حقيقة لا مراء فيها و هي أن الغرب لا يريد الإسلام و شريعته في الدول الإسلامية .. و هو يحاول أن يفُك عُرى الشريعة من خلال المنظمات التي تُعنى بالحريات و حقوق الإنسان... وحدهم فقط السذج و السطحيون في تفكيرهم و أصحاب الأهواء من المحسوبين على الإسلام هم المخدوعين بهذه الشعارات البراقة و التي ظاهرها حق و باطنها ضلال. هناك فئة أخرى ترتزق من مسألة تسويق الأفكار العلمانية و الليبرالية و يغدق عليهم الغرب من الأموال الكثير ، بل و يدفعها لتكون قريبة من دوائر صناعة القرار ..أو تصيُد بعض الشخصيات و دفعها على طريق الشهرة لتصبح ذات تأثير جماهيري كبير .. هم يريدون أن يصدروا لنا بضاعتهم الغثة و الرديئة و أن يلبسوا الحق بالباطل بعد أن تمردوا على سلطة الكنيسة و ما كان يُعرف بالعصور المظلمة حيث سيطر البابا باسم الرب – كما زعموا- و تم استغلال الدين لبسط النفوذ على مقدرات البلاد و العباد و رأينا صكوك الغفران و مصادرة الفكر و الإبداع و إعدام العلماء و أصحاب الفكر باسم المسيحية و المسيحية السمحاء براء من كل ما تقدم ..فإذا كان ثمة مبرر لعلمانيتهم و تمردهم كرد فعل على سطوة الدين فمن غير المقبول إسقاط هذا كله على الإسلام . و نحن نرى كيف عالجت الشريعة الإسلامية قضايا الفكر و العلم و الاقتصاد على نحو لو أدركته البشرية لدخلت في دين الإسلام أفواجا .. هذه الثنائية الفريدة بين الأمور الدنيوية و بين الأمور التعبدية و التشابك العجيب بينهم ما يجعل المرء و هو في قلب الصلاة يستمع لقراءة آيات من القرآن يتلوها الإمام في شأن الميراث مثلاً أو في شأن العقود و البيع و الشراء .. هذا التشابك العجيب رغم كون المرء قد دخل في صلاة تعبدية إلا أن الخالق جل شأنه أراد أن يربطه بشئون دنياه في تشابك بين أمور الدنيا و بين أمور العبادة. يظل القرآن و هو دستور الأمة و مرجعها الأساسي يزخر بشتى دروب الفكر و القضايا العلمية و الكونية و الأخلاقية بأسلوب منطقي استدلالي على نحو غير مسبوق .. و لكون الإنسان هو المُخاطب و مناط التكليف فقد أفرد له القرآن آيات مُفصلات عن خلقه و مراحل تطوره.. "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِين"َ (14) سورة المؤمنون .. يظل هذا الوصف التشريحي الفسيولوجي و الذي سبق علم التشريح بأكثر من ألف و أربعمائة سنة هو برهان ساطع على عظمة القرآن .. و كونه منزلا من خالق هذا الكون و الذي سبق علمه حدود الزمان و المكان. يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم و الله مُتم نوره و لو كره الكافرون.