يعد الدكتور عبد الحميد أبو سليمان. رئيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي. مفكرا موسوعيا مهموم بأمراض الأمة ويحاول تشخيص الآلام والاجتهاد في وضع الخطط لتحقيق الآمال من خلال مشروعاته الفكرية لتحقيق ثلاثية ¢الاستيقاظ والاستنقاذ والاستنهاض¢ ويري أن هذا لن يتم إلا من خلال ثلاثية ¢ الأسرة والتعليم والإرادة ¢ من هنا تأتي أهمية الحوار معه والتعرف علي رؤيته لثورات الربيع العربي وتقييمه لها إيجابا وسلبا بالإضافة الي الغوص في بحر مشاريعه الفكرية وما يقوم به المعهد الذي يترأسه لتحويل تلك الأفكار إلي واقع يسهم في تغيير واقع الأمة المرير إلي الأفضل ** نذرتم حياتكم لإحياء مشروع الإصلاح الإسلامي والعمل علي تطبيقه إلا أننا حتي الآن ما زلنا نراه بعيدا فما السبب في ذلك ؟ ** السبب انه مازال هناك بعدى غائبى في مشروع الإصلاح الإسلامي لا يمكن للمشروع الحضاري - دونه - من إحداث التغيير المطلوب الذي يفجر طاقة الأمة ويحرك طاقتها الوجدانية الكامنة فيها وهذا البعد هو الطفل الذي يمثل البذرة التي تحدد نوع الشجرة وطعم الثمرة. أؤكد أن غياب الجانب النفسي الوجداني في الخطاب التربوي الإسلامي للطفل جعلنا نفشل في أن نضع أنفسنا علي الطريق السليم لأن هذا الفهم يعد أساساً لإرساء طاقات المبادرة والإبداع في البناء النفسي والوجداني ولهذا فإن البداية الحقيقية لمشوار الألف ميل في النهضة يبدأ بمعرفة الأبعاد الثقافية والفكرية التي تسببت في هذا التشوه والغياب ولمعرفة المفاهيم والمنطلقات التي تمكِّن الأمة من استكمال هذا النقص و استعادة هذا العامل أمر ضروري في عملية التغيير الاجتماعي والحضاري علي طريق استعادة الوحدة بين المعرفي والنفسي الوجداني في بناء نفسية الطفل وتمكين طاقات المبادرة والروح العلمية والإبداع في أصل طبع طفولة الإنسان المسلم وتكوينه النفسي والوجداني لأن التمكين في أصل الطبع هو أساس الفعل وتفعيل الأداء البداية بالطفل ** طالما نتحدث أن بداية النهضة تبدأ بالطفل فإن هذا يدفعنا الي أهمية إحداث التغيير اللازم في الأسرة التي يتربي فيها الأطفال باعتبارها المعمل الأساسي في تجهيزه وإعداده ** لاشك أن لمؤسسة الأسرة دورها المحوري الفطري الذي هو بمنزلة مفتاح التشغيل في عملية تحقيق الإصلاح التربوي والتغيير الاجتماعي والحضاري بل إنني أشبه ¢الأسرة¢ ب¢سيناء¢ هذا العصر في قصة بني إسرائيل حيث كانت نقطة التحول الكبري في كسر حاجز الخوف والاستعباد وبناء العزة والكرامة لدي الأجيال الجديدة القادرة علي إعلاء كلمة الله في أرضه الأسرة وسيناء ** هل الأسرة وحدها قادرة علي القيام بمهمة سيناء التي حولت مسار حياة بني إسرائيل من الخوف إلي الشجاعة والإقدام ومن الاستعباد الي القوة والقيادة ؟ ** بالطبع لا ولكنها مفتاح البداية ولابد أن يقوم المفكرون والتربويون وبقية مؤسسات المجتمع التربوية بدورهم في توعيتها وإمدادها بالأدبيات اللازمة وأن يضعوا المبادرة في إرساء أسس التغيير في يد الأمة وفي يد أبنائها من الرجال و النساء بالتوجه إلي ما في أصل نفوس الأبوين من دوافع الأبوة والأمومة الفطرية المكرَّسة لجلب كل ما فيه خير الأبناء وتحقيق مصلحتهم الروحية والمادية التي هي أساس بناء الأمة القادرة العزيزة الكريمة من ورائهم جهود مشروع الإصلاح الإسلامي في المجتمعات المسلمة في الجوانب الاقتصادية والسياسية والدعوية وسواها بل تتكامل معها وتتضافر لاستكمال الشروط الضرورية لتفعيل طاقة التغيير في الأمة وإعداد البذور الصالحة الصحيحة لإعطاء الثمر الطيب الناضج ولابد أن يتواكب مع ذلك معرفة أسباب الضعف والقصور التي أوصلتنا إلي حالة العجز والضعف لابد من تناول الدواء ولو كان مراً بعد يتعرف مفكرو الأمة وعقلاؤها فيها علي مكامن الداء وسنة الله في خلقه لخصها في قوله تعالي ¢إنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمي حَتَّي يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ¢ النهوض بالتعليم ** أدركتم أن التعليم هو الأساس في أي إصلاح في العالم الإسلامي لهذا أعددتم من خلال المعهد العالمي للفكر الإسلامي خطة عامة لإصلاح مناهج التعليم الجامعي ..فما هي الرؤية التي استندتم إليها والأهداف المنشودة منه ؟ ** يسعي المعهد في رؤيته الإصلاحية لمناهج التعليم الجامعي إلي التأسيس للبعد الفكري والثقافي والحضاري في جهود الإصلاح الإسلامي. ويهدف هذا التأسيس إلي بناء شخصية الطالب الجامعي وتعميق رؤيته الكونية الإسلامية وإدراك واقع أمته ومتطلبات نهوضها الحضاري المنشود حتي يكون فاعلاً قادراً علي العطاء والإنجاز والإبداع في مجال تخصصه العلمي ويكون في الوقت نفسه منتمياً إلي مجتمعه وأمته مستثمراً لطاقاته وموجهاً لإنجازاته في خدمتها ورفع شأنها وبناء مستقبلها. ولتحقيق ذلك رأينا ضرورة التخطيط لهذا البعد الفكري والثقافي والحضاري الإسلامي في برامج الدراسة الجامعية بصورة واضحة ومحددة ويشمل هذا التخطيط هيكل البرنامج ومحتوي مقرراته كما يشمل طرق التدريس والتقويم المعتمدة في جميع برامج التعليم الجامعي سواءً في متطلبات الجامعة أو في متطلبات التخصص. ونقترح اعتماد نظام التخصص الرئيسي والتخصص الفرعي ونظام التخصص المزدوج في برامج المرحلة الأولي من الدراسة الجامعية بحيث يكون التخصص الفرعي في الدراسات الإسلامية متطلباً مشتركاً لجميع طلبة الجامعة ليسهم هذا التخصص بصورة مباشرة في تلبية متطلبات بناء الشخصية الإسلامية المتميزة ويساعد هذا النمط من برامج التعليم الجامعي الخريجين في ممارسة العمل في أكثر من مجال واحد وفق ما يتيسر له من فرص عمل ووفق اختياراتهم واهتماماتهم. بشرط أن لا يخل ذلك من التمكن من متطلبات التخصص والقدرة علي العطاء والإنجاز فيه حيث تشترك جميع البرامج المقترحة بوجود برنامج التخصص الفرعي في الدراسات الإسلامية الذي يستهدف تمكين الطالب الجامعي من بناء ثقافة إسلامية تعزز هويته وانتماءه الإسلامي الحضاري وتعينه علي تمثل هذا الانتماء في واقعه المعاصر. كما تشترك جميع هذه البرامج بوجود عدد من المقررات الدراسية التي تستهدف تطوير شخصية الطالب الجامعي في مجالات التفكير المنهجي والثقافة الأسرية وخدمة المجتمع وقد تم تطبيق هذا المقترح بنجاح في الجامعة الإسلامية بماليزيا ويتم انتقاله الي الجامعات الإسلامية في العديد من الدول الإسلامية الأسيوية ونعمل علي نقلة الي الوطن العربي بشكل كبير في المرحلة القادمة المدارس العالمية ** يتبني المعهد تجربة إنشاء المدارس الإسلامية العالمية فما هي الفلسفة التي تقوم عليها هذه التجربة الآخذة في الانتشار ؟ ** نري الخطوة الأولي هي إسلامية المعرفة بإصلاح مناهج الفكر وتنقية الثقافة ولا يمكن فصلها عن العمل علي إصلاح بناء الأسرة وتوفير المحضن التربوي المطلوب لتنشئة الطفل المتكامل الشخصية ويتصف بأنه قوي وقادر وأمين مع التأكيد علي أهمية التوعية التربوية التي تحول إمكانات الأسرة من معين الحب والثقة والأمن إلي منهج تربوي إيجابي فعّال يأخذ بيد الطفل ويرعاه لتنمية قدراته ومواهبه وتكوين عقليته العلمية ووجدانه الاجتماعي الحي ويتم تفعيل ذلك من خلال توفير الوسائل العلمية والتربوية للمدرسين لمساعدتهم علي أداء مهمتهم وتزويدهم بكل جديد ونافع في المجال التربوي وإنتاج الأدبيات التي تعينهم وتعمق مداركهم ونوفر لهم المناهج المعرفية التربوية التي تقدم المعارف والعلوم التي تناسب كل مرحلة من مراحل الطفولة وتدعم القيم والمفاهيم والسلوك المرغوب في كل مرحلة ولا يقدم للطفل ما يضر ببنائه النفسي وحسه الوجداني وأن يتم تقديم المادة العلمية بأسلوب تربوي لغرس العقائد السليمة والقيم الأخلاقية والممارسات الاجتماعية الحميدة والطاقات الوجدانية الحية والمناهج العلمية والقدرات المعرفية المتميزة. التجربة الماليزية ** ما أشهر التجارب التربوية التي قام المعهد العالمي للفكر الإسلامي بتحويلها إلي أمر واقع وليس مجرد تصور نظري ؟ ** بدأ المعهد هذا المشوار من خلال تجربة الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا فقد أقامت الجامعة مركزاً لأبحاث مناهج التربية والتعليم العام والعمل علي بناء مدرسة نموذجية تابعة للجامعة وقام المركز - من خلال عدد من أساتذة التربية المختصين وعلي ضوء الخطة التي تم رسمها وبإشراف مباشر من إدارة الجامعة وبالتعاون مع عدة لجان متخصصة من الأساتذة الجامعيين في مختلف المجالات الأكاديمية - وضع مسودات أولية لمناهج تربوية لمختلف مراحل التعليم العام كما تم فعلاً إقامة مدرسة تابعة للجامعة لمختلف مراحل التعليم العام وتم تنفيذ تلك المناهج فيها لتستمر علي النمط والغايات التي أقيمت من أجلها واستمر مركز الأبحاث التربوية في تطوير تلك المناهج ونجح في تأليف كتب منهجية كاملة علي أساس تلك المناهج التربوية المطورة. مستعدون للتعاون ** لماذا لا تتعاونون مع المؤسسات التعليمية في العالم الإسلامي لنشر تلك التجارب التربوية الرائدة حتي تكون مهمة الاستيقاظ والاستنقاذ شاملة ؟ ** نحن نتعاون مع من يرغب في التعاون معنا في العالم الإسلامي ومستعدون لتقديم خبراتنا لمواصلة العمل والبحث العلمي لتنمية كل الجهود التربوية الرائدة وتطويرها وبذل أقصي الجهد في مجالات تنقية الثقافة وتطوير المناهج التربوية والمعرفية وتطوير الكتب المنهجية المطلوبة والعمل علي إنشاء سلسلة من المدارس الإسلامية العالمية والمؤسسة التربوية اللازمة للإشراف العام عليها ووضع الخطط التنظيمية اللازمة لنجاحها وانتشارها إسلامية المعرفة ** يتبني المعهد مشروعا عالميا تطلقون عليه ¢إسلامية المعرفة ¢ فما الهدف منه ؟ وما أدوات تحقيقه علي ارض الواقع ؟ ** الهدف من مشروع إسلامية المعرفة وتجديد الفكر الإسلامي هو إنجاح مشروع الإصلاح الحضاري الإسلامي وتوفير الشروط الأساسية لانطلاقه لذلك أخذ المعهد علي عاتقه دفع الجهود في مجال الإصلاح المنهجي الفكري والتنقية الثقافية الإسلامية وإنشاء مؤسسة تنمية الطفل التي تكرس جهودها للدراسات والأبحاث العلمية التربوية: التي تخدم الأسرة والمدرسة وكافة المؤسسات المعنية بالتربية والتعليم العام. وتطوير المناهج التربوية والتعليمية. والكتب والأدبيات المدرسية الموجهة لتربية الطفل وتعليمه وتثقيفه وتنمية قدراته وطاقاته والعمل علي إنشاء مؤسسة لرعاية سلسلة المدارس الإسلامية العالمية النموذجية التي تحيل الحلم إلي حقيقة وتخرج الأفكار إلي حيز الوجود والتنفيذ ولابد أن يعمل المعهد ومؤسسة تنمية الطفل ومؤسسة المدارس الإسلامية العالمية تحت مظلة اتحاد لمؤسسات الفكر الحضاري الإسلامي والتعاون مع المراكز الفكرية الحضارية المختلفة التي تعمل لذات الهدف. تقصير الأمة وتخلفها ** تؤكدون ان ضعف المسلمين لم يضرهم فقط وإنما اضر بالإنسانية كلها فماذا تقصدون بذلك في ظل موجة العداء المتزايد ضد الإسلام في العالم ؟ ** أري انه لا تقتصر أضرار تخلف الأمة الإسلامية وضعفها وتمزقها وعجزها وقصور أدائها علي أبناء الأمة وحدهم ولكن الأثر السلبي لذلك يمتد إلي حجب نور رسالة الإسلام العالمية وهدايته الكلية الروحية الأخلاقية من حيث التوحيد والاستخلاف والإخاء والسلام والعدالة والرحمةً إلي الإنسانية مما يعوق رسالة الإسلام أن تصبح رحم حضارة حقيقية وسعادة روحية ومادية وخيراً في الدنيا والآخرة ولهذا فنحن آثمون ليس لتقصيرنا في تطبيق الإسلام فقط بل ولحرمان البشرية من فوائد تطبيقه ولنقارن بين أجدادنا الذين جاهدوا في الفتوحات الإسلامية لنشر نور الإسلام في العالم وأقاموا أعظم حضارة وأوسع إمبراطورية في تاريخ البشرية لأنهم كانوا يشعرون أنهم أصحاب رسالة