رجال القصر منزعجون من «هيكل» لأنه ينصب نفسه «مرشدًا» ل«السيسي».. ويحرصون على عزل الرئيس عنه يرفضون ما يفعله لأنه يحاول أن يبدو متصلًا ب«السيسي» يراه ويتحدث معه.. ومساعد للرئيس: «السيسي» لم يتصل ب«هيكل» إلا مرة واحدة للاطمئنان على زوجته في سياق مختلف كان يمكنني أن أتعاطى مع كلام هيكل بشكل مختلف. الكاتب الكبير الذي يلعب سياسة منذ سنوات طويلة مسخرًا كل إمكانياته الصحفية لتحقيق أهدافه، أطل من جديد مع مذيعته المفضلة لميس الحديدى ( الجمعة 12 ديسمبر) ليستعرض قدراته على التحليل والتنكيد على خلق الله، بما لديه من قدرة على الإحباط وبعث طاقات سلبية لا يقدر عليها أحد مثله. هيكل قال نصًا: كثيرون من رجال مبارك يعودون الآن، وأنا في باريس هاتفني أحدهم، وقال لى وهو فرنسي الجنسية من الدائرة الأكاديمية وقريب من اليونسكو فتساءل: ألا تريدون أن ترشحوا أحدهم في اليونسكو، فقلت له: ليس في علمي، فقال لي يتحدثون أن ثمة مرشحين، ولا أريد أن أسمى أسماء، لكن تقال أسماء سواء في اليونسكو أو الجامعة العربية، هناك عودة واضحة لرجال مبارك بطريقة تستدعى الشك على أقل تقدير. طالبنا قبل أن يطالب هيكل بسد الباب أمام رجال مبارك، قلنا قبل أن يقول، وكشفنا مخططات بعضهم، وفضحناهم على الملأ، لكن الأرضية التي انطلقنا منها كانت مختلفة، رفضنا عودة رجال مبارك لما نعلمه عنهم من فساد وإفساد وظلم وتخريب لكل شىء جميل، لكن هيكل يتحرك من أرضية حقد وانتقام ورغبة في تصفية كل ما له صلة بنظام مبارك. كان مبارك يكره هيكل، وكان هيكل يبادله نفس الشعور، لم ينس الأستاذ أن مبارك طارده في كل مكان، أوقف برامجه التي كان يتحدث فيها، تسبب في منع طباعة الأهرام بعض كتبه، تجاهله تمامًا، ولم يتعامل معه بالشكل الذي يليق أو يتوقعه هيكل، وهو لا يتحمل التجاهل ولا يرضى به. كان رأى مبارك في هيكل محددًا، نقله الراحل أسامة الباز لبعض أصدقائه - لا يزالون أحياء - فالكاتب عند الرئيس كان أنانيًا، لا يعمل إلا من أجل مصلحته فقط، وعندما تنتهى المصلحة ينقلب على من كان يعمل معهم، ولعل السبب في هذا الرأى كتاب «خريف الغضب» الذي فضح فيه هيكل السادات للدرجة التي عايره فيها بلونه الأسود وأصول أسرته، ولذلك رفض مبارك كل محاولات هيكل للتقرب، وهى محاولات موثقة ومنشورة ولدينا عليها شهود، ولذلك لم أقدر كثيرًا ما قاله عن عدم تواصله مع مبارك، أو أنه لم يكن يريد منه شيئًا، فقد كان يريد كل شىء، لكن مبارك أغلق في وجهه كل الأبواب. ولذلك يأتى كلام هيكل عن مبارك طوال الوقت من أرضية بغيضة لا مكان فيها لمصلحة الوطن، ولكن من أجل الانتقام وتصفية الحسابات القديمة. عندما علم هيكل أن الإخوان يفكرون في الانسحاب من الميدان مقابل مكاسب عرضها عليهم عمر سليمان، تواصل مع عصام العريان وسعد الكتاتني، جلس معهما في حديقة بيته الريفي في برقاش، وقال لهما بالنص: «لو انسحبتم من الميدان الآن فسوف يعلقكم مبارك على المشانق في ميدان التحرير، سيسترد قوته ونظامه ويتفرغ للانتقام منكم، لأنه يعرف أن الإخوان هم من قادوا الثورة ضده، كان يريد أن ينتهى عصر مبارك بأي ثمن، حتى لو وضع يده في يد الإخوان العدو التقليدى لعبدالناصر ولهيكل شخصيًا». وبعد أن رحل مبارك إلى شرم الشيخ، خاف هيكل من نجاة الرئيس الأسبق، فخرج من على شاشة التليفزيون يحرض عليه بشكل مباشر، محذرًا مما أسماه بؤرة شرم الشيخ التي تتيح لمبارك أن يتواصل مع أصدقائه الإسرائيليين، وقتها قالوا إن ما قاله هيكل كان بوازع من أمير قطر الذي تجمعه بهكيل الكراهية الشديدة لمبارك ولكل ما يتصل به. وحتى عندما قال في حوار مطول نشرته جريدة الأهرام إن ثروة مبارك 70 مليار دولار، كان يفعل ذلك من باب الكيد السياسي وتشويه مبارك حتى النفس الأخير، كان يتصور أن الأمر سيمر مرور الكرام، لكن جهاز الكسب غير المشروع الذي كان يحقق في كل ما يتعلق بثروة مبارك، استدعاه، وحقق معه المستشار خالد سليم، ووقتها اهتز عرش هيكل، فلم تكن لديه وثيقة واحدة على ما يقوله، بل قال إنه استند فيما قاله إلى بعض ما نشرته الصحف الأجنبية. يومها أصر خالد سليم على أن يصدر قرارًا بحبس هيكل، لولا تدخل رئيس الجهاز المستشار عاصم الجوهري وقتها، الذي رأى أن حبس هيكل يمكن أن يسبب مشكلة أكبر، لكنه تحدث في مؤتمر صحفي بما أهان الكاتب الكبير، حيث سخر من معلومات هيكل التي يجمعها من قصاصات الصحف. لا يجد هيكل أي مناسبة يستطيع فيها أن يقتص من مبارك وعصره إلا وأقدم عليها دون تردد، فهو لا ينسى ثأره أبدًا. معركة الكاتب الكبير مع مبارك وهمية إذن.. كما أن معركته مع رجال السيسي وهمية أيضًا. وقد تسأل: وهل هناك معركة بين هيكل ورجال السيسي؟ من بين ما قاله هيكل للميس الحديدي نصًا أيضًا: «أعتقد أنه يجب أن يثور على نظامه، ويحتاج أن يطرح على الناس رؤية أوسع من المشروعات، المشروعات لها كل الاحترام ومشروعات قناة السويس شىء بديع، والمكتتبون شىء بديع والناس تثق فيه، وقد أعطته ما لم تعطه لأحد منذ عهد عبدالناصر، لكن هذا يحمّله مسئولية أكبر، وهو أن يقف بجوار ما يعتقد أنه صحيح. لا يستطيع هيكل أن يعرّض بالسيسي، لكنه يعرّض دائمًا بمن حوله. يحاول أن يبدو متصلًا بالسيسي، يراه ويتحدث معه، وهو ما أزعج عددًا من مساعدي السيسي مبكرًا جدًا، قال لي أحدهم (هو الأقرب إلى السيسي بالفعل) إن السيسي لم يطلب هيكل مطلقًا، ولكن هيكل هو الذي كان حريصًا على الاتصال به طوال الوقت، وقد تكون هناك مرة واحدة بادر فيها السيسي بالاتصال، عندما عاد هيكل من جولة خارجية كان من بين أهدافها علاج زوجته، فتحدث معه الرئيس وسأله عن زوجته وصحتها، ولم يتطرق في حديثه إلى أي جوانب سياسية. يرفض رجال السيسي ما يفعله هيكل، لأنهم يعتبرون أنه يصدّر نفسه كوصي على الرئيس، يوحى بأنه من يرشده، وهو ما يجعل كثيرين من مراقبي الحياة السياسية في مصر يعتقدون أن السيسي يستشير هيكل في كل كبيرة وصغيرة، وجرى أن كاتبًا كبيرًا اعتذر عن عدم الكتابة احتجاجًا على أن يكون هيكل مستشارًا للرئيس، واعتبر أن تقريب هيكل وإبعاده هو عن الصورة إهانة له، لكن أحدًا لم يلتفت لهذا الاعتذار، وقيل وقتها إن السيسي لا تشغله خناقات كتاب كل ما يريدونه هو أن يكونوا مقربين منه. ما فعله هيكل في حديثه الأخير، لم يكن لوجه الوطن، ولم يكن لوجه الله - هيكل لم يفعل شيئا مطلقا لوجه الله- ولكنه كان يحاصر رجال السيسي بإشارات إلى أن الرجل لابد أن يقدم شيئًا للناس يعبر عن رؤيته، في إشارة واضحة إلى من يعملون بجواره لا يمتلكون شيئًا يقدمونه له. هل يطعن هيكل فيمن يعملون إلى جوار الرئيس؟ هو يفعل ذلك بالضبط، خاصة أن أحد حواريى هيكل في صحيفة يومية كرر هذا المعنى أكثر من مرة، فالمشكلة ليست في الرئيس، ولكن فيمن يعملون إلى جوار الرئيس، وهذا الحوارىّ مثل غيره من حواريى الأستاذ لا يكتب إلا بالإشارة ولا يقترب من معنى إلا بعد أن يوحى الأستاذ به إليه. يحرص من يحيطون بالسيسي الآن أن يعزلوا هيكل عنه، يبعدوه إلى أقصى مدى، وهو ما أزعج الأستاذ الذي لا يصبر على التجاهل، ولا يعيش إلا على قربه من السلطة وبعث الاعتقاد بأنه من يوجهها حيث يشاء. أراد هيكل أن يثير صخبًا، بحديث يضع فيه السيسي في جملة مفيدة، علّ السيسي يلتفت إليه، أو يجلس معه، لكن السيسي لا يفعل، قابله مرات معدودة، لكنها مقابلات بروتوكولية، واحدة منها كانت في ضريح عبدالناصر، وواحدة كانت بعد ثورة 25 يناير عندما ذهب هيكل إلى المخابرات الحربية ليسمع من السيسي ما جرى.. لكن حتى الآن لم تجمع السيسي بهيكل مقابلة رسمية، لم يستدعه إلى قصر الاتحادية. لقد فعلها محمد مرسي قبل ذلك، استدعى هيكل فذهب إليه على عجل، التقط معه صورة نشرتها الصحف، ومؤكدًا أن هيكل يعلقها على جدران مكتبه، ليس قناعة بأهمية مرسي، ولكن قناعة بأهميته هو، لكن السيسي لن يستدعى هيكل إلى القصر، لن يجعل منه وصيًا عليه، ثم إن رجال السيسي أنفسهم لن يسمحوا بهذه الجلسة على الإطلاق، فنحن أمام رجل لا يرى فيما يجري على الأرض خيرًا، تحول إلى «غراب بين».. ليس لديه إلا حديث عن الخراب. لا أعرف هل يمكن أن يرفع أحدهم دعوى حجر سياسي على هيكل، حتى يمنعه من الكلام؟.. لكنني على ثقة أننا في حاجة إلى أن نحجر على هيكل سياسيًا، وكفانا ما فعله بتاريخنا تزويرًا وتشويهًا. من النسخة الورقية