تتزايد حالات التعاطى والإدمان فى المراحل العمرية المبكرة لدى الشباب والأطفال نتيجة التفكك الأسرى والتسريب من التعليم والتنشئة غير الصحيحة، حيث أكدت دراسات اجتماعية حديثة أن 80% من المدمنين فى مصر فى سن الشباب وأغلبهم فى مرحلة الطفولة المتأخرة، بالإضافة إلى ارتفاع عدد الأطفال المدمنين من سن (10 إلى 16) عامًا وأغلبهم من الأطفال العاملين فى المهن الحرفية. أكتوبر تناقش أسباب الظاهرة والآثار السلبية المترتبة عليها فى سياق التحقيق الآتى: بداية.. تؤكد د. سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس أن 99% من الدراسات الحديثة تشير إلى انتشار المخدرات بين الشباب وفى كافة فئات المجتمع وتزيد حالات التعاطى فى السجون وأن 80% من المدمنين فى سن الشباب.. وتكشف أن هناك تزايدًا ملحوظًا أيضًا فى نسب التعاطى بين الأطفال من سن 10 إلى 16 سنة وقد وصلت نسبة التعاطى إلى 14% لمن هم دون 16 عامًا. وتشير د. سامية إلى أن هناك عدة أسباب وراء هذه الظاهرة من أهمها شلة الأصدقاء.. فالأصدقاء البوابة لاقتحام هذا العالم فأحيانًا يكون الصديق أكثر تأثيرًا من الأب والأم، إضافة إلى ذلك لم تعد الأسرة متماسكة كما كانت فى الماضى وقلت بداخلها العلاقات السليمة والمحبة بين أفرادها.. كما ساعد على هذا الحدود المفتوحة بعد الثورة والتى تدر أموالا طائلة. وتضيف أن انتشار المخدرات يفرز جانبًا عدوانيًا فى سلوك الشباب، فعلى سبيل المثال ظاهرة التحرش الجنسى فى الشارع المصرى وكذلك الأفكار الخاطئة التى يروجها البعض فى فوائد الإدمان بأن المخدرات تقوى الحياة الجنسية وذلك حسب الدراسات الميدانية والتى أكدت أيضًا أن الأحداث من سن (10 إلى 15) سنة أغلبهم من عمال الحرف والخدمات الذين يتقاضون يومية كبيرة فيأكلون بالقليل منها والباقى ينفقونه على المخدرات.. فهم يساهمون فى تزايد أعداد المدمنين من زملائهم فى العمل والفئة العمرية. وتشير النتائج إلى أن دور العامل الوراثى كبير عند أبناء المدمنين حيث تزيد معدلات الإدمان إلى نحو أربعة أمثال.. والتعاطى إما أن يكون للتقليد وإما معاندة الكبار وإما تحت ضغط الآخرين المحيطين بالترهيب والتهديد فى بعض الأحيان وتزداد نسبة الإدمان عند الأزواج الذين يعانون من علاقات زوجية متوترة بنسبة 83% وتزداد النسبة أيضًا مع توتر العلاقات الأسرية بين الأبناء والآباء والعكس. وتقترح د. سامية لمواجهة هذه الظاهرة تكوين الجمعيات الأهلية غير الحكومية للتوعية وغلق الحدود وقيام الإعلام بالتوعية. ثقافة التوعية وتؤكد د. عزة كريم أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية أن الدراسات والإحصائيات أثبتت أن مرحلة الشباب أكثر فئة تلجأ إلى المخدرات لظروفها وأوضاعها المختلفة. وقد وجد أن الطفل فى سن 7 أو 8 سنوات فى التجمعات العشوائية والمناطق الفقيرة يلجأ إلى المخدرات على اختلاف أنواعها ورداءتها والمتاحة مثل "الكُلّة" وحرق إطارات السيارات وأشياء كثيرة أخرى.. والأطفال فى تلك التجمعات بدأت تلجأ وبشكل كبير وبأعداد ليست قليلة إلى التخدير بأنواعه المختلفة. وتوضح أنها أجرت دراسة عن ثقافة الطفل عن المخدرات فى المدرسة على عدة مدارس متنوعة ابتدائى وإعدادى ومدارس ذكور وإناث وحكومية وخاصة.. توصلت من خلالها إلى أن الكتب الدراسية من المرحلة الأولى ابتدائى إلى الثالثة إعدادى لا يوجد بها مناهج تشرح وتحذر من أضرار المخدرات إلا بشكل ضئيل جدًا.. وأنه بالرغم من خطورة المشكلة تبين أن وزارة التربية والتعليم لا تعطى أى اهتمام لتلك القضية. وترى د. عزة أنه من خلال المناهج يستطيع الطالب استيعاب خطورة المخدرات والأضرار التى تعود عليه ووجد أن الأطفال لديهم فكرة عن المخدرات وعن ثقافة المخدرات عن طريق التليفزيون وأصدقاء السوء. رسالة مزيفة ويقترح د. سامى نصار العميد الأسبق لمعهد الدراسات التربوية بجامعة القاهرة أن تكون البيئة المدرسية مشجعة وتبعد التلاميذ عن التدخين.. فالمدرس الذى يتكلم عن التدخين وأضراره يراه التلاميذ يدخن أثناء الفسحة يعنى ذلك أن الرسالة التى يوصلها المدرس رسالة مزيفة. وينصح د. سامى بمنع كل المدرسين من التدخين داخل المدرسة.. وهناك قانون يمنع التدخين داخل المؤسسات التعليمية لم يطبق بحزم ولا يوجد اهتمام ورقابة على تطبيقه.. فالإدمان يبدأ بتدخين السجائر. ويطالب د. سامى بضرورة توافر دورات تدريبية وتوجيهية وبرامج التربية الأسرية من أجل منع الأطفال والشباب من سلوك هذا الطريق السيئ.. وأن تنظمها الدولة والمجتمع المدنى مجانًا.. كما يجب أن يكون الأخصائيون بالمؤسسات على اتصال دائم بالأسر وإبلاغهم بسلوكيات الطفل الغريبة باستمرار. ومن جانبه يؤكد د. سيد صبحى أستاذ الصحة النفسية بجامعة عين شمس أن نسبة المدمنين ارتفعت بصورة ملحوظة خاصة الفئة العمرية من 12 إلى 25 سنة.. وقد أوضحت الدراسات الميدانية أن 13% من العينة بدأوا التعاطى قبل 16 سنة وأن 57% من سن 16 إلى 22 سنة. ويكشف أن الإدمان شعور قهرى برغبة ملحة مستمرة فى استخدام المخدر مهما كلّفه من ثمن وهذا يضع المدمن على حافة الجريمة، كما ينعكس ذلك على الناحية البدنية والنفسية والإنتاجية حيث لا يستطيع المدمن كما يؤكد د. سيد القيام بممارسة أى وظيفة بشكل وأداء جيد.. مشيرًا إلى أن هناك أنواعا من الشخصيات تكون أكثر عرضة للوقوع فى الإدمان.. الأول الشخصية الانطوائية فهو شخص حساس لا يقوى على التعبير عن نفسه والتعامل مع الآخرين فيكون عصبيًا جدًا عند الدخول فى حوار أو التعامل مع الآخرين ويحاول تهدئة انفعالاته بالمخدر، والنوع الثانى الشخصية القلقة وهو غير قادر على التكيف ودائمًا فى حالة من التوتر الزائد ويرهن نفسه بدون سبب.. والنوع الثالث الشخصية غير الناضجة والتى تتمثل فى الغالب فى الفئة العمرية التى نتحدث عنها. ويضيف د. سيد أن أكثر الأنواع خطورة هى الشخصية "السيكوباتية" فهو إنسان محب لذاته، أنانى يكره الآخرين، وله سلوك منحرف عدوانى، وعندما يدمن يشكل خطرًا كبيرًا على المجتمع. ويوضح أن الإدمان يمر بمرحلتين.. الأولى التعاطى التجريبى والثانية التعاطى المنتظم.. فالأول يخضع فيها الفرد للانسياق لمن حوله من متغيرات تشده أو تمنعه فيكون فى مرحلة شد وجذب بين طرفين كلاهما متناقض.. وهنا تتجمع ظروف المتعاطى الصعبة مع مهاراته للتغلب على الإحباط.. وأهم الأسباب هى حب الاستطلاع ويحدث التعاطى مرة كل بضعة أسابيع أو شهور فليس لها طابع الانتظام.. وهناك من يتغلب على التعاطى بإرادته وينقطع تمامًا فى التعاطى وتلعب التنشئة والأسرة دورًا كبيرًا فى تلك المرحلة. أما مرحلة التعاطى المنتظم كما يقول د.سيد فيتم فيها تناول المواد المخدرة على فترات متقاربة ومنتظمة.. وفى تلك المرحلة قد يلجأ المتعاطى لأكثر من نوع مخدر كالهيروين والمورفين و الماكس فورت والمخلفات الدوائية والكحوليات وأيضًا الحشيش المزمن والأفيون. ويأتى هنا دور الأسرة لاكتشاف المدمن مبكرًا فقد تظهر عليه كما يقول د. سيد بعض العلامات منها وجود الثقوب الناتجة عن الحقن وغالبًا تكون فوق مسار الأوردة فى الساعد أو ظهر اليد والوشم ويحاول المتعاطون إخفاء معالم مسارات الحقن بها والحروق الناتجة عن سجائر الحشيش والبانجو فى الملابس والمفروشات وأيضًا تقرح الحاجز الأنفى نتيجة شم الهيروين والخراريج والقرح مع مسارات الأوردة والسرنجات المتبقية من الحقن والإصابة بالصفراء نتيجة العدوى من استعمال الحقن والإسهال والإمساك المزمن واضطرابات الهضم. بعض العلامات ويكشف د. سيد صبحى أن هناك بعض العلامات تظهر فى سلوك المتعاطى مثل التوتر والانعزال وتغيير الأصدقاء والإهمال فى المظهر العام والمراوغة والكذب لإخفاء حقيقة التعاطى والتغيب عن المنزل لفترات كبيرة والتدهور الصحى وفقدان الشهية للطعام والاضطرابات فى النوم.. موضحًا عند اكتشاف هذه الحالة يجب التعامل مع المدمن بطريقة سليمة وأهمها استشارة طبيب نفسى والاهتمام بالرياضة.. وتشمل الإجراءات العلاجية عددًا من المراحل والخطوات.. أولها العلاج بتطهير الجسم من السموم وبعدها علاج الأمراض الناتجة عن التعامل والعلاج النفسى والسلوكى للتغلب على مظاهر العنف لدى المتعاطى.. لإعادة تأهيله لعودته للمجتمع مرة أخرى. وتوضح د. نادية شريف أستاذ علم النفس أن البحوث أثبتت أن المخدرات تؤثر على الخلايا العصبية بالدماغ والكفاءة العقلية وتقلل من نسبة استيعاب وانتباه التلميذ، مما يؤدى إلى رسوبه المتكرر وفصله من المدرسة.. فتعاطى الطفل للمخدرات ينعكس على تعليمه ونجاحه وله تأثير سلبى على تفاعلاته مع زملائه وتعليم سلوكيات سيئة مثل السرقة من أجل الحصول على المادة المخدرة والكذب، مؤكدة أن الطفل المدمن لا يستطيع الاندماج مع الآخرين فيلجأ إلى أصدقاء السوء ويزيد توغله فى الإدمان ودنيا المخدرات ويتعلم العنف من أجل تحقيق مطالبه.. وللأسف كثير من الأسر غير المتعلمة تترك أطفالها خارج المنزل وبذلك يدخل فى دائرة "أطفال الشوارع".. فلابد من متابعة الأسرة لأبنائها وتكون على دراية بمستواه الدراسى وسلوكياته. وترى د. نادية أن القسوة فى التعامل تدفع الأطفال إلى التدخين وكذلك صحبة أصدقاء السوء وأيضًا المشاكل الأسرية تفقد الأمن والأمان والتعاطف بين الآباء والأبناء. ويؤكد د. حسن شحاتة أستاذ التربية بجامعة عين شمس أن تأثر الطفل بالشلة أو الأصدقاء له فعل السِحر فى هوية الطفل وارتكاب الأخطاء الكثيرة التى تؤثر على الجانب الصحى للطفل.. فالأطفال فى حاجة إلى المتابعة المستمرة لهم والتوعية من مخاطر وأضرار المخدرات والإدمان وشرح وتفسير الأمور المرتبطة بتعاطى وتناول هذه الممنوعات فى طريق الأنشطة التربوية المدرسية والمنزل ووسائل الإعلام.. موضحًا أن المدرسة مهمتها التعليم أما التربية فمتروكة للآباء.