ياسين تنعى شقيق والدها    لماذا يتناول المصريون السمك المملح والبصل في شم النسيم؟.. أسباب أحدها عقائدي    ضبط 156 كيلو لحوم وأسماك غير صالحة للاستهلاك الآدمي بالمنيا    التعليم تختتم بطولة الجمهورية للمدارس للألعاب الجماعية    إزالة 9 حالات تعد على الأراضي الزراعية بمركز سمسطا في بني سويف    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 6-5-2024    استشهاد طفلان وسيدتان جراء قصف إسرائيلي استهدف منزلًا في حي الجنينة شرق رفح    خالد الغندور: علي معلول ليس نجما في تونس.. وصنع تاريخا مع الأهلي    عاجل - انفجار ضخم يهز مخيم نور شمس شمال الضفة الغربية.. ماذا يحدث في فلسطين الآن؟    ميدو يوجه رسالة إلى إدارة الزمالك قبل مواجهة نهضة بركان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إدمان الجنس، الجنس القهري: الأسباب
نشر في البداية الجديدة يوم 17 - 08 - 2013


الاستاذ الدكتور وائل ابو هندية
بينما تختلف الأسباب والعوامل التي تؤدي للإدمانِ الجنسيِ من فرد لفرد حتى نكاد نستنتج آلية إمراضية لكُلّ فرد تميزه عن غيره، نجد أن عددًا من الباحثين يميزون بعض العوامل العامة والتي قَدْ تُؤثّرُ على ظهورِ واستمرارِ الإدمانِ الجنسيِ،
فهناك من اهتم بالعامل الوراثي بافتراض أن الاستعداد للإدمان يورث، وهناك من اهتم بالعوامل المؤثرة في النمو النفسي والمعرفي للطفل والمناخ النفسي للأسرى التي يولد ويربى فيها، وهناك كذلك من اهتم بالمخطط المعرفي لمدمن الجنس وما يتشكل لديه من قناعات جوهرية خاطئة، وهذه العوامل التي نفرد لها هذا المقال هي العوامل أو الأسباب المتعلقة بالشخص نفسه أو أسرة مولده خلافا لما تناثرت الإشارات إليه في مقالينا السابقين للتقديم ووصف الأعراض والعلامات من الأسباب الاجتماعية والثقافية العامة التي نتعرض لها جميعا في زمن العولمة.
النموذج البيولوجي للإدمان
النموذج البيولوجي للإدمان هو نموذج المرض الذي يشير إلى أن بعض الأفراد لديهم استعداد وراثي لمرض الإدمان بشكله العام، لكن عوامل أخرى تؤثر على الطريقة التي يتم بها التعبير عن ذلك الإدمان (المخدرات، ألعاب الإنترنت والفيديو، الشراء وأيضًا الجنس، الخ.) ومعنى هذا أن استعدادا بنيويا عاما للإدمان يولد به الشخص ثم تحدد ظروف حياته ومجتمعه أي مادة أو سلوك سيدمنه ذلك الشخص، فمثلا في حالة إدمان الجنس يتضافر حدث رضحي traumatic event أو الضرار في الطفولة childhood abuse مع تشوش أو انعدام التواصل بين أفراد الأسرة مع سمات شخصية انطوائية لينتج عندنا مدمن استمناء أو مدمن مواد فيلمية إباحية أو مدمن جنس بشكل عام، ويرى منظرو هذا النموذج أن الاعتراف بالعجز عن المكافحة الشخصية للإدمان هو الخطوة الأولى نحو الشفاء لأنه يعني أنه سيلجأ لطلب العلاج، بينما يرى منتقدو هذا النموذج أن إرجاع مشكلة المدمن إلى الاستعداد الوراثي لا تعني فقط أن الفرد ليس مخيرا في الوقوع في الإدمان وإنما تعني أيضا أنه ليس مخيرا ولا حرا في طلب العلاج أو التعاون مع المعالج.
وغالبا ما يتمثل ذلك الاستعداد الوراثي في التركيب الدقيق للدوائر العصبية المخية الخاصة بشعور السعادة بالمكافأة وهي التي تسمى مراكز المكافأة reward centers وتتمثل في المسارات العصبية التي تمتد بين اللوزة amygdala في المخ الحوفي limbic brain وقشرة الفص الجبهي prefrontal cortex
وقد أظهرت الدراسات الحديثة (schmitz, 2005) وجود نقاط تشابه كثيرة في هذه المسارات العصبية بين أدمغة مدمني العقاقير نفسانية التأثير psychoactive substance dependence وأدمغة المصابين بالاضطرابات السلوكية التي تظهر فيها السمات القهرية والاندفاعية مثل الشراء القهري compulsive buying والمقامرة المرضية pathological gambling ،
والناقل العصبي الأساسي المسئول عن التحفيز في المسارات العصبية الخاصة بالمكافأة reward pathways هو الدوبامين dopamine والذي يحفز مجموعة أخرى من الناقلات العصبية المسئولة عن السرور والاسترخاء ومن أهمها السيروتونين، إلا أن ذلك لا يقلل من أهمية الهرمونات والهضميدات العصبيى المختلفة، وهناك ما يدعم فكرة أن اختلافا وراثيا يوجد في دوائر المكافأة العصبية بين المدمن وغير المدمن (samenow, 2010) ، ومما يجدر ذكره هنا أن نواهض الدوبامين dopamine agonists وهي العقاقير التي تزيد من تأثير الدوبامين يمكن أن تتسبب في سلوكيات جنسية قهرية أو مفرط مثلما تؤدي بعض إصابات المخ brain injuries وبعض الأمراض التنكسية العصبية degenerative diseases إلى سلوكيات جنسية قهرية في بعض الأحيان (rao, et al., 2007).
النموذج الأسري للإدمان:
ربما كانت عائلةُ المولد أو العائلة التي يتربى فيها الشخصِ هي العامل البيئي الأكثر تمييزا فيما يتَعلّقَ بالإدمانِ الجنسيِ (adams & robinson, 2001) فهي أسر علاقاتها مريضة وبيئتها تحتضن شتى أنواع ضرار الأطفال childhood abuse فإضافة إلى الشعور بالوحدة والضياع كأطفال، نجد أن عديدين مِنَ المدمنين لم يجدوا في طفولتهم من يعلمهم كيفية الاعتناء بأنفسهم أَو حفظها مِنْ الأذى لأن آباءهم كانوا آباءً سيئين، وكان التواصل بين الأفراد داخل الأسرة إما منعدما أو مشوشا وهو ما يجعل تمثلهم للأدوارِ العائلية وفهمهم للحدود العائليةِ مشوشا، وغالبا ما يؤدي هذا إلى فشل المدمن المتكرر غالبا في تحقيق توقعات عائلته منه، وحالاتُ الفشل المتكررةِ تَجْلبُ ردود فعل محرجةٍ أو تأديبيةِ سلبيةِ في أغلب الأحيان مِنْ أفراد العائلةِ، وهذا مع تكراره يَعطي المُدمنَ رسالةً مفادها أنه شخص يفتقر إلى الجدارة وشعورا بأنّه يستحق ما تعرض له من أخطاء رغم كل ما سببته له من ألم (martin, 1989).
وهناك ما يشير بوضوح إلى وجود علاقة بين فشل أو انحراف التعلق attachment المفترض حدوثه بين الطفل ومن يقدم له الرعاية في الشهور الأولى من حياته وبين السلوك الجنسي المفرط في الكبر خاصة الجنس المجرد من المشاعر، ولما كانت العلاقة مع الوالدين في الطفولة تمثل نموذجا تتخذه العلاقات مع الآخرين فيما بعد، فقد أشار باحثون عدة إلى أن المدمنين في طفولتهم لم يشعروا بالتعلق أو الارتباط الصحي المفترض مع الوالدين ولم يتلقوا الرعاية المناسبة منهم (adams & robinson, 2001) ، وبالتالي فإن علاقاتهم عندما يكبرون تبقى مشوشة ومريضة فهم عاجزون عن الثقة في الآخرين، ويشعرون بأنهم غير جديرين وأنهم لا يهمون أحدا، ومع الافتقار إلى مهارات المجابهة ومهارات اكتساب والحفاظ على العلاقات إضافة إلى عدم الثقة في الآخرين كثيرا ما يعيش الشخص مشاعر عميقة بالعجز والخزي ونقص تقدير الذات (reed, 2000).
ويرى باتريك كارينز patrick carnes أن الطفل في بحثه عن شيء أو شخص يعتمد عليه –بعد أن استبعد والديه مضطرا- ربما يجد الأشياء أو الأنشطة التي دائما تعطي الراحة، والتي دائما تشعره بأنه جيد والتي هي دائما موجودة، والتي تفعل دائما ما تعد (carnes, 1992) وبالنسبة لبعضهم يكون الجنس هو النشاط الهدف، وعندما يتلقى هؤلاء الأطفال ممن حولهم الرسائل السلبية المعممة والأفكار الخاطئة والأحكام التعسفية عن الجنس فإن مشاعرهم بعدم الجدارة (carnes, 1992) وبالخزي والعجز قد تزيد (wilson, 2000)، كما يقدم كارينز في بعض نتائج دراسته معلومات عن أسر مولد مدمني الجنس ففي 87% من الحالات يوجد أكثر من مدمن في الأسرة، وفي 87% أيضًا من الحالات نجد أسرة المولد مفككة وفي 77% نجد أسرا تتسم بالقسوة والصرامة والجمود.
نموذج الخبرات الرضحية والضرار في الطفولة كسبب للإدمان:
ربما منذ بداية تشكل المفاهيم حول السلوك الجنسي المفرط أو إدمان الجنس ومن الباحثين من يربطون بين الخبرات الرضحية في الطفولة childhood traumas بما ينتج عنها من خلل انفعالي وشعور الطفل بأنه الضحية وبين الإدمان الجنسي
كما يربطون بينه وبين ضرار الطفولة سواء كان الضرار جنسيا أو جسديا أو معنويا، إلا أنه رغم وضوح الارتباط في الأبحاث بين ضرار الطفولة والانحلال الجنسي sexual promiscuity واضطراب الكرب التالي للرضح ( أو اضطراب ما بعد الصدمة post-traumatic stress disorder ptsd ) ورغم تكرار ذكر ذلك الارتباط في الدراسات والأدبيات (gold & heffner, 1998) نجد أن ذكر الارتباط المباشر بين ضرار الطفولة والإدمان الجنسي ظل طويلا أقل وضوحا مما يستحق (carnes & delmonico, 1996)، وتغير هذا مع نهاية الألفية الثانية فأصبحت العلاقة واضحة وأثبتت الدراسات أننا في مدمني الجنس نجد تاريخا شخصيا للتعرض المبكر في الطفولة لصور أو مواد فيلمية جنسية أو سلوكيات جنسية وهو شكل من أشكال الضرار الجنسي في الطفولة childhood sexual abuse يوجد تاريخ له في 81% من الحالات، بينما يوجد تاريخ لضرار طفولة معنوي emotional abuse في 97% من الحالات وتاريخ ضرار طفولة جسدي physical abuse في 72% من الحالات
ومن الواضح أن كلا من الخبرات الرضحية أو الضرار في الطفولة مع الكيان المريض لأسرة المولد والتربية يشتركان في تشكيل قناعات جوهرية خاطئة faulty core beliefs فنبدأ من تمثل الطفل لمشاعر وأفكار وسلوك الضحية -العاجزة- لأي من أشكال الضرار تترسخ أفكار مثل: أنا ناقص، لا أحد يحبني، لا أحد يريدني، الآخرون دائما يهجرونني، أنا أهل للعار، أنا عاجزٌ لا سيطرة لي على حياتي...إلخ لتتشكل بالتدريج قناعات جوهرية سلبية لدى الطفل تتفاعل مع العوامل الوراثية وديناميكيات الأسرة والمجتمع والعوامل الثقافية وظروف العلاقات فتنتج حالة تجعل النشاط الجنسي هو السبيل الأنسب للتعامل مع المشاعر السلبية الناتجة.
نموذج معرفي سلوكي للإدمان الجنسي:
يرى كارنيز أن أربعة من القناعات الجوهرية الخاطئة تتشكل أثناء الطفولة وتوجه أفكار ومشاعر وسلوكيات مدمني الجنس وهذه القناعات هي
(1) أنا شخصٌ سيئ أساسا ولا أستحق أفضل: وهو ما يعني انعدام قبول الذات ورؤيتها غير جديرة بالنجاح ومثل هذه القناعة عادة ما يعززها الفشل الحياتي المتكرر بسبب الإدمان.
(2) لا أحد يحبني كما أنا: يرى الشخص نفسه ناقصا وفاشلا وهو ما يعني عدم توقع القبول من الآخرين ناهيك عن الحب منهم.
(3) لن تلبى احتياجاتي أبدًا إذا اعتمدت على الآخرين: وهذا أيضًا مفهوم لأن الآخرين يلبون احتياجات من يحبون ومدمن الجنس يرى نفسه شخصا لا يحب ولا يستحق الحب.
(4) الجنس هو حاجتي الأكثر أهمية: يخفي مدمنو الجنس نشاطهم الجنسي عن الآخرين قدر إمكانهم لأنهم يخافون الرفض الاجتماعي والتقييمات السلبية من المجتمع ويتوقعون ذلك في حالة انكشافهم، ويدفعهم ذلك إلى السرية والكذب، ثم يدفعهم اضطرارهم للكذب المتكرر من أجل إخفاء الجوانب السرية من حياتهم إلى إسقاط ذلك على الآخرين مما يعزز من عجزهم عن الثقة بأيٍّ من الآخرين، وبالتالي فإن الخوف من الرفض المتوقع إذا ظهروا ضعافا أو معتمدين على الآخر يجعلهم يتجنبون الاقتراب غير المشروط من شركائهم في الجنس، وهو ما يجعلهم لا يَظْهرونَ الاحتياج لأيّ شيء ربما يكشف ذاتيتهم (فهم مثلا على عكس المتوقع يوصلون رغبتهم في الممارسة الجنسية بأقل القليل من التلميح إن فعلوا)، ويُحاولُون الحصول على رعاية الآخرين دون إظْهارِ للذي يَحتاجونَ.... وهو ما يعني أن احتياجهم الوحيد هو الجنس وعطاءهم الوحيد كذلك هو الجنس... وبالتدريج تصبح العلاقات مع الآخرين جنسا فقط ويصبح الجنس هو النشاط الوحيد الذي يعطي الراحة للشخص والنشاط الأثير الذي ينعشه فيدفعه ذلك إلى الإفراط فيه مرارا وتكرارا ويراه حاجته الأهم في حياته، ولأن حاجاته الحقيقية لا تلبى أبدا فإنه يبقى يكرر النشاط ما استطاع!.
وقد أضاف إيرل وكراو قناعة جوهرية خاطئة خامسة وهي:
(5) إذا اعتمدت على مهاراتي الاجتماعية في الاقتراب من أي شخص فلابد سأفشل!: وهذه القناعة تؤدي إلى إحجام الشخص عن محاولة استخدام أي شيء غير الجنس في العلاقة بالآخر، وهو ما يعني عمليا أن الجنس يصبح أحد خيارات قليلة لديه لتلبية احتياجاته، ونستطيع اعتباره يعاني مما سماه الباحثان (earle & crow, 1989) اضطراب القدرة على الحميمية intimacy disorder .
المشاعر والسلوكيات الناتجة:
ومما لا شك فيه أن عديدا من المشاعر والانفعالات السلبية ينتج عن مثل هذه القناعات الخاطئة، إلا أن أكثر ما نوقش في الأبحاث والدراسات هو الشعور بالخزي والعار shame ويعني شعور الشخص سيئٌ كشخص، وينشأ أساسا من شعور الطفل بالعجز وفقدان السيطرة على الذات، فكفا الشخص خزيا وعارا أن يكون عاجزا عن التوقف، وهذا مختلف عن الشعور بالذنب guilt الذي ينتج عن فعل الأفعال السيئة، فأن تفعل فعلا سيئا مختلف عن أن تشعر بأنك أنت شخصيا سيئ، وهكذا يستمر المدمن في عدم قبول ذاته والشعور بأنها لا يمكن أبدا أن ترقى (carnes, 1991)، وخلف مشاعر الخزي والعار نجد الشعور بالنقص، وعدم الجدارة، وعدم الثقة، والشعور بالوحدة والحزن، والغضب (adams & robinson, 2001).
ويؤدي حرص مدمن الجنس على السرية وعلى إخفاء سلوكه الجنسي الإدماني إلى وقوعه في عزلة ووحدة مؤلمة تزداد مساحتها الزمنية كلما ازدادت مساحة الأنشطة الجنسية في حياة المدمن وهو ما يحدث غالبا -كما في باقي أنواع الإدمان- وبالتدريج تصبح الوحدة والعزلة هي الحالة التي يشعر المدمن فيها بأنه على طبيعته ويرتبطان كونه على طبيعته بكونه منعزلا وحيدا، ولما كانت الممارسة الجنسية الإدمانية تكون في الأصل علاقة بسلوك جنسي معين وليست علاقة بالشريك، لأن إدمان الجنس هو علاقة مرضية أو غير صحية مع أفكار أو سلوكيات تستخدم كبديل للعلاقات الصحية مع الآخرين، بالتالي فإن مدمني الجنس في أغلب الأحيان لديهم عجز عن إقامة علاقات حميمة ولهذا وصفوا بأن لديهم اضطرابا يحرمهم من القدرة على إقامة علاقات حميمة هو اضطراب القدرة على الحميمية (earle & crow, 1989).
نموذج السيطرة المزدوجة وتنظيم المشاعر:
يفترض هذا النموذج أن الرغبة والشهوة الجنسية والسلوكيات التي ترتبط بها أو تبنى عليها تعتمد على آليات "سيطرة مزدوجة" في الدماغ تشمل المثير والمثبط بحيث يكون السلوك الناتج نتاج التوازن بين النظم المثيرة والمثبطة، وبالتالي فإن ذوي التثبيط المرتفع معرضون للفشل الجنسي (العنة النفسية والتشنج المهبلي) بينما ذوي التثبيط المنخفض معرضون للإفراط الجنسي وهؤلاء هم المعرضون لإدمان الجنس أو الجنس القهري، وحتى الآن لم يتم التعرف على تفاصيل أو مسارات تلك الآلية تشريحيا لكن هناك أدلة على وجود ناقلات عصبية لها تأثير مثبط للاستجابة الجنسية، وقد حددت دراسات أجريت مؤخرا مراكز في جذع الدماغ والمهاد الوحشي يبدو أن لها تأثيرا مثبطا خاصا للاستجابة الجنسية. وتعتبر واحدة من آليات التكيف المسئولة عن تثبيط الاستجابات الجنسية التي تنطوي على بعض الخطر أو التهديد، وأحيانا يحدث التثبيط بشكل مباشر كنتيجة للنشاط الجنسي السابق، ومن أهم ما قدمته هذه النظرية تفسيرها لكون بعض الأفراد خلافا للمعتاد يستجيبون للحالات الشعورية السلبية بزيادة الرغبة الجنسية، وقد أثبتت الدراسات المبنية على هذه النظرية أن النزوع إلى الممارسة الجنسية كثيرا ما ينتج عن مشاعر الاكتئاب أو القلق (bancroft, 2009)
وفي النهاية نستطيع أن نقول أنه لا توجد صلاتٌ سببيةٌ جازمةٌ بين العواملِ التي أدرجتْ أعلاه وحدوثِ الإدمانِ الجنسي، لكن المؤكد هو أنّ هناك تفاعلا بين مجموعة من العوامل أو كل تلك العوامل بحيث تساهم كلها في الوصول إلى الإدمانِ الجنسيِ وتشمل هذه العوامل: النفسي والعاطفي والروحي والثقافي والبيولوجي، وكذلك العوامل الاجتماعية (martin, 1989)، وكخلاصة تبين تكامل هذه العوامل فإن الناسَ أثناء النمو الصحّيِ، يُطوّرُون وسائلَ تكيفيةَ فعّالةَ لتَنظيم مشاعرِهم وإحساسِهم بأنفسِهم. وعندما تتجمعُ العواملُ الوراثيةُ والبيئيةُ التي تعيق تطويرِ عملياتِ تنظيم النفسِ والمشاعر، فإن الناس يصبحون أكثر عرضة لأَنْ يَرتبكوا من المشاعرِ الحادّةِ العابرة أَو من لحظات فقدان التماسكِ الذاتي، وبعض هؤلاء يَتعلّمونَ أَنْ يَتفادوا هذه الحالات العاطفيةِ المؤلمةِ بأَخْذ المادة أَو القيام بنشاط ممتع، وفي النهاية يُصبحُ الشخص مدمنَ جنس عندما يُصبحُ معتمدا على الجنسِ (كعامل خارجي) ليُنظم به حالته الشعورية الداخلية (goodman, 1992).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.