حالة من الهلع والفزع تصيب البيوت المصرية بعد عودة «غول» إدمان المخدرات ليفتك بزهرة شباب مصر، والذى بحسب الاحصائيات يزداد ارتفاعًا مما ينذر بكارثة تهدد استقرار المجتمع خصوصا فى ظل حالة الانفلات الأمنى التى عاشتها مصر عقب ثورة 25 يناير والتى أدت إلى جلب كميات ضخمة من المخدرات من دول مجاورة فى ظاهرة غير مسبوقة، فضلا عن تجاوزات أصحاب الضمائر المنعدمة من أصحاب مراكز علاج الادمان فى استغلال المرضى وأهاليهم عن طريق استنزافهم دون التوصل للعلاج.. وهو ما يفتح أبواب الجحيم على هذه المراكز التى يعمل أغلبها دون تراخيص رسمية من وزارة الصحة.. «أكتوبر» تخترق العالم السرى لهذه المراكز المشبوهة التى تتخذ من الطب بيزنس لنهب الأموال. انتشار المخدرات من الظواهر الأكثر تعقيداً والأكثر خطورة على الإنسان والمجتمع وتعتبر إحدى مشكلات العصر التى تعانى منها الدول الغنية والفقيرة على السواء، ولذلك أجمعت كل دول العالم على إختلاف سياساتها ومعتقداتها على محاربتها وكشفت آخر الإحصائيات أن مصر تأتى فى المركز العاشر لدول العالم الأكثر استهلاكا للتبغ وأن 19% من المواطنين بها مدخنون وأن التدخين يستنزف 6% من دخل الأسرة المصرية وأن سن التدخين فى مصر يبدأ من 9 سنوات وسن الإدمان من 12 سنة و99% من المدمنين مدخنون. ويقول د. عمرو عثمان مدير صندوق مكافحة علاج الإدمان والتعاطى ردًا على تلك الأرقام إن سن التعاطى انخفض إلى 11 سنة، وسن بدء التدخين وصل إلى 9 سنوات، وأضاف أن من 15 إلى 20% من الحالات التى تتواصل عبر الخط الساخن للعلاج من الإدمان هى لأطفال تحت سن 18 سنة، وبالتالى فالمؤشر يزداد خطورة، سواء على مستوى المجتمع المصرى أو مستوى المجتمع العربى. أما عن أسباب الظاهرة فقال إننا كنا نرجعها دوما إلى التفكك الأسرى، ولكن الجديد أن 52% على الأقل من المدمنين يعيشون بين الأسرة ومع الوالدين! وهذا يدلل على أن هناك انحسارًا قويًا لدور الأسرة المصرية فى الوقاية الأولية والتوعية من خطر وقوع الطفل بالإدمان والاكتشاف المبكر له. والطرف المهم أيضا هو المدرسة مؤكدًا إننا بحاجة إلى تعظيم دور المؤسسات التعليمية فى الوقاية الأولية بشكل كبير، منتقدًا تقلص الاهتمام بالأنشطة الرياضية والفنية والاجتماعية التى تعتبر عصبًا مهمًا فى وقاية الشباب من الإنزلاق للإدمان. بيزنس علاج الإدمان وعن مراكز علاج الإدمان يقول د. خالد الدباغ المستشار الطبى لبرنامج الحرية لعلاج وإعادة تأهيل المدمنين وهو صاحب أحد مراكز علاج الإدمان إن الإدمان هو مرض مزمن يؤثر على أداء الفرد لوظائفه فى العائلة، والعمل، والمجتمع، ويصاحب بوجود اشتياق قهرى غير مسيطر عليه، وبحث مستمر عن المخدر والاستمرار فى استخدامه رغم العواقب السلبية التى يسببها له. وبما أن الرغبة الملحة لاستخدام العقاقير يمكن أن تستمر طوال حياة الفرد، فإن أسرة المدمن تتعلق بأى شىء حتى يتخلص من آلامه وهناك من يستغل ضعف المدمن وأسرته فلا يحافظ على كرامة المريض وآدميته بل تجده يقيده ويضربه فى علاج أعراض الانسحاب، وللأسف الخوف من وصمة الإدمان يجعل الأسرة تخشى الإبلاغ عن أى ممارسات غير آدمية، فنجد كما من الممارسات غير الإنسانية بعيدة تماما عن العلاج الفعال والمعروف بالمجتمع العلاجى الذى نقلناه فى مصر ولم نفهمه جيدا. مضيفًا أن هناك مدمنين متعافين يحصلون على رخص لإنشاء مراكز، رغم أن ذلك غير مسموح به قانونيا ويضر بعلاج الإدمان وفقدان المصداقية. أما عن مراحل علاج الإدمان فى المركز فيقول أنها تبدأ بالفحص المبدئى وهى الخطوة التى من خلالها يتم التعرف على كل من عائله الشخص المراد علاجه وعلى المتعالج نفسه ويتحدد من خلالها مدى ملائمه الشخص للبرنامج العلاجى ويجب ملاحظة تقييم الأعراض النفسية والاجتماعية والبدنية لتعاطى وإدمان المخدرات بوجه عام. وتحديد الأوضاع المصاحبة (الطبية - النفسية - البدنية..إلخ) والتى تشير إلى احتياج المتعالج للتقييم أو الخدمات المتخصصة الأخرى. وأضاف أنه يجب تحديد ما إذا كان الشخص المتعاطى تحول إلى مدمن أم لا. ومن المهم أيضا معرفة طبيعة المادة التى كان يتعاطاها المتعالج، ووضعه الجسدى، ومدى كفاءة وظائفه النفسية، والدعم الخارجى المقدم له.. وأشار إلى ان مرحلة أعراض الأنسحاب من أهم مراحل علاج الإدمان على الإطلاق وهى إزالة السموم وتستغرق حوالى ثلاثة إلى خمسة أيام. خلال هذا الإطار الزمنى، يعانى المدمن العديد من الآثار الجانبية الخطيرة الناجمة عن انسحاب المخدرات من الجسم، ثم تأتى مرحلة التأهيل وهى الطريق والضمان المهم لعدم العودة لبراثن الإدمان والمخدرات مرة أخرى. ويقول د.خالد إن الإدمان فى مصر زاد بشكل كبير فى مصر خاصة إدمان الترامادول والذى انتشر بشكل واسع لكل الأعمار ولكل الأطياف فى المجتمع من سيدات ورجال وطلبة فى المدارس والجامعات وأشار إلى إن نسبة الإدمان زادت بعد ثورة 25 يناير محذرا من إن إدمان الترامادول تتمثل خطورته فى إنه مسبب رئيسى لمرض الصرع وهذا يتطلب علاجً نفسيًا أيضًا. مراكز النصب ويحدثنا د. أحمد أبو العزايم استشارى الطب النفسى وعلاج الإدمان ورئيس الاتحاد النوعى للوقاية من الإدمان عن الاضرار الناجمة عن المخدرات إن مخاطر الإدمان تكمن فى المضاعفات التى يسببها فى جسم الإنسان ويكاد لا يخلو جهاز من أجهزة الجسم من مضاعفات الإدمان وإن تراوحت شدة تلك المضاعفات باختلاف نوع المخدر المستعمل وتنقسم مضاعفات الإدمان الى مضاعفات نفسية وعضوية وأعراض ذهنية فى الأشخاص ذوى القابلية المتمثلة فى الشعور باللامبالاة وفقدان الحكم الصحيح على الأشياء وخلافه وقد وجد أن هناك مضاعفات يحدثها الإدمان على الجهاز العصبى والموصلات العصبية ومن هنا نبدأ فى المضاعفات العضوية بالجسم وهو من أهم الأجهزة التى يؤدى تكاملها وحسن أدائها لوظائفها لتمام الصحة العامة للإنسان وتؤثر المخدرات على جهاز المناعة بعدة طرق كما أن المخدرات المستنشقة تؤثر سلبيا على تكامل الغشاء المخاطى المبطن للأنف وتجعله عرضة لتجمعات أنواع معينة من البكتيريا التى تصيب الجهاز التنفسى للإنسان. كما تصيب المواد المخدرة وبالأخص المورفينات بعض خلايا الجسم فى مقتل وخاصة الخلايا المسئولة عن التعامل مع الأجسام الغريبة الداخلة للجسم وتؤثر المخدرات على تلك الخلايا كما ونوعا وخاصة تلك الخلايا الموجودة بالجهاز التنفسى وقد أدى ذلك إلى معاناة المدمنين من كثير من التهابات الجهاز التنفسى كذلك إلى إعادة انتشار بعض أمراض الجهاز التنفسى مثل الدرن الرئوى والذى زاد انتشاره فى الآونة الأخيرة وخاصة سرطانات الجهاز التنفسى وأرجع ذلك الى التأثير السام للمخدرات على الخلايا القاتلة فى جهاز المناعة والتى من مسئوليتها القضاء والتخلص السريع من الخلايا السرطانية. كذلك أدى نقص المناعة الى تكرار إصابة المدمنين بالالتهابات الجلدية بسبب الحقن المتكرر للمخدر ويمتد تأثير المواد المخدرة الى المرشح الثانى فى سم الإنسان ألا وهو الكبد. ويمثل الفشل الكبدى سببا رئيسيا فى حالات الوفاة الناتجة عن الإدمان على المخدرات. أما عن انتشار المخدرات فى مصر خاصة بعد الثورة فيقول أبوالعزايم إن الترامادول انتشر بالفعل بشكل كبير فى مصر. أما عن العلاج من الإدمان فيقول إنه يتطلب تضافر جهود مخلصة من الأسرة والهيئة المعالجة ومؤسسات المجتمع المختلفة ووجه رسالة إلى أسرة المريض بضرورة التحدث مع المعالج ليشاركوا فى وضع المكونات الدقيقة للعلاج. وأن يتفهموا أن المريض يتمزق من داخله ويبحث عمن يعينه على التوبة والتعافى من الإدمان ويحتاج لمعونة مخلصة ومكثفة قد تمتد لشهور أو سنوات (داخل المستشفى وبعد الخروج منه) أما عن رأيه فى مراكز العلاج غير المتخصصة فيقول إن هناك من الأطباء من يحصل على رخصة لفتح مركز لعلاج الإدمان وهو فى الحقيقة يستغل المرضى ماديا فهو ليس معالجا للإدمان بالمعنى المتعارف عليه ولكنه مجرد طبيب سموم ليس لديه أى برامج تأهيلية ولا يعرف شيئا عن العلاج السلوكى وكل ما يقوم به هو إزالة السموم عن طريق الأدوية وهى جزء لا يذكر من عملية التعافى من مرض الإدمان. ويقول د. محمود الحبيبى مدرس الطب النفسى واستشارى علاج الإدمان بجامعة عين شمس إنه للأسف وجد الكثير من الممارسات غير الإنسانية فى تلك المراكز غير المتخصصة والتى لا تخضع لأى إشراف طبى أو رقابة وأشار إلى أنه فى خارج مصر هناك مدمنون متعافون يساعدون غيرهم من المدمنين من خلال عدد من الجلسات بها برنامج يتضمن 13 خطوة ولكن بإشراف طبى وأخصائيين فى علم النفس وهيئة رقابية تشرف على ذلك لكن فى مصر هناك معالجون تم شفاؤهم من الإدمان يحصلون على ترخيص بإقامة مركز لعلاج الإدمان ويهيمنون على خطوات العلاج من أولها إلى آخرها بعيدا عن الرقابة. وأن هناك عددًا من الإعلانات فى الصحف عن تلك المراكز غير المرخصة وانصح المريض بأن يتأكد من وجود ترخيص للمركز لأنه لابد من معالجة المريض فى بيئة صحية وسليمة. ضوابط صارمة ويقول د. صبرى غنيم المسئول عن التراخيص بوزارة الصحة لهذه المراكز العلاجية أن معايير التراخيص محددة من وزارة الصحة والمجلس القومى للصحة النفسية ولابد أن يكون المعالج أخصائيا أو استشاريا فى علاج السموم أما عن التراخيص فإن كل المراكز الطبية الخاصة تحصل على ترخيص من الوزارة ولكل فئة لها معايير خاصة من مراكز او عيادات أو مستشفى كما أن هناك تفتيش يوميا من الوزارة على كل المنشأت الطبية، وأضاف أن هناك مراكز بالفعل غير مرخصة يتم فيها ممارسات غير آدمية وفى حالة التقدم ببلاغ عن احد المراكز يتم ارسال لجنة من الوزاره ولجنة من الصحة النفسية للتأكد من الوضع ويتم غلق المركز على الفور وهذا ما حدث بالفعل لاكثر مركز. ويقول د. محمد البسيونى أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس إن الإدمان هو نمط سلوكى يقوم على الاعتماد على المادة المؤثرة عقليا ويكون مصحوبا برغبة جامحة لتوفير المادة المتعاطاة باستمرار. واحتمالية عالية جدا للرجوع إلى هذا السلوك فى حال الانقطاع عنه، أو بمعنى آخر هو حالة تسمم دورية أو مزمنة ناتجة عن الاستخدام المتكرر للمادة المؤثرة عقليا. وتختلف أسباب الإدمان والتى منها عدم الوعى بكيفية استخدام العقاقير والأدوية وعدم الوعى بأخطار المخدرات وآثارها السلبية.