قد تأتي بعض العلل الأخرى قبل الاكتئاب، أو أن تسبب الاكتئاب، أو أن تكون نتيجة له. لكن الاكتئاب والعلل الأخرى تتفاعل بشكل مختلف في مختلف الأشخاص. علي أية حال، فالأمراض التي تحدث بالتزامن مع بعضها البعض تحتاج إلى تشخيص وعلاج.
وعادة تصاحب اضطرابات القلق الاكتئاب، مثل اضطراب ما بعد الصدمة (posttraumatic stress disorder أو pstd) والوسواس القهري (obsessive-compulsive disorder أو ocd) أو اضطراب الهلع أو الرهاب الاجتماعي أو اضطراب القلق المعمم (generalized anxiety disorder). فيمكن أن يحدث اضطراب ما بعد الصدمة بعد أن يعيش الفرد محنة أو حدث مرعب، مثل اعتداء عنيف أو كارثة طبيعية أو حادث سير أو عمل إرهابي أو معركة عسكرية. فالأشخاص الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة معرضون بشكل خاص لتواجد اكتئاب متزامن معه.
وفي دراسة ممولة من المعهد الوطني للصحة النفسية (nimh) وجد الباحثون أن أكثر من 40 بالمئة من الأشخاص الذين لديهم اضطراب ما بعد الصدمة كان أيضاً لديهم اكتئاب بعد أربعة أشهر من الحدث الصادم.
كما أن الكحول وإساءة استخدام العقاقير أو الاعتماد عليها قد يتواجد مع الاكتئاب. وتظهر الأبحاث أن الاضطرابات المزاجية والادمان عادة ما يحدثان معاً.
وقد يحدث الاكتئاب أيضاً مع أمراض خطيرة أخرى مثل أمراض القلب والسكتة الدماغية و السرطان ومرض نقص المناعة المكتسبة / الأيدز والسكري وداء باركنسون. كما أن الأشخاص الذين لديهم اكتئاب جنباً إلى جنب حالة طبية أخرى معرضون لأن تكون أعراض كل من الاكتئاب والحالة الطبية لديهم أكثر شدة، ولأن يجدون صعوبة أكبر في التكيف مع مرضهم الطبي، ولأن تزداد أكثر لتكاليف الطبية عليهم من أولئك الذين ليس لديهم أكتئاب إضافة إلى مرضهم. كما يمكن لعلاج الاكتئاب أن يساعد في تحسين نتائج علاج المرض الطبي المصاحب ما الذي يسبب الاكتئاب؟
على الأرجح أن مزيجاً من العوامل الوراثية والبيولوجية والبيئية والنفسية هي التي تسبب الاكتئاب.
علل الاكتئاب هي اضطرابات في الدماغ. والنظريات القديمة حول الاكتئاب ترى أن الناقلات العصبية (أي المواد الكيميائية التي تستخدمها خلايا المخ للتواصل) الهامة تكون مختلة في الاكتئاب. ولكن وجد أنه من الصعب إثبات ذلك.
وقد أظهرت تقنيات تصوير الدماغ، مثل التصوير بالرنين المغناطيسي (mri)، أن أدمغة الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب تبدو مختلفة عن أدمغة أولئك الذين ليس لديهم اكتئاب. فأجزاء المخ المسؤولة عن المزاج والتفكير والنوم والشهية تبدو مختلفة. ولكن هذه الصور لا تكشف عن سبب حدوث الاكتئاب. كما لا يمكن استخدامها لتشخيص الاكتئاب.
هناك بعض أنواع الاكتئاب التي تميل إلى التواجد في بعض العائلات. ولكن يمكن أن يحدث الاكتئاب لأشخاص ليس في تاريخ عائلاتهم اكتئاب أيضاً. والعلماء يدرسون بعض الجينات التي قد تجعل بعض الأشخاص أكثر عرضة للاكتئاب. فتشير بعض البحوث الوراثية أن خطر الاصابة بالاكتئاب تنتج عن تأثير عدة جينات تعمل جنباً إلى جنب مع العوامل البيئية أو غيرها. إضافة إلى ذلك فإن صدمة نفسية (trauma) أو فقدان عزيز أو علاقة عسيرة أو أي حالة توتر قد تؤدي إلى نوبة اكتئاب. وقد تحدث نوبات اكتئاب أخرى مع أو بدون أي مصدر إثارة واضح.
كيف تجرب النساء الاكتئاب؟
الاكتئاب أكثر شيوعاً بين النساء منه بين الرجال. وقد يمكن ربط ارتفاع معدل الاكتئاب لدى النساء بالدورة الحياتية والعوامل البيولوجية والهرمونية والنفسية التي يعشنها. وقد أظهر الباحثون أن الهرمونات تؤثر بشكل مباشر على كيمياء الدماغ التي تتحكم بالعواطف والمزاج. فالمرأة، على سبيل المثال، معرضة بصفة خاصة لاكتساب اكتئاب ما بعد الولادة بعد الولادة، بسبب التغيرات الهرمونية والجسدية والمسؤلية الجديدة للعناية بطفل حديث الولادة والإرباك الهائل الذي يمكن أن تحدثه هذه التغيرات.
كما أن بعض النساء قد تعاني من اضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي (premenstrual dysphoric disorder أو pmdd) وهو شكل حاد من متلازمة ما قبل الطمث (postmenstrual syndrome واختصارأ pms). ويرتبط هذا الاضطراب مع التغيرات الهرمونية التي تحدث حول وقت التبويض وقبل أن يبدأ الحيض.
وتعاني بعض النساء من زيادة خطر إصابتهن بالاكتئاب خلال فترة الانتقال إلى سن اليأس. إضافة إلى ذلك، فإنه يمكن ربط هشاشة العظام (ترقق العظام وتهشمها) بالاكتئاب. ويقوم العلماء باستكشاف جميع هذه الصلات المحتملة، وكيف يمكن للارتفاع والهبوط الدوري للاستروجين والهرمونات الأخرى أن تؤثر في كيمياء دماغ المرأة.
وأخيراً، تواجه العديد من النساء الضغوط الإضافية لمسؤوليات العمل والمنزل، ورعاية الأطفال والآباء والأمهات المسنين، والأذى والفقر والعلاقات المتوترة.
كيف يجرب الرجال الاكتئاب؟
غالباً ما يعاني الرجال من الاكتئاب بشكل مختلف عن النساء. ففي حين أن النساء اللاتي لديهن اكتئاب معرضات لمشاعر الحزن والتفاهة والندم المفرط، فإن الرجال أكثر عرضة للشعور بالتعب وسرعة الانفعال وصعوبة النوم وفقدان الاهتمام بما كانوا يتمتعون به في الماضي.
قد يكون الرجال أكثر عرضة من النساء للجوء إلى الكحول أو المخدرات عندما يكونوا مكتئبين. كما يمكن أن يكونوا محبطين وخائبين وقانطين وسريعي الانفعال والغضب وفي بعض الاحيان معتدين وجائرين. يشغل بعض الرجال أنفسهم بأعمالهم لتجنب الحديث عن اكتئابهم مع عائلاتهم أو أصدقائهم، والبعض قد يتصرف بتهور أو لامبالاة. وعلى الرغم من أن النساء أكثر من يحاول الانتحار، إلا أن الرجال هم أكثر من يموت انتحاراً في الولاياتالمتحدة.
كيف يجرب كبار السن الاكتئاب؟
ليس الاكتئاب جزءاً طبيعياً من الشيخوخة. فتظهر الدراسات أن معظم كبار السن يشعرون بالرضا عن حياتهم، على الرغم من معاناتهم من الكثير من الأمراض والمشاكل الجسدية. ولكن عندما يكون لدى الكبار اكتئاب فإنه قد يغفل عنه، وذلك لأن الأعراض التي تبدو عليهم مختلفة وأقل وضوحاً. وقد يبدون أقل عرضة لمقاساة الحزن والأسى أو للاعتراف بوجودهما.
وفي بعض الأحيان قد يكون من الصعب التفريق بين الأسى (grief) ونوبة الاكتئاب الكبرى. فالأسى بعد فقدان حبيب يعتبر رد فعل طبيعي للفقد ولا يتطلب ذلك عموماً معالجة نفسية من مختصين. ومع ذلك، فإن الأسى الذي يكون شديداً ويمتد لوقت طويل جداً بعد فقدان عزيز قد يتطلب علاجاً. ولا يزال الباحثون يدرسون العلاقة بين الأسى الشديد ونوبة الاكتئاب الكبرى.
إضافة إلى ذلك فكبار السن قد يكون لديهم المزيد من أعراض صحية، كأمراض القلب أو السكتة الدماغية أو السرطان، قد تؤدي إلى أعراض الاكتئاب. أو قد يتناولون أدوية لها تأثيرات جانبية تساهم في الاكتئاب. كما أن بعض كبار السن قد يعانون مما يسميه الأطباء الاكتئاب الوعائي (vascular depression) ويسمى أيضاً اكتئاب تصلب الشرايين (arteriosclerotic depression) أو اكتئاب تحت القشرة الإقفاري (subcortical ischemic depression). قد ينجم الاكتئاب الوعائي عندما تصبح الأوعية الدموية أقل مرونة وتتصلب مع مرور الزمن لتصبح متضيّقه. أن تصلب شرايين كهذا يمنع تدفق الدم بشكل طبيعي إلى أعضاء الجسم، بما في ذلك الدماغ. وقد يعاني أولئك الذين لديهم الاكتئاب الوعائي في نفس الوقت من مرض قلب أو سكتة دماغية أو يكونوا عرضة لها.
وعلى الرغم من أن العديد من الناس يفترضون أن أعلى معدلات الانتحار تكون في أوساط الشباب، إلا أن الذكور البيض المسنين من عمر 85 عاماً فما فوق لديهم في الواقع أعلى معدل انتحار في الولاياتالمتحدة. فالكثير منهم يعاني من علة اكتئابية لا يدركها أطبائهم، على الرغم من أن معظم ضحايا الانتحار هؤلاء يزورون أطبائهم في غضون شهر واحد قبيل وفاتهم.
ويتحسن معظم كبار السن الذين يعانون من الاكتئاب عندما يتلقون العلاج باستخدام الأدوية المضادة للاكتئاب أو باستخدام العلاج النفسي (psychotherapy) أو بمزيج من الاثنين معا. وقد أظهرت الأبحاث أن كل من الأدوية منفردة والعلاج المدمج من الاثنين يعملان بشكل فعّال في الحد من الاكتئاب عند المسنين. ويمكن للعلاج النفسي وحده أن يكون فعّالاً في مساعدة كبار السن على التحرر من الاكتئاب، وخصوصاً بين أولئك الذين يعانون من الاكتئاب البسيط. كما أن العلاج النفسي مفيد بشكل خاص للذين لا يستطيعون تناول الأدوية المضادة للاكتئاب أو لا يرغبون في أخذها.
كيف يجرب الأطفال والمراهقين الاكتئاب؟
إن الأطفال الذين يصابون بالاكتئاب عادة ما يستمرون في تلقي نوبات الاكتئاب في الوقت الذي يدخلون فيه مرحلة البلوغ. والاطفال الذين يعانون من الاكتئاب هم أيضاً أكثر عرضة للإصابة بعلل أكثر شدة في مرحلة البلوغ.
قد يتظاهر الطفل المصاب بالاكتئاب بأنه مريض أو يرفض أن يذهب إلى المدرسة أو يلتصق بأمه أو أبيه أو يقلق بأن أحد والديه قد يموت. أما الاطفال الأكبر سناً فإنهم قد يعبسون ويدخلون في مشاكل في المدرسة ويصبحون سلبيين وسريعي الانفعال ويشعرون أنه قد أسئ فهمهم. وبسبب أن هذه العلامات قد يُنظر إليها باعتبارها تقلبات مزاجية طبيعية ونمطية لدى الاطفال الذين يرتحلون عبر مراحل النمو، فإنه قد يصبح من الصعب إجراء تشخيص دقيق لصغير السن الذي يعاني من الاكتئاب.
وقبل سن البلوغ فإن الفتيان والفتيات مهيئون على حد سواء للإصابة بالاكتئاب. ولكن قبل سن الخامسة عشرة، فإن احتمال أصابة الفتيات بنوبة اكتئاب كبرى أكثر بضعفين من الفتيان.
يأتي الاكتئاب خلال سنوات المراهقة في وقت يحفل بالتغيرات الشخصية الكبرى؛ عندما يكون الفتيان والفتيات في مرحلة تشكيل هوية مستقلة عن والديهم، وصراع مع قضايا الجندر (gender) والجنسانية (sexuality) الناشئة، واتخاذ قرارات مستقلة لأول مرة في حياتهم. وفي سن المراهقة يصاحب الاكتئاب في كثير من الأحيان اضطرابات أخرى كالقلق واضطرابات الشهية وتعاطي المخدرات. كما يمكن للاكتئاب أيضاً أن يؤدي إلى ازدياد خطر الانتحار.
وقد قام المعهد الوطني للصحة النفسية (nimh) بتمويل تجربة سريرية على 439 مراهقاً مصابين بنوبة الاكتئاب الكبرى، حيث وُجد أن الخيار العلاجي الأكثر فعالية كان مزيجاً من الأدوية والعلاج النفسي. ويقوم المعهد أيضاً بتمويل باحثين أخرين من أجل تطوير واختبار وسائل بوسعها الحد من الانتحار عند الأطفال والمراهقين.
{{ في كثير من الأحيان يستمر اكتئاب الطفولة ويعاود الظهور ويمتد إلى مرحلة البلوغ، لاسيما إذا ترك دون علاج }} كيف يتم تشخيص الاكتئاب؟
يمكن علاج الأكتئاب بشكل فعال، حتى حالات الاكتئاب عالية الشدة. وكلما بدأ ذلك العلاج مبكراً، كلما كان أكثر فعالية.
والخطوة الأولى للحصول على العلاج المناسب هي زيارة طبيب أو أخصائي في الصحة النفسية. فبعض الأدوية وبعض الحالات الطبية كالفيروسات أو اضطرابات الغدة الدرقية يمكن أن تُحدث نفس أعراض الاكتئاب. عندئذ يمكن للطبيب أن يستبعد هذه الاحتمالات عن طريق فحص جسدي وإجراء مقابلة وفحوص مختبرية. وإذا لم يجد الطبيب حالة طبية قد تكون هي المسبب للاكتئاب فإن الخطوة التالية هي التقييم النفسي.
وقد يحيلك الطبيب إلى أحد ممتهني الصحة النفسية الذي ينبغي أن يناقش معك أي تاريخ عائلي من الاكتئاب أو اضطراب نفسي آخر ويحصل على تاريخ كامل لأعراضك. وينبغي عليك أن تناقش الوقت الذي بدأت فيه الأعراض والفترة التي امتدت خلالها ومدى شدتها، وما إذا كانت هذه الأعراض قد حدثت قبل ذلك وإذا كان الأمر كذلك فكيف تمت معالجتها. وقد يسأل أخصائي الصحة النفسية إذا كنت تتناول الكحول أو تتعاطى المخدرات، وإذا كنت تفكر في الموت أو الانتحار.
وحالما يتم التشخيص، فيمكن علاج الشخص الذي يعاني من الاكتئاب بطرق عدة. والعلاجات الأكثر شيوعاً هما الأدوية والعلاج النفسي.