) وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال ( [ سورة إبراهيم - الآية 45 ]
هناك طائفة من البشر أو من الحكام أو من المسئولين لا تتعلم من الأحداث . وربما نلتمس لهم العذر ؛ لو طالت الفترة الزمنية بين الماضى والحاضر بما يفتح الباب للنسيان . ولكن كيف نلتمس لهم العذر فى مواجهة الحاضر المقيم الذى تبلعهم أحواله وتحيط بهم أحداثه ، فيتعاملون معها مثل الأطرش في الزفة . ما العذر الذي يمكن أن نلتمسه لهم ؟!! هل التبست الأمور عليهم فصاروا لا يفهمونها ؟ أم قست قلوبهم فأصبحت مثل الحجارة أو أشد قسوة ؟ أم ختموا على أسماعهم وأبصارهم حتى لا يسمعوا أو يبصروا ما يعكر مزاجهم ؟ الحاضر المقيم الذي بدأ في 25يناير مازال مستمراً ولم يفارقنا بعد ؛ فلماذا طال عليهم الأمد فأصبح يوم 25 بالنسبة لهم وكأنه حدث منذ 5 سنوات وليس منذ 5 شهور ؟ الحاضر المقيم الذي تبلور يوم 28يناير ؛ فامتلك فيه الشعب المصرى شوارع مصر ليصول فيها ويجول معلناً أنه وحده صاحب السيادة وصاحب البلد ومصدر كل السلطات ؛ هذا الحاضر يحيط بنا وتبلعنا أحداثه وأحواله ووقائعه . الحاضر المقيم الذي توهج يوم 11فبراير بخلع زعيم العصابة من السلطة ؛ هذا الحاضر مازالت كل رموزه وشخوصه ومحركيه على مسرح الأحداث ؛ ويمكن بكل بساطة أن تتم إعادة كل المشاهد ؛ طالما أن الزهايمر أصبح حجة المتغافلين. ولقد تم بالفعل إعادة مشهد الاعتصام ؛ والمشهد الذى يليه - مشهد الخلع أو التنحى أو التخلى - مازال قابلاً للإعادة . الحاضر المقيم الذي نعيشه يصرخ برسالة واحدة لكل من له قلب أو عينين أو أذنين ؛ مفادها بأن مطالب الثورة أوامر .. نعم أوامر وليست التماسات أو رجاءات أو تفضلات . مطالب الثورة أوامر واجبة التنفيذ فوراً دون مماطلة أو تسويف أو تبرير أو لف ودوران . مطالب الثورة أوامر ؛ لأنها نابعة من مظالم تراكمت على مدى عشرات السنين ؛ تم فيها تجاهل حاجات الناس وأحلامهم ورغباتهم في الحياة الكريمة . وبالتالى لم يعد في جبال الصبر - التى جثمت فوق صدور المصريين لسنين وسنين - أى موضع لم يتم نقبه أو حفره لاستخراج مبررات العزم والاحتمال وتقبل الأعذار . لقد نفذت جبال الصبر التى كانت هى الزاد الوحيد ؛ ولم يعد ظاهراً في الأفق إلا جبال الإنجاز والتغيير ؛ جبال الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية . وبالتالى على من يمتلك الكفاءة والرؤية والإرادة والقدرة على تسلق هذه الجبال ؛ عليه أن يتقدم ليتصدر المشهد ؛ لأنه لم يعد مقبولاً أن يحكمنا طائفة من البشر من أصحاب الجلود السميكة والقلوب المتحجرة والعقول الفاقدة للإدراك والأمل والدهشة والشغف . لم يعد مقبولاً أن يحكمنا من لا يتعلمون من التاريخ ولا يجيدون قراءة الحاضر . لم يعد مقبولاً أن يتم الالتفاف على معظم مطالب الثورة ليتم تفريغها من مضمونها . لم يعد مقبولاً أن ينفرد المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة الفترة الانتقالية ؛ ويتجاهل كل القوى التى قامت بالثورة ؛ بل ويفرض عليها أجندنه النابعة من أعضائه الذين بحكم عملهم وتخصصهم وتاريخهم وما تربوا عليه ؛ غير قابلين للتعاطى مع أمور السياسة ومشكلات المجتمع المدنى ومهارات التخاطب مع الرأى العام وفهمه واحتماله . لم يعد مقبولاً الإبقاء على وزير الداخلية في موقعه بعد نقله لقتلة المتظاهرين إلى الإدارات والمصالح المميزة لكى يحصلوا فيها على بدلات ومكافآت توازى عشرات أضعاف مرتباتهم . وكأن وزارة الداخلية تخرج لسانها لأهالى الضحايا ؛ وتقول لقتلة المتظاهرين : لا تخافوا نحن نحميكم . لم يعد مقبولاً أن يتذرع رجال القضاء بأن الأوراق المعروضة أمامهم فى قضايا قتل المتظاهرين وقضايا الفساد لا تترك لهم من سبيل إلا الحكم بالبراءة ؛ لأنهم بحكم دراستهم القانونية يعلمون أن القاضى فى محكمته هو المحقق الأعلى والخبير الأعلى ؛ وبالتالى فمن حق القاضى الالتفات عن كل الأوراق وإعادة إجراء التحقيق فى القضية المعروضة أمامه بنفسه ؛ فيطلب جلب الشهود الذين عاينوا الوقائع والأحداث ؛ ويطلب انتداب لجان لإعادة كتابة التقارير الطبية . فمثلاً فى قضايا قتل المتظاهرين أمام أقسام الشرطة يعلم القضاة أن تحريات المباحث مجروحة لشبهة الانحياز ؛ وتحقيقات النيابة غير دقيقة لقلة الكفاءة أو الإهمال أو التواطؤ . وبالتالى على رجال القضاء أن يتقوا الله ويستوفوا الأوراق والأدلة فى تلك القضايا لأن هناك دماء سالت وأموال شعب بأكمله نُهبت ؛ ومن لم ولن يؤرقه ضميره من أجل كل ذلك فعليه أن يتبوأ مقعده من النار . لم يعد مقبولاً أن تجتمع الأحزاب والتيارات السياسية وقوى الثورة على صيغة لقانون انتخابات مجلسى الشعب والشورى ؛ وإذا بالمجلس العسكرى يضرب عرض الحائط بهذه الصيغة ؛ ويزايد على أهل السياسة وهو لا يفهم فى السياسة ؛ ويعيدنا إلى عصر الانتخابات الفردية التى تحيل نائب البرلمان إلى بائع متجول بزكيبة يلف بها على الوزراء لقضاء حاجات المواطنين ؛ وبالتالى يصبح عضو البرلمان مكسور العين أمام أى وزير . مطالب الثورة أوامر ؛ فمن يرى فى نفسه الاستعداد للامتثال لأوامر هذا الشعب الذى نفذ صبره ؛ فليتبوأ موقعه من كراسى السلطة التى هى ملك الشعب . أما من لديهم ودن من طين وأخرى من عجين وبيصدروا لنا الطرشة ؛ وفاكرين العناد سياسة ؛ وعايشين دور الزهايمر ؛ وعاملين نفسهم مش واخدين بالهم إن البلد قامت فيها ثورة ؛ فنحن نقول لهم : مطالب الثورة أوامر ؛ واللى مستكبر ينفذ الأوامر فالباب يفوِّت جمل ؛ وخلاص الشعب المصرى اتعلم إن ما فيش مسئول يتبكى عليه ؛ لأن مصر ولادة ؛ واللى مش مصدق يجرب . **** دكتور / محمدمحفوظ [email protected] 0127508604