العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة لا يمكن قياسها طبقًا لموازين بعينها، فأحيانا تغلفها الرومانسية وأحيانا أخرى يشوبها التوتر والقلق، لتجد الحب يقفز من الشباك أو يخرج من تحت عقب الباب إذا كان أي من الطرفين قصير القامة. في الأيام الغابرة كتب قيس في محبوبته ليلى قصائد حب وهيام وغرام وظل تائهًا في البيداء بلا أرض أو مرسي حتى أصابه الجنون عشقا لها، لكن ماذا لو تزوجا ولم يلعب والدها وعم قيس دور الحماة قاسي القلب متلبّد الأحاسيس؟ هل النهاية ستكون سعيدة مثل أفلام الأبيض والأسود وقبل نزول "the end" يجمعهما حضن عظيم وربما قبلة أو "بوسة سيما" على حد تعبير الشعبيبن؟ علينا أن نتخيل أنه بدلًا من النهاية، سيستمر الفيلم على الشاشة كالآتي: نجد ليلى تسير وعلى يدها طفل، وآخر يمسك بطرف جلبابها، وبطنها ممتدة أمامها إعلانا باقتراب موعد تشريف الثالث. بينما يسير في الناحية الأخرى من الطريق قيس محني الظهر يجر الدابة ويهز رأسه بما معناه الموافقة على طلبات ليلى عند عودته للخيمة بعد انتهاء عمله مؤكدة عليه عدم نسيان شراء بطيخة والتأكد من أنها حمراء. قيس مستمر في هز رأسه بالموافقة ويلتفت إليها أثناء سيره مبتسمًا لما قالته بأنها لن تظل لوقت طويل في خيمة أمها فقط تغسل لها الملابس وتطبخ الغذاء وتنشر الغسيل لأن أمها مسكينة تعيش وحيدة بعد وفاة والدها. لو سار سيناريو قيس وليلى على هذا النحو هل هناك ضامن لعدم إصابته بالجنون من ضغوط الحياة والمتطلبات غير المنتهية لها؟لن نجد إجابة لأن السؤال شديد الصعوبة وخارج المنهج والمقررات الدراسية المتعارف وغير المتعارف عليها. قد يحاول قيس كلامها لاستعادة أيام الرومانسية الضائعة وسط مفرمة الجهاد اليومي من أجل الثلاث وجبات، وربما تستغل ليلى مناسبة ما مثل لقائهما الأول في الصحراء فتنحت بالرمال والماء تمثالا لقيسها وتظل واقفة بفخر تنتظر عودته من العمل ومن بعيد يظهر الحمار وعلى ظهره بن الملوح فتلوح له بسعادة ولا يرد، وعند الوصول أمام الخيمة تجده نائمًا والحمار مستمر في السير دون توقف فيدهس التمثال ويحول حلم عودة أيام الرومانسية إلى أطلال. وعلى نفس الوتيرة في ذكرى "الفالنتين" قد تتحدث معه وقت خروجه في الصباح بدلال ورقة شديدة ونعومة تذكره بالذي مضى متسائلة.. "هاتتأخر"؟! ينفرد ظهره ويشعر أن الشباب عاد يجري في عروقة ويرد بسعادة غامرة وصوت كله لهفة "لأ". بعدها، يتحول صوتها لطبقة الصوت الخاصة بالمطبخ والحلل والأطباق قائلة: "هات لبن معاك" وبشكل يشبه آليه تسليم المفتاح ينحني ظهر قيس ويركب حمارته متجهًا لعمله وهو يهز رأسه بالموافقة. والموقف المؤكد حدوثه يوم أن يقرر الخروج ليلا فتطلب منه ارتداء الملابس الثقيلة فيبتسم ويسألها: انتي خايفة عليّ؟ ترد بخشونة أصبحت معتادة منها مشيرة "بالكبشة" في بيدها اليمنى: "لأ طبعا بس ها تاخد برد وأنفلوانزا وتعدي العيال وأنا مش ناقصة". وبالطبع لن يحتمل قيس ومشاعره الرقيقة أكثر من ثلاثة أو أربعة مواقف مثل هذه لينطلق هائما على وجهه في البيداء يغني: ليلى أدمنت التوبيخ والتلبيخ محبوها الآن العيال والطبيخ اعمل ليل نهار وتنعتني بالرجل الأنتيخ.