لم يفاجئنا الرفض السريع والمتعجل والهجوم المباغت والضاري من قبل التيارات الدينية علي تصريح الدكتور علي السلمي نائب رئيس الوزراء الذي توقع فيه قرب صدور إعلان إطار دستوري من المجلس العسكري يحدد فيه ملامح الدولة المصرية في المستقبل ، فقد فعلوها مع الدكتور يحيي الجمل حين أعلن عن نية المجلس العسكري تأجيل الانتخابات بغية صياغة الدستور قبلها ووصل بهم الأمر إلي تكفير الجمل . لذلك ليس غريبا لو هاجموا السلمي وطالبوا بإقصائه أو أعلنوا تكفيره بل أن مثل هذه الأمور أصبحت متوقعة ومنتظرة وشبة يومية . والمفارقة الغريبة أن أسلوب الإقصاء والتخوين هو ما كانت تعاني منة تلك الجماعات طيلة حياتها في مصر ومع ذلك تجدهم لا يتورعون عن استخدامه في كل مناسبة ومع كل المخالفين والمارقين . وعلي الرغم من أن معظم القوى الوطنية أجمعت علي صيغة واحدة لبعض المبادئ التي تحدد شكل الدستور ونظام الحكم بما لا يسمح لأي فصيل سياسي الانفراد بصياغة دستور يحقق له البقاء أمد الدهر . إلا أنهم انطلقوا فور علمهم بالتصريح المذكور ينددون ويدينون ويتوعدون ويحرضون ويبالغون ، وكأن المبادئ المزمع صياغتها أخذت من دستور اليهود فيقول مثلا : المهندس عاصم عبد الماجد، مدير المكتب الإعلامي للجماعة الإسلامية، واصفا تصريحات السلمي حول الإعلان الدستوري، بأنها " اتجاه جديد للنظام ناحية التزوير ولكنه مقنن هذه المرة، وتحاول الحكومة صبغه بالصبغة الشرعية، لتغيير هوية البلاد " ، من دون أن يذكر نص المادة التي يرى سيادته أنها تغير هوية البلاد . حتى الإخوان عضو الائتلاف الذي صاغ هذه المبادئ عاد لينكرها بشكل رسمي فهدد الدكتور محمد سعد الكتاتني، الأمين العام لحزب " الحرية والعدالة " ، بالنزول إلى ميدان التحرير وكل ميادين مصر، إذا تم إقرار ما يسمى ب " مبادئ فوق دستورية " لكن لماذا تعارض هذه الاحزاب وثيقة المبادئ الفوق دستورية ؟ هناك سببان معلنان وسبب ثالث خفي أو بالأحرى غير معلن بوضوح أول هذه الأسباب المعلنة : هو أن هذه المبادئ تمثل التفافا علي الإرادة الشعبية التي اختارت ( نعم ) في استفتاء 19 مارس ، ولا اعرف في أي مادة من المواد التي تم استفتاءنا عليها ما يمنع صدور مثل هذه الوثيقة ، ولماذا لم تحافظ هذه التيارات والأحزاب علي الإرادة الشعبية عندما اصدر المجلس العسكري إعلاناً دستوريا من 62 مادة دون أن يستفتى أحدا عليها بل خرجوا ليعلنوا تأييدهم للمجلس ويكفروا الخروج علية كما فعلوا مع مبارك . و السبب الثاني ( المعلن ) : هو رفضهم للطريقة التي صيغت بها هذه المبادئ التي لا تعبر عن إرادة الشارع والمواطن البسيط ولكن هجومهم علي أي صاحب تصريح يلمح بهذه المبادئ يدحض هذه الحجة ، لأنة قد يلجا المجلس لإجراء استفتاء شعبي علي هذه الوثيقة قبل إقرارها كما فعل مع المواد المعدلة وقتها تكون شرعية بطعم وريحه ال 80 مليون مصري . أما السبب الثالث الخفي ( الغير معلن صراحة ) : هو خوف هذه التيارات من إقصاءهم من الحياة السياسية كما فعل النظام الساقط ولكن هذا الخوف المبرر تقابله نفس المخاوف لدي التيارات المدنية الاخرى وهو خوف مبرر أيضا - وهذا هو سر لغة التخوين السائدة بين المعسكرين – فلا احد ينكر حق الطرفين في إبداء تخوفاتهم من أن تستخدم الديمقراطية كمطية يصل بها احدهم لكرسي العرش ثم يذبحها ونعود كما كنا بديمقراطية زائفة . فإذا كانت الثورة المصرية قد أفرجت عن أفكار وتطلعات هذه الجماعة أو تلك – وهذا حقهم تماما في وطنهم الذي لا ينكره عليهم احد – وأصبحنا في مجتمع يقبل كل الآراء والإيديولوجيات فما يجب علي هذه القوى فعلة هو الاندماج في المجتمع بدلا من الصدام الذي سوف يكلف مصر كثيرا ، فالكرة الآن في اقدام من سبق حظرهم وحظر أفكارهم بل أنفاسهم وعليهم أن يحرزوا هدفا في مرمى المواطنة يدفعهم للذوبان في النسيج الوطني أكثر وأكثر لا أن يحرزوا هدفا في مرماهم فيخرجون من أول مبارايات الديمقراطية خاسرين فيعودوا من جديد خارج أسوار البطولات