وزارة التخطيط تُشارك في منتدى «أفريقيا تنمو خضراء للتمويل المناخي»    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل قائد منظومة الصواريخ في "حماس"    عاجل.. مرموش يقود تشكيل مانشستر سيتي أمام بورنموث في الدوري الإنجليزي    الزمالك يرفض تظلم زيزو بشأن العقوبات الموقعة عليه    استعدادًا لامتحانات 2025 .. مراجعة نهائية فى الجغرافيا لطلاب الثانوية العامة    الصور الأولى من كواليس فيلم "بروفة فرح" ل نيللي كريم وشريف سلامة    محافظ الإسكندرية: الرئيس السيسي وجه بإحياء "أبو مينا" الأثرى    شاهد أول صورة من حفل زفاف المطرب مسلم    نائب محافظ كفر الشيخ يشيد بدور المدرسة الرسمية الدولية في بناء جيل المستقبل    أحمد فارس: التحالف الإعلامي المصري الصيني ضرورة لصناعة مستقبل مشترك أكثر تأثيرًا وتوازنًا    نقيب المحامين يحذر من القرارات الفردية في التصعيد بشأن أزمة الرسوم القضائية    رانيا ياسين: «إيلون ماسك عايز يعمل فيلم على المريخ.. وإحنا ماسكين في جواب سعاد وحليم»    هل يجوز الجمع بين الصلوات بسبب ظروف العمل؟.. أمين الفتوى يُجيب (فيديو)    وزير الصحة من جنيف: ملتزمون بتعزيز التصنيع المحلي لبناء مستقبل صحي لأفريقيا    بسمة نبيل تنضم إلى فريق عمل فيلم بنات فاتن    هربوا من الحر فاحتضنتهم الترعة.. نهاية مأساوية لثلاثة أطفال غرقوا بقرية درين في نبروه بالدقهلية    الخطيب يقود حملة لإزالة التعديات على أملاك الدولة بالقليوبية    محافظ الإسكندرية: السيسي وجّه بإحياء «أبومينا».. والتطوير يشهد إشادة من اليونسكو    سياسات الأدب ومؤتمر ميلانو    وزير الدفاع يشهد مشروع مراكز القيادة للمنطقة الغربية    الجامعة العربية ترحب بتعيين كامل إدريس رئيسا للوزراء في السودان    وزير الصحة: ملتزمون بتعزيز التصنيع المحلي للمنتجات الصحية من أجل مستقبل أفضل    الإسكان: تفاصيل طرح سكن لكل المصريين 7 غدا ومميزات المبادرة    بروتوكول تعاون بين جامعة جنوب الوادي وهيئة تنمية الصعيد    أول رد من بيراميدز على تصريحات سويلم بشأن التلويح بخصم 6 نقاط    اتحاد الكرة يستقر على تغيير ملعب نهائي كأس مصر للسيدات    القائم بأعمال سفير الهند: هجوم «بهالجام» عمل وحشي.. وعملية «سيندور» استهدفت الإرهابيين    لابورتا: لامين يامال مشروع نجم مختلف عن ميسي    غدا.. طرح الجزء الجديد من فيلم "مهمة مستحيلة" في دور العرض المصرية    بآلة حادّة.. شاب يقتل والدته جنوبي قنا    شروع في قتل عامل بسلاح أبيض بحدائق الأهرام    إقبال منخفض على شواطئ الإسكندرية بالتزامن مع بداية امتحانات نهاية العام    لتجنب الإصابات.. الزمالك يعيد صيانة ملاعب الناشئين بمقر النادي    مشاهدة مباراة الأهلي والزمالك بث مباشر اليوم في نصف نهائي دوري سوبر السلة    المشرف على "القومي للأشخاص ذوي الإعاقة" تستقبل وفدًا من منظمة هيئة إنقاذ الطفولة    «زهور نسجية».. معرض فني بكلية التربية النوعية بجامعة أسيوط    «الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية» يوضح مواصفات الحجر الأسود؟    خالد عبدالغفار يبحث تعزيز التعاون مع وزيري صحة لاتفيا وأوكرانيا    رئيس جامعة أسيوط يتابع امتحانات الفصل الدراسي الثاني ويطمئن على الطلاب    عبد المنعم عمارة: عندما كنت وزيرًا للرياضة كانت جميع أندية الدوري جماهيرية    طريقة عمل البصارة أرخص وجبة وقيمتها الغذائية عالية    محافظ بورسعيد: المحافظة ظلمت بسبب إدراجها ضمن المدن الحضرية    5 فرص عمل للمصريين في مجال دباغة الجلود بالأردن (شروط التقديم)    شقق متوسطى الدخل هتنزل بكرة بالتقسيط على 20 سنة.. ومقدم 100 ألف جنيه    محافظة القدس تحذر من دعوات منظمات «الهيكل» المتطرفة لاقتحام المسجد الأقصى    ب48 مصنعاً.. وزير الزراعة: توطين صناعة المبيدات أصبح ضرورة تفرضها التحديات الاقتصادية العالمية    استمارة التقدم على وظائف المدارس المصرية اليابانية للعام الدراسى 2026    الإفتاء توضح فضل صيام التسع الأوائل من ذي الحجة.. وغرة الشهر فلكيًا    بعد دخول قائد الطائرة الحمام وإغماء مساعده.. رحلة جوية تحلق بدون طيار ل10 دقائق    حكومة بلجيكا تتفق على موقفها بشأن الوضع في قطاع غزة    "أونروا": المنظمات الأممية ستتولى توزيع المساعدات الإنسانية في غزة    تشديد للوكلاء ومستوردي السيارات الكهربائية على الالتزام بالبروتوكول الأوروبي    جامعة سوهاج تعلن انطلاق الدورة الرابعة لجائزة التميز الحكومى العربى 2025    المغرب: حل الدولتين الأفق الوحيد لتسوية القضية الفلسطينية    هل يجوز الحج عمن مات مستطيعًا للعبادة؟.. دار الإفتاء تُجيب    ماذا تفعل المرأة إذا جاءها الحيض أثناء الحج؟.. أمينة الفتوى ترُد    الحبس 3 سنوات لعاطلين في سرقة مشغولات ذهبية من شقة بمصر الجديدة    عاجل- الصحة العالمية تُعلن خلو مصر من انتقال جميع طفيليات الملاريا البشرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعليم في المجتمعات المتخلفة ما بين مطرقة الثقافة الاستبدادية وسندان التقليدية
نشر في البداية الجديدة يوم 09 - 03 - 2015


كتبت اسماء حسين محمد ادم
عضو كاتب في موسوعة التدريب والتعليم
المدينة الخرطوم الدولة السودان
البريد الالكتروني [email protected] العمل استاذ مساعد
الهاتف - الموبايل 00249912624100
مقدمة: تعيش المنطقة العربية حالة شديدة من التأخر العلمي والحضاري والمعرفي، ولعل ما كشفه التقرير المعرفي الأول في الوطن العربي من مؤشرات رقمية يوضح بلا مواربة مدي تأخر وتخلف الأمة العربية في المجال المعرفي. ولعل أول ما يتبادر للذهن هو البحث عن أسباب تدهور العملية التعليمية والتربوية في تلك المجتمعات المتخلفة باعتبار أن التعليم هو المحور الأساسي الذي يمكن أن تدور حوله مشاريع إعادة إحياء كيان الأمة.
ينطلق هذا المقال من فرضيتين أساسيتين هما :
1) أهم أسباب التخلف التعليمي هو هيمنة الثقافة الاستبدادية علي تلك المجتمعات .
2) إتباع نمط التعليم التقليدي سواء في تحديد الغايات العليا للتعليم أو في تحديد طرق التعليم المتبعة ويشكل ذلك السبب الثاني من أسباب تخلف العملية التربوية والتعليمية.
لنبدأ المقال إذن بتعريف ماهية الثقافة الاستبدادية وأهم خصائصها ومردودها السلبي علي العملية التعليمية.
أولاً: التعليم والثقافة الاستبدادية:
أصل كلمة الثقافة من ثَقِفَ الشئ أي أقام المعوج منه وسواه. وثَقَّفَ الإنسان أي أدبه وهذبه وعلمه. ومن هنا فإن الثقافة هي العلوم والمعارف والفنون التي يطلب الحذق فيها.
لكن ما نقصده بالثقافة هنا هو مجموعة الأنظمة المعرفية التي يشترك فيها عدد كبير من الناس. والنظام المعرفي يشتمل على الكثير من العناصر مثل القيم والمعتقدات والسلوكيات والخبرات الجماعية التراكمية...الخ. وتتمظهر هذه الثقافة في عدد من البنود أهمها:
الرموز: وهى كلمات أو ايماءات محددة أو صور أو مواضيع محددة تتمحور حولها ثقافة المجتمع ولها قابلية للتبدل والتجدد المستمر.
الأبطال القوميون :الحقيقيين أو المتخيلين الذين يعيشون فى الماضي أو الحاضر ويمثلون القيم الرفيعة فى المجتمع.
الطقوس: وهى النشاطات الاجتماعية المتفق عليها مثل طريقة التحية واظهار الاحترام للآخرين والاحتفالات والمناسبات الدينية والاجتماعية.
منظومة القيم: وهى جوهر الثقافة والتي تفرق بين الحق والباطل والخير والشر.
تشكل كل هذه البنود شكلاً إجمالياً لسلوكيات عامة متفق عليها في مجتمع ما.
أما الاستبداد فأصل الكلمة يرجع إلي فعل استبد أي انفرد بالأمر. إستبد بفلان أي غلبه فلم يقدر على ضبطه. والاستبداد لغةً: "غرور المرء برأيه والانفة عن قبول النصيحة أو الاستقلال في الرأي وفي الحقوق المشتركة... وهو في اصطلاح السياسيين هو تصرف فرد أو جمع في حقوق قوم بالمشيئة وبلا خوف تبعة". لكن ما نعنيه في هذا المقال هو الاستبداد الاجتماعي والذي يكون الاستبداد السياسي فرع أصيل متولد عنه.
لعله من المدهش إن نعرف أن الاستبداد الاجتماعي في الدول المتخلفة ينتج بسبب هيمنة الإحساس بالنقص والقهر وفقدان السلطة والسيطرة على متغيرات الإحداث. فالرضوخ والقهر يمثلان الوجه الأخر للسيطرة والتسلط. لذلك فان من عادة التفكير في ظل الثقافة الاستبدادية أن تنحو نحو العنف أما قولاً أو فعلاً او شعورياً علي أقل الدرجات.
يشرح هذا الأمر بالتفصيل د. مصطفي حجازي قائلاً: "يعيش الإنسان المقهور في عالم من العنف المفروض...] لذا فهو[ لا يجد من مكانة له في علاقة التسلط العنفي هذه سوي الرضوخ والتبعية، سوى الوقوع في الدونية كقدر مفروض. ومن هنا شيوع تصرفات التزلف والاستلزام والمبالغة في تعظيم السيد اتقاءً لشره أو طمعاً في رضاه... ] و [ بدل علاقة أنا- أنت التي تتضمن المساواة والاعتراف المتبادل بإنسانية الآخر وحقه في الوجود، ذاك الاعتراف الذي يشكل شرط حصولنا علي إنسانيتنا من خلال اعتراف الآخر بنا كقيمة إنسانية، بدل هذه العلاقة تقوم علاقة من نوع أنا- ذاك. ذاك هو الشئ، هو الكائن الذي لا اعتراف به، بإنسانيته وقيمتها، أو بحياته وقدسيتها. باعتباره شيئاً يصبح كل ما يتعلق به أو ما يمت إليه مباحاً (غبن، اعتداء، تسلط، استغلال،قتل، الخ...) ذلك هو الإنسان المقهور، إنسان العالم المتخلف. علي العكس تتضخم ذاتية المتسلط بشكل مفرط يحتوي الآخر الشئ، ويجعله تابعاً له وأداة لخدمته في حالة من طغيان الانوية".
خصائص المجتمعات المستبدة:
أهم ما يميز المجتمعات المستبدة هو وجود تراتيبية اجتماعية صارمة وهيكل هرمى للتنظيم الاجتماعي يمنع من اطلاق مفهوم المساواة الكاملة بين الناس. قد تتخذ هذه التراتيبية شكلاً اثنياً (تصبح عرقيات محددة أفضل من عرقيات أخري) أو شكلاً اقتصادياً أو عائلياً توارثياً أو سياسياً. المهم هو إن التمييز بين الناس لا يتم بناء على معايير موضوعية كالكفاءة والخلق القويم...الخ. وبسبب هذه التراتيبية تنشئ الأجيال علي الخضوع والانصياع التام للأوامر بدون القدرة علي الجدال والمناقشة مع سيادة روح الخرافة وانحسار نمط التفكير الإبداعي والتواكل والمحسوبية والاعتماد علي الآخر وحل الإشكاليات بالعاطفة والنزوع نحو استخدام العنف اللفظي أو الجسدي لإنهاء المشاكل مع كراهية سماع أو نقاش الآراء المضادة وتحويل الاختلاف في الرأي إلي خلاف شخصي والمنافسة الأنانية القائمة علي تضييق فرص الآخرين بدلاً من التعاون معهم.
بدون ادني شك فان مثل هذه الخصائص لا بد وأن يكون لها أعمق الأثر في العملية التربوية والتعليمية.
خصائص التعليم في المجتمعات المستبدة:
تتفق خصائص التعليم في المجتمعات المستبدة تماماً مع خصائص ذلك المجتمع، لذلك تنحو أن تكون العملية التعليمية قائمة علي محور السيد/ التابع. فالسيد هنا هو المعلم الذي يعرف كل شئ عن أي شئ ولا يعطى التابعين (الطلاب) اى مجال للمناقشة والعصف الذهني والتفكير الإبداعي. لذلك فان واجب الطالب هو فقط حفظ وخزن المعلومة ثم استفراغها في آخر العام الدراسي علي ورقة الامتحانات.
هذا الوضع يخلق اضطراباً في منهجية التفكير يتمثل في سوء التنظيم الذهني للواقع. "تقترب الذهنية المتخلفة من الواقع وتتعامل معه دون خطة مسبقة ذات مراحل منطقية واضحة سلفاً. الفوضى والعشوائية والتخبط والمحاولة شبه العمياء هي المميزة...وهكذا يخرج المجتمعون بعد نقاش طويل دون تكوين تصور واضح عن المسألة وإيجاد الحلول لها. .].
ويصبح هذا[ هو النمط الشائع في التصدي للحياة بقضاياها اليومية..] و [ علي المستوي الجامعي يلاحظ المرء مدي الصعوبات التي تعترض الطلاب من الناحية المنهجية..بل نجد الكثير من المؤلفين الجامعيين يفتقرون الدقة والتنظيم المنهجى في كتاباتهم. أنهم يذهبون في كل اتجاه، ويتحدثون عن ما يلائم وما لا يلائم الموضوع، ويقعون في التكرار، مما يجعل كتاباتهم اقرب إلي تكديس المعلومات منها إلي تنسيقها".
يكون هدف التعليم في هذه الحالة هو إعادة إنتاج الواقع الذي يكرس الهيمنة المستبدة ويخلق ما يعرف بالمجتمع الأحادي.
أضف إلي ذلك تتشت النخب المتعلمة بعد تخرجها من المعاهد والجامعات. أو اختيار الهجرة (هجرة العقول المفكرة)، أو الانغماس في طلب المعايش. وحتي لو استطاع المتعلم امتلاك إمكانيات عقلية ممتازة فانه يمكن إن يقابل بالإهمال لان معايير الكفاءة ليست هي المعايير القياسية التي يعتمد عليها المجتمع في التدرج نحو أعلي السلم الاجتماعي.
ثانيا: التعليم والتقليدية:
السبب الثاني وراء تأخر العملية التربوية هو ارتباط التعلم بالطرق التقليدية سواء في رسم الأهداف أو إتباع الوسائل التعليمية.
ونقصد بالتقليدية أمرين:
1) عدم القدرة علي خلق توافق بناء بين الأهداف التعليمية والقيم المجتمعية الإسلامية العليا.
2) إتباع الطرق التقليدية في التدريس والتعليم.
إن التعليم بشكله الرسمي الحالي هو صنعة أوروبية انتقلت إلينا إبان الاستعمار الأوروبي للقارتين الأسيوية والإفريقية بسبب تغلبهم علي هذه المجتمعات. وقد اتخذت الغلبة الأوروبية طابعان:" احدهما الغلبة المعنوية والخلقية والآخر الغلبة المادية والسياسية.
فإما الغلبة من النوع الأول فهي إن تتقدم امة من حيث قواها الفكرية والعلمية تقدماً يجعل سائر الأمم تؤمن بأفكارها فتتغلب نظراتها على الأذهان وتستولي منازعها ومعتقداتها علي المشاعر وتنطبع بطابعها العقليات. فتكون ( الحضارة) حضارتها (والعلوم) علومها و (التحقيق) ما تقوم به هذه و (الحق) ما هو عندها حق و(الباطل) ما تحكم هي عليه بأنه باطل. إما الغلبة من النوع الآخر فهي إن تصبح امة من شدة الصولة والبأس باعتبار القوى المادية بحيث تعود الأمم الاخري لا تستطيع إن تحتفظ باستقلالها السياسي ازاءه. فتستبد هذه بجميع وسائل الثروة عند تلك الأمم وتسيطر علي تدبير شؤونها كاملة أو إلي حد ما."
لقد كان من ثمرات الاستعمار الغربي أن صمم الأنظمة التعليمية في المجتمعات الخاضعة له بما يوافق أغراضه (استمرارية الهيمنه) وكذلك بما يتوافق مع قيم وأهداف المجتمع الغربي.
السؤال الملح هنا هل تتوافق قيم المجتمع الغربي مع الإسلامي؟
إن أي مجتمع من المجتمعات له صورة جماعية خاصة بها يصيغ بها كيانه ويحدد بها أهدافه وقيمه وتصوراته الذهنية عن الماضي والحاضر والمستقبل. والتربية والتعليم من أهم الأدوات التي تضمن بهما المجتمعات استمرارية كينونتها وأهدافها وقيمها. لذلك وجب إن يكون التعليم منبثقا من ومعبرا عن الأهداف العليا للمجتمع. وهذا ما حدث في الغرب.
فعندما انتفض علماء الغرب على الكنيسة حدث صراع حاد بين حرية الفكر والزعماء الدينيين، الأمر الذي أدي إلي استبعاد الدين من مجمل مكونات الحضارة الغربية التي تحولت إلي حضارة مادية بحتة تسعى لزيادة رفاهية الإنسان عبر زيادة متعة المادية والحسية حتى " أن الإنسان تنحصر حياته كلها في هذه الدنيا وغايته النهائية إن يحقق رغباته الحيوانية في هذه الحياة بأكثر ما يكون من الجودة والكمال".
لأجل ذلك جاءت الغاية الكبري والدوافع من العملية التعليمية هو كيف يعظم الإنسان من قدراته ومؤهلاته ليعظم من ربحه. إذ إن القاعدة هنا هي ان رفاهية المجتمع تعني مجموع رفاهية كل شخص فيها.
"ولهذه الأسباب ولغيرها ارتفعت قيمة المال في عيون الناس ارتفاعا لم تبلغه في الزمن السابق، وبلغ من الأهمية والمكانة مبلغاً لم يبلغه- علي ما نعرف- في دور من ادوار التاريخ المدون، وأصبح المال هو الروح الساري في جسم المجتمع البشري والحافز الأكبر للناس في أعمالهم ونشاطهم المدني
و لقد ورث المجتمع المسلم الأسس التعليمية وفقاً لأهداف الحضارة الغربية المشروحة آنفا وذلك لأن" المقِلد إنما ينظر من عمل المقَلد إلى ظاهره ولا يدري سره ولا ما بني عليه. فهو يعمل علي غير نظام، ويأخذ الأمر لا علي قاعدة، ولذا سقط المسلمون في شر ما كان عليه مقلديهم".
ظهر هذا التقليد جليا في استمرار التعليم بنظامه وأسسه وأغراضه بعد جلاء المستعمرين دون النظر المتفحص والتغيير الراديكالي لأهدافه لكي يتماشي مع أهداف التعليم الإسلامي. فالتعليم في المجتمع المسلم يهدف إلي طلب الآخرة بالعمل الصالح في الدنيا وليس لنيل الأوسمة والشهادات لنيل الأموال.
يشرح ذلك بالتفصيل المودودي قائلا:" إن العلم علي نوعين: علم يتعلق بجزئيات حياتنا، ...ويشتمل علي عدة فنون وعلوم. وعلم آخر هو العلم الكلي... يتعلق بنا ( نحن) ويأخذ بالبحث موضوع ماذا نحن، وما هي مكانتنا في هذه الحياة..؟ وما هي العلاقة بيننا وبين الخالق؟...إن هذا (العلم الكلى) له حكم الأصل والأساس وما كل علومنا الجزئية إلا فروع لهذا الأصل وعلي استقامته أو اعوجاجه تتوقف كل أفكارنا وأعمالنا وشؤون حياتنا في صحتها أو فسادها".
مما سبق يبدو واضحا إن عدم القدرة علي رسم أهداف تطابق القيم يعمل علي خلل الغملية التعليمية برمتها.
أما طرق التدريس التقليدية فهي تتميز بالنمطية التقليدية والتي تتلخص في التالي:
التركيز على المواد الدراسية المنفصلة، انطلاقا من نظرية الملكات العقلية والتي تؤكد على أن كل مادة دراسية تدرب ملكة عقلية محددة، وبذلك يجب أن تكون منفصلة عن غيرها.
لا تراعي وجهة نظر المعلم، والتلميذ، وأولياء الأمور في وضع المناهج وبالتالي يهملون جانب الفروق الفردية بين التلاميذ.
نتيجة للتركيز على المادة الدراسية. فإن المنهج التقليدي أهمل كل نشاط يتم خارج حجرة الدرس، وأهمل طرق التفكير العلمي، وأهمل تنمية الاتجاهات والميول الإيجابية، وأعتبر النجاح في الامتحانات التي يعقدها المعلم والتي تركز على حفظ المادة هي الأساس، وهذا يؤدي إلى طمس روح التفكير العلمي والابتكار.
كثرة المواد الدراسية وضخامة مادتها، وأن فشل الطالب في أي ناحية من نواحي حياته ما هو إلا نتيجة فشله في حفظ دروسه.
اغفال استخدام الوسائل التعليمية.
إن التعليم بشكله التقليدي ينافي كل من نظريتي كولب وبلوم الشهيرتين في هذا المجال. فنظرية كولب تعتمد علي تقسيم الطلاب إلي أربعة فئات من حيث أنماط التعليم لديهم. فالنمط الاستيعابي يميل إلي استيعاب المعلومات من خلال النماذج والنظريات، أما النمط التقاربي فهو يميل إلي جمع المعلومات بغرض حل المشاكل، أما النمط التواؤمي فهو عادة ما يلجأ إلي وضع الأفكار التي تعلمها حيز التطبيق، والنمط الأخير هو التباعد الذي يرتكز نمطه علي الإبداع حيث يسعي لتكوين عدد من التفاسير للتجربة الواحدة. وكما هو واضح فان تحقيق قدر معقول من التوازن بين هذه الأنماط لا يتحقق بدون اعتماد التعلم علي التجريب وتطوير الأفكار وإفساح المجال للإبداع، وهذا كله لا يتوفر في التعليم التقليدي. إذ إن التركيز غالبا ما ينصب علي الاهتمام بجانب الذكاء الحفظي للتلميذ، من خلال حفظه لمجموعة المعارف والمفاهيم، وإهمال أنواع الذكاءات الاخري.
أما تصنيفة بلوم فتوضح أهداف العملية التربوية بشكل مبسط حيث تحتوي علي ثلاثة أهداف: الهدف العرفي: ويشمل الالمام بالمعلومة_ثم فهمها_ ثم التحول إلي مرحلتي التطبيق والتحليل فالتركيب واخيرا التقييم. اما المستوي العاطفي فهي يشمل خلق الميول العاطفية تجاه المادة المراد تعليمها بعد ادراكها ليكون من الممكن التفاعل معها ثم فههما ثم ادخالها فى المنظومة القيمية للشخص واخيرا التحول الي عادة سلوكية دائمة. والهدف الاخير هو الهدف المهاراتي الذي يبدأ بالمحاكاة ثم اتباع التعليمات فالدقة فمرحلة دمج المهارات وتكاملها واخيرا مرحلة الخبرة المستقرة.
من الواضح ان التعليم التقليدي الذي يركز علي التلقين ويشل الحركة الجسدية ويميل الي اعتبار التقييم النهائي هو المقياس الوحيد لنجاح او فشل الطالب يتنافي بالضرورة مع تم ذكره من اهداف التعلم حسب نموذج بلوم. لذلك سرعان ما يمحي الطلاب ما تعلموه بمجرد الانتهاء من الامتحانات. ونادرا ما تتحول المعارف القيمية الي عادات سلوكية ايجابية لها صفة الديمومة.

خاتمة البحث:
إن الرسالة المحمدية بدأت بأقرأ. لكن المجتمع المسلم اليوم هو من اكثر المجتمعات تخلفاً معرفياً وحضارياً. لذا فان من اوجب واجبات الامة النهوض بنظمها التعليمية. قد يكون في التحول من نمط التقليدية فى اساليب التعليم الي الانماط التعليمية الحديثة تطورا جزئياً الا انه في نظري غير كاف ما لم يتم استبدال الثقافة المجتمعية الاستبدادية المهيمنة بثقافة الحرية والعدالة. ومبدأ ذلك لا يكون بالانقلاب علي الحكومات بل باصلاح الانظمة التعليمية لخلق مجتمع يعتمد علي التفكير العلمي والابداعي لحل مشاكله، لان القاعدة الذهبية هنا ما قررته حكمة السكندري حين قال : "من اشرقت بدايته اشرقت نهايته".

قائمة المراجع:
ابو الاعلي المودودي، نحن والحضارة الغربية، بيروت: دار الفكر.
ابو الاعلي المودودي، الحضارة الاسلامية: اسسها ومبادؤها، بيروت: دار العربية للطباعة.
ابو الحسن علي الحسني النذوي، ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، اللملكة العربية السعودية، دار المعارف، .1978
الشيخ محمد عبده، عرض وتحقيق طاهر الطناحي، الاسلام بين العلم و المدنية، المجموعة الاسلامية الجديدة لتراث الاستاذ الامام، كتاب الهلال.
المعجم الوسيط.
عبد الرحمن الكواكبي، دراسة وتحقيق محمد جمال طخان، الاعمال الكاملة للكواكبي، سلسلة التراث القومى، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية،2004
كمال عبدالله وعبدالله قلي، مدخل الي علوم التربية. موجه لطلبة اللغة العربية وآدابها- السنة الأولى بالمدرسة العليا للأساتذة في الآداب والعلوم الانسانية- بوزريعة بالجزائر.
محمد سعيد البوطي، شرح وتحليل الحكم العطائية (دمشق: دار الفكر، 2007). الحكمة السابعة والعشرون.
مذكرات ايلاف ترين، دورة تدريب المدربين، الخرطوم، 4-14 ديسمبر 2010.
مصطفي حجازى، التخلف الاجتماعي: مدخل الي سيكولوجية الانسان المقهور (بيروت: المركز الثقافي العربي، 2007)
مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، تقرير المعرفة العربي ( دبي: 2009).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.